الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ممارسات الطبقة الوسطى

خالد كاظم أبو دوح
أستاذ جامعي

(Khaled Kazem Aboudouh)

2007 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يمكن لأي باحث أن يغفل ما تعانيه الطبقة الوسطى الآن، من محاصرة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، تلك المحاصرة التي تتجسد في العديد من الصور، والتي رصدتها العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت على الطبقة الوسطى، وهذا يمثل نصف الحقيقة فيما يتصل بالطبقة الوسطى، والنصف الآخر وهو موضوعنا في هذا السياق، يرتبط بالممارسات الحياتية لبعض أفراد هذه الطبقة، تلك الممارسات التي تجسد تقصير هؤلاء في حق المصلحة المجتمعية، ومقايضتهم لدورهم التاريخي بمنافع آنية تساعدهم على الحياة بالشكل اللائق – من وجهة نظرهم – الذي يحاكي الحياة التي يعيشها بعض أفراد الطبقة العليا. وهذه الممارسات لا تعكس تقصيرهم فحسب ولكنها تجسد إستدماج هؤلاء الأفراد لأشكال من الفساد في بنيتهم الشخصية، بالإضافة إلى أن مثل هذه الممارسات تساهم في تأسيس أنساق قيمية تعيد إنتاج هذه الممارسات لدي أفراد غيرهم سواء كانوا من الطبقة الوسطى أو من طبقات أخرى، لأن مثل هذه الممارسات هي الأكثر تأثيراً من حيث الميل العام إلى محاكاتها.

ومع أن هذه الممارسات والوقائع التي سوف يتم طرحها هنا، ليست عامة ومنتشرة بين أغلب أفراد الطبقة الوسطى، إلا أنه من الأهمية التركيز عليها وعرضها، حتى لا يأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه الممارسات لصيقة بأبناء الطبقة الوسطى، وحتى يتنبه لها الجميع، لتحاشي محاكاتها عن قصد أو عن غير قصد.

الواقعة الأولى: طبيب استطاع من خلال اجتهاده العلمي أن يصبح أستاذ جامعي، ومن خلال اجتهاده المهني أن يحظى بثقة المجتمع الذي يعيش فيه، مما جعل عيادته تكتظ بالمرضى، وهذه أشياء جميعها من النمط المحمود، لكنه اتجه في الآونة الأخيرة إلى استثمار هذا النجاح والثقة، بشكل غير محمود، حيث رفع أسعار الكشف في عيادته، وضاعف أسعار العمليات الجراحية التي يقوم بإجرائها، مقارنة بمن هم في نفس مكانته ونفس تخصصه، وتماشى ذلك الاستثمار العلمي والمهني، مع اتجاه هذا الطبيب إلى الاستثمار في العقارات والأراضي، وتشيد الأبراج الشاهقة التي لا يسكنها بطبيعة الحال إلا علية القوم وأكابره.

الواقعة الثانية: قاضي تزوج من سيدة تعمل بمهنة التدريس، فإذ به بعد زواجه منها يدفعها نحو الانتساب بكلية الحقوق، وبعد حصولها على ليسانس الحقوق، قام بالاعتماد على نفوذه بتعينها في إحدى المؤسسات القضائية، وقاضي آخر بعد أن فشل في تعين ابنه الحاصل على بكالوريوس الهندسة، يحول مسار ابنه لدراسة الحقوق - التي لا يرغبها الابن – ليكون من السهل عليه بالاعتماد على صلاته في مجال القضاء تعيين ابنه وبمجرد أن أنهى الابن ليسانس الحقوق تم تعيينه في مركز قضائي مرموق.

الواقعة الثالثة: أستاذ جامعي يشغل عدد من المناصب الإدارية، يمارس العديد من صنوف الاستغلال والقهر ضد عدد من مرؤوسيه، ولم يتوانى في أن يلعب دور البطولة في عملية فصل أحد زملائه من عمله، من خلال ممارسات مشبوهة في أغلبها، بالاعتماد على سلطاته الإدارية. وأستاذ آخر لا يتوانى في الفخر بأستاذيته التي لا تتجسد أبداً في عمل علمي حقيقي، وصل به هذا الفخر إلى حد الكبر الذي قاده إلى العديد من أفعال التزوير والسرقات العلمية التي تكتظ بها مجمل دراساته ومؤلفاته، بل أنه لا يرفض أبداً أن يقوم بعمل الرسائل العلمية لبعض الباحثين الذين يمتلكون القدرة المالية لدفع مبالغ طائلة يطلبها هو مقابل ذلك. وأستاذ ثالث، يصطدم بأن يقوم أحد مرؤوسيه إدارياً، بمحاولة التسجيل لأطروحة علمية بعيداً عنه، مع أستاذ آخر، فإذ بهذا الأستاذ الكبير ينزل إلى مستوى هذا الباحث الشاب ويحاربه، من خلال قيامه بكتابة رسالة إلى مشرف الباحث ينسج فيها من وحي خياله الخصب، سمات بذيئة متعددة يلصقها في شخص الصغير، من أجل تشويه صورته أمام مشرفه، ومن أجل أن يدمر المستقبل العلمي لهذا الباحث.

الواقعة الرابعة: محامي مشهور يبيع موكله – يعمل طبيب - في قضية شيك بدون رصيد، مقابل أن يحصل على نصف قيمة الشيك من خصم موكله في القضية، خاصة وأن موكله تعامل معه بثقة ولم يأخذ منه إيصال باستلام أصل الشيك.

لا يكفي نقدنا لكل شئ حولنا لتحرير المجتمع، لا بد أن يقوم كل واحد منا بنقد ذاته النقد البناء الذي يفضي إلى مراجعة الذات عن كل فعل فساد، خاصة نحن أبناء الطبقة الوسطى، زهرة الأمة وزينتها، والمعول عليها في تحقيق تقدم الأمة وتعليم أبنائها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر