الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرض الزعامة

سعدون محسن ضمد

2007 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قلَّما يستطيع الإنسان إنصاف الآخرين من نفسه، ولذلك قلَّما نقع على إنسان تكون أحكامه على الناس موضوعية، بحيث أنه لا يكرر نفس أخطائهم عندما يمر بظروف مشابهة لظروفهم، فيناقض بذلك أحكامه السابقة...
من هؤلاء الذين استطاعوا أن ينصفوا الآخرين من أنفسهم، محمد باقر الصدر، وذلك عندما قال ما معناه (لا نستطيع أن نقول بأننا أكثر عدالة من هارون الرشيد قبل أن تُعْرَض علينا دنياه ولا نمارس نفس جرائمه) الرجل لم يشأ أن يتبجح، لأنه يعرف ضعف الإنسان.
في قصة زليخا مع يوسف حكمة مشابهة، فزليخا تعرف أن النسوة متبجحات، لذلك لم تكلِّف نفسها عناء إقناعهن بحراجة موقفها، بل عرَّضتهنَّ لنفس اختبارها.. فماذا فعلن؟ لقد قطَّعن أيديهن.. فعلن ما لم تفعله هي نفسها، فزليخا على الأقل كانت واقعية ومباشرة مع يوسف أكثر منهن.
أحدِّث نفسي بهذه الأشياء وأنا أتابع ما آل إليه مصير مجاهدينا السابقين وقادتنا الحاليين، رجالات حزب الدعوة والمجلس الأعلى وغيرهم.. وأسأل نفسي هل كان هناك شعار يرفعه هؤلاء في معارضتهم لصدام غير استبداده بالحكم ثم بالقرار، وهل من رذيلة كانوا يصمونه بها غير انتقاءه لأعضاء مجلس قيادة الثورة بشكل يضمن إعادة انتخابه كل دورة؟ فلماذا يكررون نفس أخطائه، فيتشبثون بالكرسي كما لم يكن يفعل هو نفسه، على الأقل لأنه كان مباشراً أكثر منهم وصريحاً في إعلان استبداده، أما هم فلا يمتلكون شجاعته ليواجهوا بها أنفسهم والآخرين ويعلنون صراحة عدم قدرتهم على التخلي عن الزعامة.
كل أحزابنا (المدنية منها والدينية) ترفع شعارات الديمقراطية، لكن أي ديمقراطية، الديمقراطية التي لا تمسُّ الزعيم، ولذلك فكل أحزابنا مرتبطة بشخصيات محددة، ولا يتغير زعيم الحزب عندنا إلا بموته، حيث يكون الوريث جاهزاً لاعتلاء العرش. الزعامة عندنا مرض وليست حقاً يشترك فيه الناس جميعاً وبالاستناد للقانون. وفي حال أن الزعامة انْتُزِعت من زعيم عراقي فإنها تغادره ولا يغادرها، بل يبقى زعيماً في خياله وأحلامه، ويرفض أن يتعامل مع الآخرين أو يُعامل من قبلهم إلا وفق منطق أنه الزعيم. رئيسا الوزراء، السابق والأسبق، مثالان تطبيقيان على ما أقول.
المؤتمران الأخيران لحزب الدعوة والمجلس الأعلى تمخضا عن أشياء (مهمة) كثيرة، ليس أقلها إعادة انتخاب نفس الزعماء، تكريساً للمبدأ الديمقراطي الشرقي القائل ((ما شئت لا ما شاءت الأقدار أحكم فأنت الواحد القهار)) الطامة الكبرى كانت باستحداث منصب الأمين العام في حزب الدعوة، وكأن الحزب الوحيد الذي كان يُقاد بصورة جماعية، قرر أخيراً أن يكفر عن هذه السابقة ويعود للنسق الديمقراطي الشرقي فيعلن بأنه عاد أخيراً للإيمان بالزعامة الواحدية الأحدية... وبهذا الشكل يصطف مع بقية (الأحزاب/ الأفراد) التي تملاء ساحتنا السياسية (العريقة).
هذه الظاهرة الخطيرة جعلتني أطالب ممثلاً لأحد أهم المراجع الدينيين في العراق بأن تكون المؤسسة الدينية دقيقة في اختيار السياسيين ودعمهم، فقال لي الرجل، وأين نجد السياسيين المناسبين، لقد فوجئنا بموقف السيد الجعفري من القبول بالمنطق الديمقراطي في تداول السلطة، وذلك يوم تمسك برئاسة الوزراء حدَّ أنه بات يردد نفس شعارات صدّام المملة في أنه باق على رأس الحكومة ما دام بقائه يمثل خيار الشعب العراقي.. يومها فوجئت بموقف رجال الدين من رجال السياسة، ففي بلدان العالم الأخرى نجد بأن الشكوى معكوسة، فالذي يعرقل الديمقراطية هو رجال الدين، فلماذا تنقلب المعادلة عندنا فيقبل رجل الدين بمبدأ تبادل السلطة في حين يخذلنا رجل السياسة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع