الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا شيء تحت الشعار .. كالعادة

أحمد السيد علي

2007 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما الذي يقصده العلمانيون بشعارهم : لا مقدس إلا العقل ؟!!
فالواقع أن هذه الصياغة للشعار تبدو غامضة وغير مفهومة تماماً كشعار : الإسلام هو الحل عند الإخوان المسلمين، وهذه الخاصية هي إحدى المتشابهات الكثيرة التي ظهرت أخيراً بين تيارين متعارضين لدرجة العداء وإن كان من الواضح أنهما يتفقان في أساليب العمل ومناهج التفكير، ولا أدري بالضبط أيهما الذي مارس التأثير على الآخر ؟!! وإن كان من المقبول تفسير هذا التشابه على أنه تطابق في المصالح ؟!
حسب فهمي الخاص لهذا الشعار العلماني فإن غرضه الأساسي هو تقديس ما أنتجه العقل الإنساني من خلال حرية الفكر، ويمكنني في هذه الحالة الاتفاق مع الجزء الخاص بحرية الفكر، لكن تقديس ما أنتجه العقل الإنساني يبدو من ناحية ضمنية متعلقاً بالفترة العلمانية من التاريخ والتي تميزت بظهور الابتكارات الحديثة نتيجة التطور البرجوازي للمجتمعات الأوروبية في مواجهة القدسية التي تضفيها المجتمعات التقليدية على النصوص الدينية والذات الإلهية، وإلا فإن تقديس كل ما أنتجه العقل بشكل عام سوف يؤدي بالعلمانيين الجدد لاحترام الأديان كذلك على أساس أنها – من وجهة نظرهم – أحد ما أنتجه تفاعل العقل البشري مع الطبيعة المحيطة، وهم في اللحظة الراهنة على الأقل لا يبدون مستعدين لمثل هذا الموقف .
إنني حسب هذا الشعار مطالب بأن أنظر بقدر كبير من التبجيل والاحترام لنظريات علمانية كالفاشية والنازية أو بعض الرؤى الرأسمالية التي تقوم على فكرة الانتخاب الطبيعي بحيث يصبح الفقراء كم مهمل تعمل الحياة على ردعهم وإبعادهم لكسلهم العقلي(*)، أو نحترم للغاية هذا السعار التكنولوجي الذي يؤدي لإحداث خلل في التوازن الطبيعي وتهديد العالم بأكمله عبر ثقب الأوزون أو الاحتباس الحراري، والتي سمحت بصناعة بذور زراعية مسرطنة يعاني منها العديد من المصريين الآن فكلها من منتجات العقل المقدس التي سمحت بها الحرية العلمانية غير المقيدة، ومن المثير للسخرية فعلاً أن يطالب المصري المصاب بأمراض قاتلة نتيجة للبذور أو الأطعمة المعالجة وراثياً بتقديس نتيجة هذا العقل الحر والتي لا تعني سوى موته .
بالتأكيد لم يفكر الكثير ممن يستخدمون هذا الشعار في الأمر من هذه الزاوية، فالمشكلة الأساسية لديهم هي إن كان من المقبول أن يقوم الإنسان بنقد النص الديني المقدس ؟ وهي حقيقة واقعية مارسها العديد من الكتاب العلمانيون سابقاً مستخدمين مناهج فكرية وبحثية متعددة كالمادية والبنيوية، في حين يعتقد بعض علمانيو هذه المرحلة أن لا مشكلة في السخرية أو التهكم أو حتى التناول التجاري للمقدس ولا يبدو أنهم يرون حاجة ملحة لمناهج البحث التي التزم بها القدماء، وهو ما لا يدخل تحت دائرة النقد بقدر ما يعد ابتزالاً يتشابهون فيه مع التيارات السلفية بامتياز، وربما يعد هذا التشابه دليلاً على أن الانتماء للعلمانية ليس عقبة أمام اكتساب ذهنية سلفية لا تعرف الكتابة إلا عبر صيغة التأييد لـ ...، أو الهجوم على ...
إن طرح مثل هذا الشعار الغامض في الوقت الذي تهاجم فيها الشعارات السلفية المشابهة يبدو تناقضاً حقيقياً وكيلاً بمكيالين، فلا الإسلام هو الحل بمثل هذا المعنى الفضفاض أو على الأقل بتصور الإخوان له، ولا ما ينتجه العقل من قيمة أو ابتذال أو تدمير يمكن اعتباره مقدساً مطلق الحرية .
إن التجربة العلمانية الأوروبية الأكثر رسوخاً في العلمانية لا تبدو مطابقة لمثل هذه الدعوات التي يطلقها العلمانيون العرب بحماس مبالغ فيه، حيث تقوم بعضها بمحاكمة الكتاب والباحثين الذين قد يتفتق ذهنهم وتودي بهم عقولهم لإنكار المحرقة اليهودية أو مذابح الأرمن أو كتابة نقد على سيرة كمال أتاتورك، وفي هذه النقطة لا أتذكر أن الكتاب العلمانيين ساهموا ولو بقدر في استنكار هذا التجاوز لقدسية العقل المزعومة والتي لا تثير حفيظتهم – مؤخراً - إلا لو كان الكاتب في نطاق التناول المبتذل للدين .
في مرحلة سابقة وحتى الآن يتهم الإخوان المسلمين بمحاولة احتكار الدين عبر شعارهم الفضفاض " الإسلام هو الحل " والذي يرى الكثير من العلمانيين أنه يهدف لاستغلال المشاعر الدينية في اكتساب شعبية بلا برنامج واضح لحقوق المواطنين بكافة عقائدهم وانتماءاتهم، والآن يستخدم العلمانيون شعار فضفاض آخر لا لترسيخ الحرية كمنهج أو قيمة وإنما فقط لاحتكار العقل في مواجهة الدين، وفي كلا الحالتين لم يكن الشعار سوى عبارة بلا محتوً واضح أو أن محتواها غير مرغوب في إظهاره، وأيضاً ... محاولة للمصادرة واحتكار الحقيقة الدينية أو العقلية .

------------------------------------------
هوامش
(*) جون كينيث جالبريث . تاريخ الفكر الاقتصادي الماضي صورة الحاضر . ترجمة/أحمد فؤاد بلبع . الكويت 2000 سلسلة عالم المعرفة . ص 184، وقد تبنى أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية الأمريكي جراهام سومنر هذه الفكرة في إطار اعتراضه على دولة الرفاهية معتبراً أنه : " من يمارسون الكد ويجنون الثمار على هذا النحو ، ليسوا مكلفين بمد يد المساعدة لغير المؤهلين عنصرياً أو عقلياً ، الذين يعمل المجتمع على ردعهم وإبعادهم ".
وهذه الرؤية ليست حالة شاذة في الأوساط العلمانية الرأسمالية وقد حازت العديد من المنظرين الاجتماعيين وحتى الدينيين، يقول عالم الاجتماع البريطاني هربرت سبنسر : " إن الطبيعة ، عندما تعمل من ناحية على التخلص ممن هم عند حد أدنى من مستويات التطور ، وتعمل من ناحية أخرى على إخضاع الباقين لانضباط التجربة الذي لا يتوقف ، تكفل نمو عنصر يكون في آن واحد متفهماً لظروف الوجود وقادراً على التصرف وفقاً لها ، ومن المستحيل وقف مفعول هذا الانضباط بأي درجة "، وقد عبر القس هنري وارد بيتشر بأن سبنسر لم يفعل سوى التعبير عن الإرادة الإلهية : " إن الله أراد أن يكون الكبار كباراً ، والصغار صغاراً " . م . س ـ صـ 137 ، 183 .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah