الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكرا مفتي الجمهورية..رسالة البول وصلت!!

راني خوري

2007 / 5 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمكننا تسمية هذا الشهر وبجدارة شهر الفتاوى النارية، فلم تكد تظهر فتوى تحليل رضاعة الكبير التي أطلقها الدكتور عطية في مصر حتى ظهرت بعدها وبأيام قلائل فتوى حول تبرك الصحابة بـ "بول" الرسول (ص)، وأكتب متأخرا في هذه الفتوى عن قصد، حيث أنني لم أشأ الانجراف في التحليل قبل أن تستقر الأمور في هذه الفتوى، وأعطيها والمدافعين عنها والرافضين لها حقهم من الوقت لإبداء آرائهم والوصول إلى نتيجة، فلعلها تنتهي كما انتهت الأولى!؟ ولكن خاب ظني، ولم تسفر الأيام عن شيء جديد، فما الذي حصل؟ وما الفرق بين الفتويين حتى يكون التعامل معهما بهذا الشكل وهذه الطريقة؟.

الفتوى الأولى أثارت إعصارا هائلا من الردود والأفعال والتي انتهت بإقالة صاحب الفتوى من عمله على الرغم من اعتذاره الذي لا أرى مبررا له!! بل وإحالته إلى مجلس تأديب للتحقيق معه حول فتواه في جواز إرضاع الموظفة لزميلها في العمل لمنع وجودهما في خلوة شرعية، والتي هي مستمدة أساسا من صحيح الدين والتي لم يبتدع فيها شيئا بل كرر ما قيل سابقا من قبل غيره، فالشيخ عبد المهدي عبد القادر مثلا اعتبر وقبل فتوى الدكتور عطية بمدة طويلة أن حديث رضاع الكبير وسام شرف على صدر مدرسة الإسلام كما ورد في كتابه "دفع الشبهات عن السيرة المحمدية"، وأن هذا الحديث يؤيده قرآن وإن كان"منسوخ رسمه" كما ورد عن السيدة عائشة وبإجماع الكل، وما مختلف عليه إنما هو في بقاء حكمه، كما ورد في العديد من الكتب التي تناولت موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن (1)، فما المشكلة فيما قاله الرجل؟ وهو الذي أوضح أن ما قاله كان نقلا عن بعض الأئمة مثل ابن حزم وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وأمين خطاب وما استخلصه من كلام ابن حجر؟ ولا ننسى أن أم المؤمنين "عائشة" كانت قد أفتت وأخذت عملت بهذه الآيات وطالبت بنات أخواتها وأخواتها أن يرضعن من يدخل عليها، مع رفض أو أخذ باقي أمهات المؤمنين لذلك (2)!! إذا فالرضاع من الإسلام بالقرآن وليس فتوى من أحد والخلاف هو في بقاء حكمه!! فهل أصبح الدكتور عطية ناقل الإيمان كافرا؟ ولم كان هذا الاستئساد عليه للدرجة التي وصلت فيها المسألة إلى البرلمان النائم على حقوق الشعب؟ والذي لم يفعل شيئا أمام تعديل بنود الدستور؟ ولم يفعل شيئا أمام الاهانات الدائمة لأبناء مصر الذين علكتهم ولاكتهم كلاب الأمراء!! ولم يفعل شيئا لمن أحرق وقتل من الأقباط لمجرد صلاتهم في منزل!! هل أصبحت مهمة البرلمان إصدار الفتاوى والتدقيق بها؟! الله أعلم... ولكن ومن ناحية أخرى، لعلنا نظلم بتساؤلاتنا هذه العديد من الأتقياء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تصحيح المفاهيم الدينية وتنقية الدين من الأوساخ والشوائب؟ أقول ربما.

الجواب يأتينا في الفتوى الثانية، فتوى الموتى (أي تتعلق بالأموات)، فتوى تبرك الصحابة بـ "بول" الرسول والتي أصدرها مفتى الديار المصرية الدكتور علي جمعة، والتي أورد في دفاعه عنها في حديثه لصحيفة المصري اليوم بتاريخ 23-5-2007 "أن الأساس في فتوى تبرك الصحابة بـ"بول" الرسول هو أن كل جسد النبي، في ظاهره وباطنه، طاهر وليس فيه أي شيء يستقزر أو يتأفف أحد منه، فكان عرقه عليه السلام أطيب من ريح المسك وكانت أم حِرام تجمع هذا العرق وتوزعه على أهل المدينة." هذه الفتوى أيضا لاقت استهجانا من قبل العديد وهاجمها وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق، ولكن...لم يحدث بعدها شيء؟! فما الخبر وما الحكاية؟ لماذا تنشر فتوى لا تقل أهمية عن فتوى الرضاع بعد أيام قلائل من فقط من فتوى أثارت زوبعة أطاحت بصاحبها؟ أليس الرجل جريئا ولا يخشى لومة لائم؟ ولم يتم التعامل مع الأولى بهذه القسوة بينما تمر الثانية مرور الكرام؟

أرى أن سيادة المفتي اختار التوقيت لهذه الفتوى عن قصد، فهو أراد أن يثبت للناس أن المؤسسات الحارسة للدين لا تزال هي سيدة الموقف، وهي بإمكانها أن تفتي وتطلق ما تشاء من الفتاوى سواء حول البول أو الحليب أو الدم أو الحائض دون أن يرجف لها رمش، وأن ما حدث للدكتور عطية لا يعني انتصار لطرف على حساب الدين، وإن التضحية بشخص لا تعني التضحية بالفكر والعقيدة أو رفضها، ولعل الكلمات التي أجملها في الدفاع عن فتوى الأموات تبين لنا جانبا خفيا في المسألة، فكما قال " أن كل جسد النبي، في ظاهره وباطنه، طاهر وليس فيه أي شيء يتقزز أو يتأفف أحد منه"، وبالتالي هي الإشارة إلى أن كل الأحاديث والفتاوى التي نراها غريبة، والتي تبنى على أساس ما قاله الرسول أو فعله، ليس فيها ما يقزز!! وإن المسألة مع الدكتور عطية هي فقط مجاراة لوسائل الإعلام التي تناولت وكشفت فتوى الدكتور ، فكان لا بد من التضحية به، ولكن العقيدة بغريبها على العقل والمنطق لا تزال بخير خاصة إن خرجت من صاحب عمامة ورداء أزهريين. وأن ما يحرس هذه الأفكار هو استخدام اسم الأموات أنفسهم، الرسول والصحابة، فمن سيتجرأ بعد ذلك على الإدلاء بدلوه؟ أو الإبداء برأيه؟

شكرا فضيلة المفتي، رسالتك وصلت وإن كانت على شكل فتوى ميتة، إنك ببعثك بهذه الفتوى الميتة – والتي لا تقدم ولا تؤخر في حياة الناس – إلى الحياة أعطيتنا درسا، ولكن المستقبل القريب سيحمل لك الكثير من الدروس. فالعديد من الناس رفضوا الفتويين واستهجنوا ما ورد فيهما وإن كان خجلا من أصحاب باقي الديانات. وعبروا صراحة عن ذلك، وهذه بداية الثورة والانقلاب، ولكننا نأمل أن تكون بداية صحيحة يبدأ الناس من خلالها البحث الدقيق عن "الحل" الصحيح لما جعل حياتهم كلها تدور في فلك البول والدم و الرضاع والمفاخذة والقتل والإرهاب ولكن بحثهم بلا شك سيكون هذه المرة بعيدا عن هالات القدسية وبعيدا عن سيوفكم البتارة، وما هي إلا مسألة وقت طالت أم قصرت.


1- الناسخ والمنسوخ، تحقيق منشور على موقع مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم، الباب السابع "باب أقسام المنسوخ"
http://www.qurancomplex.com/Display.asp?section=1&l=arb&f=nwasekh037.htm&trans=

2- سنن الترمذي حديث 1070

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=1070&doc=2&IMAGE=%DA%D1%D6+%C7%E1%CD%CF%ED%CB

صحيح مسلم حديث 2634

http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=2634&doc=1&IMAGE=%DA%D1%D6+%C7%E1%CD%CF%ED%CB










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا