الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخضرار قناة الجزيره وشيوعيون وبعثيون

عبد العزيز حسين الصاوي

2007 / 5 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقصود باللون الاخضر هنا رمزيته الاسلاميه وليس البيئيه كما لدي احزاب الخضر. المتابعة العابرة لقناة الجزيرة الفضائيه تكفي لملاحظة البروز المتزايد للون الاخضر بين الالوان العديدة التي تشكل لوحتها الجذابه بأعتبارها الاكثر التزاما بمفهوم الاعلام الحديث مقارنة بغيرها. يصعب علي متابع عادي للقناه مثل كاتب المقال بناء هذه الملاحظة علي نماذج من معالجتها للمادة الخبرية وان اطلع علي ماتوصل اليه اخرون في هذا الصدد، ولكن هناك امارتان ظاهرتان علي صحة الملاحظه. الاولي هي تزايد المحجبات ( والملتحين ) بين المذيعات . بعد خديجه بن قنه، افضل مقدمة برامج اخباريه عربيه، هناك تحجب مقدمة مقابلات في الجزيره مباشر واخري في النشرة الجويه، واطوار بهجت مراسلة الجزيرة في العراق التي اغتالها المقاومون التكفيريون قبل عدة اشهر كانت قد ارتدت الحجاب عند انتقالها اليها من قناة العربيه. الامارة الثانية هي العلاقة الوثيقة بين القناه وصحيفة القدس العربي الصادرة في لندن، فهذه تمثل في خطها التحريري الرئيسي واراء معظم كتابها توجها قريبا الي توجهات التحالف القائم بين القوميين والاسلاميين ( التقليديين ) لدرجة ان وجود كتاب مثل الافندي وصبحي الحديدي وسطهم يبدو نشازا وكذلك الصفحة الثقافية كلها ربما بأستثناء القاص رشاد ابو شاور. يتسق هذا مع حقيقه ان عبد الباري عطوان رئيس تحرير الصحيفه، الذي لاتضارع قدرته علي الكتابة الحية الا مقدرته علي الحديث الشفهي، هو علي الارجح اكثر المعلقين العرب ظهورا في القناه. قد يرجع ذلك الي هذه الصفات المرغوبة اعلاميا ولكن يصعب اغفال عنصر تشابه التوجهات العامه ايضا اذ يلاحظ ان مجموعة من مذيعي القناه ومعدي تقاريرها ضيوف دائمون علي صفحة الرأي في الجريده مثل محمد كريشان ويوسف نور وكذلك متعاونين مع القناه مثل هويدا طه.
هناك امارة ثالثه تخمينية اكثر من هاتين تتعلق ببرنامج ( الاتجاه المعاكس ) الذي يقدمه فيصل القاسم وهو ايضا يكتب في القدس من حين لاخر، لها اهمية خاصة لانها قد تفتح افقا لتفسير الاخضرار المتزايد. هذا البرنامج يهزأ بأبسط قواعد الاعلام الموضوعي اذ يتخلي مقدمه عن دوره كضابط للحوار الي محرض سافر علي انفلاته مع انه خريج البي بي سي البريطانيه ام الاعلام الرزين والمتوازن، مما يشي بأن الامر ليس كما يبدو علي السطح. قناعة كاتب هذا المقال ان القاسم، الذي تكاد تقسم احيانا بأنه يمثل، يؤدي مهمة مرسومة في اطار استراتيجية عامة للقناه تقوم علي توسيع حجم الشرائح التي تخاطبها بالجمع بين مجاراة المزاج الشعبي العربي وتقديم خدمة خبريه حديثه. المعروف ان انشاء القناة يندرج ضمن طموح قطر للتحول الي دولة عصريه لاسيما وان وزارة الخارجيه التي يديرها الشيخ حمد بن جاسم احد المهندسين الرئيسيين لهذا التحول، هي الممولة للقناه ولكنها لاتستطيع تغطية نفقاتها المهوله بعد ان انجبت الجزيرة جزرا رياضية وانجليزية ووثائقية دون نجاح تجاري. هذا التصور يفسر ايضا مسألة تمدد اللون الاخضر بعد ان حلت الطبعة الاسلامية للخطاب التعبوي الواعد بهزيمة ماحقة ساحقة لامريكا واسرائيل ، محل الطبعة الناصرية- البعثيه كقطب جاذب للمزاج العربي السائد. يعني ذلك ان الاخضرار ليس سياسة نابعة من ميول ايدولوجيه او مؤامرة اسلاميين للسيطرة علي القناه بل امر مفروض بأرتفاع الطلب الشعبوي والاسلاموي_ القوموي عليه مع وفرة في العرض لان الاسلاميين يشكلون الاغلبية في أوساط النخبة العربيه وبالتالي الكفاءات اللازمة لمختلف المهن الحديثه ومن بينها التلفزيون.
سبق للمفكر السوري المرموق برهان غليون ان وصف الجزيره بأنها تساهم في تسطيح الوعي العربي. وهذه المحاولة لتفسير مصدر هذا الدور السلبي تنتهي بملاحظة ضروريه : ان الاسلاميين ( التقليديين ) كظاهره ليسوا نتاج عملية استنساخ ذاتي بل نتاج ظروف تاريخية معينه ساهم في تشكيلها من يعتبرون انفسهم نقيضا لهم، أي دعاة العقلانيه والاستناره، وبقدر مايمضي هؤلاء علي طريق اعادة النظر النقدية في مرحلتهم بقدر ما يساهمون في الحد من هذه الظاهره.
شيوعيون وبعثيون
بهذا المنظور يلتقط كاتب المقال شبه-جملة وردت في اول عدد من الصدور العلني لجريدة الميدان تصف دورها بكونه مواصلة "مشوار التنوير ". ان مفتاح عملية اعادة تأسيس الحركة اليساريه هو كلمة التنوير لان الكابح الرئيسي، وليس الوحيد، لتطورنا كمجتمع ووطن لم يعد استغلاليا طبقيا او خارجيا امبرياليا وانما قابلية القسم الرئيسي من النخبة السودانية للتجاوب مع فكر ديني ممعن في تقليديته. خطورة هذه القابلية انها تفرض اقوي قيد ممكن علي حرية الانسان في التفكير لانه نابع من عمق اعماقه وتشل بذلك طاقة المجتمع الخلاقة مستنزفة قدرته علي البناء الاقتصادي- الاجتماعي وصيانة مصالح البلاد في خضم الصراعات الدولية والاقليميه. هذه المعضلة الكبري، من اقدر من الحزب الشيوعي علي التصدي لها وهو الذي شكل قيادة النخبة السودانيه بلا منازع في اوج قابليتها للتفاعل مع الافكار الجديده؟ ولعل هذا المقال يتجرأ علي القول بأن استعادة الحزب لهذا الموقع رهينة بالاجابة علي سؤال الاستناره : كيف بدأت تاريخيا وكيف انتهت ( تقريبا) وكيف يمكن احياؤها؟ : ماهو معناها عموما وفي السياق السوداني بالذات، وماهي علاقتها بالانتماءات الطبقيه؟.
في مقال لدكتور عبد الله علي ابراهيم حول موضوع التفرغ الحزبي لدي الشيوعيين ( الرأي العام 21 ابريل 2007 ) وردت اشارة الي الحزب الذي يأتي في ترتيب اليسار بعد الحزب الشيوعي بمراحل وهو حزب البعث السوداني، وللامر صلة بسؤال الاستناره. نص الاشاره هو : " بل انني اكن اعجابا خفيا بأمين عام حزب البعث جادين وهو يعطي نفسه للعمل الحزبي والعام منذ تخرجه في جامعة الخرطوم لا كل ولا مل، في السهل والصعب بمزاج رائق وتفاؤل معدي ". كل من عرف الاستاذ محمد علي جادين لايختلف مع هذا التقييم ولكن كاتب هذا المقال اذ يدعي معرفة اوثق بالرجل وبأحوال الحزب عموما يصحح الجزئية الخاصة بتفرغه الان. حقيقة الامر ان المتفرغ الوحيد في البعث السوداني حاليا هو عضو يمكنه من ذلك معاش غير سوداني. ولادة البعث الثانيه منذ عام 97 منفصلا عن المنظومة البعثية التي كانت تجمعه بالبعث العراقي تمت عبر مخاض صعب تمسك فيه بضرورة التجديد الديموقراطي فخسر بذلك الكثير من عناصر قوته الماديه الظاهره ومترتباتها في البروز الاعلامي والعضوية الكميه. علي هذا فأن ضعف البعث السوداني الحالي مصدر قوة مستقبليه، واية ذلك انه ينمي تدريجيا استراتيجية سياسية قد تغدو فتحا في تاريخ الفكر والممارسة السودانيتين بالضبط لان محورها الاساسي هو الاستناره، كان الاستاذ جادين نفسه قد طرح صيغتها الاولي في دراسة نشرتها جريدة الايام.

( محمد بشير اخمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah