الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب والحقيقة الدينية

أمياي عبد المجيد

2007 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحقيقة الأولى التي لا مفر من ذكرها : هي أن الواقع العام العربي يشي بانتكاسة لا مبرر لها أبدا ، ليس أقلها الجمود الفكري، والركود المعرفي اللذان عمدت جهات سياسية بالخصوص إلى اقرارهما كأمر واقع يبيح طمر الضمير العربي، حتى يتسنى لها إقرار أجندتها السياسية الخاصة و المحدودة المنفعة، التي لا تتجاوز نطاق الشخصي .
بلا شك فالتغيرات التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية ألقت بظلالها على الوضع العربي بشكل كبير بل أغلب مقومات التحولات الدولية كانت نابعة أصلا من توفر شروط إقليمية بدئا بغزو أفغانستان على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر وصولا إلى اجتياح العراق عام 2003 . ليس استرجاع الذكريات الأليمة ما يهمنا في هذا المقال، ولكن ما أثارني ويثيرني باستمرار هي : ردة الفعل التي استجاب بها الشباب العربي والإسلامي لكل هذه التغيرات الدولية، والطريقة التي انخرط بها لتحقيق ذاته ورد المظالم عنه ، فاختار جزء كبير منه لغة العنف ، فيحدث أن تسمع بان عشرات الشباب المغربي مثلا يقطعون مسافات تصل إلى ألاف الكيلومترات حتى يقاتلوا في العراق، وأفغانستان في حين كان لزاما على هؤلاء الشباب أن يخرجوا المحتل الاسباني الجاثم على الأراضي المغربية إلى يومنا هذا ، أم أن الذي يقتل في العراق هو احتلال ومن استوطن ارض المغرب هو حارس أمين ؟! ذكرت هذا كنموذج لحالة الشرخ التي يعيشها الشباب ، والاختلاط المهول لمفاهيم عويصة تخلق لديهم حالة من الهستيريا المتطرفة ، والشتات الفكري ،تحت تأثير تجار الدين الذين يستغلون هذا النقص المعرفي والفراغ الروحي . بالطبع نحن لا نملك أن نتباكى على شبابنا فقط ، ولكن يجب أن نقدم على خطوة أكثر شجاعة ونعلن عن المسئول ونكشف الأوراق أمامه، حتى يقوم بدوره كما يجب ، شخصيا لست ممن يختصر القول ويلقي بالمسؤولية على نطاق الجماعة ويقول : المسؤولية تقع على الجميع ! إن فهم صيغة الجمع في هذه الحالة لا تحتاج إلى جهد كبير، يكفي أن ارتكن ويرتكن غيري إلى أن المسؤولية لا تقع على عاتق احدنا، لأننا إذا جزئنا هذا الإجماع يمكن أن أتصور نفسي معني بجزء بسيط جدا ومن السهل أن أتناسى أني معني ، وهكذا فعندما أصبحت المسؤولية معرضة للتجزئة والإقرار بالنسبية لكل طرف أصبحت كل جهة تنتظر من الأخرى أن تكشف لها عن الخيط الرفيع الذي ربما يبين الحقيقة الدينية لهؤلاء الشباب وينتشلون من براثين التطرف .
يجب أن نتشجع ونقول بان السلطة الدينية المتمثلة في رجال الدين هي المسئولة عن انتشار هذه الظاهرة ، لأنها أولا، لا تقوم بواجبها واختار عدد لا يستهان به من ممثليها للجلوس في قصر السلطان والإفتاء بما يقضي هذا السلطان ، وثانيا ، الخوف من المستقبل ، رجال ديننا يخافون من المواجهة ويرجعون كل شيء إلى ما يسمونه الحفاظ على الوحدة الوطنية ، وغيرها من شعارات الانتكاسية والانهزامية المشروخة .
إن المسلمين ما داموا يتشبثون بعقيدتهم على أساس أنها حق فهم مطالبين بإقرار منهج النقد والبرهان ونقل العقل من مرتبة الأقاويل الجدلية إلى مرحلة التجزئة العقلية ، حتى يكون المسلم يعتقد ما يعتقده على أساس برهاني وإذا ما كانت هذه المقومات أساسية للرقي بالعقل فهذا قطعا لا يعارض ما ورد في الشرع ، وكما قال ابن رشد: " الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له" .
والحقيقة أن انتشار ظاهرة الإرهاب كما سبق الذكر جاءت كنتيجة لنقص في النظر البرهاني، وبالتالي كانت المعرفة المترتبة على استقدام العقول بنيت على أساس نظري ومعرفي يتم بشكل مبسط، ويختصر مقومات عديدة في حماسة الخطاب ، ويجرد العقل من كل تصور مغاير لمفاهيم أساسية في الشريعة الإسلامية كالجهاد مثلا ، مع العلم أن الشريعة ما دامت قد نطقت بمفاهيم مضبوطة المعنى ومتغيرة الحكم فهي تصبح ظاهريا محايثة لما أدى إليه البرهان .
إن رجال الدين في العالم العربي والإسلامي بالرغم من اليقين الذي يمتلكونه من صحة أفكارهم لا يتعبون أنفسهم لشرح مقاصد الشريعة والأبعاد العقلية لكل حكم من أحكامها، مع العلم أن الذي يمتلك الأفكار الصحيحة اليقينية يمتلك أيضا أدوات قيمة للعمل ، فهو لن يحتاج إلى إقرارات خارج نطاق دينه ، ولكن المؤسف أن التبيان والشرح الدقيق لم يدخل حيز التعزيز، والفجوة لا تزال قائمة ربما تزداد مع مرور الوقت . والأمر المهم في إبراز الحقيقة الدينية : هو إقرارنا بالعيش في عالم متحول ، وبالتالي فالوقائع التي يمر بها العالم تحتمل أن تكون مضرة وان تكون نافعة ، وعادة ما يكون الفصل بين النقيضين مستعصي على العامة أولا ، لضعف الإمكانيات المعرفية ، وثانيا ، لجواز الخلط ألمفاهيمي وما يترتب عنه من فوضى في التأويل . من هنا كان دور علماء الدين تبيان الوقائع الضارة والنافعة أمر أساسي في توجيه العقل ، وهذا ما لم يأخذه الإرهاب كواقع ضار يحتاج إلى التشخيص الشرعي .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف


.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي




.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟


.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة