الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادية التاريخية : خامس عشر : خامس عشر : ظهور البلدات الإقطاعية

عمر أبو رصاع

2007 / 6 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


خامس عشر : ظهور البلدات الإقطاعية
The Feudal Towns
ارتبطت بداية العصر الاقطاعي في أوربا بوراثة الشعوب البربرية الوندال ، الإفرنج ، القوط ، الهون...الخ للامبراطورية الرومانية إثر تحلل النمط العبودي كما سبق وبينا و انعكاسه ضعفاً لقوة وسلطة الإمبراطورية، فاتحة بذلك العصر الوسيط للانسانية مع اواسط القرن السادس للميلاد ، حيث تكرس المجتمع الفيودالي ، مجتمع قائم على الطبقية، هيمنت فيه العناصر الاساسية للطبقة ثقافياً ، لتصبح محكمة الاغلاق ومرتبطة كلياً بملكية الأرض الزراعية التي اصبحت فيما بعد دولة داخل الدولة أو أن مجموع الاقطاعيات معاً يشكل دولة على رأسها نظام ملكي يستمد شرعيته من الارستقراطية الاقطاعية التي يقف على رأس هرمها.
أخذت العلاقات شكلاً قانوني فهناك واجبات محددة تبعاً للمرتبة الاجتماعية فالسيد الاقطاعي له على الملك ان يتنازل له عن ادارة الاقطاع وتحصيل الضرائب و المكوس ومختلف الغرامات والاشراف الاداري والقضائي في نطاق اقطاعيته أي أن للاقطاعي على الملك أن يمنحه كامل سلطة الدولة الملكية في نطاق اقطاعيته ، وللملك على الاقطاعي خدمته في الحرب والسلام وتقديم الهدايا والتعويضات المالية ، اما التابع في نطاق الاقطاعية فهو يتعامل مع الاقطاعي او السيد النبيل من منطلق كون هذا الأخير صاحب امتياز إلهي إنه الدولة والسلطة والقوة ونائب الملك وبالتالي قدر إلهي عليه طاعته وتقديم كل ما يأمر به من ضرائب ومكوس وخلافه وسنتكلم لاحقاً عن دور الدين الأفيوني في هذا الإطار.

عبر النظام الفيدالي هذا تكرس بشكل قوي النظام الاقطاعي الذي يركز اساساً على انتاج الأرض وملكيتها ، انها الشكل النهائي للثروة والسيادة والقوة ، وكما بينا نجح الإقطاع في تطوير انتاجية الأرض واستصلاحها توسيع الرقعة الزراعية لتشمل معظم الأرض الأوربية من ناحية وزيادة الانتاجية عبر التنظيم في الزراعة من ناحية ثانية بدخول المحراث وطواحين الماء والهواء ايضاً.
باكتمال الاستيلاء على الارض تحول الصراع عليها إلى تناحر بين المقطعين انفسهم ، صراع على ملكية الأرض الزراعية وعلى اخضاع المناطق والفلاحين لتبعية الارستقراطي النبيل ، اي صراع بين النبلاء انفسهم من أجل الأرض والفلاحين ، لكن هذا الصراع على قوة العمل كان وقوده ايضاً قوة العمل نفسها فالقتلى والجرحى المعوقين هم الفلاحين انفسهم في هذه الحروب الطاحنة لاشباع نهم الأرستقراطيين للاستيلاء على المزيد من الثروة.
طور الاقطاع الصناعة الحرفية في خدمته لانتاج وسائل الانتاج الزراعية (الأدوات الانتاجية) والسلاح الضروري للحروب ، وكذلك تطور انتاج الحلي والتحف لتعج بها قصور وخزائن الفيوداليين الارستقراطيين.
لم يظهر نظام الأجور في أوربا إلا في القرن الرابع عشر حيث وصلت الصناعات الحرفية لمستوى عال من الأهمية خاصة مع اكتشاف البارود حيث اصبحت صناعة الادوات الحربية أهم ما يعتني به الإقطاعيون سواء للحفاظ على اقطاعياتهم أو للغزو والحصول على إقطاعيات جيدة او توسيع ما لديهم ، ويبقى هذا العامل الرئيس في احباط النمط الاقطاعي الذي هيمن طويلاً ، فبعد ان استقرت الانتاجية التي يمكن ان تمنحها الأرض كما قلنا لم يعد من بديل عن الحرب من أجل المزيد من الأرض والفلاحين الذين هم انفسهم أيضاً وقود هذه الحرب ، لقد استوفى النظام الإقطاعي شكله النهائي واستنفذ اعراضه ، وبدأ النظام الإقطاعي يفرز من رحمه بديله الجدلي في البلدات ، هذه البلدات التي كانت في مطلعها لا تقارن بحال بالمدن الرومانية الكبيرة قبلها ، إلا ان المدن الرومانية القديمة لم تكن لتملك ما ملكته هذه البلدات من مقومات للتطور ، إن وجود شكال انتاج او بروز اولي لنمط انتاج جديد في هذه البلدات الصغيرة يمثل اللبنة الأولى في بنية الرأسمالية الجديدة ومدماكها ، انها المحرك الذي شاد عظمة هذه البلدات لتصبح مدائن للرأسمالية وتلتهم الإقطاع ونمطه فيما بعد.
هذه البلدات الصغيرة نشأت كمراكز تجميع اسواق للاقطاعيات وللتجارة البينية بين الاقطاعيات على ضآلتها ، والأهم انتقال الحرف التدريجي إليها بحثاً عن حرية السوق وتمويل التجارة .
فيما الانتاج الحرفي في الاقطاعية اتسم بعدم الاختصاص والمنزلية بدأ يظهر نمط مختلف أكثر اتقاناً ومهارة في هذه المدن وأقل تكلفة .
في الأسس كانت هذه البلدات مكاناً لتجمع الغلال ومنتجات صغار المزارعين والحرفيين ، يعني يمكن القول انها شكل اولي لسوق مفتوح ، بالضرورة أدى لظهور التجارة كحرفة مزدهرة ، وبدأ هذا التاجر يمد خيوطه داخل الإقطاعيات بحثاً عن المنتج الحرفي ملابس وتحف و لوازم و أسلحة واواني وعدد ...الخ ، بدأ بتمويل الانتاج الحرفي داخل الاقطاعيات نفسها عن طريق تزويد الحرفيين في بيوتهم بالمواد الخام ليتموا له ما يطلبه من منتجات حرفية يحملها للسوق في البلدة .
اصبحت هذه البلدة تعرف بالكمونة ، هناك حيث بدأ يتجمع الحرفيين وتنشأ نقاباتهم ونشط التاجر المصنع الذي انتقل لمرحلة جديدة ، فبتطور أدوات الانتاج الحرفية الأكثر انتاجية ودقة ومهارة زود التاجر الحرفي في بيته في الاقطاعية بالآلة وهكذا بدأت هيمنته عليه حيث قام باحتكاره من خلال تزويده بأداة الانتاج من ناحية والمواد الخام من ناحية أخرى أول اشكال رأس المال الصناعي المنتج قبل ان يستقدمه نفسه إلى المصنع أي انه جرده من كل شيء إلا قوة عمله هو ولم يعد له من غنى عن التاجر المصنع الذي دخل وسيطاً بينه وبين السوق ثم امتلك اداة انتاجه ، أول اشكال المصنع ذلك المكان الذي شيّده في البلدة ليجمع فيه الحرفيين والآلات والمواد الخام تحت ملكيته وادارته ، نمط استغلال جيد لليد العاملة مع فارق أساسي وجوهري هو تحول العلاقة بين العامل الحرفي هذا وبين التاجر إلى علاقة يحكمها الأجر بالقطعة غالباً.
وبدأ التدفق العارم من الإقطاعيات الريفية إلى هذه المدائن بحثاً عن شروط عمل وحياة أفضل ، فشروط العمل في المدينة الجديدة على اي حال هي خير من العمل بالسخرة والاستغلال الوحشي للأرستقراطيين وكذلك البلدات مكان أكثر حرية وامتلاء بألوان العيش المختلفة والحياة الحضرية، في المقابل كانت النقابات الحرفية تقاوم انضمام العمال الجدد لها وتحاول ان تغلق الطريق عليهم ، إلا ان مصالح التاجر المصنع الجديد هذه القوة المتنامية عبر نقابات التجار في المدن الجديدة كان يصعب مقاومته إضافة للحاجات المتنامية للانتاج الحرفي بلا حدود ، وسرعان ما خضعت المدن الجديدة لسيطرة وارادة التجار وبقيت قوة نقابات الحرفيين على أهميتها ضعيفة في مقابلتها ولم تظهر ثوراتها إلى أواخر العصر الوسيط.
في هذه البلدات الناشئة أخذ تنظيم العلاقة شكلاً أكثر تحضراً ، وكانت مشكلة الدستور مشكلة محورية في تنظيم عملها بدلاً من مسألة الحقوق المقدسة التي يتمتع بها الأرستقاراطيين ، فالكل في المدن عامة بما في ذلك التجار القوة الكبرى في المدينة لم يكونوا لا نبلاء ولا حتى متمتعيين بألقاب او امتيازات ملكية .
تطور المدينة فرض ايضاً تطور اجباري على الإقطاعية نفسها ، فلم يعد ممكناً الاحتفاظ بنظام الأقنان ، بدأ الرق ينحسر بشكل كبير ، في انجلترا على سبيل المثال لا الحصر انتهى نظام استرقاق الانسان مع الأرض ، أي فصلت ملكية الأرض عن ملكية من عليها ، لأنه اصبح بإمكان من عليها من بشر أن يفروا إلى المدن الجديدة ، لهذا حل نظام استغلالي جديد اكثر رقي عن طريق عقود تأجير هذه الأرض للفلاحيين يستولي اللورد بموجبه على معظم فائض الانتاج ولا يبقى للفلاح إلا الفتات ، لكن هذا من ناحية أخرى دفع الفلاح للمزيد من الجهاد من اجل زيادة انتاجه الذي يدفعه للأسواق من اجل فائض قيمة أكبر، النظام الجديد حاصر جزء مهم من اليد العاملة الفائضة في الاقطاعيات فبتأجير الأرض انكشفت البطالة المقنعة وبالتالي وجدت أعداد هائلة من الهائمين على وجوههم بدون عمل يبحثون عما يسد الرمق ومع اوائل القرن السابع عشر كان أكثر من ربع الناس يعملون في الشحاذة أو ما في حكمها .
لقد جاء التطور الجديد مؤلماًَ فما أحدثته المدائن الحرفية من ناحية من تطور وزيادة في الانتاج وتقانته ومن ناحية اخرى انعكاسه على اسلوب تنظيم العلاقة بين المالك الإقطاعي والفلاح عبر عقود الايجار أوجد جيش من العاطلين الفائضين عن الحاجة الذين لا يتقنون حرفة ولا يستأجرون أرض فيعيشون عالة على بقية المجتمع ويمثلون أديم الأرض المنتهك.


(يتبع)

: ملحوظة
لقراءة الحلقات الكاملة للماديتين

http://www.mi3raj.net/vb/showthread.php?t=95&page=1
أو
http://www.rezgar.com/m.asp?i=479










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا