الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب والنساء

نوال السعداوى

2009 / 3 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تحت اسم الحماية :

منذ ولدت فى بداية الثلاثينات من القرن العشرين وأنا أشهد الحروب فى بلادنا وفى بلاد العالم ,
حتى هذه الحرب الدائرة اليوم على أرض لبنان , وأرض فلسطين , وأرض العراق , وأرض أفغانستان ,
الدماء المراقة كل يوم والمذابح الجماعية , آخرها مذبحة قانا قى لبنان بالامس القريب ,
أغلب القتلى نساء وأطفال , وأغلب القتلة رجال ( وتوابعهم من النساء ) من جيوش الاستعمار الجديد والقديم , التى تسعى الى امتلاك الموارد والأرض بالقوة , كما يسعى الرجال لامتلاك أجساد النساء ,
وعقولهن بالقوة ,
حرب عسكرية وحرب ضد العقل فى آن واحد , على المكان وعلى الزمان , وعلى الجسد والروح ,
والوجدان ,
كانوا فى طفولتى
من الانجليز , وأصبحوا اليوم متعددى الجنسيات الامريكية الاسرائلية البريطانية الفرنسية وغيرهم ,
حتى منظمة" الأمم المتحدة " أصبحت جزءا لا يتجزأ من هذه الكتلة المعتدية على أرواح الشعوب
ومواردها المادية وغير المادية , وجزءا من الخداع بالكلمات , الذى هو أخطر الأسلحة فى
رأيى , لأنه يقضى على العقل والوجدان ( الوعى واللاوعى )
والوعى الجماعى للشعوب , واللاوعى الجماعى أيضا ,

منذ ولدت وأنا أشهد أيضا الحرب بين النساء والرجال , فى أسرتى وقريتى ومدينتى , وفى العائلات التى أعرفها عن قرب أو بعد , وفى البلاد الأخرى التى سافرت او لم أسافر اليها , فى الشرق والغرب ,
فى البلاد المسيحية واليهودية والاسلامية والبوذية واللادينية ,

وقد لعبت الكلمات دورها فى الحرب العسكرية الاقتصادية عن طريق التمويه والخداع , تماما مثل
الخدع العسكرية التى تضلل وتصرف الانظار عن الاهداف الحقيقية , والخدع الذكورية التى توهم النساء
بأشياء لا علاقة لها بالواقع , وتمكن الرجل من امتلاك المرأة جسدا وعقلا , تحت
اسم الحماية لها من خطر الرجال الآخرين , وهو خطر وهمى خارجى للتغطية على الخطر الأشد الداخلى , داخل الأسرة , مثل الخطر الوهمى الذى يخلقه الاستعمار والاحتلال الاجنبى للتغطية على
الخطر الحقيقى النابع من وجوده ,

لقد دخل الجيش البريطانى الى مصر عام 1882 وقتل الآلاف من الشعب واحتل الأرض واستولى على الموارد أهمها القطن المصرى , فعل كل هذه الجرائم تحت اسم " الحماية " , حماية مصر من خطر
آخر موهوم , مصنوع باللغة والثقافة والاعلام ,


1



كلمة " حماية " جميلة لها وقع
انسانى , ينطق بها الرجل دائما فى علاقته بالمرأة , تحت اسم الحماية للمرأة عانت النساء
فى الماضى , ويعانين فى الحاضر , , بدرجات مختلفة فى جميع البلاد , وفى جميع الثقافات والأديان ,

تحت اسم الحماية التى تغيرت لغويا الى كلمة " الديموقراطية " يقتل الجيش الامريكى الاسرائيلى الآلاف من النساء والاطفال , ويستخدم كلمة جديدة فى القاموس العسكرى , هى
كلمة " تحرير المرأة " , للتمويه على هذه الجرائم , و كغطاء للاحتلال العسكرى من أجل الاستيلاء على
الموارد أهمها البترول , فى المنطقة التى أعيش فيها ,

تفضح نساء العراق تحت الاحتلال الامريكى اليوم , كذب هذه الشعارات الجميلة مثل الديموقراطية ,
السلام , تحرير المرأة , التنمية , التحضر , ويعلنون أن هذه الكلمات البراقة أصبحت غطاءا كثيفا
لأبشع أنواع الحروب والفتن الطائفية ,
يقسم الاستعمار الامريكى الشعب العراقى الى شيعة وسنة وجعافرة وأكراد من أجل تفتيته الى فرق
متنافرة حتى يسهل حكمه , كما فعل الاستعمار البريطانى القديم بالشعب المصرى واشعل الفتن بين
المسلمين والاقباط واليهود وغيرهم ,

هذه الكلمات الخادعة التى تشمل أيضا حقوق الانسان , التعددية , الهوية ,
الخصوصية الثقافية , قيم العائلة , الانسانية , الأنوثة , الرجولة ,
الأمومة , الأبوة , الحضارة والرقى والتقدم والحداثة وما بعد الحداثة ,

النساء :
----------
ماذا نعنى بكلمة النساء ؟
هل نعنى التكوين البيولوجى الذى يجعل للمرأة شكل الأنثى ؟
الا يمكن أن تكون المرأة" أنثى " بيولوجيا لكنها " ذكرا " من الناحية العقلية والنفسية والسياسية ؟
مثلا هؤلاء النساء من أمثال كونداليزا رايس وزيرة الخارجية فى ادارة جورج بوش الامريكية ,
التى شهدت مذابح النساء والاطفال فى لبنان منذ يومين , وابتسمت فى هدوء قائلة أن هذه الدماء
المراقة هى المخاض لولادة شرق أوسط جديد !
انها تستخدم عبارات نسائية انسانية مثل مخاض ولادة الحياة الجديدة لتصف بها أبشع أنواع القتل ,
لتصف بها أخطر أنواع الحرب المستتر تحت كلمة السلام , وأقبح أنواع الدكتاتورية المستتر تحت
كلمة الديموقراطية , وأشد أنواع الاستغلال والنهب تحت اسم التنمية , ولتخفى جثث النساء المقتولات
تحت اسم تحرير المرأة ,

وقد أصبح لدينا الكثيرات من هذه النماذج الأنثوية بيولوجيا فقط ,
الناعمات البشرة بفضل الاستهلاك المتزايد لأنواع متزايدة وأكثر جودة من الدهانات , وعمليات التجميل
الصناعية الجراحية المتطورة التى تشد البشرة باتقان أكثر ,
كوندا ليزا التى تشهد جثث النساء والاطفال ( فى الصحف فقط ) وتعلن يصوت ناعم أن عمليات القتل
لن تتوقف حتى يولد الشرق الاوسط الجديد , ثم تجلس الى البيانو لتعزف الموسيقى الرومانتيكية الحالمة ,
أصبحت كوندا ليزا المثل الأعلى للتفوق والنجاح , والنموذج العالمى للأنثى المثالية , الفيمينيست التى تؤمن بالمساواة بين الجنسين ,


2



و هيلارى كلينتون التى أعلنت
منذ أيام أن اسرائيل بهذه الحرب تدافع عن نفسها , وتدعم الحضارة الامريكية ,
هذه الحضارة التى تقتل وتشجع القتل من أجل مزيد من الاستيلاء على أرض الغير ومواردهم !
حضارة الغابة والارهاب المتخفية تحت اسم مكافحة الارهاب ,
حضارة القنابل الذكية التى تقتل بذكاء الروبوت الحديدى بلا مشاعر بشرية , حضارة تكنولوجيا الاعلام الذى يغرق العقول فى معلومات مغلوطة ومقلوبة , وتكنولوجيا الحرب المتطورة التى ثهدم
وتقتل بمجرد الضغط على زر فى آلة صماء ,
أصبح الانسان فى هذه الحضارة مثل الآلة لا عقل له , يتحرك بأوامر تصدر اليه من
قوى لا يراها ولا يعرفها , أشبه بالقوى الغيبية قى السماء , الا أنها فوق الأرض ,

تزايد عدد النساء اللائى صعدن الى أعلى المناصب السياسية والعسكرية فى هذه الغابة , أصبحن رئيسات حكومات أو دول , أو وزيرات خارجية , أو وزيرات " حربية " أو ما تسمى اليوم " دفاع " ,
لم تغير وزيرة الحربية شيئا فى وزارتها الا الاسم , أصبح اسمها وزارة الدفاع , كأنما الحرب التى
تشنها على الآخرين هى دفاع عن النفس , .
كما تدافع اسرائيل عن نفسها بابادة شعوب الشرق الأوسط لتحقيق حلمها الوارد فى التوراة
, الأرض الموعودة الممدودة من نهر الفرات الى نهر النيل !
أصبحت آية فى كتاب دينى منذ ثلاثة آلاف عام هى السياسة العسكرية
الاقتصادية للحضارة الامريكية الاسرائيلية ,
أصبح " الدين " ورقة ضمن اللعبة العسكرية الاستعمارية الجديدة , كما كان فى الاستعمار القديم ,
دخل الدين ضمن تكنولوجيا الحرب العسكرية المتطورة بين الدول , بمثل ما دخل ضمن الحرب الاجتماعية المتطورة بين الجنسين ,

الدين والسلطة الأبوية :
--------------------------------------
منذ العصور الفديمة كانت الأديان تدخل الحرب العسكرية الاقتصادية لفرض الحكم الطبقى
فى الدولة , ولفرض السلطة المطلقة للأب فى الأسرة ,
كان الكهنة أو رجال الدين جزءا لا يتجزأ من الحكم , وكان حكمهم أشد دكتاتورية من غيرهم
باعتبارهم مندوبو الله على الأرض , ومن يعارضهم يستحق الاعدام بتهمة الكفر أو الالحاد ,
يتلخص النظام الطبقى الأبوى الذى نشأ مع العبودية فى أن طبقة الملاك الأسياد لهم السيطرة المطلقة
فى الدولة , وأن الأب له السيطرة المطلقة فى العائلة أو الأسرة , وأن اسم الأب وحده هو الذى
يعطى الهوية والدين والشرف والشرعية للأطفال ,
فى مصر اليوم آلاف الاطفال غير الشرعيين الذين يواجهون مع أمهاتهن البريئات ( يصل عددهم الى 2 مليون طفل وأم ) حياة أشد بؤسا من الموت , وأشد قسوة مما يعانيه الاطفال والنساء فى الحروب
العسكرية , لأن الموت فى الحرب العسكرية يصاحبه التعاطف الاجتماعى العام والشرف الوطنى , لكن
الموت بسببب عدم وجود اسم الأب يصاحبه العار والخزى ,

مع الثورات التحريرية الشعبية من النساء و العبيد , على مدى العصور حتى يومنا هذا , تغير النظام الطبقى الأبوى شكلا , من الاقطاع الزراعى الى الرأسمالية الصناعية الحديثة وما بعد الحديثة , الا أن جوهر النظام الطبقى بقى , وبقيت الأسرة الأبوية كنواة
الدولة و المجتمع , ويظل اسم الأب فى مصر وعدد كبير من البلاد , هو الحامى الوحيد للأطفال
والنساء من العار والفضيحة الاجتماعية والاخلاقية

3



القانون المدنى والدينى لا يعاقب الأب الذى يمارس الجنس للمتعة فقط دون تحمل أى مسئولية
تجاه الأطفال والأمهات ,
منذ أيام قليلة طالبت كاتبة مصرية باحترام اسم الأم ومنحه الشرف ذاته
الذى يحظى به اسم الأب , الا أنها تعرضت لهجوم شرس من قبل أغلب الرجال والنساء , ومنهن
أستاذات فى الجامعة , ووجه اليها بعض رجال الدين تهمة الكفر والالحاد ,

مع التغيرات السياسية والاجتماعية المصاحبة للاكتشافات العلمية الجديدة خلال القرن الماضى ,
وازدياد الوعى والتنظيم لدى العمال والنساء العاملات بأجر خارج البيوت , بدأت الأسرة
الأبوية تتغير , مثل غيرها من المؤسسات فى الدولة ,
ضعفت سطوة الأب أو سلطته المطلقة داخل الأسرة بمثل ما ضعفت سلطة الحاكم الفرد الملك أو
رئيس الدولة , أو رئيس الجمهورية ,
وضعفت سطوة رجال الدين وكادت تختفى فى بعض البلاد الصناعية المتقدمة , والتى أصبحت

تسمى باسم البلاد الديموقراطية , باعتبار أن نظامها السياسى يقوم على تعدد الأحزاب والانتخابات
الحرة ,
الا أن هذه الديموقراطية التى تسمى اليوم بالديموقراطية الغربية ليست ديموقراطية ,
لأن جوهر نظامها الطبقى الأبوى لم يتغير , فهى نظم رأسمالية أبوية , تقوم على قوة
المال والسلاح والحرب , وعلى قيم العائلة , التى تؤكد سيادة الجنس الذكورى
على جنس الاناث باعتبارهن بنات حواء الآثمة ,

لعب الصراع الطبقى والحرب المستمرة بين الطبقات دورا فى تحرير العمال والفلاحين الى حد ما ,
وقد لعبت حركات تحرير المرأة فى نصف القرن الأخير دورا فى اعادة تفسير الأديان لصالح
المساواة بين الجنسين , كما أدى استقلال المرأة الاقتصادى ( نتيجة العمل بأجر ) الى ارتفاع قيمتها
فى الأسرة وانخفاض السلطة الأبوية

أدت التغيرات السريعة الرأسمالية الحديثة وما بعد الحديثة , وما سمى بالعولمة الى مزيد من الفقر
والبطالة بين الرجال والنساء , الا أن بطالة الرجل تنال من رجولته , لارتباط الرجولة بالانفاق
على الأسرة , كما أدت العولمة الى مزيد من تشغيل النساء لانخفاض أجورهن وضعفهن التنظيمى ,

فى مصر مثلا أصبحت 22 % من الأسر المصرية تعولها الأم وحدها لأن الأب عاطل عن العمل ,
وبسبب تزايد الفقر والبطالة بين الشباب ( حتى الحاصلين على شهادات عليا ) لم يعد الشاب قادرا
على الزواج الرسمى التقليدى , وما فيه من نفقات ( المهر – الشقة ) , لهذا بدأت أشكال جديدة من
الزواج غير الرسمى , مثل الزواج العرفى , زواج المسيار , زواج الفريند , زواج الدم وغيرها ,

فى هذه الأسر الجديدة تشارك الزوجة فى الانفاق , أو تتولى الجزء الأكبر منه , وقد تكون أكبر
سنا من زوجها , أو من طبقة أعلى , مما يؤدى الى زوال السلطة المطلقة القديمة للأب ,
أو ضعفها ,
قد يشتد الصراع أو الحرب بين الزوجين , حين يحاول الرجل فرض سلطته بالقوة العضلية
( الضرب ) أو بقوة القانون والدين , أن يهددها بالطلاق , أو الزواج بامرأة أخرى , وقد يصل
التهديد الى أن ينكر نسب طفله اليه , وهذا أمر يفزع المرأة أكثر من أى شىء آخر ,


4



( منذ يومين أنكر أب فى مصر نسب ابنه البالغ من العمر سبعة عشر عاما عقابا لزوجته وتهربا من دفع النفقة للابن )
يتلاحم الدين مع القانون للحفاظ على السلطة الأبوية فى الأسرة ,واخضاع النساء للرجا ل جنسيا , واخضاع الرجال طبقيا للدولة ,

مع تزايد وعى النساء بحقوقهن , وتزايد التنظيمات النسائية المطالبة بحقوق المرأة أصبحت السلطة
الأبوية مهددة أكثر , ولجأ الرجال الى الدين أو القانون الالهى كى يساندهم ضد النساء ,
وهذا هو أحد الأسباب فى تصاعد القوى الدينية السياسية فى مصر وغيرها من البلاد ,

فى الولايات المتحدة الامريكية تلجأ ادارة جورج بوش الى التيارات المسيحية الأصولية للابقاء على
ما يسمونه : قيم العائلة , وهى قيم العائلة الأبوية القائمة على سلطة الرجل على المرأة ,
كما يساعد الدين على محاربة الحركات الثائرة ضد الفقر , أو الحركات الاشتراكية والشيوعية ,
باعتبارها ضد النظام الطبقى أو الرأسمالى , وضد الدين ,
ومن هنا تشجيع الحكومة الامريكية لكثير من التيارات الأصولية الدينية فى العالم سواء كانت
مسيحية أو يهودية أو اسلامية أو بوذية أو هندوكية أو غيرها , لمقاومة الشيوعية والالحاد ,
كما تلعب الأديان دورا فى تقسيم الشعوب , واشعال الحروب الطائفية , على مدى العصور حتى اليوم

الديموقراطية
------------------
اذا كانت النساء نصف المجتمع فهل يمكن أن تكون هناك ديموقراطية بدون النساء ؟
واذا كانت نظم الحكم فى العالم قائمة فى جوهرها على النظام الرأسمالى ( الطبقى ) الأبوى
فهل يمكن أن تتحقق الديموقراطية الحقيقية , التى تعنى المساوة الكاملة بين المواطنين بصرف
النظر عن الطبقة أو الجنس أو الدين أو اللون أو العرق أو غيرها ؟

هل يمكن أن تخضع نواة المجتمع ( الأسرة ) للديكتاتورية ثم تكون هناك ديموقراطية فى المؤسسات
الاجتماعية الأخرى ومنها البرلمان أو المدرسة أو المصنع أو مكاتب العمل ؟
هل يمكن أن يصبح الأب المستبد فى أسرته ديموقراطيا بمجرد خروجه من بيته ؟
هل يمكن أن يقوم قانون الدولة على القوة والحرب ويفوم قانون العائلة على العدل والسلام ؟

فى بعض الأسر المصرية ( ومنها أسرتى ) أصبحت العلاقات ندية وعادلة بين الجنسين , وتساوت
المسؤؤليات والأعمال خارج البيت وداخله , ومنها مسئولية الانفاق والاعمال المنزلية ورعاية الأطفال ,
ولم تعد هناك سلطة أبوية أو أمومية , وتغيرت مفاهيم الرجولة والأنوثة والأبوة والأمومة ,
بعنى آخر أصبحت الأسرة ديموقراطية , الا أن عدد هذه الأسر قليل , وأغلبها لا يمكنها
الاستمرار فى مجتمع أبوى طبقى مستبد , تعيد مؤسساته التعليمية اعادة انتاج القيم العائلية التقليدية
تحت اسم العودة الى الدين والاخلاق , والأصالة والهوية والخصوصية الثقافية , وغيرها ,
ويحدث للزوج المتحرر من السلطة الأبوية انتكاسات فى بعض الاحيان , فيطلق زوجته بعد سنين
طويلة من الزواج الناجح ظاهريا , ويتزوج فتاة غريرة من عمر بناته , ينفس فيها عن حنينه الذكورى
للسلطة المطلقة , ويشبع معها شهوته الجنسية التى لا يشبعها الا الخضوع الأنثوى ,

أصبح المجتمع المصرى والأسرة المصرية يواجهان رياح التغيير فى العالم , ونتج عن ذلك
تفكيك للعلاقات التقليدية بين الجنسين , وتغير شكل الصراع بينهما , الا أنه لا يزال موجودا ,

5



وقد تشتد الحرب بينهما , بين امرأة ذاقت طعم الكرامة والانسانية بعد قرون من العبودية والذل ,
امرأة تفضل الموت عن العودة الى الماضى , ورجل تعود على السلطة المطلقة فى حياته
العاطفية والجنسية , رجل يشعر بالضعف الجنسى مع انخفاض سلطته , ويفضل الموت على عار
العنة أو العجز الجنسى أو فقدان الفحولة فى الفراش , أو الرجولة فى المجتمع .

انتشرت فى مصر خلال السنين الأخيرة تجارة الفياجرا والمقويات الجنسية للرجال , ومات بعضهم
بهبوط مفاجىء فى عضلة القلب مع الصعود المفاجىء فى عضلة الجنس .

وهى مشكلة انتشرت فى البلاد الصناعية الرأسمالية فى الغرب قبل أن تأتى الى بلادنا , ذلك أن
النظام العالمى واحدا , ورياح العولمة تعصف بالجميع , ويواجه النظام الطبقى الأبوى
الحديث وما بعد الحديث أنواعا جديدة من الحروب التكنولوجية النظيفة ظاهريا , سواء
كانت بين الدول أو بين الجنسين , حروبا حضارية تقتل الآلاف من بعيد بمجرد الضغط على زر
فى الكومبيوتر , وتتخفى الحرب بين الرجل المتحضر وزوجته تحت عبارات رقيقة وابتسامات أرق
, وعلاقات سرية فى الخفاء , قد تصل الى جرائم اجتماعية متنوعة الاشكال والدرجات .

اما الانتخابات الديموقراطية الحديثة و ما بعد الحديثة فهى تتخفى مثل السوق الحرة تحت
حجاب يشبه حجاب المرأة الطاهرة , وستار كثيف من العبارات الرقيقة عن الحرية , وهى ليست
الا حرية القوى ليبطش بالضعيف , وحرية رأس المال والاعلام فى تزييف نتائج الانتخابات ,
وحرية صاحب القنبلة النووية فى السيطرة والاستغلال والقتل والنهب , ونزع السلاح النووى من الآخرين ,
وحرية التجارة و ارسال البضائع الفاسدة الى شعوب أخرى ,
بل حرية التجارة بالبشر خاصة الفتيات الصغيرات الفقيرات لاشباع نزوات الذكور فى الدول العظمى ,
او الطبقات العليا .


التنمية :
---------
تم الكشف عن المعنى المختفى تحت كلمة " التنمية "
أدت مشاريع التنمية فى بلادنا الى مزيد من الفقر للفقراء ومزيد من الثراء للأثرياء ,
أصبحت التنمية تعنى الخضوع لشروط البنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية ,
أصبحت تعنى المزيد من الخصخصة , وتقوية القطاع الخاص الذى لا يهدف الا الى الربح
السريع , حسب مبدأ : اخطف واجرى !
هذه هى المشاريع الرأسمالية للشركات المتعددة الجنسيات , التى ترتبط عضويا بشركات
السلاح ومافيا الرقيق ومافيا الأدوية الفاسدة ومنها الفياجرا , والريتالين الذى يفرض على
التلاميذ والتلميذات ممن يظهرون بادرة ابداع أو تمرد على الاستبداد فى المدرسة ,

أدت مشاريع التنمية فى مصر الى قتل الانتاج المصرى الزراعى والصناعى , واغلاق المصانع
المصرية فى مجالات متعددة أهمها صناعة الأنسجة من القطن المصرى , وصناعة الأغذية من
انتاج الأرض الزراعية الخصبة لوادى النيل , وتشريد العاملات والعمال ,
أصبح الاقتصاد المصرى خاضعا لمصالح الاقتصاد الامريكى والاسرائيلى والاوروبى ,
أصبحنا ننتج ما لا نأكل , ونأكل ما لا ننتج ,
أصبحنا نعيش حلقة مفرغة من الفقر والافقار , والاستيراد والتصدير فى ظل سوق حرة أكثر

6



شراسة من سوق العبيد ,
أصبحت مصر تعيش على المعونات وليس الانتاج ,
أما المعونة الامريكية لمصر فهى مثل الحجاب الخادع , ظاهرها المعونة , وباطنها المزيد من الاستغلال , اذ تدور المعونة دورتها لتعود بالربح على المانحين وليس المتلقين ,
عملية تنموية أخطبوتية , تشبه عمليات الحرب التمويهية بين الدول وبين الجنسين ,

تم كشف زيف المعونة فى السنين الأخيرة وصاحت الشعوب المخدوعة " لا نريد المعونة " ,
رافضة المساعدات تحت اسم الانسانية , والتى تتخفى تحتها اللاانسانية ,

انها الحرب الضروس بين بلاد صناعية تفدمت فى تكنولوجيا الحرب والخداع والنهب , وبين شعوب
مغلوب على أمرها بحكومات محلية بوليسية باطشة ,

حرب غير متكافئة بين الدول , تكاد تشبه الحرب بين الجنسين , يمثل الرجل القوة العظمى التى تملك
المال والشرف والدين والاخلاق والتاريخ والتراث والسلاح الأقوى , يملك الرجل كل شىء حتى الجنين
فى بطن الأم , ولا تملك الأم شيئا حتى اسمها وجسمها ,

المنظمات النسائية فى بلادنا :
-------------------------------
من تجربتى الطويلة فى النشاط النسائى فى مصر أدركت أن أخطر ما يهدد النظام الحاكم هو
امتلاك المرأة لجسمها وعقلها , واسمها , واستقلالها الاقتصادى والاجتماعى, والنفسى , بعنى آخر
استرداد المرأة لانسانيتها وكرامتها , والخروج من تحت قبضة الرجل الحديدية ,

أخطر ما يفزع النظام الحاكم طبقيا وأبويا هو تزايد الوعى لدى النساء والفقراء ,
يؤدى تزايد الوعى لدى الفئات المقهورة الى ادراكها ضرورة التنظيم والاتحاد لتكوين قوة
سياسية واقتصادية وثقافية قادرة على تغيير القيم و القوانين والدساتير لصالحها , ,
من هنا خطورة تنظيم النساء ,

على مدى نصف القرن الماضى , ومنذ أمسكت القلم وبدأت أكشف عن القهر الثلاثى الواقع على
النساء : الجنسى والاقتصادى والدينى , والترابط بين القهر العام والخاص والمحلى والدولى ,
منذ بدأت أكتب وأنشر ما أكتب حتى تلقيت الضربات الواحدة تلو الأخرى ,
وما أن اقتربت من المناطق المحرمة فى الدين والجنس والسياسة حتى اشتدت الضربات ,
والتهديدات لحياتى العامة والخاصة , وامتد التهديد الى أفراد أسرتى , والى أعضاء وعضوات
الجمعية التى نشكلها لتوحيد صفوف النساء , بالاضافة الى مصادرة الكتب , والفصل من العمل ,
والنفى والسجن , وتشويه السمعة والاتهام بالكفر والانحلال الاخلاقى والخيانة الوطنية وغيرها ,

لم تسمح الحكومات المصرية فى الماضى والحاضر الا بالتنظيمات النسائية التابعة لها , المطيعة
لأوامرها , المتكيفة طبقيا وأبويا , والتى ينحصر عملها فى تقديم الخدمات الاجتماعية والخيرية
والمعونات , التى قد يكون لها بعض الفوائد المؤقتة لبعض الأفراد , الا أنها لا تغير شيئا من جوهر النظام الطبقى الأبوى , والسلطة المطلقة فى العائلة والدولة ,
بل هى تساعد على تثبيت القيم الطبقية الأبوية , وثقافتها الاجتماعية ,


7


انتشرت فى مصر خلال السنين الأخيرة هذه المنظمات تحت اسم تنمية أو تمكين المرأة , أو تحت
اسم حقوق الانسان أو حقوق النساء , وهى جزء لا يتجزأ من نظام الحكم الطبقى الأبوى ,
تعمل فى انسجام كامل معه تحت رعاية زوجات الحكام ,
وتعمل فى انسجام كامل أيضا مع هيئات التمويل الدولية , وأجهزة الاعلام المحلية والعالمية ,
وتعطى صورة غير حقيقية عن واقع النساء فى بلادنا ,

مثل أغلب الأحزاب السياسية فى بلادنا , التى تنشأ بقرار جمهورى , وتتلقى المعونات من الدولة
كى تعارضها , وتصدر صحفها المعارضة بمعونة الدولة , فى الحدود المسموح بها , ليكسب النظام
واجهة ديموقراطية , تتخفى وراءها الدكتاتورية والاستبداد الطبقى الأبوى ,

هل هناك أمل فى عالم أكثر عدلا وحرية وسلاما وجمالا ؟
---------------------------------------------------------------
بالطبع هناك أمل , لأن الأمل قوة ,
ان التضامن العالمى المتزايد بين الشعوب نساءا ورجالا أحد منابع الأمل , لهذه الشعوب ,
وقد شهدنا هذا التضامن الانسانى العالمى ضد الحرب فى لبنان وفلسطين والعراق وافغانستان
وغيرها , وضد العولمة الاقتصادية التى ركزت المال والسلاح المتطور فى أيدى القلة التى
لا تزيد عن بضع مئات من الشركات والأفراد , يملكون أكثر من نصف ثروة العالم ,
ويحتكرون المعرفة والمعلومات , وتكنولوجيا القتل الجماعى السريع وقرارات الحرب والسلم ,
واتفاقات التجارة وشروطها , وقرارات مجلس الأمن , والأمم المتحدة , والشرعية الدولية .
ان فوة الشعوب نساءا ورجالا هى التى تنتصر فى النهاية , هذا هو منطق التاريخ .



نوال السعداوى

القاهرة 4 أغسطس 2006










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحلام القروي، مديرة برامج بالمركز التونسي المتوسطي


.. آمال بن خوذ مديرة جمعية شباب بلا حدود




.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة


.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية




.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين