الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرافعة اثينا الفصل الرابع تحققت مؤامرة اثينا بتهميش القانون

عبدالله اوجلان

2007 / 4 / 28
القضية الكردية


الفصـل الرابـع
من الضروري القيام بتحديد سليم لمستوى علاقاتنا مع الجمهورية الهيلينية، لأجل تفهم وإدراك حادثة "الطرد" من أثينا – على حد تعبير المدعي العام – بكافة أبعادها. ويُعَدُّ تطرقي حتى الآن إلى الحادثة بالخطوط العامة لأبعادها التاريخية والفلسفية والسياسية، شرطاً لا بد منه للقيام بتقييم قانوني سليم. فالقانون ليس واقعة مستقلة بذاتها، بل هو يعكس المستوى التاريخي والسياسي والأخلاقي الأساسي لدولة أو مجتمع ما. و"الطرد" هو فعل عدواني. إذن، والحال هذه، يتوجب البرهان على أنني عدوّ للجمهورية الهيلينية. هذا، وبما أنه بُرهِنَ على أن النتائج الناجمة كانت أسوأ ألف مرة من الإعدام ذاته، فمن الضروري حتماً الإفصاح عن المعايير الحقوقية التي ارتكزت إليها عملية "الطرد" باعتبارها إحدى أشد العقوبات. إنها عملية أسفرت عن إضرام المئات من الأشخاص النار بأبدانهم، أو قتلهم أو اعتقالهم. ولا يمكن أن تكون المحاكمة عادلة بغض النظر عن هذه الحقائق .

يمكن القول بكل ارتياح أن اتهاماً مجرداً عن الواقعية ينص على "تخريب أجواء السلام بين الأصدقاء والمتحالفين"، لا أصل له ولا أساس. ما أود ذكره هنا هو أن الحادثة لا تَمُتُّ بصلة - من حيث المضمون - بالشكل الذي أراد المدعي العام إيضاحه. ولا داعي أبداً للبرهان على أقوالهم ظاهرياً، فالجوهر هو المحدِّد والمعيِّن، وهو يتميز بمضمون مختلف كلياً. أود التطرق هنا إلى مثال إيطاليا فوراً. ذهبتُ إلى إيطاليا دون أي علاقة أو علم مسبق منها وعلى نحو أقل تقديراً من أثينا، إلا أن رئيس الوزراء الإيطالي رأى أنه لا يمكنه التجرؤ على (طردي) إطلاقاً، ولا تخوِّله صلاحياته لذلك. لذا، فأكثر ما قاموا به هو أن وضعوني تحت المراقبة في مشفى لمدة عشر أيام، وبهذا الشكل ردوا على مبادرتي تلك حقوقياً. والدولة الهيلينية التابعة لنفس المعايير القانونية والوطنية في أوروبا، لم تكن تمتلك صلاحيات أوسع من ذلك .

ثمة الكثير من الشهود والدلائل للبرهان على ذلك. بينما تكون هذه هي الحقيقة، فإن عدم تطرق المدعي العام إليها وكأنها لم تكن، أمر يدعو للتفكير، بقدر ما يستهدف أصلاً التستر على جرم إنساني ثقيل وجدي. وهذا أمر واضح .

إذا كان القانون عبارة عن مجمل القواعد الأساسية التي تتقيد الدولة بها، فهو كذلك لأجل العاملين باسمها. أما مفهوم "نحن مكلفون بفعل كل شيء في سبيل مصالح دولتنا العليا"، دعك من أن يكون ساري المفعول في دولة قانونية معاصرة، فهو مفهوم لا يتواجد حتى في التقاليد والقوانين العشائرية ولو بالحدود الدنيا. ففي التاريخ البشري بأسره نجد أن الالتجاء حتى إلى خيمة بدوي- دعك من الالتجاء إلى دولة- يُحتِّم على صاحب البيت الدفاع عن ضيفه حتى الرمق الأخير منه - لا طرده - إن كان هناك خطر يهدده ويلاحقه. وهذه قاعدة معروفة. بيد أن الجمهورية الهيلينية عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي أيضاً، ولها علاقات ثنائية وطيدة مع أمريكا، وشعبها كريم أبيّ. لذا من غير الموضوعي، بناءً على هذه الحقائق، أن يحفّ الخطر بالدولة بسببي. هذا وكان بإمكانهم إخفاء وجودي لعدة أشهر، وإعطائي مهلة مناسبة لمساعدتي في الذهاب إلى دولة ثالثة أو إلى وطني. أو كان بإمكانهم اعتقالي إن لم يبق في اليد حيلة .

هذا ما معناه أن (الطرد) المعتمِد على التهديد، هو تقييم لا مبالٍ، يفتقر لروح المسؤولية، ولا يمتُّ بأية صلة بالقانون أو السياسة أو الأخلاق. إنه قناع لتحريف الحقيقة. ثمة حاجة ماسة لدراسة الظروف الذاتية والموضوعية التي تحققت فيها الحادثة بعمق أكبر، وذلك لأجل أواصر الأخوة الوثيقة الواجب حمايتها بالتأكيد بين شعبَيْنا. ما يحوز بالأهمية العظمى هنا هوالتدقيق قبل كل شيء في تأمين إمكانية تطور سليم للصداقة بين شعبينا، أكثر من أن يكون دفاعاً عن ذاتي وإقحام مسؤولي الدولة الهيلينية في موضع الاتهام .

لدى ذهابي إلى أثينا للمرة الأولى، كنت متحلياً. بمفهوم مفاده أنني أتيت إلى وطن تترسخ فيه حقوق الإنسان والديمقراطية، وتتواجد علاقات الصداقة معه على مستوى الدولة والشخصيات. لكن لا يسعني المرور على المسألة دون مقايستها ببضعة أمثلة تاريخية، بغض النظر عن تفاصيلها. يحظى خروج "سانت باول Paul Saint" من دمشق، ونشره نداءاته المقدسة في المدن الهيلينية لمدة طويلة، وتوجهه في خطوته الثانية نحو روما ليُقْتَل فيها؛ بأهمية قصوى في التاريخ الأوروبي. وحكاية سقراط أكثر تراجيدية ومأساوية، وتعد ظاهرةً على النمط الأثيني. والأنكى من ذلك هو قيام الربة "أثينا" – مؤسِّسة مدينة أثينا في الميثيولوجيا الهيلينية – بتقمص شخصية "ديافوبوس Deiphopos" أخو هيكتور (أي بالتنكر في زيّ أخيه)، لتخدعه وتزجه في عراك يودي بحياته ويقضي عليه .

لا نية لي هنا بأن أقوم بتشهير أثينا التي تتميز بكونها مدينة هامة في التاريخ الحضاري، إلا أن المجريات تتضمن تماثلاَ تاريخياَ. وهذه خاصية ملفتة للنظر فيها. إذ من المؤكد أنه لولا نداءات ودعوات علاقات الصداقة من قبل أثينا، أو الربة "أثينا"، لما عشنا هذه التراجيديا مع شعوبنا وأصدقائنا، بل وحتى المناهضين لنا. أما تداول مسألة ذهابي إلى أثينا وما تمخض عنه من نتائج، على نحو ضيق وبأبعاده التكنيكية؛ فسيكون سلوكاً لا يمكن غفرانه أو العفو عنه. بل وسيكون استهتاراً بالحِكمة الظاهرة منذ أيام سقراط، بل ومنذ عهد سولون وباريكليس، واستخفافاً بجوهر الديمقراطية وكرامة الإنسان أيضاً .

أياً كانت الزاوية التي ننظر منها إلى الأمور فلتكن، فللموقف المتَّبَع تجاهي جانب تاريخي علينا تحديده بشكل صائب. ولا شك أبداً في أن عظمة أثينا مرتبطة عن كثب بهذا التحديد الصائب. وإلا، ما لم يستطع المسؤولون الحكوميون فعله في دمشق وموسكو وروما، لماذا قامت به الأوليغارشية في أثينا بطراز تآمري؟ المهمة الأساسية للقضاء تكمن في الرد الصحيح على هذا السؤال، وإلا فلن يكون هناك أي فارق يُذكر بيننا وبين الذي قال "لقد أَقحَمَ سقراط آلهة جديدة في عقول الشبيبة في أثينا، لذا يجب أن يموت" .

يكتسب مجيئي إلى أثينا معناه كحصيلة للعلاقة التي أقامتها ممثلتنا "آيفر قايا" مع "بادوفاس Baduvas" النائب البرلماني والوزير في حزب "باسوك PASOK" قديماً. وقد جعلتُها تكرّر السؤال عشر مرات متعاقبة عما إذا كان الوضع ملائماً حقاً للمجيء. وبعد أن تلقيتُ الجواب بالإيجاب في كل مرة، لم أَرَ حرجاً في اتخاذ قراري بذلك. كنت على قناعة بأنها أستأذنتْ منه بالتأكيد لأجل المجيء، فهو نائب ووزير سابق، وحزبه يحتل مكانه في دفة الحكم. لدى هبوطي في المطار برز أمامي كل من " سافاس كالندريس" و"ستافراكيس" المسؤول الأعلى في الاستخبارات. وجوبهتُ بتوتر وقلق شديدين، وتلقيتُ تهديداً صارماً للذهاب في نفس اليوم حتى الساعة الخامسة، وإلا فسألاقي صعوبات جدية. لم أكن أتصور حدوث ذلك ولم أكن مستعداً لهكذا وضع. أما "بادوفاس" فلم يظهر على الساحة قط آنذاك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار