الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 5 / 18
المجتمع المدني


لا تتقدم الدول ولا تحتل مكانة متميزة لها بين الأمم إلا إذا تمتعت شعوبها بالأخلاق الكريمة كالصدق والإخلاص. يقول أمير الشعراء شوقى "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". ومن علامات اختفاء الأخلاق الكريمة فى محيط أمة من الأمم هى انتشار الكذب والنفاق. وهاتان الخصلتان تأتيان فى مقدمة المثالب التى يعانى منها شعبنا. ومن المؤكد أن هاتين الخصلتين قد ساهمتا فى ضعف الانتماء للوطن وفى ازدياد معدل الأنانية وفقدان الثقة ومن ثم انتشار الفساد وتدهور روح الإخاء والمودة التى كانت شائعة فى الماضى. ولا نبالغ إذا قلنا إن هاتين الخصلتين تمثلان خطرا محدقا على كيان الدولة ووجودها ومستقبلها ومكانتها بين الأمم.

الكذب هو أن نأتى بأقوال مخالفة للحقيقة بهدف درء الخطر عن أنفسنا أو تفادى العقوبة التى قد تقع علينا أو نيل مكاسب مادية أو معنوية. والكذب لا يتوقف عند الأقوال فقط بل يمتد إلى الأفعال التى نمارسها بهدف خداع الأخريين. قد تستقل سيارة أجرة إلى مكان قريب فيتعمد السائق أن يتجول بين الحوارى والأزقة ليوهمك بأنه سار مسافة طويلة وهو يعلم تماما أن التعريفة التى سيقررها بدعوى تعطل العداد لا تتفق مع المبلغ المستحق. ولا أتذكر أننى استقليت سيارة أجرة فى القاهرة يعتمد قائدها على عداد السيارة عند تقدير الأجرة التى يستحقها. لقد زرت عدة دول عربية وأوربية منها الأردن وبريطانيا وأمريكا حيث لاحظت أن سائق السيارة الأجرة يحرص على تشغيل عداد السيارة دون تردد ولا يتوانى عن رد القروش القليلة المتبقية للراكب. فعندما زرت بريطانيا لأول مرة العام الماضى أخذت سيارة أجرة من موقف الأتوبيس حتى محطة القطار بمدينة لانكستر فى شمال بريطانيا، والجدير بالذكر أننى كنت حديث العهد بمفردات العملة المعدنية التى امتلأت بها جيوبى، فعندما توقفت السيارة أمام المحطة أخرجت كل ما معى من العملة المعدنية وقدمتها للسائق طالبا منه أن يأخذ المبلغ المطلوب وظننت أن السائق لن يكتفى بما قدمته بل ربما يطلب المزيد ففوجئت بالسائق ينتقى بضع عملات معدنية ويرد لى الباقى مصحوبا بإيصال فوجدتنى مندهشا للأمانة التى يتمتع بها رجل بسيط يعمل سائقا على سيارة أجرة. وقد تكرر هذا الأمر عندما توجهت لشراء كوب شاى فقدمت لفتاة المحل الصغير كل ما معى من عملات معدنية فإذا بها تختار قطعتين وترد لى الباقى.

أما النفاق فهو بلا شك صنف من صنوف الكذب، فالنفاق هو أن نأتى بأقوال وأفعال لا نقتنع بها ونهدف من وراءها إلى إرضاء غرور الآخرين. وقد يتعلم المرء النفاق من أسرته أو البيئة التى تربى فيها أو المؤسسة التعليمية التى تعلم فيها. لقد اعتاد المرؤوسون فى الدول النامية على ممارسة هواية النفاق لرؤسائهم سرا وعلانية بغية تحقيق مكاسب دنيوية زائلة كالحصول على علاوة أو مكافأة أو الوثوب إلى مناصب حكومية ونيل حماية الرؤساء إذا وقعوا فى أزمة فى محيط العمل. ومن المعروف أن المسئول قد يدرك أن الكلمات التى تنطق فى معيته أو الأفعال التى تحدث أمامه لا تعبر عن الحقيقة ولا تعكس المشاعر الصادقة للأخريين نحوه وقد يقاوم هذه المحاولات فترة من الوقت ولكنه سرعان ما يستسلم ويعتاد على هذه التصرفات ويسعد بها. لسنا بصدد الخوض فى تصرفات المنافقين فهم أحرار فى ممارسة النفاق ولكن ما يصيبنا بالألم والحزن الكبيرين هو أن يحاول هؤلاء نقل هذا المرض للأجيال القادمة، وهى أجيال المستقبل التى نحرص على أن تتمتع بقوة الشخصية والشكيمة لمواجهة التحديات القادمة. ففى مجال التعليم نجد أن بعض المسئولين يدفعون التلاميذ للوقوف فى صفوف لساعات طويلة انتظارا لموكب الوزير. ربما لا يدرك هؤلاء المسئولون أن ما تتعلمه هذه العقول اليانعة هو الرضوخ للسلطة والخوف من الرؤساء والاستسلام للقهر. وما يدعو للأسى هو أن إدارة إحدى المدارس شاءت أن تدخل السرور فى نفوس زوارها فقامت بإحضار تلاميذ مدرسة أخرى ليلعبوا دور تلاميذ المدرسة الحقيقيين الذين ينتمون لأسر فقيرة. ماذا تعلم تلاميذ المدرستين؟ بالتأكيد تعلم التلاميذ الأثرياء فنون النفاق وخداع الآخرين كوسيلة للوصول إلى الأهداف المطلوبة وتعلم التلاميذ الفقراء عقدة الشعور بالنقص واكتسبوا مشاعر الخجل من الفقر.

من الواضح أن الصدق مع النفس ومع الآخرين والبعد عن الكذب والنفاق يساهمان فى تقدم الأمم. أما التخلى عن تلك الخصال الطيبة فيؤدى إلى انتشار كل أنواع الفساد فى المجتمع ولا يبقى مكان لروح الانتماء وحب الوطن فى قلوب المواطنين ومن ثم تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م