الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير الحزب الشيوعي العراقي : صوت للعقل

عبد العزيز حسين الصاوي

2007 / 6 / 12
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


مشاهد طاحونة الموت العبثي العراقيه تستدعي الي الذاكرة شطرا بقي فيها من قصيدة لصلاح عبد الصبور يقول : " لايعرف مقتول من قاتله ومتي قتله" . عربيا البعض يسمي هذا مقاومه وامريكيا يطلق عليه مكافحة الارهاب. مقاومة تتذابح فيها مليشيات السنة والشيعة فيموت مقابل كل جندي امريكي المئات من العراقيين بأيدي مواطنيهم. مكافحة للارهاب تفرخ منه اشكالا والوانا جديدة تتنافس في بشاعتها ولا انسانيتها محققة فائضا يصدر الي الغرب نفسه. الماسي التي تنضح بها حياة العراقي العادي يعكسها هذا المطلع لموال عراقي :

قبل ماننسي ميت لو تمر سنين

هسه العصر ندفن والصبح ننسي

ما يحدث في العراق انفلات من ابسط قيود العقلانية، ومن هنا ضرورة التنويه بكل ما يمكن تصنيفه بالضد من ذلك، مثل التقرير السياسي للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي. دون مجاملات او اندفاع بلهفة البحث عن كوة ضوء في الظلام يمكن وصف التقرير بأنه صوت للعقل وسط مايبدو جنونا عراقيا محضا. يتميز التقرير قبل كل شئ بشموله ودقته. 75 صفحة من التحليل التفصيلي اقتصادا وسياسة واجتماعا، عراقيا واقليميا ودوليا. هذا جهد لايمكن ادراك اهميته كاملة دون الاخذ في الاعتبار جبالية الضغوط النفسية والمادية التي ينوء بها ظهر الناشطين والمفكرين السياسيين العراقيين في ظروف اصبح فيها تدبير ابسط شئون الحياة اليومية مغامرة في مجاهل الخطر. ما يزيد الامر صعوبة ان هؤلاء وجدوا ويجدون انفسهم في عراق مابعد - صدام امام مهمة اجتراح التوازن بين نقيضين هما مناهضة الاحتلال وبناء نظام ديموقراطي. وهي مهمة صعبة ولكنها غدت وتغدو شبه مستحيلة في مناخ عام عربي عراقي وغير عراقي تحكمه ثنائيات الابيض والاسود التبيسيطية حاصرة الامر في خيار وحيد بين المقاومة العنفية أو الاستسلام للاحتلال. كل البديهيات المنطقية والتجريبية التي تشير الي امكانية الخيار الثالث الذي يجعل العنف الملجأ الاخير وجدت نفسها في مهب رياح عاتية اثارها تحالف شموليات متعددة المنابع تتصدرها السلفية الاسلامية. هذه ترعرعت، كما هو الحال دائما، في جو الكبت السياسي والفكري واستشراء الفقر والاحباط خلال الحقبة الصداميه ولامكان في استراتيجيتها القائمة علي محاربة اليهود والصليبين لقضايا التحرير والديموقراطية والتنميه. هكذا تدهور خيار المقاومة العنفية الفوريه الي صراع عراقي- عراقي شرس وتم تهميش اهل العقلانية والرشد.
علي أن الاطراف العراقية الاقرب الي الخيار الثالث نفسها كانت تعاني من معضلات داخليه. فهذه الاطراف التي تبنت اسلوب التعامل السلمي والسياسي مع قضية الاحتلال والتحرير يتداخل فيها تياران احدهما طائفي- اثني ( الاحزاب الشيعيه والكرديه ولحقت بها فيما بعد مجموعات سنيه ) والاخر علماني ( مجموعة اياد علاوي والحزب الشيوعي) مع ارجحية كبيرة للاول كمحصلة طبيعية لمخلفات الانظمة الشمولية طويلة العمر حيث يتقهقر الانسان نحو روابطه الاوليه. وتضاعفت تعقيدات الوضع العراقي بتخبط قرارات الادارة الامريكية للاحتلال نتيجة الجهل بأوضاع العراق الداخليه وانقسام الادارة الجمهورية بين وزارتي الخارجيه والدفاع فضلا عن التردد بين اهداف المدي القصير في اعادة بناء العراق والمدي البعيد في دمجه ضمن استراتيجية تأمين مصادر البترول وأمن اسرائيل.
يقدم التقرير عرضا تفصيليا لسياسات الحزب الشيوعي ومواقفه ازاء هذا الواقع البالغ التعقيد خيطه الجامع هو محاولة ترجيح كفة الخيار الثالث وتأسيسه فكريا في توجه علماني ديموقراطي وذلك سواء في تشكيل الحكومات المتعدده او التحالفات السياسية والانتخابيه. واذ يتعذر الادلاء برأي حول مدي ملاءمة هذه السياسات والمواقف لدعم هذا التوجه بسبب صعوبة الاحاطه الوافية بالوضع العراقي، فان مجرد التمسك به يكشف عن بصيرة نافذة تراهن علي المستقبل رغم كثافة المؤشرات العكسيه. الي جانب ذلك فأن التمسك بهذا التوجه دليل علي شجاعة ادبية تمس الحاجة اليها وسط ظاهرة انضواء كثير من الناشطين السياسيين والفكريين العرب تحت رايات لاتختلف جوهريا عن رايات بن لادن.
الملحوظة النقدية الممكنة علي التقرير تتعلق بتشخيصه للب الازمة العراقيه. الفقرة التالية من التقرير تتناول هذه المسأله : " وكان جوهر الازمة العامة في البلاد يتجلى في احتكار السلطة والاستبداد بها وحرمان الشعب من حقوقه وحرياته الاساسية، وفي تردي احواله المعيشية، وافتقاده الامن والاستقرار، والحروب الثلاثة وما خلفتها من دمار وخراب وخسائر بشرية لا تعوض، وتشوه حياته الروحية وقيمه الاجتماعية والاخلاقية." والحقيقة هي ان العمق العميق لعملية التشويه التي يتعرض لها الانسان بتأثير هذه النوعية من الانظمه هو شل قدرته علي التفكير النقدي والمستقل وهذا مايتعذر استجلاؤه من مجمل التقرير. ففي ظل واقع متخلف تاريخيا اصلا، أي لم يمر بمخاض تنوير نهضوي جذري يصحح علاقته بتراثه، تفضي تراكمات هذه النوعية من الضغوط الي تجريد الانسان من اهم مكتسبات الوعي الحديث وهو قابلية التحرر من اسر التقليديه، فتنحل عقلية وسلوكيات اغلبية النخب نفسها تدريجيا وبمرور الزمن الي اطرها القبليه والطائفيه. هذا، في زعم كاتب المقال، هو تفسير ماحدث ويحدث في العراق والسودان و.. و... لاسيما عندما اضيف الي هذه الضغوط ضخ المادة الدينية في الفضاء العام بكثافه. من هنا يخلو التقرير من اضاءة لدور الترويج للتأويلات النصوصية للدين في سياسات النظام السابق تحت مسمي " الحملة الايمانيه " في عملية التشويه، تماما كما حدث في السودان منذ عام 83. وبينما يفيض التقرير في جزئه المتعلق بالشروط والقوي المنوط بها اخراج العراق من ازمته بتشريح للتركيب الطبقي للمجتمع، دقيق ومفيد في حد ذاته فأنه لايجيب علي سؤال الازمة الحقيقي وهو العلاقة مع تحرير عقل الانسان وتطوير قدراته علي التعامل الايجابي البناء مع الاسلام بالذات. هذه ظاهرة معقده مفتاح تفكيكها الاهم من غيره هو اصلاح النظام التعليمي بصرف النظر عن الانتماءات الطبقيه.
ان هناك خصوصية معينه في اهتمامنا كسودانيين بأمر العراق اذا بقي لنا من براح تحت ضغوط همومنا المحلية. اذا تجاوزنا اعتبارات الاسلام والعروبه لانها تجمعنا بعرب ومسلمين اخرين فأننا جميعا، حتي غير المسلمين والعرب منا، مدينون للعراق بأرض هجرة وفرص عمل ودراسه شملت مايتجاوز ال 150 الف سوداني في وقت من الاوقات، ارض هجرة خلت، الي ذلك، من عيوب نظائرها الخليجية حيث المجتمع والدولة كانا اكثر تقليديه من العراق. ولكن رب سائل يسأل: ماالذي يجعل الخبرة السودانية، كما حاول هذا المقال استخلاصها وتقديمها، مفيدة للعراق والسودان نفسه يعيش وضعا مشابها كما يدل الانطباق الحذافيري للفقرة التالية من تقرير الحزب الشيوعي العراقي عليه : " كذلك خـلف نهج النظام من جهة، والعواقب الثقيلة للحصار الدولي من جهة ثانية، آثارا سلبية عميقة في واقع المجتمع، وتشويهات في حياته وبنيته ومثله، وافضى الى تحلل في النسيج الاجتماعي والأسري، وتصدع في منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية، وانتعاش في الروابط والانتماءات التقليدية ". سؤال مشروع فعلا والاجابة عليه هي انه كلما توغلنا عراقيا وسودانيا علي الطريق الصحيح نحو تغيير هذا الواقع كلما اتسعت مساحة الارضية المشتركة والفائدة المتبادلة بين البلدين والشعبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب