الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهر العلمانية: شرعية النص الديني يجب أن تخضع للعقل الإنساني

باتر محمد علي وردم

2003 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كاتب أردني
 
تدخل الثقافة والمنظومة المعرفية العربية القرن الحادي والعشرين وهي لا تزال في نفس الموقع الذي دخلت منه القرن العشرين. فالفكر العربي يجد نفسه حائرا ما بين الماضي الذي يشده بالتراث والنصوص الشمولية الدينية والتعاليم الاجتماعية الموروثة، وبين مستقبل يبدو له محرجا وغامضا لكونه يعتمد على أسس معرفية ساهم الغرب كثيرا في إنتاجها وهي التي أمنت له تفوقا واضحا في القرون الثلاثة الأخيرة منذ عصر التنوير. هذه الثقافية العلمانية أنتجها الغرب من حيث توقف الفكر الإسلامي في منتصف العصور الوسطى وارتداده الى الأصولية على يد الغزالي، واستغل الغرب العلم المجاني الذي وفرته للإنسانية الحضارة الإسلامية عندما اكتست بالثوب الفلسفي العلمي العقلاني وما أن خلعت هذا الثوب وجدت نفسها مجردة من أدوات النزال المعرفي ومعرضة للهزيمة الحضارية المحتمة.

الثقافة العربية التي ترددت في دخول باب العلمانية في عصر النهضة أوائل القرن العشرين ثم داست بساطير العسكر  والقمع الأصولي أحلامها تجد نفسها أمام نفس الخيار ثانية : أما أن تمتلك الجرأة هذه المرة لخوض مغامرة الالتزام الحقيقي بالعلمانية الإنسانية والليبرالية التي تحترم حقوق الإنسان واختياراته الفكرية وتحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي المتزن.

ومن أكبر المجالات التي يجتهد خلالها منظرو الإسلام و دعاة الخطاب الديني،المجال السياسي الذين يدعون من خلاله إلى إقامة دولة إسلامية لا تعتمد في تصريف شؤونها الداخلية والخارجية إلا على نصوص الإسلام و تعاليمه، طبعا حسب فهم رجال الدين و الفقهاء لها.

          و يدعي منظرو الإسلام السياسي بأن هذا المطلب هو جوهر الدين و أساسه، و أن إقامة الدولة الإسلامية فرض على جميع المسلمين لأن الله أراد إقامة هذه( الدولة ) وذلك كما يتضح من نصوص القرآن حسب زعمهم.  و كذلك لأن العقل الإنساني بطبيعته قاصر دون توجيه إلهي- و بواسطة رجال الدين طبعا - على إدارة شؤون حياته أو حتى نيل المعرفة الكافية لذلك.

          وعلى الجانب الآخر يقف التيار العلماني الذي يملك مسوغه المنطقي العقلاني وموقفه الواضح من الحياة رافضا إقامة الدولة الدينية و مؤكدا بأن العقل الإنساني قادر على إدارة مصالحه وحياته بمعزل عن النص الديني كما أن علاقة الإسلام بالسياسة هي علاقة ظرفية خاضعة للمتغيرات الحياتية و ليست علاقة أبدية ضرورية لا يستقيم أحدهما دون الآخر فيها.

نتيجة لهيمنة الخطاب الديني على الثقافة العربية ، فإن العلمانية ترتبط في أذهان معظم المثقفين بمفاهيم خاطئة أو غير مكتملة فالعلمانية بالنسبة إليهم  هي طرح فكري يدعو إلى فصل الدين عن الدولة و بالإضافة إلى ذلك فقد نشأ هذا الفكر في أوروبا نتيجة ظروف معينة من القمع الديني الذي مارسته الكنيسة. و بما أن ظروف التاريخ الإسلامي تختلف فإن العلمانية غير مبرر وجودها في المجتمع العربي الإسلامي لاختلاف الأرضية. وهذا الفهم لا شك أنه قاصر فالعلمانية هي بالمفهوم الأشمل أطروحة  فلسفية عامة و موقف فكري من الحياة تتمحور حول استقلالية العقل و حريته ورفض الهيمنة عليه و بالتالي رفض أية فكرة شمولية كليانية تريد احتكار الحق المطلق. و قد حدث تاريخيا أن كانت هذه الفكرة هي الكنيسة وتسييس الدين المسيحي في أوروبا عصر النهضة، فكانت الخصم المرحلي للعلمانية، فانتصرت هذه الأخيرة كما يحتم مسار التطور الإنساني كما ستنتصر لاحقا على أية أيديولوجيا شمولية قهرية أخرى تحاول التحكم بحرية العقل.

مركز العلمانية و جوهرها كما أسلفنا هو العقل بحريته واستقلاليته و قدرته على تسيير شؤون الإنسان ومن هنا يأتي موقف العلمانية تجاه النص الديني حيث تؤكد العلمانية أسبقية العقل على النص، ووجوب خضوع النص إليه  والمنطق فيها بسيط جدا. فأي نص ديني مزعوم حتى يصبح دينيا حقيقيا  لا بد له من شرعية تحوله من أفكار شخص معين، كما في الظاهر  إلى وحي إلهي. وهذه الشرعية لا تأتي إلا بالعقل الإنساني، فما الذي جعل موسى و عيسى ومحمد عليهم السلام  أنبياء أصحاب نصوص دينية ووحي إلا تقبل أتباعهم لهم .. بالعقل . ففي فترة ظهور هؤلاء الأنبياء  ظهر المئات وربما الألوف من مدعي النبوة والوحي، وكل منهم كانت له نصوصه إلا أنهم لم يقابلوا إلا بالازدراء ونسيهم التاريخ، لأن عقول الناس حاكمت نصوصهم فوجدت أنها غير منطقية فأهملتها بعكس النصوص التي أنزلت على الأنبياء الثلاثة العظام، وجدها الناس منطقية فآمنوا بهم وبرسائلهم بعد محاكمتها عقليا، وهذا هو السبيل الوحيد للإيمان إلا إذا كان الإيمان أو الكفر قد حدثا وفق مشيئة إلهية صرفة، بدون دور للعقل ولكن إن فرضنا بصحة هذه الجدلية تسقط كل أسس الثواب والعقاب، وهي نتيجة خارقة للمنطق ولا يمكن القبول بها .

          نستنتج مما سبق بأن العقل وحده هو الذي أعطى النصوص شرعيتها، وبالتالي يحق له محاكمتها ودراستها على ضوء المعارف المتراكمة، فالعقل له الأسبقية على النص .      

          وبالإضافة إلى ذلك فإن العقل الإنساني قادر، وفق آليته الذاتية من استقبال المعرفة بالحواس وتحليلها في الدماغ واستخدام الذاكرة والإدراك و الاستجابة وربط الأسباب بالمسببات، الإنسان قادر وفق هذه الآلية البيوسايكولوجية على التوصل إلى حقائق ومعارف مستقلة عن المعرفة الدينية فالعقل ليس بحاجة إلى معرفة دينية من أجل تشغيل جهاز الكمبيوتر ناهيك عن اختراعه في المقام الأول، وبالتالي فإن وصول العقل إلى المعرفة عن الإرشاد الديني أو هيمنة النص يعطي دليلا على أن العقل لديه القدرة على المعرفة بدون الدين وبالتالي فالعقل يستطيع بناء النظام السياسي المناسب في بداية القرن الحادي والعشرين وبعد كل التجارب الناجحة للأنظمة الديمقراطية والتجارب الفاشلة للأنظمة الشمولية.

 

ولا مجال لتقدم الفكر والمجتمع العربي إلا من خلال إخضاع النص الديني لشرعية العقل والمنطق الإنساني وهذا ما يحتاج إلى المزيد من النضال والدجهد التنويري الكبير للمثقفين العلمانيين العرب بمعزل تام عن البروباجاندا الأميركية التي باتت تحطم مصداقية وشرعية الفكر العلماني والديمقراطي العربي. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كندا.. اندلاع حريق بالكنيسة الأنجليكانية التاريخية في تورونت


.. بتهمة سرق أحذية من المسجد.. الكويت ترحل مقيما من البلاد




.. عظة الأحد - القس داود شكري: الكنيسة بتحاول تقولنا هو ليه الح


.. عظة الأحد - القس داود شكري: المسيحين سموا نفسهم الطريق في ال




.. 141-Ali-Imran