الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر هانس كينغ2 معضلة الدين في الأخلاق!

سلطان الرفاعي

2007 / 6 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك عدد من المؤمنين خصوصا من اليهود والمسيحيين ، ومن أتباع الديانة الصينية أيضاً ، قد وعوا منذ فترة طويلة المشكلة التي يواجهها الكثيرون في الاسلام والهندوسية . فالإشكالية الأولى هي التالية : لا يمكننا بعد اليوم في القرن الواحد والعشرين أن ندعي وجود حلول أخلاقية ثابتة تأتي من السماء أو من التاو أو من الكتاب المقدس أو من أي كتاب آخر . وهذا لا يتعارض مع الوصايا الأخلاقية ذات الطابع السامي ، الناجمة عن الكتاب المقدس والقران والتورات أو الكتابات الهندوسية والبوذية . ولكن ينبغي أن نقر أولا بأن القواعد الأخلاقية والقيم والأحكام والمفاهيم الكبرى الواقعية في الديانات الكبرى هي نتيجة سيرورة اجتماعية ديناميكية معقدة ، كما تبينه الأبحاث التاريخية . ومن السهل فهم ذلك : فالقواعد الأخلاقية التي تسير المسلك الانساني فرضت نفسها من خلال ضرورات الحياة والإلحاح والحاجات الانسانية ، أي الأولويات والاتفاقات والقوانين والوصايا والتوجيهات والعادات ، وباختصار كقواعد أخلاقية محددة . وهكذا نجد جزءً كبيراً من الوصايا التي أعلنها الكتاب المقدس كوصايا من الله ، في شريعة حمورابي ، في بابل القديمة ، بين القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد .
هذا يعني أنه ينبغي للبشر كما في الأمس واليوم أن يُخضعوا القواعد والحلول الأخلاقية للتجربة من حلال المخططات والنماذج ، وأن يمارسوها غالباً عبر الأجيال ويحافظوا عليها . وبعد فترات من اختبار هذه القيم والتعود عليها يُعترف بها في آخر المطاف . ولكن قد يحدث من جديد ، إن تبدل الوقت كليا ، أن تفرغ هذه القواعد الأخلاقية من الداخل وتتلاشى . فهل نحيا في زمن مشابه لهذا؟

صعوبة ثانية تنتصب أمام أعين المتدينين : ينبغي أن نبحث عن حلول متمايزة للمسائل والصراعات في الواقع اليومي وان نضعها في حيز التنفيذ . فسواء أكان البشر يهوداً أم مسيحيين أم مسلمين ، ام أتباعا لديانة هندية أو صينية أو يابانية فهم مسؤولون عن تطبيق قيمهم الأخلاقية في الواقع . ولكن في اي اتجاه ؟ طالما ينطلق هؤلاء من اختباراتهم ومن أنماط حياتهم المتنوعة ، عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار الواقع .
هذا يعني أنه ليس بوسع المتدينين أن يتخلوا عن إيجاد المعلومات أو المعرفة المتينة أو المسائل العالقة في أخلاقيات الحياة والأخلاق الجنسية ، حتى في الأخلاق الاقتصادية والسياسية . فعليهم أن يستخدموا البراهين الموضوعية كي يتوصلوا الى قرارات تساعد الآخرين على تطبيقها وتحقيقها والى حلول قادرة على تبني القرارات التي يعونها ، وفي آخر المطاف إلى حلول ممكنة . على المتدينين الذين يعيشون في أغلب الأحيان في الأحلام والخيال أن يعوا أنه لا يحق لهم أن يستنجدوا بسلطة ، مهما سمت، ليسلبوا البشر استقلاليتهم الداخلية . كان الفيلسوف كانط على حق حينما شدد على وجود مشترع أخلاقي في الضمير ومسؤولية ذاتية من أجل تحقيق ذاتنا وصورتنا في العالم .

وعلى المتدينين أن يتنبهوا للمعضلة الثالثة : إزاء واقع عالم التكنولوجيا المتنوع والمتبدل والمعقد الذي يصعب سبره في أغلب الأحيان ، لا تستطيع الديانات أن تستغني عن الطرق العلمية لتقّوم بطريقة موضوعية قدر الإمكان القوانين الملازمة للواقع والامكانيات المستقبلية .
ليس كل مسيحي أو يهودي أو مسلم أو بوذي أو هندوسي عادي بحاجة الى استخدام الطرق العلمية هذه . فالوعي القبعِلمي (قبيلي علمي ) للقواعد الأخلاقية المحددة ، طالما هي قائمة بعد ، ما برح يحافظ في أيامنا على أهميته الأساسية لدى قسم كبير من المؤمنين . ومن المفرح أن نشاهد عدداً كبيراً من البشر يتبنون (بطريقة عفوية )المسلك المناسب في حالات محددة ، من دون أن يكونوا قد قرأووا أية دراسة في الفلسفة الأخلاقية أو اللاهوتية . ويشهد التاريخ الحديث أحكاماً خاطئة أطلقتها عدة ديانات في مجال الحرب والعِرق أو في ما يتعلق بوضع المرأة أو بمفهوم تنظيم النسل مثلاً .فقد بات العصر الحديث معقداً بحيث لا يمكننا أن نتغاضى أو نتعامى بسذاجة عن واقع المعطيات والمعرفة الاختيارية الناجمة عن العلم ، عندما نحاول أن نحدد القواعد الأخلاقية الواقعية ، المتعلقة بالجنس أو بالهجومية ، حتى بالقوى الاقتصادية والسياسية .
هذا يعني في الوجه الإيجابي ان الأخلاق المعاصرة لا يمكنها اليوم أن تتغاضى عن علاقتها بالعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية وعلم النفس العلاجي وعلم الاجتماع ، ونقد المجتمع من خلال التصرفات البشرية والبيولوجيا والتاريخ الثقافي والأنتروبولوجيا الفلسفية . لا ينبغي للأديان بشخص القيمين عليها أن يخافوا من هذا الاتصال . فالعلوم الإنسانية خصوصا تزود بكمية وافرة المعرفة الإنسانية . ومن الممكن أن نستخدم هذه المعرفة كوسيلة لمراقبة قراراتنا ، حتى لو أن هذه العلوم لا تستطيع أن تحل مكان القواعد الأخلاقية النهائية للأخلاق الإنسانية .
إزاء تفاقم المسائل الكبرى المعقدة ، تجد المبادئ الأخلاقية نفسها دوماً في حالات من الصراع والاصطدامات في تطبيق الواجب ، فنادراً ما تكون حالة ما واضحة في القرار الأخلاقي أو حتى في عكس هذا القرار . فما الحل ؟
في الحالات الواقعية ينبغي للفرد (أي العالِم مثلاً) كما للمؤسسات (أي العلوم، ومعاهد الأبحاث والمصانع ، مثلاً ) أن يختاروا بين خيرين يصعب فصلهما (على الصعيد الفردي مثلاً ، الاختيار بين حياة الأم أو حياة الطفل الذي لم يولد ، وعلى الصعيد الاجتماعي ، إيجاد فرص عمل أو المحافظة على البيئة ) ٍ
إزاء تفاقم المسائل الكبرى المعقدة ، تجد المبادئ الأخلاقية نفسها دوماً في حالات من الصراع والاصطدامات في تطبيق الواجب ، فنادراً ما تكون حالة ما واضحة في القرار الأخلاقي أو حتى في عكس هذا القرار . فما الحل ؟
في الحالات الواقعية ينبغي للفرد (أي العالِم مثلاً) كما للمؤسسات (أي العلوم، ومعاهد الأبحاث والمصانع ، مثلاً ) أن يختاروا بين خيرين يصعب فصلهما (على الصعيد الفردي مثلاً ، الاختيار بين حياة الأم أو حياة الطفل الذي لم يولد ، وعلى الصعيد الاجتماعي ، إيجاد فرص عمل أو المحافظة على البئة ) . ولكي نسهل هذا الاختيار الذي يحمل اليوم أبعاداً مكانية وزمانية جديدة ، فرزت الأخلاق الجديدة سلسلة من الأنظمة المفيدة والأكيدة :

قاعدة لحل مشكلة : أن لا يكون هناك تطور علمي أو تقني يخلق مشاكل أكثر من الحلول عند تحقيقه . مثلاً : إلغاء المرض الوراثي من خلال التلاعب التناسلي في الانسان .
قاعدة لتحمل المسؤولية : كل من يعرض معرفة علمية جديدة أو ينادي بابتكار تقني جديد ، وكل من يستخدم إنتاجاً صناعياً معيناً ينبغي له أن يبرهن أن ما صنعه لن يكون له نتائج اجتماعية أو بيؤية مفجعة ، مثلاً إنشاءمعمل أو ترك نباتات أو فيروسات خضعت للتعديل بواسطة الجينة خارج المختبر أو في الهواء الطلق .
قاعدة من أجل الخير العام : ينبغي للمصالح العامة أن تمر قبل المصالح الخاصة ، شرط أن نحترم كرامة الشخص الإنساني وحقوق الإنسان مثلاً دعم الطب الوقائي أكثر من الطب العلاجي .
قاعدة ملحة : القيمة الملحة (استمرارية الانسان أو الانسانية ) لها أفضلية على قيمة عليا ( تطور ذاتي لإنسان أو لفريق معين ) .
قاعدة البيئة : تعطى الأفضلية للنظام البيئوي ، الذي ينبغير أن لا يدمر ، على حساب النظام الاجتماعي ( الاستمرارية خير من عيش أفضل ) .
قاعدة المعكوسية : في التطورات التقنية هناك أفضلية للتطورات التي تمكننا من العودة الى نقطة الانطلاق لا الى التطورات التي تسير في اتجاه واحد ، أي الا يكون ثمة ثمة تطورات مطلقة إلا حيث يجب أن تكون . مثلاً ، إن الجراحة التناسلية من شأنها لاىأن تبدل كل النظام التناسلي للتحقق التناسلي عند الانسان . فتغيير نواة ىالخلايا الجنسية قد يكون له نتائج خطيرة على الاجيال اللاحقة .
المعضلة دون شك هي التالية : بوسع الأخلاق التي تًبنى على العقل ، من خلال قواعد أكيدة ، أن تأمر بتصرفات وأنماط حياتية كوضع حواجز للذات ، والقدرة على صنع السلام ، والعدالة التوزيعية ، وترقيبة الحياة----ولكن ، كلما طرح المرء أسئلة في ما يتعلق بالدوافع الأخلاقية ومدى درجة إلزامها وشرعيتها المشتركة والمعنى النهائي للقواعد الأخلاقية ، ازداد دور الديانات في تقديم ما هو خاص بها .

دمشق
31-5-2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا