الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات الكمال الإنساني في مواجهة البلطجة الدينية

ممدوح رزق

2007 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" أقسم أني لا أفهم .. فقط أتألم "
غلوريــــا فويرتيــس
( الكمال لله وحده ) ... هكذا يؤكد المؤمنون دائما بمنتهى الثقة والاطمئنان ، وهم لا يفعلون ذلك بنية التسليم القاطع بحقيقة يقينية محسومة تخص الإله بقدر ما هو تسليم قاطع بحقيقة يقينية محسومة أخرى تخص الإنسان وهي ( النقص ) .. النقص كطبيعة أوحالة بديهية ثابتة تمثل القانون الكوني الذي يخضع الوجود الإنساني لحدوده وشروطه وقراراته بالضبط مثلما يمثل ( الكمال ) الطبيعة أو الحالة البديهية الثابتة بالنسبة للإله ..

النقص هنا أمر لايرتبط بما هو إيماني أو عقائدي لكونه غير محكوم بمدى قدرة الإنسان على الإلتزام بفروض العبادة ـ إيا كانت الديانة التي تنتمي إليها هذه العبادة ـ وباتباع ما أمر الإله به وترك ما نهى عنه أومحاربته ؛ فالإنسان لن يصل أبدا إلى درجة الكمال الإلهي مهما بلغت درجة إيمان هذا الإنسان وطاعته وتقواه لأن الإنسان مهما فعل من خير ومهما تجنب من شر لن يتحول أبدا بالطبع إلى إله ، ولأن ( الكمال لله وحده ) !! .

هناك إذن نتيجة واضحة وهي ناجمة تلقائيا عن حقيقتي الكمال للإله و النقص للإنسان وهي وجود مسافة فاصلة أكيدة بين الكمال والنقص .. مسافة فارقة بين طبيعة ( إله ) وطبيعة ( إنسان ) .. مسافة بين الصفات الحتمية الكاملة للإله ( حتمية لأنه لادخل للإنسان فيها ) ، وبين الصفات الحتمية الناقصة للإنسان ـ التي لادخل للإنسان فيها أيضا ـ هذه المسافة الملغزة والمبهمة والغير قابلة للتحديد أوالاستيعاب هي التي تعيش بداخلها تساؤلات الإنسان وأفكاره ومشاعره ورغباته في الوصول للحصانة النهائية المطلقة ضد الألم والشر .. الحصانة التي اختص بها الإله نفسه فقط اتساقا مع الكمال الذي حُرم الإنسان منه ..
ما يمكن أن نتحدث به عن هذه المسافة هو مايمكن أن نتحدث به عن الفن .. الفن باعتباره الفضاء المطلق اللامحدد الذي يعتني ويعبر عن هذا الأرق وهذه الهموم والتأملات المرتبطة بالإنسان والوجود والعالم .. الفضاء الذي يحتوي كافة التجارب البشرية في اشتباكاتها مع الحياة والموت وخلق علاقات جدل وتواصل فيما بينها .

ما هو وضع الفن داخل المجتمعات التي تحكمها سلطة دينية ؟! .. السلطة الدينية التي لا تعني مجرد المرجعية الأساسية والنهائية لنظام الحكم والتشريع وإنما أيضا الوصاية التي يمتلكها رجال الدين داخل المجتمعات التي لا مرجعية دينية ـ ولو شكليا ـ لأنظمة الحكم بها والتي تتوافق مصالحها وتستلزم إعطاء هذه الوصاية لهؤلاء الرجال ؟!

على الفن داخل هذه المجتمعات أن يواجه هموما إضافية ومتاعب وآلام متزايدة لا تنتهي بسبب الحروب والمعارك التي تحتم عليه خوضها دفاعا عن نفسه وعن حقه في الوجود ضد الذين لا يطيقون العيش دون أن يؤكدوا لأنفسهم وللآخرين طوال الوقت أنهم الوحيدون الذين يفهمون كل شيء .. ضد محتكري الحقيقة المتاجرين بـ ( قال الله ) و ( قال الرسول ) .. ضد المهووسين بالسيطرة على حياة الناس وموتهم وباتخاذ قرارات إدخالهم الجنة أو النار اعتمادا وثقة في الغريزة الإيمانية والموروث العقائدي لدى البشر الذي يجعلهم تلقائيا يستجيبون ويوافقون ويخضعون لكل ما له علاقة بالدين ـ مهما كان ـ باعتباره هو الخير دائما .. الذين لايتحملون أن يتم التعامل معهم بأقل من التقديس بصفتهم الكائنات الأرقى والأطهر والأنقى من المخلوقات العادية .. الذين لا يستطيعون مجرد تفسير لماذا يترك الله طفلا يعذب قطة في الشارع !!! .
هؤلاء لاينظرون إلى الفن والإبداع إلا كوسيلة متاحة وفرصة سهلة يجب استغلالها كما يجب لترسيخ كونهم المكلفين من الله بإنقاذ العالم من الشر فيبدأون عملهم تحت حماية العمامة واللحية والقرآن والسنة في الصراخ والتحريض والمنع والهدم والإقصاء قبل أن يأخذ كل منهم نفسا عميقا كبطل مطمئن انتهى من جهاده المقدس بنجاح استطاع أن يكسب به الدنيا والآخرة !!! .
لافرق بين أن يكونوا على وعي بأنهم يعملون لمصلحتهم الشخصية أو لمصلحة سلطة أو لصالح علاقة تجمع المصلحتين معا .. لافرق بين أن يكونوا صادقين مع أنفسهم بأنهم هكذا فعلا يخدمون الله والعقيدة والإنسان أو أنهم يدركون أن ما يمارسونه هو تزييف مقصود بامتياز .. في جميع الأحوال النتيجة واحدة : مجرد حياة تُقتل باسم إله وسعت رحمته كل شيء !!! .

لكن ما الغريب في ذلك ؟! .. أليس رجال الدين بشرا عاديين يسعون للخلاص وللأمان ولو بالاعتداء على الآخرين وعلى حريتهم ورغبتهم في الخلاص والأمان ؟! .. أليس الإنسان بالنسبة لهم ليس أكثر من مجرد كتلة من الذنوب والمعاصي والآثام تسير على قدمين ؟! .. أليس لديهم الحل المجاني السهل والتقليدي ويمثل المادة الخام الأزلية التي لاتنفذ أبدا وبالتالي تضمن لهم دوام العمل والسلطة والمال والشهرة .. هذه المادة الخام ببساطة هي أن كافة هزائم وإخفاقات وشقاء الإنسان سببها الوحيد أنه لايعبد الله جيدا ؟!! .. أليست العصور والأزمنة المتعاقبة تثبت أن وجودهم حتمي طوال التاريخ الذي لابد أن تتوفر به كافة العوامل والأسباب اللازمة لإنتاج من يصدقون أنفسهم بأنهم أشباه رسل أو أشباه ملائكة وينبغي عليهم نتيجة لذلك تفريغ دماملهم كيفما شاءوا فوق عمل مسرحي أو لقطة سينمائية أو مشهد روائي أو سطور في قصيدة أو قصة قصيرة أو ... أو ... .. التاريخ الذي لابد أن تتوفر به كافة العوامل والأسباب اللازمة لإنتاج المستعدين دوما للاستجابة إلى أمراضهم الشخصية أو إلى التعليمات الحكومية أو قوى الخارج بالتدخل لقتل الناس في أي وقت ؟! ...
والأهم من كل هذا .. أليست طبيعة ما ينطلقون منه ويحتمون به ويستخدمونه في تحويل أنفسهم إلى سيوف يقطعون بها رقاب المخالف لهم .. أليست طبيعته ـ وهو الدين بالطبع ـ طبيعة لا توفر الحماية من الخطأ والاستغلال وسوء الفهم ؟! .. أليست غير حاسمة وغيرمنقذة وغير قادرة على منع الصراع بين البشر بل العكس كانت ولاتزال سببا أساسيا له ؟! .. أليست طبيعة الدين أسهل ما يمكن المتاجرة به والنصب من خلاله ؟! .. أسهل ما يمكن استخدامه في جعل الإنسان يدفع الثمن ؟! .. الإنسان الذي حرمه الإله من الكمال وجعله من في الأرض ـ طاعة لهذا الإله ـ يدفع ثمن تساؤلاته عن هذا الحرمان !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كندا.. اندلاع حريق بالكنيسة الأنجليكانية التاريخية في تورونت


.. بتهمة سرق أحذية من المسجد.. الكويت ترحل مقيما من البلاد




.. عظة الأحد - القس داود شكري: الكنيسة بتحاول تقولنا هو ليه الح


.. عظة الأحد - القس داود شكري: المسيحين سموا نفسهم الطريق في ال




.. 141-Ali-Imran