الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر هانس كينغ 1-أخلاق بلا دين؟

سلطان الرفاعي

2007 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما من أحد يمكنه أن ينفي الدور الإيجابي والسلبي الذي اضطلعت به الديانات على الصعيد الأخلاقي ، شأنها في ذلك شأن كل الأبعاد التاريخية المزدوجة تجاه كل ما هو انساني . فلا يمكننا ، سواء أكان دور الديانات الكبرى جيداً أم سيئاً إلا أن نقر باسهامها في نمو الشعوب الأخلاقي والروحي ، إلا إذا نظر المرء اليها من خلال رؤية مسبقة . بيد أنه من الثابت أن هذه الديانات قد عرقلت لا بل منعت هذا النمو . فلم تبرهن الديانات في أغلب الأحيان عن دورها المحرك في التقدم فحسب ، بل ظهرت أيضاً تجاه العالم وكأنها آخر معقل لمعارضة الإصلاح وعصر الأنوار ، وكم من جرائم وحروب ارتُكبت بإسمها . ويبقى الإتهام الذي توجهه الأقلام الدينية للعلمانية والليبرالية ، عن عدم تمكنهما من احلال السعادة للبشرية ، يبقى صالحاً ليوجه للدين أيضاَ .
وبالتالي فإننا نرى في كل الديانات وجها ايجابيا ووجها سلبيا . وفي كل واحدة منها ، نرى إلى جانب نجاحها التاريخي المنتصر الى حد ما ( المعروف جيداً من قبل مناصريها) وقائع مشينة (غالباً ما يصمت عنها المناصرون) . حتى في أيامنا الحاضرة ، هناك حقبات ، كما كتب عالم النفس الأمريكي التحليلي إدغار دريبر : ( ان الديانة ذات الطابع المؤسساتي لم تنزعج كثيراً من مناصريها الغريبي الأطوار ومن الحركات غير المضبوطة التي في داخلها ومن قديسيها ومن البراهميين الشهوانيين ومن هذيان الوعاظ والفقهاء ومن الرابين المختلين ومن الأساقفة الغريبي الأطوار . هذه الديانات ليست مستعدة لتعترف بقوة طبع هؤلاء الهرطقة أو المصلحين أو المتمردين الذين تصدوا لعقائدها ).
لهذا يتساءل الكثيرون من الناس : لم لا نبني أخلاقاً من دون الدين ؟

ينبغي أن يسلم المتدينون ، بأن الحياة الأخلاقية ممكنة ، من دون الدين . ولكن كيف؟
هناك دوافع حياتية ونفسية كافية حملت عدداً لا بأس به من أبناء العصر المتنبهين على التخلي عن الدين بسبب الظلامية والخرافة وتبليد الشعوب ومقدار العنف الكبير الذي يبثه في بعض أتباعه .
من الثابت على صعيد التجربة أن بإستطاعة أناس غير مؤمنين أن يتصرفوا بتوجه أخلاقي عميق وأن يعيشوا عيشة أخلاقية من دون العودة الى الدين . فالأشخاص غير المؤمنين ، كانوا في أغلب الأحيان عبر مسيرة التاريخ ، قدوة في حياتهم في إعطاء معنى جديد للكرامة الإنسانية ، إذ أخذوا على عاتقهم بجرأة تتخطى أتباع الديانات ؛ الدفاع عن التحرر وحرية الضمير وحرية الدين وسائر حقوق الإنسان .
ومن الثابت أيضاً من خلال رؤية أنتروبولوجية ، أن عدداً كبيراً من غير المؤمنين قد طور واعترف جدياً بأهداف وأولويات وقيم وقواعد ومثُل وأنماط ومقاييس لِماهو صحيح وما هو سيء .
ولا حاجة الى النقاش على الصعيد الفلسفي أن الإنسان ككائن عاقل ينعم باستقلالية حقيقية تخوله أن يثق بالواقع ، حتى من دون إيمان بالله ، وأن يعي مسؤوليته في العالم ، أي مسؤولية تجاه ذاته ومسؤولية تجاه العالم .
ومن الواضح ، من ثم ، أن عدداً كبيراً من العلمانيين يعيش اليوم من خلال أخلاق مبنية على كرامة كل إنسان . ويرتبط بهذه الكرامة الإنسانية ، بحسب المفهوم الحالي ، العقل والاستقلالية وحرية الضمير وحرية الدين وسائر حقوق الإنسان التي فرضت ذاتها عبر التاريخ بعد جهد كبير وفي أغلب الأحيان ضد الديانات القائمة .
فمن الأهمية بمكان ، من أجل إحلال السلام بين الشعوب ، والتعاون السياسي والإقتصادي والثقافي الدولي ، والتعاون بين المنظمات العالمية كالأمم المتحدة والأونسكو ، أن يعترف اليهود والمسيحيون والمسلمون والهندوسيون والسيخ والبوذيون والكنفوشيسيون والتاويون وغيرهم ، أنه بإمكان غير المؤمنين الذين يسمون أنفسهم (أنسيين) او (ماركسيين ) أو (لا دينيين ) أن يمثّلوا ويحاموا ، على طريقتهم ، عن كرامة الإنسان وحقوقه ، أو أن يمثّلوا ويحاموا عن أخلاق إنسانية . في الواقع يتفق المؤمنون وغير المؤمنين على المادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، الذي أعتُمد قي 10 كانون الأول 1948 ، بعد الحرب العالمية الثانية :(( يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً ، فعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء --)
وينجم عن هذا أن حق الحرية الدينية يسير في اتجاهين ، أي حرية الدين من جهة وحرية رفض الدين من جهة أخرى . وهذا ما يتناساه المؤمنون المتعصبون في أغلب الأحيان . فحق الحرية الدينية يفترض منطقياً حق العيش من دون الدين : 0 لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين . ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة ، وإقامة الشعائر ومراعاتها ، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة ) المادة 18.
ويبدو أن العقل الإنساني وحده قادر على ترسيخ هذه القيم بسهولة من دون أية عقيدة دينية .
لماذا لا يُطالب الإنسان بتخطي وضعه القاصر من خلال التزام مسؤول ، وتخطي عجزه عن استخدام عقله من دون أن يوجهه أحد ، واستخدام هذا العقل من أجل بناء أخلاق تنبع من العقل ؟ هذا العجز لا يأتي ، بحسب كانط، ( من نقص في الإدراك بل من نقص في الشجاعة ) : ( لتكن عندك الشجاعة كي تستفيد من عقلك ) ! لأجل ذلك ، هناك عدد من الفلاسفة واللاهوتيين المختصين بالأخلاق يمثّلون ويحامون اليوم عن استقلالية أخلاقية يصعب على الإيمان المسيحي أن يلغيها بسهولة . فالاحترام المتبادل هو أقل ما يطلب من المؤمنين وغير المؤمنين .
لا بد إذن في سياق الاحترام المتبادل ، من تحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين من أجل ضرورة أخلاق عالمية مشتركة . :
لماذا ؟ اختصارا :
1- يهدد خطر فقدان المعنى والقيم والقواعد الأخلاقية المؤمنين وغير المؤمنين على السواء . فعلينا أن نواجه معاً ضياع التقاليد القديمة وضياع السلطات الموجهة وأزمة التوجه المحتمة التي تنجم عنها .
2- الديمقراطية من دون توافق أخلاقي مسبق لا يمكنها أن تبرر وجودها . صحيح أن على الدولة الديمقراطية الحرة أن تلتزم بالحياد في نظرتها الى العالم ؛ الا أنه لا يمكنها أن تتخلى عن حد أدنى من التوافق الأساسي ، خصوصا في بعض القيم والقواعد الأخلاقية والمواقف الجوهرية ، إذ ما من إمكانية حياة مشتركة جديرة بالإنسان من دون توافق أخلاقي جوهري
3- لا استمرارية للمجتمع الانساني دون أخلاق . هذا يعني عمليا لا سلام داخلي إن لم يُتفق على وجود حل للصراعات الاجتماعية من دون اللجوء الى العنف . ولا نظام اقتصادي وتشريعي من دون ارادة مشتركة تحترم بعض الأنظمة والقوانين . ولا وجود للمؤسسات من دون اتفاق بين المواطنين المعنيين ، ولو كان هذا الاتفاق ضمنياً.

إذا سلمنا بضرورة التحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين من أجل خدمة الأخلاق العالمية ، فهل هذا التحالف في الواقع قابل للتحقيق ؟ أجل الى جانب المؤمنين يستطيع غير المؤمنين أن يعملوا من أجل مقاومة كل نظرة عدمية مبتذلة للحياة ، وكل تهكم متفش، وكل لامبالاة اجتماعية ، وأن يعملوا بطريقة تقنعهم وتقنع الآخرين :
1- آلا يكون الحق الأساسي لكل البشر من أجل حياة تليق بالانسان مجهولاً كما بدا حتى الآن ( من دون التدقيق بالجنس والأمة والديانة والعرق أو الطبقة الاجتماعية ) يل أن يصبح أكثر فأكثر حقيقة .
2-والا تتسع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة .
3- والا تزداد الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن انتشارا في العالم الرابع.
4- وألا يُقضى على المستوى الرفاهي الذي بلغت اليه البشرية من جراء الكوارث البيئية والهجرات الى الدول التي وصلت الى هذا المستوى ,
5-وأن يكون هناك إمكانية مجتمع عالمي من دون حرب ، بحيث نعمل تدريجيا على توازن مادي برفع مستوى حياة الأكثر فقرا .
إذا أردنا في أوروبا الجديدة تجنب انبعاث التناقضات التقليدية (المحافظون-الليبراليون. الاكليروس-العلمانيون) ، هذه القارة التي لا يمكنها أن تصبح من جديد قارة مسيحية في عقلية ما قبل الحداثة ، ينبغي أن نعير اهتماما كبيرا للتحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين . بيد أن هذا التحالف لا يمكنه أن يحيق بالمشاكل المرتبطة بالمجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟