الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرد الشياطين

سعدون محسن ضمد

2007 / 5 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الكتابة فن يتوسل اللغة لنقل الفكرة من الذات إلى الآخر، وهي لا تشبه التفكير المجرد، فما أن يمسك الكاتب بقلمه، حتى يخوض غمار بحر آخر، وعند ذاك تصبح العملية أكثر بكثير من مجرد التفكير بموضوع ما، ولولا أن الأمر كذلك لأصبح كل إنسان كاتباً. بمعنى آخر أن الفكرة ومن خلال الكتابة تتحول لبضاعة معدة للتصدير، وتخضع لقانون العرض والطلب، وبعد أن كانت هاجساً داخلياً خالياً من كل قيد أو شرط أو ملاحقة، تصبح بالكتابة عرضة لكل أنواع النقد والتقريع.
لكن مع ذلك ما الذي يجعل الكاتب كاتباً؟
هذا طبعاً سؤال إشكالي.. وهو يشبه أو ربما يساوي سؤالاً آخر.. هو: ما الذي يجعل المثقف مثقفاً؟
أي ما هو المعيار، الذي وبالاستناد إليه، نقول عن صاحب قلم أنه كاتب، ونصفه بأنه مثقف، ونقول عن غيره أنه لا هذا ولا ذاك.
المثقف مُؤَسِس، وهو بلا شك يجب أن يكون رائداً، وهذه (الثيمة/ المعيار) يمكن من خلالها ضبط معنى أن يكون الإنسان كاتباً أيضاً. صناعة الرأي تستلزم عدم تكراره، إذ لا معنى لأن تأتي برأي غيرك لتصطره على الورق هكذا وكما هو، وتقذفه بوجه القارئ.
الريادة في الثقافة تملي نفس الشرط، فالمثقف ليس شخصاً يحمل أفكار غيره لغيره. الوساطة بنقل الأفكار لا تكفي معياراً نميز من خلاله المثقف عن غيره. بل لا بد من معيار آخر هو القابلية على صناعة الأفكار، أو التجديد عليها على أقل تقدير. عليه فالمثقف لا يتوقف عند فكرة، بمعنى أنه لا ينتمي. فالانتماء وقوف، وفيه تتوقف عملية إنتاج الأفكار، لهذا السبب يُحَرَّم على المثقف أن ينتمي لأي فكرة، ومهما ادعى أنها سامية.
نعم ينطلق (الرائد/ المثقف) أول ما ينطلق عن إيمان بفكرة ما، ثم لا بد له أن يبارح هذا الإيمان، لأنه لا بد أن يُقَلِب بفكره قواعد وأركان إيمانه، فإذا لم يُبْدِع فيها صار ناقلاً لها فقط، وإذا أبدع خرج عن إيمانه بمستواها الأول. وهكذا يستمر الحراك من خلال جدل لا يتوقف تكون أركانه (المفكر والفكرة والإبداع).
فخ الإيمان بهذا المعنى يقع فيه جميع (المتثاقفين) وسواء كان محور الفكرة التي ينتمون لها طبيعياً أو ما ورائياً. ليس هناك فرق. لا بل إن التوقف عند الأفكار الطبيعية لا يحمل مبرراته، بخلاف الانتماء للأفكار الماورائية، إذ النوع الأخير انتماء للخارق، وهو يحمل مبرراته؛ لأنه يتأسس على تحريم الإبداع الذي يساوي (البدعة).
لكن مع ذلك هل يكفي الإبداع معياراً لفرز المثقف عن غيره.. أعتقد لا.. لا يكفي. بل سنكون بحاجة لمعيار آخر هو أن لا يكون هذا المبدع لعيناً، أو سوقياً، أو رخيصاً ومبتذلاً. لأنه عند توفر إحدى هذه الصفات أو كلها سيكون مبدعاً نعم، ولكنه سيتحول لمبدع شيطان، أو دجال أو أو.. الخ.
الأساطير القديمة وجدت أن بين الشيطان والملاك الكثير من المشتركات، فكلاهما مبدع وكلاهما خارق أو عبقري أو غير مألوف. وربما أن الأساطير لم تجد بينهما غير فرق واحد، هو أن الشيطان رخيص، وليس كذلك الملاك، على هذا الأساس لم تجد بداً من أن تفرد للملاك السماء، بكل ما بها من نور ورفعة وألق، وأن تسقط الشيطان بعالم سفلي يمتلئ بالدونية والرخص والابتذال.
العراق تحول بعد 2003 إلى أكبر سوق لترويج الأفكار، وثمة الكثير من أصحاب الرساميل ممن يأتون إلى العراق لغرض الاستثمار بهذه السوق. أي يأتون لاستئجار المثقفين من نوع الشياطين، الذين يحسنون صناعة الأفكار وبحسب مشتهيات رأس المال، وهذه أحد الأسباب التي جعلت الكثير من أفكارنا ملغمة، ومعدة للتفجير، الأمر الذي ينتج ولا بد تطاير أشلائنا بكل اتجاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع