الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مجتمع مدني - ديمقراطي - عراقي

معتز حيسو

2007 / 6 / 6
المجتمع المدني


تقديم :
ـــ من اللافت أن فكرة تأسيس مجتمع مدني ــ ديمقراطي ، ظهرت في البلدان العربية ــ نتيجة أزمة شاملة ومركبة تعيشها المجتمعات والنظم العربية ــ وعلى أثر فشل التجارب الشيوعية الرسمية ــ وتراجع التنظيمات الشيوعية المعارضة مما أدى إلى انتقال معظم هذه الفصائل للعمل في الحقول المدنية.
بالمقارنة فأن نشوء مفهوم المجتمع المدني وتشكله موضوعياً في البلدان الغربية كان مترافقاً مع تطور البرجوازية بكونه تجسيداً لنظام اجتماعي محدد و ملموس وفق آليات تطور موضوعية ترافقت مع تطور تدريجي لمؤسسات الدولة والسلطة بآن .
وعليه كانت مؤسسات المجتمع المدني في عصر التنوير ومرحلة النهضة الصناعية تعبيراً عن ثورة مفاهيمية تساوقت مع نهوض اجتماعي عام أسس في حينه لمجتمعات ديمقراطية.
وهذا لاينفي بطبيعة الحال الانفصال الذي حصل لاحقاً بين المستويين الديمقراطي ــ والاقتصادي الذي تابع نموه الخطي مساهماً في تجسيد نظام اجتماعي يتسم بزيادة الاستقطاب الإجتماعي ، وتزايد حدة الاحتكار ، وهيمنة الشركات ( الأممية ) سوء توزيع الثروة القومية ، والناتج القومي ، مما أدى إلى زيادة حدة التناقض والاستغلال.. حفاظاً على استثمارات الشركات العملاقة . وقد دخلت معظم البلدان الأوربية مرحلة من التناقض بين مؤسسة الدولة ، وبين الشركات التي باتت تهيمن على أجهزة ومؤسسات الدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشكالية الإنتقال إلى مجتمع مدني ــ ديمقراطي :
-----------------------------------------
يمكن أن تكون مقاربة الواقع العراقي في تحديد آليات وأسباب الانتقال إلى مجتمع مدني ــ ديمقراطي، لا تختلف بالشكل العام مع باقي الأقطار العربية ،ذلك لكون معظم المجتمعات العربية خضعت بأشكال متفاوتة نسبياً إلى أشكال من النظم السياسية ( شمولية ـ استبدادية ـ ديكتاتورية ـ عسكرية.. ) التي فشلت في إنجاز المشروع الديمقراطي ــ التنموي ، والذي كان من أسبابه الرئيسية التبعية للخارج ،القطع مع القاع الإجتماعي ، و العمل على إنجاز مشروع وطني في الظاهر، لكنه بالمضمون يتناقض مع مصالح أوسع الشرائح الإجتماعية السياسية والمدنية ... وقد أكدت نتائج الممارسة السياسية لهذه النظم بأن نجاح أو فشل أي مشروع اجتماعي يرتبط بمدى المشاركة الإجتماعية.
إن التوسع الأفقي والبنيوي الراهن للنظام الرأسمالي المعولم والمترافق مع تراجع تجارب( اشتراكية الدولة ) وظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقطب مهيمن على المتغيرات الدولية بالترابط مع تزايد هيمنة بعض المؤسسات الدولية ( البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية .. ) وبعض الشركات العابرة للقومية والشركات المتعددة الجنسية ، وضع البلدان العربية ونظمها السياسية المسيطرة في أزمة مركبة :
أولاً : لكونها لم تنجز مشروعها التنموي الديمقراطي.
ثانياً : لأن الميل الدولي العام بات يتجه نحو تعميق النظام الرأسمالي المعولم .
ثالثاً :تساوق نمو التيارات الإسلامية الأصولية التكفيرية مع تنامي المد الإسلامي ،... في مناخ سياسي تغيب عنه قوى اليسار بفعل الممارسة السياسية الرسمية ، لتقع المجتمعات العربية رهينة التطرف الإسلامي الأصولي التكفيري . ويترافق هذا مع تزايد الضغوط الدولية على الحركات الإسلامية في سياق مواجهتها للإرهاب ، وممارسة المزيد من الضغوط على الأنظمة المسيطرة بحجة الحرب ضد الإرهاب من أجل فرض مجموعة من التغييرات السياسية والاقتصادية التي يتقاطع البعض منها نسبياً مع التوجهات والميول الليبرالية للنخب السياسية المسيطرة .
لكن بالمقارنة بين الدول العربية والواقع العراقي فإن الاحتلال الأمريكي يشكل العلامة الفارقة . إذ أن الأزمة العراقية تتجلى بكونها أزمة مركبة تتعايش وتتصارع فيها ( قوى الاحتلال وتوابعها ،قوى عراقية وعربية .. موظفة لإنجاز مخططات إقليمية ودولية ، قوى إسلامية تكفيرية ومعتدلة ، قوى بعثية ، قوى يسارية .. ) . ليشكل هذا التداخل لوحة متناقضة ، تحديدها أو الفصل فيها لتحديد مخارج ديمقراطية على غاية من الصعوبة .
لكن من البداهات التي يجب التذكير بها بأن النظام العراقي السابق أسس بفعل ممارسته السياسية القائمة على الاستبداد واحتكار السلطة والتمييز والاضطهاد المذهبي و القومي ،وتغييب الفعاليات المدنية والسياسية المستقلة والمعارضة ، لسيرورة العراق الراهن الذي يقع فيه المجتمع العراقي في لحظة التدخل الخارجي أسير تناقضاته وخوائه الداخلي في أزمة مجتمعية مركبة يصعب الخروج منها. وهذا لايلغي الجوانب الإيجابية التي أسس لها ( نهضة صناعية ، ترسانة عسكرية ، نهضة علمية .. ) والتي كانت أحد أسباب التدخل الأمريكي . و قد تقاطعت نتائج الممارسة السياسية للنظام العراقي السابق مع مفاعيل وآليات المشروع الأمريكي في تفجير إشكاليات المجتمع العراقي.
إن الأزمة الراهنة تتطلب منا العمل على إيجاد آليات للخروج من الأوضاع الراهنة ، وإذا كانت معظم البلدان العربية تعاني من ارتهان مؤسسات الدولة لمصالح النخب الحاكمة ، فإن تحرير هذه المؤسسات يعتبر الخطوة الأولى في انجاز مشروع المجتمع المدني ــ الديمقراطي القائم على تحرير الإنسان من التبعية والخضوع والولاء .
ــــ تحديدات أولية من أجل بناء مجتمع مدني ــ ديمقراطي :
1ــ انسحاب قوات الاحتلال من العراق ، وحتى يكتمل انسحابها يجب أن تمارس دورها في الحفاظ على السلم والأمن الأهلي ، والتوقف عن إثارة الفتن والمعارك الطائفية .
2ــ توجيه المقاومة إلى قوى الاحتلال ، والتوقف عن استهداف المدنيين .
3ــ العمل على استعادة هيكلية الدولة ومؤسساتها لتمارس دورها في الحفاظ على وحدة العراق وسلامة مواطنيه بعيداً عن التميز الطائفي والجهوي .. والحفاظ على دور مؤسسات الدولة في القطاعات الأساسية والخدمية .
4ــ التأكيد على أهمية الدعم الدولي بأشكاله الإنسانية للمساهمة في استعادة وتأهيل مؤسسات الدولة والمجتمع .
5ــ العمل على تجسيد المشروع التنموي ــ الديمقراطي القائم على تفعيل الحريات العامة والحريات السياسية .
6ــ تقويض النزعات الطائفية ، المذهبية ، الإثنية .. والعمل على بلورة مناخ سياسي يقوم على التعددية والتنوع الديمقراطي في ظل مناخ من التعايش السلمي .
7ـ الابتعاد عن الشوفينية القومية ومعالجة قضايا الأقليات ( المذهبية ــ الإثنية ) ديمقراطياً و الاعتراف بحقوقهم كاملةً في سياق المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً .
8ــ الابتعاد عن التعصب الإيديولوجي والعمل على تجسيد التجربة الديمقراطية من خلال الممارسة الفكرية والسياسية النقدية البناءة ...
9ــ العمل على تنسيق وتوحيد كافة الجهود الهادفة إلى تجسيد مشروع ديمقراطي ــ علماني ــ تنموي يقطع مع كافة أشكال الاستبداد والاحتواء والتبعية والارتهان للخارج في سياق الوحدة الوطنية للوصول إلى مجتمع يقوم على التعددية السياسية المتجاوزة لتناقضات المرحلة الراهنة ( طائفية ـ عرقية ـ إثنية ـ عشائريةـ عائلية .. )
10ــ توسيع وتعميق التنسيق بين القوى المدنية والسياسية العراقية والفعاليات الديمقراطية العربية والإقليمية ، للمساهمة في إنجاز وترسيخ مشروع بناء الدولة الديمقراطية القادرة على مواجهة التناقضات والتحديات الداخلية ، والضغوط الخارجية التي ساهمت في تخريب مؤسسات الدولة العراقية و تسعى إلى تهميش دور الدولة وإطلاق الحرية المطلقة لحركة رأس المال تحقيقاً لمصالح الشركات العولمية .
11ــ التأكيد على ضرورة إرساء الحريات السياسية من خلال الممارسة السياسية الديمقراطية في سياق تجاوز الأزمة الراهنة وترسيخ سيرورة تطور مجتمعي وطني ديمقراطي أساسه حقوق المواطنة.
12ــ بناء مؤسسات الدولة على قاعدة فصل السلطات وفق آليات تساهم في بناء دولة المؤسسات المعبرة عن المجتمع المدني ــ الديمقراطي بعيداً عن أشكال الاستبداد السلطوي القائم على الشمولية.
14ــ التداول السلمي للسلطة .
15ــ إطلاق حرية العمل السياسي والمدني والحقوقي .
16ــ إطلاق حرية المشاركة الديمقراطية في الشأن العام .
17ــ التأكيد على ضرورة استقلال مؤسسات المجتمع المدني عن السلطة السياسية في سياق التفاعل والتبادل المشترك
18ــ صياغة دستور علماني مدني يعبر عن الواقع الإجتماعي ويستجيب لمهماته الراهنة.
19ـــ سيادة القانون المدني والعلماني على كافة المواطنين والفئات والشرائح الإجتماعية بعيداً عن كل أشكال التمييز( العرقي ، الطائفي ، العشائري .... ) .
20ــ العمل على بناء مشروع ديمقراطي تنموي يقوم على التوزيع العادل للثروة و استيعاب العاملة الوطنية في سياق مواجهة البطالة وتحسين الدخل الفردي والقدرة الشرائية بشكل يتناسب مع الأسعار و حجم الإنتاج والعرض السلعي للتخفيف من حدة التباين والتناقض الطبقي ، والعمل على حماية وترسيخ الإنتاج الصناعي الوطني المنافس بمشاركة القطاع الخاص المنتج . وتجسيد مفهوم قيمة العمل كقيمة إنسانية.
21ــ العمل على ترسيخ التكامل العربي للحد من أثر التحديات والتناقضات الدولية .
22ــ وضع نظام ضريبي تصاعدي على حركة الرساميل ومعدل الربح في القطاعات الإنتاجية ، وتخفيض المعدلات الضريبية على أصحاب الدخل المحدود ،وتقييد قوانين الإعفاء الضريبي بشكل مدروس بما يحقق تفعيل وتطوير التنمية الاقتصادية .
23ــ محاربة كافة أشكال الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
24ــ التأكيد على ضرورة فصل الدين عن الدولة في سياق ممارسة علمانية تقوم على حرية الاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية .
25ــ العمل على ترسيخ حقوق الإنسان وفق شرعة الأمم المتحدة .
إن ما أوردناه يدفعنا للعمل على تجاوز الأزمة الراهنة بناءً على وعي سياسي جديد يؤسس إلى دولة المؤسسات المدنية المستقلة والمتفاعلة جدلياً على أساس تحقيق سيادة مفهوم المواطنة بشكل يقطع مع كافة أشكال الاستبداد، ويؤسس لمشروع ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية.
ويمكن اعتبار النقاط الواردة مدخلاً للتغيير الديمقراطي في سياق التأسيس لمشروع مجتمع مدني ــ ديمقراطي تساهم فيه كافة الفعاليات الوطنية على قاعدة المشاركة الديمقراطية المدنية السلمية. وجميع ما أوردناه يخضع للنقد والتطوير على أرضية التنسيق المشترك لبناء مجتمع ديمقراطي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م