الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوروبا .. ولاية عثمانية

نائل الطوخي

2007 / 4 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سلسلة من إساءات الفهم حفلت بها المحاضرة التي ألقاها الأستاذ بالكوليج دي فرانس، جيل فاينشتاين في المركز الثقافي الفرنسي حول "دخول السلطان محمد الثاني/الفاتح إلي القسطنطينية في 1453 م و تكون الفكر التوسعي للدولة العثمانية . إساءات الفهم كانت تؤكد أن الجمهور اتي متحفزا للاشتباك، بحيث كان علي المحاضر أن يؤكد لدي كل سؤال أن ما قصده كان علي العكس مما فهمه الحاضرون وليؤكد بعد ذلك أن التهمة التي توجه إليه علي الدوام هي دفاعه المطلق عن الإمبراطورية العثمانية، بينما فوجئ علي ما يبدو في هذه المحاضرة أنه متهم بالعكس تقريبا، بتشويه صورة الإسلام والإمبراطورية العثمانية.
تحدث فاينشتاين في البداية عن فتح القسطنطينية. بعد أن تمكن محمد الثاني من فتحها، وهو الطموح الذي لم تعد دول البلقان الضعيفة وقتها تستطيع مجاراة الدولة العثمانية الفتية فيه، أمكن إعلان النجاح المتأخر لعدة محاولات فتح لهذه المدينة تمت منذ القرن السابع والثامن استجابة لحديث نبوي يتحدث عن جعل أرض بين بحرين عاصمة إسلامية. برغم هذا فقد نشأ رأي ما في البلاط ضد الغزو. الوزير محمد علي باشا عارض الغزو بشدة وتم إعدامه بعد إتمام الفتح. كذلك تكون رأي يرفض اتخاذ القسطنطينة عاصمة للعثمانيين تمثل في حركة معارضة للغزو عرفت باسم مناضلي الإمام كان رأيها أن أدرينابل، العاصمة القديمة والتي كانت تحوي علي قصر كبير لمحمد الثاني، يجب أن تستمر هي العاصمة وليس المدينة المدنسة القسطنطينية . رغم هذا يفتح السلطان القسطنطينية. يقتحم قلعتها برغم الحصار القاسي وحصون المدينة، باستخدام مدفعه الكبير والشهير، وباستخدام بعض الحيل الماكرة التي أدت إلي تمرير سفن الأسطول العثماني برا وليس بحرا.
بعد إتمام فتح المدينة، لا يعمد السلطان إلي تدميرها كما ارتأي من حوله، لأنه كان يفكر فيها كعاصمة مرتقبة لإمبراطوريته. برغم هذا تأخر الوقت قليلا حتي يعلنها عاصمة. ربما يكون قد انتظر حتي تصبح المدينة في حالة أكثر مناسبة. بعد خمس سنوات يضطر السلطان لخلع قناعه وإعلانها عاصمة له. يضيف فاينشتاين: في نفس الوقت كان السلطان يتخذ إجراءات متناقضة كما لو أنه لم يكن يعرف ما الذي ينبغي عليه تحقيقه. نراه مثلا ينشئ قصرا كبيرا علي موقع بيزنطي قديم ولم يعش به علي الإطلاق، وبعد سنوات ينشئ قصرا آخر ليصبح هو مكان إقامته الفعلي في القسطنطينية، مكان القلعة القديمة لبيزنطة، حيث نقطة الالتقاء بين أسيا وأوروبا، بين البوسفور وبحر مرمرة، بين البحر الأبيض والبحر الأسود، هذا الموقع الذي يعبر عن فكرة الإمبراطورية العالمية. ليس صدفة مثلا أن السلطان اتخذ لنفسه لقب خاقان البحرين، وهو المصطلح الذي سيقوم بعد ذلك باستخدامه في الكتابات والنقوش، كما ينشأ في حديقة القصر عددا من الأجنحة تعبر عن النماذج المعمارية المختلفة في سائر أنحاء العالم. هناك مثلا تشابه بين هذا القصر وقصر نيرون في روما. كذلك بعد عشر سنوات من الغزو يقوم السلطان بالاستيلاء علي البطريركية الأرثوذكسية. ويستولي علي دير سانزابوتر ليقيم عليه مسجد الغازي وبجواره ضريحه ويمنح بطريرك اليونان ديرا آخر عوضا عنه.
كل شيء كان يؤكد أن محمد الفاتح رأي نفسه إمبراطوريا لآسيا وأوروبا معا. يذكر بعض المؤرخين انه اعتبر نفسه القيصر والإمبراطور واستخدم لفظ هونجيار ، وهو لفظ فارسي يعني القيصر ليطلقه علي نفسه. ليس الأمر خاصا به فقط، في نفس الوقت يبدأ سعي عدد من الأمراء والحكام الإيطاليين للاستعانة به بعد 1453 ضد منافسيهم في شبه جزيرة إيطاليا، يدعون أنهم مستعدون للاعتراف به خليفة شرعيا للبيزنطيين كما يسكون الميداليات التي تحمل صورته. تتطور هذه الفكرة لدي بعض المثقفين حيث قال واحد منهم أن السلطان هو الخليفة الشرعي بالفعل للرومان وأنه ربما يكون قد اعتنق المسيحية. كانت هذه أفكارا غير منظمة وتعرض قائلها للسجن. كذلك يوجه البابا له رسالة يؤكد فيها أنه مستعد للاعتراف به كخليفة بشرط أن يقوم بتعميده في الماء المقدس، أي أن يصبح مسيحيا. في كل مكان كانت الإشعات تنتشر قائلة بأن السلطان محمد الثاني يعير اهتماما خاصا للمسيحية وأنه علي استعداد لاعتناقها. ولكن فاينشتاين ينفي اعتناقه الفعلي لها. يقول: أكد جميع أسلافه العثمانيون أنه كان حاكما مسلما يتسم بجميع الصفات اللازمة لحكام الدول الإسلامية، كما قدم هو نفسه أثناء غزواته لأوروبا الشرقية باعتباره قائد الحروب المقدسة، كما بعث إلي السلطان المملوكي الأشرف بالله برسالة يخبره فيها أن الوقت قد حان للحب والصداقة المتبادلة إزاء من ورث الرغبة في تجديد الحج إلي مكة. يضيف فاينشتاين ان هذه الرسالة كانت مهمة نظرا لأن العالم الإسلامي وقتها كان له رأسان سياسيان: السلطان المملوكي المسئول عن الحج والسلطان العثماني بطل الجهاد الذي يتوسع في بلاد غير المسلمين.
وقد كتب وقتها في وصف السلطان أنه كان يبلغ 26 عاما يعلق جيل: وهذا غير صحيح فهو كان يبلغ الثانية والعشرين فقط من عمره ، وأنه يتطلع للأمجاد مثل الإسكندر الأكبر ويقرأ التاريخ مثل تاريخ هيرودوت والبابا والأباطرة. ليس هذا فقط، بل إن الرغبة الإمبريالية في التوسع تمتد لدي أسلافه العثمانيين. يرث عنه ابنه بايزيد الثاني إصراره علي أنه خليفة أباطرة روما. يوقع بايزيد في رسائله إلي الغرب بسلطان المسلمين والرومان، بل ويدلي فرنسوا الأول ملك فرنسا أمام سفير فيينا مرة بملاحظة عن أن السلطان سليمان كان يردد علي الدوام: روما إلي روما . وأنه كان يكره شارلوكان ويستخف بإطلاق لقب قيصر عليه وهو اللقب الذي كان يريده لنفسه هو. في نفس الوقت الذي يعلن فيه الوزير إبراهيم باشا أن هناك سلطانا واحدا مثل الشمس الواحدة ولا يمكن أن يكون هناك إمبراطور غير سيدي .
بعد انتهاء المحاضرة ألقي أحد الحاضرين سؤالا عن ميل محمد الثاني لتدمير القسطنطينية وهو ما ينفيه كونه مثقفا يتسم بالتسامح حيث أعطي الراهب ديرا غير الذي أخذه منه وكان بإمكانه ألا يفعل . فما كان من فاينشتاين إلا ان أجاب بأن كلامه هو علي النقيض مما فهمه السائل وهو أن السلطان لم يسع لتدمير القسطنطينية علي العكس من مشورات المقربين له. كما وجه له آخر سؤالا حول أدلته علي كون السلطان محمد الفاتح ذا ميول مسيحية، فما كان من فاينشتاين إلا أن ضحك وقال انه أيضا لم يقل هذا وإنما قال أنها كانت مجرد شائعات.
أما السؤال الثالث فقد كان حول كلمتي الفتح والغزو حيث قال أحد الحضور غاضبا أن المحاضر استخدم وصف الغزو بينما الاجدر وصف الفتح لأنه يحمل دلالات إيجابية عندنا . فما كان من فاينشتاين إلا أن تعجب قائلا أنه التهمة التي توجه له دوما هي أنه شديد الإعجاب بالإمبراطورية العثمانية التي لها الكثير من الأعداء في العالم، وهي المرة الأولي التي توجه إليه تهمة محاولة الانتقاص من شأنها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تغلق -الجزيرة- والقناة القطرية تندد بـ-فعل إجرامي- •


.. حسابات حماس ونتنياهو.. عقبة في طريق المفاوضات | #ملف_اليوم




.. حرب غزة.. مفاوضاتُ التهدئة في القاهرة تتواصل


.. وزير الاتصالات الإسرائيلي: الحكومة قررت بالإجماع إغلاق بوق ا




.. تضرر المباني والشوارع في مستوطنة كريات شمونة جراء استهدافها