الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل تاريخي لفكرة -حاكمية الله

باتر محمد علي وردم

2003 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحليل تاريخي لفكرة "حاكمية الله" 
 

كاتب أردني
 
تتلخص فكرة " حاكمية الله" التي اجتهد بها سيد قطب في منتصف القرن العشرين بأن تعاليم الله من خلال النصوص المقدسة هي التي يجب أن تحدد القرارات السياسية لدولة الخلافة الإسلامية وان الإنسان ليس إلا منفذا مسلوب الإرادة لهذه التعاليم والحاكمية وبالتالي فإن كل أنظمة الحكم المدنية الشعبية هي أنظمة كافرة لأنها تشرع لأنفسها بينما التشريع هو لله فقط.

وإذا ما ناقشت أي منظر أو مفكر إسلامي أصولي أو قرأت كتابا له فانك ستواجه بهذا النص القرآني: "ومن لم يحكم بنا أنزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة 44. وهذا النص، بما أنه قطعي الثبوت والدلالة فهو الفيصل النهائي الذي لا حوار بعده، وإذا لم توافق عليه فأنت كافر وملحد… الخ. وهذا الأسلوب في الإرهاب الفكري هو أساس دعوة منظري الإسلام السياسي إلا أن رؤية منطقية بسيطة بإمكانها أن تكشف لنا بأن هؤلاء يستغلون المشاعر الدينية وحتى النصوص لمصلحة سلطانهم السياسي المنشود.

بداية نكتشف بأن هذا المقطع من النص لا يمثل الآية الكريمة بشكل كامل بل انه مقتطع من السياق العام للنص القرآني. أما النص الكامل للآية فهو كالتالي: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء  فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لن يحكم بنا أنزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة 44. وإذا ما تابعنا قراءة النص القرآني التالي نجد الآية 47 والتي لا يذكرها أحد من المنظرين الإسلاميين بالرغم من أنهم يرددون دائما الآية 44. تقول الآية الكريمة 47: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون". أن نظرة سطحية للنص، كما يفعل المنظرون الإسلاميون، ستجعلنا نصاب بالدهشة اذ أنها تطلب أن يحكم المسيحيون بالإنجيل فقط وان لم بفعلوا ذلك فهم فاسقون أي أن المسيحيين في حل تام من الالتزام بالحكومات الإسلامية ويحق لهم الثورة عليها!!

لكن نظرة فاحصة في تاريخية النص وأسباب النزول تزيل عن أعيننا الغشاوة. فكل هذه الآيات ( 44-47)  نزلت بعد أن زنا يهودي مع يهودية فأتيا الرسول ليحكم بينهما فأمرهما الرسول بأتباع أحكام التوراة وتعاليم الله الواردة فيه حيث كانا يريدان فعلا التهرب من هذه الأحكام. وبالتالي نزلت الآيات هذه لتدعم موقف الرسول من ضرورة تنفيذ تعاليم الله أي أن لفظ الحكم الوارد فيها لم يكن يتعلق إطلاقا بالسلطة السياسية وإنما بالمعاملات الاجتماعية والقضاء فقط مع أن السورة مدنية أي بعد إنشاء ما اصطلح على تسميتها " الدولة الإسلامية" في عهد الرسول في المدينة المنورة.

ويشير المفكر الإسلامي محمد سعيد العشماوي الى نقطة في غاية الأهمية في كتابه " الخلافة الإسلامية" حينما يؤكد على أن لفظ " الحكم" لم يكن مستخدما للدلالة على السلطة السياسية في عهد الرسول والخلفاء الراشدين. فلفظ " الحكم" كان يقتصر فقط على المعاملات الاجتماعية والقضاء في الخصومات بل أنه أيضا مناط بشخص الرسول فقط المتصل دائما بالوحي. وفي ذلك يقول الله: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " النساء 65. وكذلك قوله تعالى:" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله" النساء 105.

والأمر واضح الآن: لقد استغل الطامحون بالسلطة الدينية لفظ " الحكم" المستخدم في النصوص القرآنية لفض الخصومات الاجتماعية وأوجدوا تماهيا بينه وبين لفظ " الحكم"  Government  الدال على السلطة السياسية في المجتمعات المدنية الحديثة.

وقد يسأل البعض هنا: اذا كان لفظ " الحكم" يدل علة فض المنازعات الاجتماعية فما هو التعبير القرآني الدال على السلطة السياسية ؟ هنا يشير العشماوي الى أن هذا التعبير هو لفظ " الأمر" حيث تم دائما استخدام صيغة " أمير المؤمنين" للدلالة على الخليفة لا " حاكم المؤمنين" مثلا.  حيث يقول تعالى: " ,آمرهم شورى بينهم" الشورى 38. وكذلك " وحتى اذا فشلتم وتنازعتم في  الأمر"- آل عمران 152. ونلاحظ بأنه لا يوجد أي نص قرآني يصف ويحدد  آليات تولي " الأمر" في القرآن الكريم ولا يصف الناس بالكفر اذا لم يأمروا بهذه الكيفية.

أن مصطلح الشورى وحده هو الذي ارتبط " بالأمر" وهذا تماما ما حصل في سقيفة بني ساعدة حيث أن القاموس السياسي للصحابة لم يحتو على كلمة " الحكم" أثناء النقاش حول الخلافة بل على كلمة " الأمر" فقط وهذا ثابت في كل الكتب التاريخية.

لقد أوصلتنا نتيجة هذا التحليل الى أن القرآن لم يطلب إطلاقا أن تكون هناك سلطة سياسية باسم الله وأن المنظرين الإسلاميين قد تحايلوا على النص وعلى الناس لإقناعهم بوجوب الدولة الإسلامية والتي هي فقط لحماية مصالح رجال الدين وفرض القهر الفكري على الناس.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناريندرا مودي... زعيم هندوسي في هند علمانية -اختاره الله للق


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي




.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم


.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8




.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟