الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمية الخطاب السلفي

أبواللوز عبد الحكيم

2007 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يطرح انتشار الإيدلولوجيا السلفية عند مجموعة كبيرة من التنظيمات في داخل المغرب وخارجه الجديدة أسئلة عديدة تتعلق بقدرتها على التكيف مع البيئات التي تستقر فيها، إذ كيف يمكن لإيديولوجيا ذات خصائص عامة متشابهة أن تنمو في مجتمعات مختلفة من حيث هويتها الثقافية وتطورها التاريخي؟ هل يوجد تفسير لهذه القابلية على الأقلمة في صلب الايديولوجيا نفسها أم ان الامر راجع إلى معطيات خارجية عنها؟
يحتوي الإيديولوجيا السلفية على مستند هام تبني عليها عالميتها وهو ارتفاع درجة التعالي degré de transcendance في خطابها، بحيث تعد الالهيات موضوعا حاضرا باستمرار في الكتابات السلفية من خلال استرسالها في الله ذاته وصفاته وافعاله، بشكل تتفادى معه الزج بنفسها في الحديث عن الاشياء الاجتماعية الملموسة والمعقدة بطبيعتها، ويجعل من معطيات البيئات المحلية التي يبث فيها الخطاب ذات حضور نسبي، فحتى عند حديثه عن تأثيراث هذه البيئة، فإنه يفعل ذلك من خلال لغة تزدري تلك التأثيرات وتبين مفارقتها لمعاني مبدأ التوحيد.
ويجعل الإغراق في القضايا العقائدية والإصرار على انطباع كل شيء، بما يتمخض عن ذلك من أحكام معيارية ( الكفر، الضلال، الابتداع...)، من متبني السلفية منتصبين كأولياء على المجتمع وحراس على العقائد، وليس كأصحاب مشاريع للإصلاح الاجتماعي والسياسي، وإذا كانت خطاب الحركات الإسلامية ينتقد، في عمومه، هذه التوجه ويعتبره خطأ سياسيا شنيعا وقعت فيه إبان نشأتها، فإن الحركة السلفية وتعتبره علامة على تميزها وتفوقها على باقي الفاعلين داخل الحقل الديني أفرادا كانوا أو حركات.
ذلك أن المشروع السلفي لا ينتهي إلا إلى رغبة تحقيق الهداية الفردية، إلى الحالة التي يعمل فيها الفرد لإرضاء الله دون انتظار النجاح في الأرض، إلى مجاهدة النفس والسعي بها إلى الخلاص عن طريق الارتباط بالله دون وسطاء، وهذا بعيد عن الإسلاميين الذين يعملون بشكل جماعي ويهدفون إلى مشروع سياسي.
وكما هو الشأن بالنسبة لكل إيديولوجية تحتوي السلفية على مستوين: بعد تصوري يقع فيه التأكيد الرمزي للماضي، من خلال تفسيرها للمبدأ الذي كان حجر الزاوية الإسلام الصحيح وهو التوحيد، و بعد يوتوبي تضع من خلاله مشروعا للمستقل وتبشر به وهو بناء ذلك المجتمه بناء مجتمع مثالي ركيزته الوحيدة تحقيق القواهد الدينية على المستوى الشخصي وتغيير احاسيس العامة وطرق تعبيرها الديني.
وبفعل هذه المنطلقات بقي خطاب السلفي نزعة مبشرة وعامة، فالطابع الرسالي والتبشيري يجعل الإيديولوجيا السلفية مفتقدة لتراث نظري مفصل في النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية.فالصيغ الدينية التي تلتبس بها الايدولوجيا، تجعلها تفشل في إعطاء بدائل عملية لما هو عليه حال النظام الاجتماعي، يدل على ذلك غياب الاشتغال على المشاكل الاجتماعية كالمساواة الاجتماعية أو العدل الطبقي.. وحتى فيما يتصل بدور العلماء، فإنه ينحصر عند السلفية في تصحيح الدين، دون أدنى إشارة لمسئولياتهم الاجتماعية والسياسية، فالتغيير الذي ترجوه الايديولوجيا لا يعدو أن يكون تغيير دينا يفترض أن يؤدي إلى إصلاح جميع مجالات الحياة الأخرى.
وانطلاقا من ذات الخلفية أيضا، تحارب السلفية أشكال التدين المحلية وكل التقاليد دينية كانت أم دنيوية، والنظريات المبررة لها، بمعنى أنها تهاجم الممارسات من منظور ديني كل مظاهر الاجتماعية حتى لو كانت ليست بالضرورة دينية.
إن غياب البعد الاجتماعي في الايديولوجيا السلفية يجعلها تحمل مفهومها لا اجتماعيا asociale للمسئولية ، بشكل يجعل هدف الداعية السلفي تقتصر على هداية الفرد حتى يكون في المستوى الذي تتحقق من خلاله جميع المثل الإسلامية كما تصورها الايديولوجيا السلفية، وطبيعي أن يجعل ذلك الحاملين لهذا الفكر غير منقادين على أي شكل من أشكال العمل الاجتماعي و السياسي المباشر فالمجال الاجتماعي والسياسي هو أيضا حقل النصيحة والدعاء و الهداية والإرشاد ولا تختلف بذلك عن أدوات العمل الموظفة في المجال الديني،
يتأكد هذا الاستنتاج من خلال على المستوى الميداني، بحيث تمارس التنظيمات السلفية رعاية اجتماعية جد محدودة تتمثل في العناية أتباعها اجتماعيا في الحدود التي يساعد فيها ذلك يساعد على إنجاح عملية إعادة تأهيل الأفراد دينيا بما ينسجم مع مبادئ السلفية ،مما يعكس إلى أي حد تغيب الاديولوجيا التنظير الاجتماعي والسياسي الذي يتجاوز المراهنة على فضائل الأشخاص إلى العناية بالهياكل المؤسسات العاملة في الميدان الاجتماعي.
لكن السلفيون يدافعون عن واقعية مشروعهم بالقول بأنها أفكارهم تقدم نموذجا سبق تحققه التاريخي فهو تجربة نموذجية وليس تصورا مثاليا تصوريا ، "إنه النموذج الذي يعطي للأمة من خلال تقادمها التاريخي تمثلا حيا واقعيا للهوية التي تسعى لاستلهامها، فتكون مستقرة في تصورها وبحثها عن ذاتها، بعيدا عن القلق والغموض الذي يعيشه من يبحثون عن هوية فكرية لا واقع لها". وينتج عن ذلك أن الراسب التراثي يحدد بدرجة كبيرة الهوية التي تحملها الإيديولوجيا السلفية ويطبع جوانب الابتكار فيها
إن ازدراء الإيديولوجيا السلفية لكل ما يمت للواقع الاجتماعي بصلة يجعل خطابها غير متقيد في طرحه لهذه لموضوعاته بأية رقعة جغرافية أو حدود مصطنعة بأية ثقافة أو تنظيم قانوني مدني او ديني ، فحين يخصص شيوخ جمعية الدعوة الجمعية دروسا يتحدثون عنها عن مناطق دون غيرها، فإن تلك الدروس لا تتضمن أي اعتبار لتأثير ظروف الزمان والمكان على مناخي الدعوة، حيث يحتفظ الخطاب يحتفظ بنفس الموضوع ( مظاهر الشرك) ويقترح نفس الحلول ( الرجوع على التوحيد) فالخطاب يحمل أذن مشروعا أحاديا يدعي صلاحيته الكونية، بغض النظر من ثقل البيئة واختلاف ظروف الزمان والمكان.
إن تتكيف السلفية لا تتكيف مع بيئات بعينها بل مع العولمة، إذ تضع نماذج مثلى لمسلمين تكون نمط تدينهم هو نفسه أيا كانت البيئات الثقافية والاجتماعية التي يعيشون فيها، ومن هذا المنظور، تعتبر السلفية وسيلة فعالة لنزع جذور الثقافات الأصلية، و مشروعا لإقامة لسلام عالمي يتوافق مع كل السياقات الاجتماعية، وهذا ما يبرر نجاحها وتساميها على منطق القوميات والثقافات. فالعالم كله أصبح مع التيارات الجديدة محط دعوة، فلا وجود لدار الإسلام ودار الكفر، لان الهدف هو الفرد وليس المجتمع، والسبيل إلى تحقيق هذا المسعى هو تفكيك المجتمعات التقليدية منها والوطنية، وتـأسيس مجتمع عالمي انطلاقا من مبدأ التوحيد.
ويجر هذا التجاهل لخصوصية الثقافية للميدان الذي تمارس فيها الدعوة على التيار السلفي انتقادات من كلا الطرفين: الحداثي الذين يرون في السلفية قفزا على الواقع، وإلغاء لمفهوم الزمان، وإنكارا لعوامل التغير والتطور، والإسلاميون الذي يرون الفكر السلفي وسلوكيات حامليه انتسابا إلى مجموعة أفكار اعتقادية غير مبنية على فحص علمي أو اختبار واقعي إنما هي نتاج أمزجة تعيش واقعها في الخيال.
في الواقع ،هناك العديد من المؤشرات الأخرى التي توضح ما بذلته بعض الاتجاهات السلفية من تكيف مع أكرا هات الواقع الدعوي في المغربي، من أقواها انخفاض حدة النقد الموجه إلى أساليب التدين الطرقي السائد في المغرب ، ثم استحضار بعض المرجعيات المغربية في مجال العلوم الشرعية التي تم ازدراؤها من طرق الرموز المشرقية على الدوام، لكن كل ذلك لا يسعف للقول بأننا بصدد نسخة مغربية حقيقة للسلفية،
واستنادا الموقف من اليبيئة الاجتماعية أن نصنف الدعاة السلفيين إلى تيارين:
- تيار اول أن أساس الدعوة هو معرفة الله بذاته واسماءه وصفاته من خلال ماوصف به نفسه وما وصفه به رسله من غير تحريف ولا تعطيل ومع غير تكييف ولا تمثيل مما، ومحورية هذا الأساس في كل اصلاح ديني عباديا كان اومعاملاتيا، انها علاقة الاصل بالفرع تلك تربط العقيدة بالعبادة والمعاملة بما يحتم البدأ بالاصل في كل عملية إصلاح ثم
- تيار آخر يرى أن الدعوة والتربية والتعليم والآمر والنهي والفتوى.. قد يتغير كل ذلك ليس أسلوبه ووسائله فقط ولكن في مضمونه أيضا بتقديم بعضه على بعض وتأخير بعضه عن بعض، فما وما يصلح لزمان قد لا يصلح في آخر، وما يصلح في الحاضرة قد لا يصلح للبادية، وأيضا العلم في محالات الشريعة: العقيدة والعبادة والمعاملة قد تختفي أحكامها في بعض الأزمنة وتظهر وقد يتوجب تعليمها في أوقات أكثر من أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ