الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الجغرافيا فى التقدم العلمي

فتحى سيد فرج

2007 / 5 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


فى بداية كتابه عن " تاريخ البشرية " تحدث " أرنولد توينبى " عن مصطلحين جديران بالاهتمام فى فهم علاقة وعي الإنسان بحدود الأرض والكون وهما ، المحيط الحيوي و الأويكومين ، وقد عرف المحيط الحيوي بأنه الموطن الوحيد الذي يمكن لجميع الكائنات الحية المعروفة بما في ذلك البشر من الحياة فيه ، وهو عبارة عن الطبقة الرقيقة من سطح الأرض وما يغلفها من الماء والهواء لما يتوفر بها من موارد لاغني عنها لاستمرار الحياة . أما الأويكومين فهو الجزء المعمور بالبشر من العالم ، أو بتحديد أدق الجزء المسكون بالمجتمعات المسماة متمدنة من الأرض .
وكان الإغريق يتصورون حدود الأويكومين بأنه يمتد غربا إلى سواحل الأطلسي ، وشرقا عند حدود الهند – هكذا تصور الإسكندر الأكبر أنه فتح حدود العالم أجمع بوصوله إلى الهند – وكانت الحدود الشمالية تقف عند البلاد الاسكندنافية، والحدود الجنوبية عند الشريط المحاذي لسواحل البحر المتوسط ، وبعد هذه الحدود لا وجود لبشر .
كان هذا هو العالم الذي عاش فيه العقل الأوروبي منذ الأزمان الغابرة وخلال العصور الوسطى حتى عصر النهضة ، وحدة مركبة صلبة من الأرض تتكون من القارات الثلاث المعروفة ( أو مجرد أجزاء منها ) فيما وراء ذلك يتلاشى فى الظلام البحر المحيط الضخم المجهول ، تحيطه المخاوف لوجود الأفاعي اللزجة ، ووحوش البحر ، والجزر السريعة الغطس التى هي فى الحقيقة ظهور حيتان ، تحوطه بعد ذلك كتلة ملتهبة تحترق فيها السفن ، وتتفحم أجساد البحارة من شدة الحرارة
ورغم أن الحضارات القديمة خاصة في مصر الفرعونية كانت ترسم الفلك على هيئة قرص نصف مستدير ، وكان البابليون يتصورون كوكب الأرض على شكل قفة مقلوبة وطافية مثل القارب وسط البحر ،إلا أن الاعتقاد الذي ساد بعد ذلك ، أن الأرض كانت مسطحة فى شكل مستطيل ، وقد ظل هذان المفهومان – حدود المعمور ، وكون الأرض مسطحة – يسيطران على عقول البشر .
وحتى بعد أن أثبت فيثاغورس ( 572-497 ق.م )الشكل الكروي للأرض - عند نهاية القرن السادس قبل الميلاد - من خلال نظريته عن العلاقات الرياضية وتناغم الأعداد ، وكذلك إسترابون اليوناني الذي أوحى بوجود " عالمين مسكونين " عالم منهم داخل المحيط ، مستشهدا بسلفه إراتوستينس ( 276-194 ق.م ) الذي دحض نظرية الأرض المسطحة وقام بأول حساب لمحيطها متخذا من أسوان والإسكندرية نقطتين لحساب طول القوس وزاوية سقوط الشمس ، فتوصل لتقدير قريب من الحقيقة بقدر كبير لمحيط الأرض ، وذلك أثبت كونها كروية ، حتى بعد كل ذلك ظل عديد من العلماء فى أوروبا من أفلاطون( 428-348 ق.م ) إلى دانتي ( 1265- 1406 م ) يعتقدون فى حدود العالم المعمور وكون الأرض مسطحة .
ورغم أن العرب كان لديهم منذ ما قبل الإسلام معلومات جيدة في ميدان الجغرافية الفلكية والرياضيات ووصف الكون ، فكانوا يعرفون الكواكب والنجوم التى يصل ضوءها إلى الأرض ويستدلون بها فى رحلاتهم ، وكان البعض منهم يعرف أثر القمر فى المد والجذر ، وكذلك كان الملاحين يعرفون الانقلابين الربيعي والخريفي واتجاهات الرياح فى البحار خلال أوقات السنة ، وقد اكتسبوا كل ذلك بالتجربة والمشاهدة ، وقد تطورت معرفتهم بوصف الكون بعد الإسلام ، ولم يكن هذا التطور دائما فى طريق الصواب لأن العرب نقلوا الكثير من أراء الهنود والإغريق وأقحموه فى مؤلفاتهم الجغرافية دون فهم كبير لهذه النظريات الوهمية .
فمنذ الهمداني ( ت 334 هج / 942 م )الذي كان أول من كتب في الجغرافية على طريقة البلدانيين المسالكيين عام 291هج / 902م ، إلى ابن خلدون ( 1332- 1406 م ) كان الجغرافيين والمؤرخين العرب يخلطون بين معلوماتهم عن الأرض ومواقع البلدان و التى كانت صحيحة فى غالب الأحيان ، وبين ما أخذوه عن غيرهم من معلومات قديمة والتي كانت نظرية تعتمد على أسس وهمية ، فابن خلدون قسم فصوله الجغرافية فى المقدمة إلى قسمين : القسم الأول عن الفلكي الرياضي الذي يحاول فيه أن يبدو مستوعبا علم اليونان نقلا عن بطليموس ، وهو الذي يعرض فيه تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم متفقا فى ذلك مع الهمداني وغيره من الجغرافيون العرب باعتبارها نطاقات هندسية تمتد من الشرق إلى الغرب محددة بدوائر العرض ، تشتمل على الربع المعمور فيما بين خط عرض 16 درجة إلى 50 درجة ويختلفون فيما بينهم اختلافا يسيرا فى تحديد عرض كل أقليم .
ويقول ابن خلدون أن الإقليم الأول يمر مع خط الاستواء وليس وراءه جنوبا إلا القفار والرمال ثم بعد ذلك البحر المحيط ، ونفس الأمر بعد الإقليم السابع من الشمال وهو آخر العمران وليس وراءه إلا الخلاء والقفار إلى أن ينتهي عند البحر المحيط ، وهذا الكلام كله نظري صرف ولا يطابق الحقيقة ، أما القسم الثاني فيتكلم فيه ابن خلدون عن الأقاليم السبعة وما فى كل منها من البلاد والمواقع موجزا كلام الادريسي ومستخدما تقسيمه المعمور إلى مستطيلات ليسهل وصف ما فيها ، وكان الادريسي قد قسم الأقاليم السبعة إلى مربعات وبذلك استعمل خطوط الطول ورسمها ليتمكن من تقسيم المعمور كما كان وصفه للبلدان حقيقيا . وخرائطه حقيقية تعطى الناظر إليها فكرة صحيحة عن المواضع التى تصورها ، كما صحح علماء العرب الكثير من أخطاء بطليموس وأهمها تصوره بأن المحيط الهندي والمحيط الهادي بحيرات مغلقة ، ووسعوا حدود المعمور بتقديم معلومات صحيحة عن الصين والقارة الأفريقية .
ومما آخذه العرب من الإغريق وأفاد منه الجغرافيون القول بأن صورة الأرض كرة ، وقد اقتنع البعض بذلك وقدموا براهين جديدة عليها كما عند ابن رسته ، وقد اختلفوا في وضع هذه الكرة وقال البعض أنها معلقة فى الفضاء يحيط بها بحر واسع يسمى البحر المحيط ، واليابس طاف فوق مياه هذا البحر ويتكون من النصف الشمالي ، وإقليمان فى جنوب خط الاستواء ، وما يلي ذلك غير مسكون بسبب شدة الحرارة ، وفى كل خرائطهم نجد ساحل الصومال يمتد شرقا موازيا لسواحل آسيا الجنوبية حتى بحر الصين ، وهذا دليل على تصورهم غير الواضح لنصف الكرة الجنوبي .وهكذا نرى الجغرافيون العرب من اليعقوبى ( ت 278هج / 891 م ) مرورا بابن خرداذبة والمسعودى وحتى الادريسي ( 492- 560 هج / 1195 – 1164 م) وابن خلدون ( 1332- 1406 م) يخلطون بين ما عرفوه وشاهدوه وبين ما نقلوه عن اليونان والهنود ، ولكنهم فى النهاية يعتقدون فى أن الأرض مسطحة ، وفى حدود معينة للجزء المعمور منها .
وإذا كانت دراسات فلسفة العلوم والتي تهتم بتاريخ العلم ودوره فى التقدم الحضاري ، قد ركزت على دور علوم الفلك والفيزياء والرياضيات باعتبارها العلوم الأساسية التى ساهمت بدور كبير فى التقدم العلمي ، إلا أنها أغفلت دور علم الجغرافيا الذي اعتقد أنه لعب دورا أساسيا لا يقل فى أهميته عن دور علوم الفلك والفيزياء والرياضيات فى تغيير صورة العالم القديم الذي كان محكوما بمحدودبة سكانه وأرضه المسطحة .
حقا كانت ثورة كوبرنيكوس ( 1473-1543 م ) عالم الرياضيات والفلك ، وكتابه " ثورة الأفلاك السماوية " الذي نقض فيه - نظرية بطليموس ( 90- 167 م) حول مركزية الأرض - وأثبت أن الأرض هي التى تدور حول الشمس ، وأسس علم الفلك الحديث ، مما أنهى سطوة العلم الأرسطي الذي سيطر على عقول البشر لأكثر من عشرون قرنا ، وأفكار كيبلر( 1571-1630 م ) العالم الفلكي الذي كان أول من أيد نظرية كوبرنيكوس وقام بوضع تصور يصف حركة الأفلاك باستنباطه المدارات الاهليلجية للكواكب ، واكتشافات جاليليو جاليلي ( 1564-1642 م ) العالم الفلكي والفيلسوف الفيزيائي الذي أثبت صحة نفس النظرية تجريبيا برصده حركة الكواكب من خلال تلسكوبه الكبير ، وقد توج كل ذلك أسحق نيوتن ( 1642-1727 م ) بكتابه العظيم " المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية " الذي صاغ فيه قوانين الحركة والسقوط الحر والجاذبية .
لقد ساهمت هذه النظريات والقوانين فى تغيير النظرة إلى الكون ، وكانت تمثل نقلة كبرى فى التصور الغربي للحياة على سطح الأرض ، ولكن قبل نصف قرن من صدور نظرية كوبرنيكوس كان بالولو توسكانيللى ( 1397-1482 م ) وعدد قليل من رواد القرن الخامس عشر منشغلون بأفكار سابقة على عصرهم ، تدور حول طبيعة الأرض ومدى علاقتها بالشمس ، وحقيقة التغيرات والتحركات فى المجموعة الشمسية ، كانوا متشككين فى المفاهيم السائدة حول أن الأرض مسطحة على شكل مستطيل أو على هيئة قرص ، وفى حدود المسكون منها ، مقتنعين بأنها كروية استرشادا بما جاء فى كتابات بعض الإغريق .
ظهرت لهم الأرض كموضوع علمي ورؤية جغرافية تحتاج إلى اكتشاف حقيقي بعيدا عن الآراء المتواترة ، وكانت جماعات أخري من الفلورنسيين ذوي النزعة الإنسانية منخرطين فى نقاشات مكثفة حول المشكلات الجغرافية فى أماكن متعددة ،من خلال مثل هذه المناقشات تبين لهم أن الماء هو العنصر المجهول غير القابل للاختراق ، ومن ثم كانت مساهمة توسكانيللى حاسمة فقد أعلن قابلية البحر المحيط للإبحار ، وأن الأرض كلها منطقة نفوذ للإنسان ، ومن خلال هذا الإنجاز فتح المحيط أمام اكتشاف العالم الجديد .
ولم يكن هذا النوع من العمل الجماعي غير الرسمي غريبا على أوجه تقدم العلم خلال عصر النهضة ، فقد جرى التوصل إلى قوانين المنظور والتشريح ، وتطورت الطباعة بفعل اختراع الحروف المتحركة ، مما ساهم فى نشر كتابان هامان كانا قد وضعا فى المرحلة الهيلينستية ، هما كتاب " الجغرافيا " لبطليموس ، وكتاب " الجيوجرافيكا " لإسترابون فقد ترجما إلى اللغة اللاتينية التى كانت لغة العلم فى ذلك الوقت .
أحدث الكتاب الأول تجاوزا للهوة التى دامت نحو 1200 عاما ، فقد أصبح فى مقدور العلم الجغرافي أن يواصل من النقطة التى انتهي عندها العالم القديم ، فبالرغم من أن نظريته عن مركزية الأرض كانت عائقا للتقدم بوجه عام ، فقد كان لدي بطليموس العديد من الأشياء المهمة التى يمكن أن يتعلمها منه رواد القرن الخامس عشر ، فمن ناحية لقنهم درسا فى المقاربة التجريبية وعلمهم كيف يرون الأرض فى كل جزء من أجزائها على أسس رياضية صحيحة ، كانت الأرض لديه خاليه من الأهوال والمناطق الملتبسة ، مفتوحة ومرحبة فى كل مكان ، والمحيط مجرد طريق بحري قابل للإبحار لا تحوطه منطقة ملتهبة ، على سطح أرضه لم يكن مكان لأشباح .
وكان الكتاب الثاني " الجيوجرافيكا " لإسترابون الذي كانت رؤيته أكثر توقدا وحيوية من بطليموس رغم أنه يسبقه بنحو مائة وخمسون عاما ، فقد أوحى بإمكان وجود عالمين مسكونين أو حتى أكثر داخل المحيط ، وأخذ يتساءل : هل يمكن أن تكون دائرة المحيط مفتوحة للملاحة مثلما لسكنى البشر ؟ ، وهل يمكن للمرء أن يستخدمها كممر مائي مبحرا من كتلة أرض يابسة إلى التالية ؟ ، فمن غير المعقول إلا يكون فى المنطقة المعتدلة الشبيهة بنفس المنطقة التى نسكنها عالمان وربما أكثر ، خصوصا قرب خط العرض الذي يمر عبر أثينا داخل البحر المحيط .
وكانت لإسترابون نظرية تمثل أفضل ما فى التفكير الإغريقي ، حيث أقر مستشهدا بسلفه إراتوستينس بأن العالم المسكون يشكل دائرة كاملة تلتقي هي نفسها مع نفسها ، بحيث يمكننا أن نبحر من إيبيريا – البرتغال وأسبانيا – إلى الشرق وصولا للهند بمحاذاة خط العرض ذاته عبر بقية الدائرة . بمعني أنه سيكون بمقدور المرء الوصول إلى جزر التوابل فى الشرق الأقصى عن طريق ممر بحري من أوله إلى آخره ، إذا أبحرنا تجاه الغرب مستخدمين المحيط كربطة بين الطرفين البعيدين للعالم المعروف .
لكن هناك مشكلة : أليست هذه الجزر واقعة فى المحيط الهندي الذي وصفته كل الخرائط بأنه مطوق باليابسة ، وأنه بحر داخلي مسدود ، لقد نفي إسترابون ذلك ، كما قرر كحقيقة صلبة أن القارة الأسيوية تغسلها أمواج المحيط على كل من شاطئيها الشرقي والجنوبي ، وأن تلك الجزر تكون أساسا داخل البحر المحيط نفسه ، أن مفهومه كان بالغ الجاذبية لأنه كان ينقل الرؤية الكوكبية الشاملة ، والصورة الحقيقية لسطح الأرض التى لم يجرؤ بطليموس الذي كان أكثر حذرا منه على الإيحاء بها .
كان ماركو بولو ( 1254 – 1334 م ) قد وصف رحلته من اليابان إلى الهند الصينية ، ومن هناك إلى عالم الجزر الإندونيسي حتى سومطرة ثم واصل عبر المحيط الهندي إلى أن وصل إلى الهند ، كتب عن الجزر المحاذية للساحل الأسيوي بأنها سلسلة واحدة متصلة ، ومن ثم أكد أن أسيا ليس فيها كتلة يابسة تفصل جزر التوابل عن البحر المحيط ، إضافة إلى شاهد عيان آخر كان معاصرا لتوسكانيللى هو " كونتى " وهو رحالة إيطالي ، الذي نشر تقريرا أكد فيه عدم وجود حاجز من اليابسة بين المحيط الهندي وبين البحر المحيط ، وبذلك أيد فعليا شهادة بولو ، وهكذا قدم الرحالة الإيطاليين تأييدا عمليا لمفهوم إسترابون النظري الذي كان يرى أن جزر التوابل تلوح فى متناول رحلة بحرية .
هكذا كانوا يفتحون مغاليق الأرض إلى كامل مداها ، بالمناهج العقلانية للعلم ، والنتائج العملية بالمشاهدة ، وبذلك قدموا إسهاما ضخما في الإدراك العلمي للأرض ، وإذا كان توسكانيللى قد وضع التصور النظري ، فقد جاء بعد ذلك الاختراق العملي الأكثر أهمية بواسطة الاكتشافات الكبرى ابتداء من البرتغاليين الأوائل وحتى كولومبس وماجلان ، فقد تواترت الأخبار سريعة ومتلاحقة عن الاكتشافات تحت إشراف هنري الملاح ، متيحة لتوسكانيللى وأصدقائه بعض الاستبصارات الجغرافية الجديدة والمثيرة التى تفوق وتتجاوز دراسة نصوص بطليموس و إسترابون ، فقد خرجت بعثة علمية إلى جزر الكناريا عام 1416 وإلى جزر ماديرا عام 1420 ، وتم اكتشاف جزر الآزور فيا بين 1327 و1432 ، وقامت رحلات منتظمة أسفل الساحل الغربي لأفريقيا بلغت ذروتها بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح عام 1434، ثم الدخول إلى ما كان حتى الجغرافيون العرب ذوو الذهن الأكثر تعلقا بالوقائع العينية ، ما زالوا يسمونه " بحر الظلمات " لقد جرى الإقرار بأن النصف الجنوبي للكرة الأرضية قابل للسكن ، بل ومسكون فعلا في الحقيقة .
ما كان كل ذلك يمكن أن يتم إلا بعد أن جعل توسكانيللى ذلك ممكنا بفضل التحرر الكبير الذي أتاحه ، إذ إنه بقوة فكره المتوقد توصل إلى مفهوم مقنع للأرض يكون فيه المحيط بأسره فى متناول الناس وسفنهم ، وتكون فيه أجزاء الأرض الصلبة كلها قابلة للسكنى ، شرقا وغربا ، فى نصفها الشمالي ونصفها الجنوبي على حد سواء ، وقد قدم البرتغاليون دلائل عملية على الملمح الأشد جوهرية لنظريته الجديدة ، أي البرهنة على أن المحيط قابل للإبحار فى كل الاتجاهات ، وقد عززت رحلاتهم مفهوم إسترابون الشامل للكرة الأرضية .
فبعد عودة كولومبس ( 1451 – 1506 م ) من رحلته الأولى إلى العالم الجديد ، أعلن فلورنسي يحمل أسم لورنزو بوونينكونترى لجمهور مواطنيه المهتمين بالنظريات الجغرافية : أن وجود " قارة رابعة " فى قلب المحيط أصبح يعد الآن أمرا يقينيا ، وبهذا تم الاعتراف بصدق نظريات توسكانيللى وأصبح الإبحار شرقا إلى أفريقيا والوصول إلى الهند ، والإبحار غربا للوصول إلى القارة الجديدة يؤكد أن الكرة الأرضية باعتبارها كيانا واحدا يمكن بلوغ كل جز فيها ، ويشكل المحيط رابطة بين الأرض المعروفة وبين العالم الجديد ، وهو ممرا مائيا بين طرفي كتلة الأرض من جميع الجهات ، كما أن ذلك يؤكد مفهوم إسترابون عن تكامل الكرة الأرضية وأن العالم القابل للسكني يشكل دائرة كاملة تلتقي هي نفسها مع نفسها .
ولا يسعنا فى النهاية إلا أن نؤكد أن التطور فى علوم الفلك والفيزياء والرياضيات قد حدد العلاقة بين الأرض والشمس فى إطار واقعي يستقيم مع الحقائق العلمية بعيدا عن طلاسم النظريات التقليدية ، ونقل الفكر الإنساني من مرحلة التصور الوهمي للكون إلى مرحلة التصور العلمي ، مما فتح مجالات التطور الاقتصادي والاجتماعي فى الصناعة والزراعة وكل مجالات التقدم الحضاري الشامل أمام البشر ، ونفس الأمر فقد أدي التطور فى علم الجغرافيا إلى فتح مجالات العمران البشري وذلك بالخروج من حدود العالم القديم بأرضه المسطحة والحدود الضيقة لما كان يعتقد أنه الجزء المسكون ، إلى رحابة التواصل والتجوال فى كل ربوع العالم وتشكيل علاقات قوية وتبادل تجاري وثقافي بين شعوبه وحضاراته المختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا