الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان والعلم

عصام عبدالله

2007 / 5 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 نشرت مجلة " فكر وفن " الألمانية عددا خاصا بهذه المناسبة، احتوى مقالا للفيلسوف الألماني يورجن هابرماس عنونه ب" الإيمان والعلم ". ففي 11 سبتمبر أنفجر التوتر الكامن بين المجتمع العلماني والدين في الغرب... وسبق هذا الحدث الكبير، الخلاف حول : ما إذا كان يجوز لنا أن نخضع للتشيء الذاتي من خلال تقنية الجينات، والي أي حد يكون ذلك ؟... وذلك بين رجال العلم والدين.
في إحدى لمحاته الذكية أفاض هابرماس في التأكيد على أن : " العلم ينير العقل ويبدد أوهامه الكثيرة حول العالم. وحين نتعلم شيئا جديدا عن أنفسنا ككائنات في العالم يتغير مضمون فهمنا الذاتي. وقد قلب كوبرنيكوس وداروين صورة العالم التي كانت تتمركز حول الأرض وحول الإنسان رأسا على عقب.
بيد أن تخريب الوعي الفلكي فيما يتعلق بمدار النجوم ترك في عالم الحياة آثارا أقل مما تركه نزع الوهم البيولوجي فيما يتعلق بمكانة الإنسان في تاريخ الطبيعة. ويبدو أن المعارف العلمية تزعج فهـمنا الذاتي بدرجة أكبر كلما اقتربت منا ".

وهناك ثلاث محطات رئيسية غيرت الوعي الإنساني هي : نظرية مركزية الأرض ونظرية التطور واكتشاف الخريطة الجينية للإنسان أخيرا. بالتوازي والتزامن مع ما حققه عصر النهضة الأوروبية و التنوير وصولا لمرحلة ما بعد الحداثة اليوم. وتحتل الثورة التي قادها رجال عصر التنوير أو العقل، مكان القلب في هذه القضية المحورية.
و عبر"كانط"، قمة عصر التنوير ودرته، أصدق تعبير عن روح هذا العصر في مقال بعنوان "جواب عن سؤال: ما التنوير؟".. نشره عام 1784 في مجلة شهرية ببرلين، في هذا المقال عرف كانط التنوير بأنه "هجرة الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول وحده عن وجوده فيها. والقصور هو حالة العجز عن استخدام العقل، والإنسان القاصر مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب "العقل" وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، دون قيادة الآخرين، لتكن تلك الشجاعة على استخدام عقلك بنفسك، ذلك هو شعار التنوير".
من هذه الزاوية يقال إن العقل مستقل، واستقلال العقل يعني أنه عقل مستقل، واستقلال العقل يعني أ،ه عقل ناقد، وهذا هو السبب في تعريف التنوير للفلسفة بأنها العادة المنظمة للنقد، وهذا التعريف لا يساير التعريف التقليدي للفلسفة، وكان كانط أيضًا قمة هذا العصر النقدي بكتابه العلامة نقد العقل الخالص.
إن دينامية العقل تعتمد على مجموعة من المقومات الهامة، منها حرية القبول والرفض (الشك)، ذلك أن ما يقدم أمام العقل من عناصر خبرية لا تكون ملزمة للعقل الحر بأن يتناولها بإقامة العلاقات التفاعلية فيما بينها، بل هو يقبل ما يريد أن يقبله ويرفض ما يريد أن يرفضه. كذلك فإن من خصائص العقل أنه لا يعرف الكلمة النهائية أو الانتهاء إلى موقف حاسم نهائيًا، فما يصل إليه من نتائج لا يستحيل إلى معتقدات مطلقة، بل يظل مطروحًا للفحص والدراسة والتطوير والتعديل والتغيير.
وأيضًا فإن دينامية العقل تقوم باستمرار بعمليتين أساسيتين هما التحليل والتركيب، يرد المركبات إلى عناصرها الأولى، وعملية تركيب مركبات جديدة من العناصر المتوافرة بعد القيام بالتحليل.
معنى ذلك أنه إذا ما أُسر العقل، فإنه لا يسمح له بالقيام بهذه العمليات الثلاث الأساسية، بل يقسر على تقبل ما يقدم إليه من قوالب اعتقادية جاهزة لا تقبل التطوير أو التعديل أو التغيير.
والواقع أن طبيعة المعتقدات أو الدُوجمات هي طبيعة استاتيكية ساكنة وليست طبيعية ديناميكية ثائرة. وما يظن أنه دينامية ثائرة في نطاق المعتقدات إنما هو في الواقع حرب وتطاحن بين المعتقدات بعضها ببعض، أو ما يعرف بصراع المطلقات، ذلك لأن المطلق بحكم طبيعته واحد، لا يقبل التعدد، ومن هنا فإن تعدد المطلقات يدخل بالضرورة في صراع.
وحتى إذا انقسم المعتقد الواحد إلى شيع وطوائف، فإن ذلك لا يدخل في نطاق التطور بل يدخل في نطاق الانقسام، فليست هناك إذن ديناميكية ثائرة داخلية في دخيلة المعتقد نفسه تسمح له بأن يتطور ويتفتق عن جديد غير مسبوق في عقيدته أو معتقده. فقد أدت ثورة رجال الإصلاح الديني في أوربا عصر النهضة أمثال "لوثر" (1483 – 1546) و"كالفن" (1509 – 1564)، و"زوينجلي" (1484 – 1531)، و"سيرفيتوس" (1511 – 1553)، وغيرهم، إلى الانقسام داخل العقيدة المسيحية الواحدة (الكاثوليكية = الجامعة) ولم يعمل ذلك على تقدم المسيحية وإنما عمل على إضعافها، فيما نشاهده من التطاحن والحرب الضروس بين الكاثوليك والبروتستانت في أوربا.
وهذا على العكس تمامًا مما حدث في نطاق العلوم في أوربا عصر النهضة أيضًا، فثمة دينامية ثائرة تعتمل في نطاق العلوم والتكنولوجيا تؤدي إلى حدوث تطورات حقيقية وإلى نشأة الجديد دائمًا الذي لم يكن له وجود قبل ذلك.
وهنا يتضح أن المنهج الاعتقادي يتصف بالاستمرارية (الاستاتيكية) غير المتطورة، بينما يتسم المنهج العلمي بالتطورية المتغيرة، وبينما يأخذ المبدأ الاعتقادي بالمبدأ الإطلاقي التقديسي، فإن المنهج العلمي يأخذ بالنسبية ويجعل محك القيمة هو الفائدة أو العائد.
وهناك قيم اعتقادية تساعد على طغيان الاعتقاد على الفكر وأسر العقل وشل حركته، منها "التابوهات" Taboos أو المقدسات واللا مساسات والمحرمات، والتابو قديم قدم المجتمعات البشرية، وإن اتخذ أشكالاً متباينة مع تباين المجتمعات واختلاف العصور. وما تزال قيم اللا مساس معتملة في نفوس الكثيرين، تغذي الخشية من الاعتداء على حرمتها إلى الحيلولة دون التقدم، من ذلك مثلاً ما يثار عن التدخل في الخلايا الوراثية للإنسان وممارسة الهندسة الوراثية، والاستنساخ... الخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran