الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصولية .. هنا وهناك

عصام عبدالله

2007 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في العام 1968 انعقد أول مؤتمر يضم ممثلين عن الأديان الإحدى عشر، في مدينة كلكتا بالهند، وكان موضوع المؤتمر: "مغزى الدين في العالم الحديث" ، دارت أبحاثه كلها على أن أي دين لا يملك الحقيقة المطلقة ، وإنما يملك شكلاً من أشكالها ، ولهذا ليس من مبرر لتعالي دين على آخر، ونفي هذا المبرر ينطوي على إثبات مبرر آخر هو ضرورة تلاقي الأشكال المتباينة باعتبارها وجهات نظر لحقيقة مطلقة ، وبالتالي فليس من حق أي دين تحديد هذه الحقيقة المطلقة ، لأن تحديد دين ما لهذه الحقيقة ينطوي على حذف الأديان الأخرى.
ومع تصاعد العنف والإرهاب في الربع الأخير من القرن العشرين، والتنامي المفرط للأصوليات الدينية في العالم أجمع، وبسبب خطورة هذه الأصوليات الدينية على تحقيق السلام العالمي أو الكوكبي، تبنت الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم دراسة هذه الأصوليات تحت عنوان "المشروع الأصولي" ولمدة خمس سنوات ابتداء من عام (1988 – 1993) وصدرت عن هذا المشروع خمسة مجلدات تناولت الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط، والأصولية البوذية في سري لانكا وبورما وتايلند، والأصوليتين الهندوسية والسيخية في شبه القارة الهندية.
وانتهت إلى أن بزوغ هذه الأصوليات لم يكن مجرد رد فعل ضد الرؤى الكونية الجديدة التي تهدد تراثها، بل كان بزوغها بهدف تأسيس أنظمة سياسية تستند إلى مطلق أصولي ، وتتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق هذا التأسيس.
وحيث أن المطلق الأصولي بحكم طبيعته واحد لا يقبل التعدد ، حسب د. مراد وهبه ، فإن تعدد المطلقات الأصولية بتعدد الأصوليات الدينية يدخلها بالضرورة في صراع . وصراع المطلقات لا تستقيم معه الدعوة إلى سلام العالم ، فسلام العالم ليس ممكنًا إلا بسلب الدوجما من الدين ، أي نفي الدوجماطيقية ... والمفارقة هنا أن تعدد المطلقات مهدد للمطلقات ، ومن شأن هذا التهديد أن يقضي مطلق على باقي المطلقات .
والواقع انه يصعب تقبل هذا الكلام علي علاته ، فليست الأصوليات علي نفس الدرجة من التشابه هنا وهناك ، ذلك أن مناخ الحرية في الغرب العلماني علي سبيل المثال ، هو الذي يسمح لرجل الدين بأن يشارك برأيه في القضايا العامة ، مثل الاستنساخ والخلايا الجذعية والبيئة والمرأة وغيرها من القضايا ، ثم يخرج عليه من يهاجمه وينتقده سواء من رجال الدين المختلفين فكريا معه أو من العلماء والمفكرين ، أو حتى من الناس العاديين ، كل ذلك في مناخ من الحرية والديموقراطية والإيمان بحزمة من الحقوق الإنسانية الأساسية كحق الاختلاف وحق الخطأ أيضا .
أما في عالمنا العربي والإسلامي فإن الأمر مختلف تماما، لأن أي رجل دين يستطيع أن يكفر الرأي المعارض والمختلف معه ، لأن السلطة التي يستمدها رجل الدين في مجتمعاتنا فوق الحرية ، أو قل إن هذه السلطة هي التي تحدد مساحة الحرية وضوابطها، في مختلف نواحي الحياة والأنشطة الانسانية المختلفة ، وهذا يتماشى تماما مع المساحة ذاتها التي تريدها السلطة السياسية .
فضلا عن ان القول بأن البنية الدينية واحدة في كل زمان ومكان، وأن الأصولية هي الأصولية، من الأخطاء الشائعة والمضللة لنا، والتي يمكن ان يترتب عليها نتائج خطيرة ومدمرة ، لأن الفرق الأساسي والجوهري ، يكمن في وجود الحرية أو غيابها . وحسب " سان سيمون " : فإنه مستحيل ان يختفي الدين من الدنيا ، وكل ما في الأمر إمكان تحوله من صورة إلي أخري .
الأخطر من ذلك هو أن الإقرار بحالة التماهي بين الأصوليات يخدم الأصولية عندنا ، ويجد لها مبررا وسندا في الغرب ذلك العدو التاريخي اللدود، من وجهة نظر الأصولية. ناهيك عن انه يؤبد الصراع ، أي يجعله أبديا ولا نهائيا، ليبدو وكأنه حرب أديان وأصوليات بينما هو " لعبة حريات " ، في المقام الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran