الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر هانس كينغ3ديانات للسلام وللحرب

سلطان الرفاعي

2007 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بيروت ، نيسان 1967 ، اليوبيل المئوي للجامعة الأمريكية . دعوة لاهوتيين مسيحيين وفقهاء مسلمين . لم يجر أي لقاء ، كل منهم ألقى كلمته بوقت منفصل وبعيد . سؤال لوزير خارجية لبنان السابق شارل مالك رئيس المؤتمر ، أجاب عليه : إنه سابق لأوانه هذا اللقاء !
وقد شُبه لبنان في تلك الحقبة من الزمن (بسويسرا الشرق الأوسط ) ، وبجزيرة سلمية بين المناطق والديانات التي كانت مسرحاً لصراعات قاسية . بيد أنه بدأ يهمس في تلك الحقبة أن الوضع يدعو الى الانفجار ، وأن التوازن السياسي بين المسيحيين والمسلمين بات هشاً ، وأن هيمنة المسيحيين مهددة بالانفجار السكاني الإسلامي ، وأن دستور الدولة الحالي لن يكتب له العيش طويلاً .
واليوم بعد واحدة من أطول الحروب المدنية وأرهبها في التاريخ ، بين أناس حضاريين ، كما يدعون . أصبح هناك قناعة ؛ أنه لو سعى اللبنانيون منذ خمس وعشرين سنة إلى حوار ديني جدي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان ، ولو حظي هذا الحوار بحماية الجماعات اللبنانية ، لما كان لبنان اندفع إلى كارثة بهذا الحجم . فقد كان بوسع التفاهم الديني أن يرسي قواعد لحل سياسي عاقل وعادل . وكان بوسع هذا التفاهم أن يخفف من تعصب العنف والقتل والدمار الذي غذاه الدين (القتل على الهوية ) . فمنذ السبعينات كان بوسع المسيحيين ، انطلاقاً من عقلية التخلي المسيحي عن السلطة ، ومن طبيعة دينهم المسالم ، أن يقدموا إلى المسلمين طوعا التنازلات التي انتزعت من حكومة أمين الجميل بالسلاح في اثمانينات ، بوم كانت هذه التنازلات عاجزة عن إعادة السلام إلى البلاد .وخلاصة القول أنه كان باستطاعة اللبنانيين أن يتلافوا الحرب المدنية وإراقة الدماء من دون أن نرى النهاية ----. وإني لمقتنع أن دولة اسرائيل ومدينة أورشليم ، كما هي الحال في لبنان ، لا تستطيعان أن تحصلا على السلام إلا من خلال الحوار الديني والسياسي بين اليهود والمسلمين ، بين الاسرائيليين والمسلمين ، دون أن نعِد لحرب سادسة وسابعة وثامنة .

ويبقى السؤال دون شك بحق : هل بوسع الديانات أن تُنجز ما هو سبب وجودها ؟
من الثابت ، وردا على هذا الجواب ، أن الديانات تركت وما برحت تترك تأثيرات سلبية مدمرة لا تقاس ؛ كما تركت معارك كثيرة وصراعات دموية (حروبا دموية ) سُجلت على اسمها ، وأثارت عدداً كبيراً من الصراعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية من جهة ، أو أوحت بها أو شرعتها ، وهذا القول يصلح أن ينسب إلى الحربين العالميتين .

لقد حصلت مذابح وحروب كثيرة لا في الشرق الاوسط بين الموارنة المسيحيين والسنة والشيعة المسلمين ، بين السوريين والفلسطينيين والدروز والاسرائيليين فحسب ، بل بين العراقيين والايرانيين ، بين الهنود والباكستانيين ، بين الهندوسيين والسيخ ، بين البوذيين السنغاليين والهندوسيين التاميل ، وقديما بين الرهبان البوذيين والنظام الكاثوليكي في فييتنام ، وحديثا عار الأنفال والمذابح بين الشيعة والسنة في العراق اليوم ؛ فإذاكان لهذه المذابح والحروب طابع تعصبي دامِ وقاسِِلا يوصف ، فلكونها تيتند إلى جذور دينية . فالمنطلق هو التالي :إذا كان الله نفسه (معنا) ومع ديانتنا وطائفتنا وأمتنا وحزبنا ، يصبح جينئذ كل شيء مباحاً ضد الطرف المعادي ، إذ هو من الشيطان . فنسمح لنفسنا أن نجرح ونحرق وندمر ونقتل ونفجر كنائس ونحرق حسينيات دون أي رادع باسم الله .

ولكن أيضاً بوسع الديانات أن تترك تأثيراً ايجابياً ، وقد أسهمت كثيراً في ذلك . وبوسعها ، عبر الأفراد والفرق الدينية أو عبر الجماعات الدينية ، أن تعمل بفعالية في العالم من أجل السلام والعدالة الاجتماعية واللاعنف ومحبة القريب . وبوسع هذه الديانات أن تنشر وتحيي مواقف أساسية كإرادة السلام والعدول عن العنف .

بقيت فرنسا وألمانيا إبان قرون عدوتين لدودتين . ففي القرنين التاسع عشر والعشرين ، انطلاقاً من نزعة قومية ، خاضت الدولتان غمار ثلاثة حروب ، أثنتان منها أوصلتا إلى حربين عالميتين . فإذا لم تستيقظ الأحفاد القديمة بعد الحربين العالميتين ، وإذا لم تغلِب سياسة الثأر مرة أخرى ، وإذا باتت حرب جديدة بين فرنسا والمانيا غير معقولة اليوم ، فالعالم مدين إلى أشخاص ، مثل شارل ديغول وكونراد ادناور وموريس شومن وجان مونييه والسيد دي كاسباري . لم ينغلق هؤلاء السياسيون الكبار على ذواتهم في عقلية بيروقراطية وتكنوقراطية كما يحصل في بروكسل . بل حددوا موقفهم من خلال اختباراتهم الرهيبة ضمن رؤية تحمل بعداً أخلاقياً ودينياً . لتضع نهائياً حداً لهذه الحروب بين الأمم الأوروبية . فأوروبا الموحدة في تجذرها المسيحي الغربي وفي اقتصادها وسياستها الدفاعية هي أهم ضمانة لتعايش سلمي بين الشعوب في المستقبل . ولكي يعبر ديغول وادناور عن هذه المصالحة بين فرنسا وألمانيا التي تنبع من روح مسيحية ، بعد كل الويلات التي ارتُكبت في عقلية منافية للمسيحية ، دمغا هذه المصالحة بقداس أمام العالم بأسره في كاتدرائية (رمس) والتي كان يتوج فيها ملوك فرنسا .

فإذا اضطلع رؤساء كل الديانات الكبرى حتى الصغرى بمسؤولياتهم اليوم وأبدوا رأيهم بعزم في السلام ومحبة القريب واللاعنف والمصالحة والغفران ، فأي وقع يكون لعملهم على عالم الغد ؟ عوضاً عن اصدار البيانات والفتاوى التكفيربة والتدميرية والدموية والاجرامية ، بحق أخوة لهم في الإنسانية .
فعلى ديانات العالم اليوم أن تقر بمسؤوليتها بالاشتراك مع الآخرين من اجل السلام في العالم . لذا لا ننفك في ترداد موقفنا : لا سلام بين الأمم من دون سلام بين الأديان . أي لا سلام عالمي من دون سلام ديني .

دمشق
2-6-2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا