الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسي و النقابي في علاقتهما بالمجتمع المدني في عصر الرأسمالية الإمبريالية

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 5 / 1
ملف الاول من آيار -العلاقة المتبادلة مابين الاحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني



يعتبر الصراع القائم بين الطبقة العاملة و البورجوازية التناقض الأساسي الذي تتمركز حوله جميع التناقضات الإجتماعية في ظل الرأسمالية الإمبريالية ، فمنذ أن عرفت القوى المنتجة تطورا هائلا في القرن 18 و الذي أدى إلى التحول الكيفي في المجتمعات الأوربية ، بعد القفزة النوعية مع الثورة البورجوية و انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع التي نتج عنها التناقض الأساسي بين الرأسمال و العمل ، فمنذ ذلك الحين و الصراع القائم إلى يومنا هذا هو صراع طبقي بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، فرغم التحولات الإجتماعية الإيجابية التي رافقت صعود البورجوازية إلى السلطة بعد إسقاط الإقطاع إلا أن ما رافق ذلك من جرائم ضد الإنسانية كان أفظع و أعمق ، حيث تم التوسع الإستعماري لتنمية الرأسمال الإمبريالي على حساب الشعوب الفقيرة التي تم اضطهادها من أجل إيجاد حلول لأزمات الرأسمالية الإمبريالية ، فكان لهيمنة الرأسمال المالي على التجارة العالمية أثر كبير على سيادة الإستعمار في العلاقات الدولية و بالتالي نشوب الحروب و على رأسها الحربين الإمبرياليتين الأولى و الثانية ، و اللتان كانتا نتيجة غلو الرأسمالية الإمبريالية الذي أدى إلى بروز الأنظمة الفاشية بأوربا و التي استحالت إلى خطر على الرأسمالية نفسها حيث أصبحت الحرب تلازم الأنظمة الرأسمالية الإمبريالية .
و كان المهمة الأساسية للرأسمالية الإمبريالية هو بسط السيطرة الإستعمارية على الشعوب الفقيرة من جهة و مقاومة المد الشيوعي من جهة أخرى ، إلا أن الثورات الإشتراكية الذي قامت منذ منتصف القرن 19 حالت دون استمرار الإستعمار المباشر للدول الفقيرة ، و كانت الطبقة العاملة منذ ذلك الحين تتصدر كل الثورات نظرا للتناقض الأساسي بين الرأسمال و العمل الذي تشكل فيه هذه الطبقة الطرف الحاسم ، فكانت العلاقة بين السياسي و النقابي من أبرز السمات التي ميزت حركة التحرر الوطني بالبلدان المستعمرة ضد الرأسمالية الإمبريالية ، إلا أن عدم انسجام الطبقات داخل هذه الحركات أدى إلى عدم بروز البعد الطبقي في نضالها ضد الإستعمار مما جعل الطبقة العاملة لا تحظى بالأهمية القصوى نظرا لهيمنة الطبقة البورجوازية الصغرى على قيادة هذه الحركات ، و ساهمت البورجوازية الصغرى في فشل حركات التحرر الوطني في جل البلدان المستعمرة سواء التي وصلت إلى السلطة أو التي لم تصل مما ركز استمرار التبعية للرأسمالية الإمبريالية بهذه البلدان ، و تفاقمت هذه الوضعية مع سقوط التجربة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و الصين و بروز الإمبريالية الأمريكية المهيمنة على القطب الوحيد السائد ، الشيء الذي برز معه دور المجتمع المدني الذي يعمل من أجل إيجاد حلول نسبية للمشاكل الإجتماعية التي تتخبط فيه شعوب هذه البلدان بعد تملص الأنظمة التي تسيطر على الحكم فيها من مسؤولياتها الإجتماعية .
و تحت التبعية المباشرة للرأسمالية الإمبريالية تحاول الأنظمة المسيطرة على السلطة في الدول التابعة استغلال تنظيمات المجتمع المدني في تمرير سياساتها التبعية تحت غطاء التنمية ، إلا أن تفاقم الأوضاع الإجتماعية للطبقات الشعبية بهذه البلدان بعد تعرية كذبة مقولة "الديمقراطية و حقوق الإنسان" التي تتبجح بها الأمبريالية الأمريكية منذ سقوط المعسكر الإشتراكي ، و تأتي أحداث شتنبر التي اتخذتها الرأسمالية الإمبريالية غطاءا لحربها من أجل شرعنة الإحتلالها المباشر للبلدان الفقيرة كأفغانستان و العراق و فتح بؤر توتر جديدة كالسودان و الصومال و صنع أعداء مقبلين ككوريا الشمالية و إيران ، في ظل هذه الأوضاع أصبحت الطبقة العاملة تتعرض للهجوم المباشر للرأسمالية الإمبريالية باعتبار هذه الطبقة النقيض الأساسي للبورجوازية المهيمنة على السياسة و الإقتصاد و العسكرة ، و فقدت الطبقة العاملة جزءا كبيرا من مكتسباتها التاريخية التي حققتها إبان المد الإشتراكي نتيجة ما وصلت إليه الأحزاب الشيوعية و الإشتراكية من انحطاط و تملص من مسؤولياتها في تنظيم الطبقة العاملة و قيادة نضالاتها ضد الرأسمالية الإمبريالية ، و كانت لهيمنة هذه الأحزاب على النقابات أثر كبير في تشتت الطبقة العاملة نتيجة تبعيتها للبورجوازية خاصة في الدولة التابعة للرأسمالية الإمبريالية .
و دخلت التنظيمات النقابية التي تسيطر عليها القيادات البورجوازية في شراكة مع الأنظمة التبعية بمؤازرة الأحزاب البورجوازية للحفاظ على مصالح الرأسمالية الإمبريالية على حساب مصالح الطبقة العاملة ، و كانت من أبرز الحقوق العمالية التي تم خرقها هو الحق في العمل القار الذي يضمن كرامة العامل بدعوى ما يسمى ب"مرونة الشغل" و "المقاولة المواطنة" ، التي تفتح المجال أمام الباطرونا لطرد العامل متى شاء و كيفما شاء دون رقيب و لا حسيب ، و تعمل الأنظمة التابعة على تصفية المؤسسات المالية و الصناعية و الفلاحية الوطنية التي تم بناؤها على حساب عرق جبين الطبقة العاملة و تفويتها للرأسماليين و الملاكين العقاريين تحت ذريعة "الخوصصة" ، و كان للمنظمات العالمية التي أحدثتها الرأسمالية الإمبريالية ك"منظمة التجارة العالمية" أثر كبير في تسهيل الإستعمار الإقتصادي المباشر على هذه البلدان عبر "الشركات متعددة الإستيطان" التي تعمل لصالح تنمية الرأسمال الإمبريالي ، و أصبح كل شيء قابل للتسويق دون رقيب و لا حسيب بدعوى "تحرير التجارة العالمية" و نشأت إمبرياليات جديدة كروسيا و الصين اللتان تخلت عن الإقتصاد الإشتراكي و دخلت في المنافسة الرأسمالية الإمبريالية ، مما فتح المجال أمام استغلال الطبقة العاملة في ظل فقدانها للمنظمات النقابية التي تحمي حقوقها و في ظل عدم قدرتها على تأسيس حزبها الثوري .
إننا نعيش اليوم عصر أعلى مراحل تطور الرأسمالية الإمبريالية و التي يسميها الرفيق لينين "عشية الثورة الإشتراكية" و هي فعلا سائرة في تعميق تناقضاتها ، و تبرز معالمها في نشوء حركات اجتماعية في جل البلدان ضد الهيمنة الرأسمالية الإمبريالية و طغيان الإمبريالية الأمريكية على حساب باقي الإمبرياليات الأخرى ، باستعمارها المباشر للبلدان النامية من أجل الهيمنة على الطاقة التي تعتبر اليوم العامل الأساسي في التنمية و خاصة البترول ، كما يبرز ذلك في نشوء التناقضات بين الإمبرياليات القديمة التي تجاوزتها الإمبريالية الأمريكية و بين هذه الأخيرة و الإمبرياليات الجديدة بدأت في التطور ، كل ذلك من أجل الهيمنة على الأسواق التجارية العالمية و استباحة خيرات الشعوب الفقيرة و تركيز الرأسمال المالي في أيدي أقلية من البورجوازية التي تسيطر على 90 % من الإقتصاد العالمي عبر الشركات المتعددة الإستيطان ، و أصبحت آلة الدولة تلعب دورها الأساسي الذي يتجلى في حماية مصالح الطبقات المسيطرة على الإقتصاد و هي الملاكون العقاريون الكبار و الرأسماليون في كل الدولة الإمبريالية و التابعية للإمبريالية ، إن مقولة "نهاية التاريخ" قد تم فضحها أمام تعرية الأهداف الإستعمارية للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية و حلفائها ، كما أن مقولة "المجتمع المدني" التي يتغنى بها الماركسيون المرتدون و البورجوازية قد اتضحت وظيفتها الإستعمارية أمام الغطرسة الإمبريالية ، التي تستهدف من ورائها ضرب المنظمات النقابية من جهة و الوصول إلى استغلال خيرات الشعوب عبر المجتمع المدني من جهة أخرى .
إن التقسيم الماركسي للطبقات الإجتماعية في المجتمعات الرأسمالية مازال صالحا بحكم هيمنة البورجوازية على السياسة و الإقتصاد و العسكرة و هي تشكل أقلية ، و الطبقة العاملة نقيض الطبقة البورجوازية التي يتم استغلال قوة عملها من أجل تنمية الرأسمال المالي للإمبريالية ، و تأتي بين هاتين الطبقتين المتناقضتين الطبقة الوسطى و المترددة بين الإلتحاق بهذه الطبقة أو تلك حسب أفقها الطبقي و مستوى أهميتها بالنسبة للرأسمالية الإمبريالية ، إن هذه الطبقة التي يسميها ماركس بالطبقة البورجوازية الصغرى ما زالت تلعب أدوارها التاريخية في مساهمتها في استمرار تطور الرأسمالية و بحثها عن التخلص من أزماتها ، فالرأسمالية الإمبريالية في حاجة إلى البورجوازية الصغرى اليوم أكثر من أي وقت مضى من أجل حل أزماتها ، ففي كل مرحلة من مراحل أزماتها تخلق الرأسمالية الإمبريالية لنفسها البورجوازية الصغرى الصالح لتجديد دمائها ، و ذلك في المجالات السياسية و الإقتصادية على السواء فكان للمستثمرين الصغار دور هام في تنمية الرأسمالية الإمبريالية ، و خير مثال على ذلك الشركات الصغرى المتعددة التي نجدها اليوم في كل المجالات الإقتصادية كالمناجم و الصيد البحري و التجارة و الفلاحة و هي تغزو المؤسسات العمومية و الشبه العمومية ، كما تستخدمها الرأسمالية الإمبريالية اليوم في تمرير سياساتها التوسعية خاصة في صفوف الطبقة العاملة عبر الهيمنة على نقاباتها و المساومة مع الباترونا ، و عبر ما يسمى اليوم بمنظمات المجتمع المدني التي يتم استغلالها من أجل عزل الطبقة العاملة عن حلفائها التاريخيين الفلاحون الفقراء و الكادحون و من أجل الوصول إلى الإستغلال المباشر لخيرات البلاد ، و عبر هيمنة هذه الطبقة على القيادات الحزبية البورجوازية التي تمارس العمل السياسي داخل المؤسسات البورجوازية للدولة .
هكذا أصبحت الطبقة العاملة عبر التاريخ الطويل لصراعها مع البورجوازية بين مطرقة الرأسماليين و الملاكين العقاريين و سندان البورجوازية الصغرى ، و العلاقة بين السياسي و النقابي في تداخله مع المجتمع المدني لا يمكن حسمها إلا في ظل الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، ففي ظل سيطرة آلة الدولة على الأحزاب التي يتم تسخيرها للهيمنة على النقابات بتفريخ العديد من النقابات التي لا تعد و لا تحصى ، و المساهمة في تشتيت الطبقة العاملة و تفكيك نضالاتها لتسهيل استغلالها من طرف الرأسماليين و الملاكين العقاريين ، يتم بعث ما يسمى بالمجتمع المدني الذي يتم تسخيره من أجل تيسير عملية الإستغلال بفصل الطبقة العاملة عن الفلاحين الفقراء و الكادحين ، في ظل هذه الظروف لا يمكن حسم الصراع لصالح الطبقة العاملة و حلفائها التاريخيين إلا بتأسيس الحزب الثورة الذي سيقود الطبقة العاملة من أجل إنجاز مهام الثورة الإشتراكية ، و تفعيل العمل الجماهيري الذي لا بد من أن يصل إلى مستوى الإضرابات الجماهيرية بمساهمة النقابات و تنظيمات المجتمع المدني غير التابعة للدولة ، و بالتالي تحول الحركات الإجتماعية إلى انتفاضات شعبية بتطوير أساليب نضالاتها التي يجب أن يقودها الحزب الثوري ، لن يتم ذلك إلا في ظل العلاقة الجدلية بين العمل السري و العلني من خلال نضالات الطليعة الثورية كفصيل من الطبقة العاملة في علاقتها بالعمل الجماهير عبر النقابات و تنظيمات المجتمع المدني ، و في نضالاتها السياسية الأساسية التي تستهدف بالأساس تحقيق الثورة الإشتراكية و بناء المجتمع الإشتراكي في ظل ديكتاتورية البروليتاريا .

تارودانت في : 25 أبريل 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت