الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاداة العقل : لمصلحة من ؟

محمود الزهيري

2007 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في المجتمعات المتخلفة إجتماعياً , والفقيرة إقتصادياً , والمستبد بها سياسياً , حتماً ولابد أن تكون تلك المجتمعات مريضة نفسياً , وحينما يستبد المرض النفسي ويصبح ظاهرة لها الشيوع والإنتشار في تلك المجتمعات المأزومة , مع إستمرارية مسلسل العجز والقصور عن إيجاد حل للمشاكل المحيطة بالمجتمع المريض نفسياً , فإن تلك المجتمعات تبحث عن حل آخر أرحب وأوسع ترتكن فيه إلي الحل الديني المتمثل في تثبيط الهمم وإضعاف المناعة الإجتماعية , وفي المقابل تقوية مزعومة للمناعة الدينية , ومن ثم يصبح جسد المجتمع رهين مرض الفساد والإستبداد , بسبب العديد من المقولات والنصوص الدينية التي يحتمي بها الضعفاء والمأزومين , أمام الآلة الجبارة المتمثلة في الفساد , والجالسة علي كراسي الإستبداد , ومن ثم يتم توظيف سدنة وخدام , وظيفتهم الأساسية هي تطويع النصوص الدينية , وجعلها في صورة من الصور المطاطة , والتي تستجيب لكافة المؤثرات الخارجية التي يراد بها تخدير المجتمعات بإسم الإرادة السماوية المقدسة , والتي تزامل إرادة الأنبياء والمرسلين , والتي يحتكرهما السدنة والخدام , ومن يحاول أن ينفلت عن جاذبية هذه التطويعات للنصوص الدينية الموظفة للتخديم علي غرض معادة العقل وتنافره مع النص الديني , والإبقاء علي أنظمة الفساد في مجتمع من المجتمعات , والتي يتم تأزيمها بخطاب مغيب للعقل بإسم الدين , ممثلاً في نصوصه المقدسة , تلك النصوص التي كان من الممكن والمتاح لها أن تنهض بالمجتمعات تجاه تحفيز الشعوب بالسير في طريق محاربة الخرافات , والهرطقات , والتي أصبحت يتم تفعيل وجودها في حياة الناس بإسم النصوص الدينية المقدسة ذاتها , علي سبيل تحقيق المصالح لنفر من المتعاملين مع النصوص المقدسة والزاعمين لذواتهم مهمة حماية النص , في حين أن وجودهم مرهون بالإنتزاع من جاذبية حماية النص لهم !!
ومن ضمنيات الإشكاليات الخطيرة , أنه تم تربية المجتمعات علي أن الدين تسليم مطلق , بكل ماهو مسموع , أو منطوق , أو مقروء , سواء ماورد في الكتب السماوية المقدسة , أو ماورد من سنن للأنبياء والمرسلين , أو ماورد من تفسيرات وتأويلات محتكرة من جانب المتعاملين مع النصوص الدينية , فيمن تم الإتفاق دينياً , وإجتماعياً وحتي سياسياً , علي أنهم رجال الدين في غالبية الأحيان , أو التلطيف للتعامل مع الأمر بإعتبارهم علماء للدين , أو بالدين , وكأن هناك إتفاق في الوعي الجمعي علي المساواة بين النص المقدس ذاته , وبين تفسره أو تأويله من جانب من تعرض للتأويل , والتفسير , وهنا , وفي هذه المنطقة الخطيرة تنشأ الأزمات , وتتخلق الصراعات , بين من يريدوا التفرقة بين التفسير والتأويل للنص , وبين النص ذاته , من خلال إستعمالهم لألية العقل التي تفرق بين تفسير , وتفسير , أو تأويل , وتأويل آخر , وبين النص المقدس ذاته , من خلال الآلية الجبارة المسماة بالعقل , تلك الآلية التي لها إمكانات , وقدرات , متطورة حسب تطور الظرف الزمني , والتاريخي , لوقائع جغرافية متعددة , باحثة عن إمكانيات جديدة للنص , من خلال أدوار قد تكون بمكنة تفسير النص أو تأويله عقلانياً حتي يكون له المقدرة علي النهوض بالمجتمعات , أو إعادة بناء النص من جديد , ليس من ناحية الصياغة , ولكن من ناحية البناء الوظيفي , المصلحي , ذو الصبغة الدينية / الإجتماعية .

معاداة العقل :
حينما يصبح العقل هو العدو , وتفسيرات , وتأويلات النص , هي الصديق , أقصد , من يتعرض للتأويل , أو التفسير , فهو في حقيقة الأمر من يصنع جاذبية النص , وهو الذي له حق التعامل معه ومصادقته , بل , وهو وحده من له الحق في إجراء الخصومة مع النص , حسبما يتراءي له بإمكانيات ثقافته الدينية , والبيئة التي تَنَشَأ فيها طفلاً , وصبياً , ومراهقاً , وشيخاً !!
مثله في ذلك مثل المتعامل مع النصوص الأدبية , من شعر , ونثر , وقصة , ورواية , أو أي عمل فني أو أدبي آخر , يتم التعامل معه , ولكن الأمر يختلف مع النصوص المقدسة , بما لها من قداسة حتي في لفظة القداسة ذاتها ,يكمن الإحساس , والشعور بمفهوم المقدس , الذي قد يكون مرعباً في قراءة مفاهيم بعض التفسيرات , والتأويلات لمعني ومفهوم المقدس , بجانب أن النص المقدس له واجبية التسليم , ولايحتمل لدي رجال الدين , أو علماء الدين , مجالية المناقشة , والتحليل , بأي ناحية من النواحي العقلية , التي غالباً ما تتصادم مع النصوص الدينية المقدسة حسب المتوارث عليه علي مدار سنوات طويلة , من تصنع معاداة العقل للنقل , أو معادة المعقول للمنقول , لأن الأمر في النهاية يجب تنصيب وكالته , إلي أهل الرواية , وإقصاء أهل الدراية !!
ومابين أهل الدراية , وأهل الرواية تنشأ كذلك الأزمات , فأهل الرواية يعبدون النص المقدس , وأهل الدراية يتعبدون به , والفرق شاسع بين من يعبد النص , وبين من يتعبد بالنص !!
وتبقي دائرة العقل تضيق , ومساحته تتقلص , في أجواء مشحونة بحصار العقل , وتضييق مساحته , ليكون أصحاب المصالح لهم السيادة والريادة حسب تطويعهم لمفهوم النص , ويصبح العقل هو القائم بدور المجرم معتاد الإجرام في نظر عباد النص !!
فمن صاحب المصلحة إذاً في معاداة العقل !!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام


.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى




.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي


.. 164-An-Nisa




.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ