الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر ديزموند توتو -1--لاهوت التحرير---لاهوت السود

سلطان الرفاعي

2007 / 6 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


.
يعالج هذا اللون من اللاهوت اذا جاز التعبير ، قضية شائكة جداً ؛ قضية وجود السود أنفسهم . وليس اللاهوت هذا أكاديمياً بالضرورة ، ولكنه ملتزم التزاماً كاملاً ومتفاعل بواقعه وله حدود معينة ؛ فهو وجودي . إن الموضوعات التي يدرسها هي المشاكل والتساؤلات النابعة من جماعة من شعب الله وهي الجماعة السوداء التي تعيش في موقف مؤلم يُجردها من انسانيتها ويُبقيها في القهر بعد أن قضى على إنسانيتها .
إن السود لا يشكون لحظة واحدة في وجود الله ، كما انهم لا يشكون في محبته لهم وفي صلاحه ؛ وهم لا يشغلون أنفسهم بقضية وجود الله كما الحال هو عند المسيحيين الغربيين ؛ وهم لا يحاولون الإجابة على السؤال : لماذا يوجد الألم إن كان هناك إله صالح ومُحب ؟ إن قضيتهم الخاصة هي رغبتهم في معرفة إلى أي جهة يميل الله الكُلي القدرة والمُتدفق المحبة !
ليس السؤال إذاً : (( لماذا يوجد الألم في عالم فيه إله قدير ومُحب ؟ .
بل هو : ((لماذا نتألم نحن السود ألماً مبرحاً ؟)).
ليس السؤال أكاديمياً ، بل وجودياً : (( هل من الممكن أن يكون الإنسان أسوداً ومسيحياً في الوقت نفسه ؟ ))
ولماذا يتمتع البيض بالتفوق على السود ؟ )) فالكلام فيما يتمتع به البيض من طاقة وإبداع لا يحل المشكلة ، ولا يؤدي الى تأجيل السؤال الأساسي .

يُركز اللاهوت الأسود إذاً على البحث في ما إذا كان من الممكن أن يعيشوا كمسيحيين : (( ما هو معنى الألم الذي يعانيه السود في ضوء ما جاءت به نصوص الكتاب المقدس في مُجملها بشأن موقف الله من الألم ؟ ))
هل إله الكتاب المقدس فعلاً إله (نشيد مريم) ، الذي يُشبع الجياع ويصرف الأغنياء فارغين ؟ ، هل هو إله الخروج ، المحرر الذي يُخرج شعبه من العبودية في شتى أشكالها ليأتي بهم إلى أرض الموعد ، أرض حرية أبنائه المجيدة ؟ )) أليس هو إله الكتاب المقدس الذي لا تخلو صفحة واحدة من الحديث فيه عن وقوف الله دائماً إلى جانب الفقير والمقهور والأرملة واليتيم والجائع ؟ ) أليس هو الإله المهتم بتحرير شعبه ليقوده إلى ملء الحياة : حياة سلام ووحدة وحُب ؟ ))
هذا هو ما يشغل لاهوت السود ، وهو لا هوت للمقهورين ، لاهوت للتحرير . فهو يهتم بإنسانية الإنسان ، وبخلاص شعب الله بكامله : خلاص القاهر وخلاص المقهور ----خلاص القاهر الذي يتجرد من إنسانيته لأنه يجرد الآخرين من إنسانيتهم . إن لاهوت السود يعي تماماًأن ثمة قيود باطنة تُقيد الإنسان تختلف عن القيود الظاهرية ؛ ويعي أيضاً أن القضاء على بنية القهر التي أقامها البيض لن تؤدي حتما الى الدخول في عصر الحرية الذهبي . إن الإنسان الأسود المقهور أصبح بدوره قاهراً لإخوته قهراً أسوأ من ذلك الذي يمارسه البيض ، وكأن الشيء الوحيد الذي تغير هو لون البشرة القاهر . ولكن لاهوت السود ليس ساذجاً إلى هذا الحد ، فالمسيح خلصنا ليُعيد الإنسان إلى صورته الأولى . هذا الخلاص الذي أتى به المسيح يُحرر الإنسان من الخطيئة ومن الشر أيضاً ، كما انه أتى ليُخلصه من عبودية الاقتصاد والسياسة التي هي في الواقع تعبير عن الخطيئة والشر .
بهذه الطريقة ، يتضمن عمل المسيح إزالة جميع أنواع الحواجز ، لتظهر بدلاً منها وحدة الإنسانية ، بل وحدة الكون كله . وهذه هي غاية الرسالة الإلهية .
ولكن ما هي التحديات التي يواجهها لاهوت السود :

يُطالب لاهوت السود بأن تصبح جميع الممارسات اللاهوتية ثانيةً ممارسة كتابية ، وبأن تعالج المتطلبات الحيوية الخاصة بالجماعات المسيحية في إطاراتها الخاصة ، ولا تعالج موضوعات بحد ذاتها يرغب بها بعض اللاهوتيين الذين يجدون متعة عقلية في هذا التمرين العقلي ؛ فينبغي لهؤلاء اللاهوتيين أن يقبلوا أن حديثهم اللاهوتي سيكون بالضرورة محدوداً .
إن لاهوت السود يتحدى التيارات اللاهوتية الأخرى فيصبو أن يكون لاهوتاً كتابياً حقيقياً يعالج قضية الإنسان بجملته .
إن الفقراء ، في جميع أرجاء العالم ، يتنازلون عن أحلامهم في غد أفضل في ظل المسيحية ، وذلك أمام ديانة مسيحية يبدو أنها تزداد تحالفا مع البُنى القهرية . كما أنهم يرون في هذه الديانة المسيحية استعداداً للإبقاء على سياسات الأمر الواقع ، وكأن إله المسيحيين أصبح متشابهاً بآلهة الوثنية التي كان نشاطها لا يغير شيئا في العالم .
أما إله الكتاب المقدس ، فهو على نقيض ذلك ، فلا يمكن توقع أفعاله . فقد كان يُدهش شعبه بمبادراته بطريقة متميزة ، ويعلن أن التاريخ البشري ليس تاريخ الأمر الواقع بل هو حر ومنفتح الآفاق إذ يتجه نحو إكماله .
لماذا على الفقراء وحدهم أن ينشغلوا بالهداية السماوية وأن ينسوا الاهتمام بغذائهم وكسائهم وباكتشاف مكان يسكنون فيه ؟ لماذا عليهم أن ينسوا الاهتمام بحياتهم والآن ؟
إن لاهوت السود يُذكرنا بأن المسيحية تتجسد في الواقع بصورة خلاّقة ومُضيئة . إن مسيحية كهذه عليها أن تعمل بصورة ملموسة على ترقية الحياة ((هنا والآن )) . كما أن عليها أن تكون- دون التباس أو ازدواجية - إلى جانب الله في مسيرة (الخروج) . هذا الخروج يحرر الإنسان فيتيح له أن يصبح ابناً حراً لله.

دمشق
12-6-2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسام زملط لشبكتنا عن هجوم رفح: نتنياهو تعلّم أن بإمكانه تجاو


.. من غزة إلى رفح إلى دير البلح.. نازحون ينصبون خيامهم الممزقة




.. -الحمدلله عالسلامة-.. مواساة لمراسل الجزيرة أنس الشريف بعد ق


.. حرب غزة.. استقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس




.. دكتور كويتي يحكي عن منشورات للاحتلال يهدد عبرها بتوسيع العدو