الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النوبة بين التوطين والتطوير: عودة الجنوبي إلى أرضه

نائل الطوخي

2007 / 5 / 4
المجتمع المدني


لماذا النوبة، ولماذا الآن؟
ليس فقط أن هذا كان عنوان الجلسة الافتتاحية لمؤتمر النوبة بين التوطين والتطوير والذي انعقد لمدة ثلاثة أيام في فندق سوفيتيل سفنكس بالجيزة. وقام بتنظيمه المركز المصري لحقوق السكن استجابة لنداء لجنتي المتابعة النوبية بالإسكندرية والقاهرة وجمعية التراث النوبي بأسوان.لكنه أيضا سؤال مهم تجد منال الطيبي مدير المركز المصري لحقوق السكن في حاجة إلي الإجابة عنه، وهذا ما جاء في كلمتها التي ألقتها بالجلسة الافتتاحية والتي أدارها عضو مجلس الشوري الأستاذ عبد الرحمن خير: لماذا النوبة ولماذا الآن؟ هو سؤال ليس في محله، فالسؤال يجب أن يكون لماذا تأخر طرح القضية النوبية علي الرأي العام المصري حتي الآن؟
القضية النوبية سيطرت علي المؤتمر بالطبع، وبالتحديد قرار الرئيس حسني مبارك بأن يكون أولوية التوطين في الأراضي الواقعة حول بحيرة ناصر للنوبيين، هذا القرار الذي تمني البعض أن يكون بصيصا من الأمل في الليل النوبي الطويل، ودفع القائمين علي المؤتمر إلي إرسال برقية شكر في نهايته للرئيس، مع التحفظ الواجب علي تقاعس الأجهزة التنفيذية. تضيف الطيبي: لقد دفع النوبيون ثمنا غاليا منذ عام 1902 ومرورا بعام 1964 وحتي الآن، فعلي مدار أكثر من قرن كامل، خسر النوبيون أرضهم، بيوتهم، روحهم، وحتي اطفالهم.
خبير جمال ممثل المشاركين من قري الجنوب تحدث عن معاصرته لمراحل مشكلة النوبة. "قبل الهجرة فجر عبد الناصر الصخور في سد اسوان في أوائل الستينيات. لم تكن هناك خطة موضوعية مطروحة بالموازاة مع خطة بناء السد العالي لمناقشة مشكلة أهل النوبة. تولت اجهزة الإعلان إبراز قضية النوبة حيث تمت دعوة عبد الناصر لزيارة النوبة والاستماع لمطالب سكانها. انعقد المؤتمر وقتها في ابو سمبل وهنالك وعد الرئيس بأن يتم تهجير النوبيين بشكل كريم. يستدرك خبير جمال: ولكن تم تهجير 17 ألف أسري في ثمانية أشهر فقط وأقيمت لهم 44 قرية في منطقة رخوة لا تصلح للبناء. حوالي نصف المساكن التي تم بناءها في سنة 60 آيلة للانهيار.
وحدة وادي النيل
أما أحمد إسحق من لجنة المتابعة النوبية بالإسكندرية فلفت النظر إلي أن أهل مدن القناة قد هجروا بالكامل من مدنهم ومع انتفاء سبب التهجير، وهو العدوان الإسرائيلي، عادوا وبمصاحبة احتفالية رسمية كبيرة. بنفس المنطق، فالنوبيون يريدون حل تداعيات التهجير. لجنة المتابعة النوبية بالقاهرة والإسكندرية طرقت جميع الأبواب بلا نتيجة باستثناء مساعدة أمن الدولة بالإسكندرية علي إيقاف بيع أراضي النوبة بالمزاد. يختتم إسحق كلمته بنبرة حادة النوبة هي أكثر المناطق عطاء في مصر. دخل الدولة من السياحة والآثار مليارات الجنيهات، كما أن البحيرة القابعة فوق أبداننا توزع مياهها في كل قري مصر ممزوجة برفات أباءنا وأجدادنا وهي تدر المليارات أيضا. بينما 15 مليار جنيه كافية لحل تداعيات التهجير المشئوم.
وحدة وادي النيل كانت هي محور كلمة ضيف شرف المؤتمر المفكر الكبير ميلاد حنا والذي تحدث عن السودان وعن حلم القومية العربية القديم. قال أن هذا المؤتمر هو نقلة مهمة وحضارية بالنسبة لمصر ليعي الشعب المصري أهمية السودان بالنسبة لمصر. كنا في الأربعينيات نهتف بحياة وادي النيل. أعتقد أنه لو كان عبد الناصر قد وفق في تحقيق وحدة بين مصر والسودان لكان تاريخ القومية العربية قد تغير كثيرا. إذا نظرنا لخريطة العالم العربي سنعرف أن الوحدة بين مصر وسوريا كان محكوما عليها بالفشل منذ البداية حيث كان هناك عائقان، عائق البحر وعائق إسرائيل يعطلان هذه الوحدة. أقول هذا بينما ثقتي بالقومية العربية لا تتزعزع. كنت من مؤسسي حزب التجمع مع خالد محي الدين ولكنني أري أنه لكي نقيم وحدة عربية حقيقية فلابد من تحقيق الوحدة أولا بين مصر والسودان. وهو ما حدا بعبد الرحمن خير أن يؤكد أن عودة النوبيين إلي بحيرة ناصر هي نقطة البداية في تحقيق وحدة وادي النيل.

النوبة ووعد بلفور !

لم يكن البعد القانوني غائبا عن المؤتمر. ففي جلسة عامة بعنوان الأسس القانونية لإعادة التوطين وحق العودة ألقي جوزيف شكلا المنسق الدولي لشبكة حقوق الأرض والسكن بحثا قانويا حول مصطلح حق العودة ذكر فيه بقرارات الجمعية العامة رقم 194"3" الفقرة 11. واتفاقية دايتون "1995". والاتفاقية رقم 196، المواد من 13 إلي 17 وإعلان المؤتمرالعالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري المعقود في 2001، والتي تنص جميعا علي عدم شرعية الطرد التعسفي من الأرض ووجوب عودة اللاجئين المشردين إلي بيتهم التي هجروا منها ودفع تعويضات كريمة لهم.
أما في جلسة معايير إعادة التوطين في القري الجديدة فقد كتب الكاتب حجاج حسن أدول كلمة تصادمية كما يقول هو نفسه ولكن: "تحت تأثير سيمفونية ليلة أمس الرائعة الرائقة، وتحت تأثير شخصيات نوبية ومتنوبة أجلجها إجلالا عميقا، ووسط محيط تفاؤل يغمرنا.. قررت تجميد كلمتي لشهرين آتيين. ولا نعرف ماذا يمكن أن تتضمن الكلمة المؤجلة أكثر من الكلمة التي تناول فيها مشروع توشكي في الموطن النوبي الذي تّقرر منحه لغير النوبيين! والقري التي تجبني حاليا في موطننا النوبي، بأموال هيئة الأمم المتحدة المخصصة للنوبيين، تجمنح لغير النوبيين! أي.. من لا يملك يعطي لمن لا يستحق. أليس هذا اتهام مصر لبريطانيا التي أصدرت وعد بلفور وفحواه وهب فلسطين لإسرائيل؟! مصر تري القذي في عين الغير، ولا تري تلال القذي في عينيها. (!!)

النوبة.. رحم الأم

وفي الجلسة المعنونة ب قري الجنوب وإشكاليات التنمية والتي رأسها الدكتور صابر عبده جاهين عميد كلية الزراعة تحدث الدكتور هشام جريشة من كلية الهندسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا عن العمارة النوبية. بعد أن استعرض الطرز المعمارية السائدة في مصر وهي الفرعونية والإسلامية والقاهرة الخديوية، انتقل إلي النوبة اعذروني في هذا التشبيه، البناء النوبي يشبه رحم الأم، الذي يظل علي درجة حرارة واحدة سواء كانت في جنوب مصر أو في سيبريا. بيوت النوبة تختزن حرارة الشمس نهارا لتطلقها في الليل فتظل درجة حرارتها ثابتة ولا تتغير. لم يستخدم البناء الطيني بخلاف النوبيين غير اليمنيين في صنعاء، بل وقد طوروا الطين هناك ليجعلوه الطين قادرا علي احتمال عدة طوابق بل وعلي احتمال مآذن بأكملها. وفي سؤال من أحد الحاضرين عن السبب في عدم بناء بيوت مناطق تهجير النوبيين بالطين، أجاب مقرر الجلسة د. صابر جاهين قائلا أن السرعة التي تم بناء بها مناطق التهجير جعلت من الأسهل التعامل مع الشركات وهي لديها خبراء في التعامل مع الخرسانة وليس الطين. علي العموم نتمني أن يأخذوا بطريقة البناء بالطين فيما بعد . وتدخل جريشة قائلا لو لم تملك الشركات خبراء في الطين إذن لتعطي المواطن عشرة آلاف جنيها وهو قادر بنفسه علي بناء سكنه الطيني .
أما الناشط النوبي المهندس طارق أغا فلقد تحدث عن خصائص أخري للبيت النوبي. لم تكن بالبيت النوبي أية مشكلة في المساحة فلقد كان يتسع للجيل كله. وبسبب امتداد المساحات حول النيل فقد كان أي بيت لا يبعد عن النيل أكثر من مئة وخمسين مترا.
قياسا علي عدد الحضور، كان المؤتمر ناجحا بكل المقاييس، أنشد فيه مطربو النوبة، خضر العطار وسيد أبو جريشة وعبد الله ندم أغنياتهم وألقي فيه الشاعران فيصل الموصلي وعبد العزيز زين العابدين أشعارا. بل ودفع الحماس عبد الرحمن خير عضو مجلس الشوري إلي اقتراح أن يكون يوم 21 إبريل، وهو يوم ختام المؤتمر، يوما للنوبة، مضيفا: قضية النوبة هي اختبار لصدق كل القوي السياسية في مصر، من يحكم ومن يعارض. وأنا أدعو كل الأحزاب المصرية لتبني هذه المسألة حتي يعود النوبيون إلي أرضهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. طوابير من النازحين في انتظار المساعدات بولاية القض


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا




.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب


.. حرب غزة: لا تقدّم في مفاوضات الهدنة.. حماس تتمسك بشروطها ونت




.. مظاهرات في تونس لإجلاء الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين