الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفسية الجواسيس

مجدي شندي

2007 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حسب معلوماتي فإن الأبحاث العلمية الخاصة بالتركيبة النفسية للجواسيس نادرة.. وربما تعتبرها أجهزة المخابرات العالمية على درجة من السرية تحول دون تداولها.. إذ إن تجنيد جاسوس وإقناعه بتسريب ما قد يصل إلى يده من أسرار عن بلده عملية معقدة وربما تحكم نجاح الجهاز الاستخباري الذي يقوم بها من عدمه.
في الماضي كان سلاح التجنيد المعروف هو إما المال أو النساء، لكن الحكاية الآن ربما أصبحت أكثر تعقيداً وتحتاج إلى قناعات تمثل الدافع الأول للجاسوس خاصة وأنه يدرك جيداً مغبة لعبته التي تنتهي غالباً على حبل المشنقة أو سجناً مدى الحياة
وبصرف النظر عن عواقب الجاسوسية التي تصيب العميل نفسه .. كيف يرى من يتجسس على بلده ذاته في المرآة؟ أو ينظر إلى دوره في الحياة؟ خاصة إذا كان يتكلم نفس لغة قومه ويدين بدينهم ويحمل نفس تاريخهم بنصاعاته وقتاماته، بمفاخره ونكساته.
الإنسان في البداية والختام ليس كائنا فردانيا، بل هو جزء من واقع يحيط به، هو من الناس الذين يعرفهم وبهم، ولذلك فإن مشاعر الاغتراب حين تعصف بشخص قد تقصف عمره، وحسب ظني فإن الإنسان لو قدر له أن يعيش وحيدا في كوكب لكان أتعس مخلوقات الله.
ماهي إذن الدوافع التي قد تهوي بإنسان ما إلى درك الجاسوسية، وإذا كان من يتجسس على العدو يرتقي إلى مراتب الأبطال له دوافعه المتمثلة في عشق الوطن وافتدائه بالروح، فكيف يفكر من يستبيح لنفسه الإضرار بوطنه لصالح أعدائه؟
هذه الأسئلة كلها تفجرت في ذهني وربما منعتني النوم بعد قراءة نص التحقيقات مع محمد السيد صابر المهندس بهيئة الطاقة الذرية المصرية والمتهم بالتجسس لصالح إسرائيل
إذا قيمنا الدوافع التي تنضح من التحقيقات بميزان العقل نجد أن ذلك أمر غير كاف.. فالطموح إلى نيل درجة دكتوراه أو الحصول على مزيد من الأموال أو حتى الإحباط لا يفسر أن يضع شخص يده في يد عدوه ويتطوع راضيا لتقديم ما تريده إسرائيل من معلومات عن النشاط النووي في مصر وعن السد العالي وما إذا كان يمكن أن ينجو من قصف نووي، وأن يقدم لأعدائه صور العلماء وأسماءهم وأبحاثهم ليجعلهم فرائس يطاردهم عملاء إسرائيل كما يجري الآن في العراق.
هل هو جو الفساد ومناخ الإحباط العام والتيبس الذي أصاب بعض مفاصل السلطة في مصر؟ أم هو قصور تعليمي وتربوي ومناهج لم يعد يهمها أن تغرس الوطنية في النفوس خاصة بعد معاهدة كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلي؟ أم الذريعة التي يردد أمثالها أصحاب مراكز الأبحاث ومنظمات حقوق الإنسان المصرية في الحصول على تمويل خارجي على اعتبار أن النظام المصري يحصل على معونات من الغرب؟ فلماذا تحل المعونات للحكومات وتحرم على الأفراد؟بهذا المنطق قد يجد الجاسوس معاذير لنفسه وهي بالقطع واهية إذ إن وجود علاقات رسمية مع إسرائيل، ومسؤولين صهاينة يزورون القاهرة بشكل متكرر ليس معناه أن هناك صداقات أو علاقات غرام بين الطرفين، فما تمليه مقتضيات السياسة ليس بالضرورة أن يكون متسقاً مع العقل العام، كما أن وجود صداقة حقيقية بين بلدين لا تجعل تجسس شخص على وطنه مقبولاً أو حلالاً
محمد السيد صابر تجسس لصالح إسرائيل وهو يعلم تماما أنها قد تقصف مدرسة فيها ابنه، أو تشن غارة على مدينة بها عائلته، وحتى إن لم يكن هناك ضرر مباشر سيقع على أسرته من جراء المعلومات التي يقدمها.. كيف ينظر الرجل لمعنى الوطنية وهل يستوي عنده أن تكون مصر منتصرة مرفوعة الهامة أو أن تكون مهزومة منكسرة يظللها الخزي والعار
أظن أن الحكومة المصرية بحاجة إلى مراجعة شاملة لما جرى خلال العقدين الماضيين، فاعترافات الجاسوس الجديد تشي بأن لتل أبيب رجالها في أكثر المواقع حساسية داخل مصر.. هم لم يكونوا يحتاجونه في هيئة الطاقة الذرية، فلديهم (كما قالوا له) ما يكفيهم، بل في هيئة المواد النووية، فربما أوشك رجلهم فيها على التقاعد.ليس أدعى للحزن من ابن يطعن أمه أو أباه في ظهره، وتوجيه طعنات إلى قلب الوطن غيله أشد وأنكى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة