الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاهوت التحرير 2- الألم الذي يعانيه الانسان الأسود

سلطان الرفاعي

2007 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قضية الألم عبر التاريخ :
إن قضية الألم قضية قديمة فرضت نفسها منذ زمن بعيد على جميع مؤمني الأديان السماوية . فالألم لدى الإنسان الملحد يُشكل جانبا ً من جوانب الحياة لا أكثر ولا أقل ، لأن الملحد لا يشغل نفسه بشرح هذه المسألة في ضوء وجود إله صالح وقدير ، بل يقبل وجود الألم في الحياة ويحاول أن يُخفف من سطوته ، إلا أنه ليست لديه ((ضحية إلهية )) يوجه إليها اللوم على المأزق الذي وصل اليه العالم .
أما من يؤمن بالثنائية ، فلديه حل آخر : فهو يؤمن بأن في العالم مبدأين أزليين يتعايشان معاً ، مبدأ الخير ومبدأ الشر ، النور والظلام ، وهما يتحاربان للسيطرة على العالم حرباً لا هوادة فيها ولا هُدنة ؛ إن التاريخ الإنساني هو ميدان هذه الحرب التي لا تنتهي . ومن هنا ياتي الألم الذي ورثه الإنسان .
وعلى النقيض ، فمن يؤمن بوجود إله لهذا الكون ، لن يجد مهرباً سهلاً من مواجهة قضية الألم . وغالباً ما تُطرح الإشكالية على النحو التالي : إما أن يكون الله كلي القدرة وبإمكانه وضع حد لجميع ألام البشر ولكنه لا يريد ذلك ، وبالتالي فهو ليس إله الخير ؛ وإما أن الله خير وكلي الحب ، ولهذا يود أن يضع حداً لجميع آلام البشر ولكنه لا يستطيع لأن سلطانه محدود على الكون .
الا أن المؤمن بوجود الله يرفض أن يقبل هذا العرض للقضية ، عرضاً ساذجاً مغلوطاً ، وإنه يُعلن أن الله موجود وخير وكلي القدرة . ويبقى السؤال الكبير : إذن لماذا الألم ؟ هذا هو السؤال التقليدي عن قضية الشر ، وقد حاول اللاهوتيون في جميع العصور أن يجدوا له حلاً .
وأما المؤمن الأسود ، فيعرض مسألة الألم بشكل يختلف كثيراً عن الطرح الكلاسيكي التقليدي .

الألم الأسود :
منذ البداية نؤكد أن الإنسان الأسود لم يحتج قط الى المرور بالإيمان الثنائي أو الموقف الالحادي ليصل الى الإيمان بالله ، لأن الإيمان بإله متسامِ قد رضعه مع لبن أمه . ومع هذا لا يجوز لوم الإنسان الأبيض المؤمن إذلا يجد صعوبة في فهم جملة غاية في البساطة أولا وهي : (( الله يحبك )) . لقد أمضى اللاهوتيون الغربيون وقتا طويلا لشرح هذه المعتقدات اللاهوتية للمؤمنين في الغرب ، ونحن لا نستطيع أن نلوم المؤمن الغربي بسبب هذه القضية الإيمانية التي يتكرر طرحها تكراراً دورياً ، ولا أن نلوم المؤمن الأسود بسبب إيمانه العنصري بالله . فهذا هو الواقع ويجب أن نسلم به .
إن كان المؤمن الأسود لم يشك قط في أن الله كُلي القدرة وفي أنه محبة ، فكيف طُرحت عليه قضية الألم ؟ وكيف أثرت في إيمانه بالله تأثيراً حاسماً ؟
إن كيفية طرح السؤال عند الأسود مختلفة ، فالمؤمن الأسود لا يطرح السؤال على هذا المنوال : لماذا يوجد الألم في عالم يوجد فيه إله صالح كلي القدرة ؟ ولكن يطرحه هكذا : لماذا نحن السود نتألم أكثر من غيرنا في عالم يوجد فيه مثل هذا الإله الصالح الكلي القدرة ؟ .
ويتساءل الإنسان الأسود : في أية جهة يقف الله ؟ . فهو يشعر بأنه يخسر على طول الخط في مواجهة الإنسان الأبيض . وأن الإنسان الأبيض أثبت دائماً أنه متفوق على جميع الجبهات : فلديه طاقة أكبر وذكاء أحد وصحة أفضل ------ . إن إحساس الإنسان الأسود هذا جعل قضية الألم نظرة معقدة ، لأنه تصور أن للإنسان الأبيض ميزة فطرية تجعله متفوقاً عليه ؛ وبالتالي تُظهره وكأن الله يفضله ، وتجعل من الإنسان الأسود إنساناً من الدرجة الثانية لدى هذا الإله .
هذه هي المشكلة الكامنة في قلب تجربة الإنسان الأسود :
إذا وقع حادث قطار في جنوب أفريقيا ، وأدى الى مقتل عدد كبير من السكان ، فإنهم لا يطرحون السؤال المعتاد : لماذا هذه الألام في العالم ؟ ولماذا يُقتل العديد من الناس عشوائياً في حوادث القطارات ؟ . ولكنهم يصيغون السؤال بطريقة أخرى : لماذا لا تحدث هذه المصائب الا لنا نحن السود ؟ . ويبدو أن هذه الصياغة تشبه الى حد كبير موقف اليهود الذي عبرت عنه شخصية شيلوك اليهودية في قصة وليم شكسبير في (تاجر البندقبة ) . ففي هذه القصة يرد على لسان شيلوك : (( أصبح الألم رمزاً لكل عشيرتنا )) . فنستنتج من ذلك أن هناك قضية وجودية بتمام معنى الكلمة . وهي مشكلة تؤرق السود في حياتهم اليومية .
ومن هنا نطرح السؤال وإن بدا غريبا للبعض : هل من الممكن أن يكون المرء أسودا ومسيحيا في الوقت نفسه ؟ . ليس الغرض من طرح هذا السؤال تعقيد الموقف أو هو مجرد سؤال نظري محض ، ولكنه بمثابة صرخة مؤلمة نابعة من القلب ومن صميم الوجدان . ولكي نجد جوابا على هذا السؤال ، علينا أن نتكلم بكل تواضع ومعايشة وتفهم .

كم من المرات جّدف على الله من يمكن أن نسميهم اليوم أحباب وأصدقاء وأتباع الله المقربين !
علينا إذا أن نعترف بعجزنا المطلق عن تفسير المشكلة ، وبأن قضية الشر والألم ما زالت سراً . لأن الاجابة العميقة عن السؤال : (لماذا الألم ) ، تعني أننا قد صرنا ألهة ، لا بشر . فلن نعرف قط كل ما هو موجود وقابل للمعرفة في عالمنا لأننا بشر محدودون . ولكن ذلك لا يعني أن نتوقف عند هذا الحد ، فنحن نستطيع أن نبدا برفض جميع الحلول المعروضة غير المرضية وغير المقبولة .
الألم غضب من الله :
سيرفض السود تماماً وباشمئزاز الحل الذي يقول لهم إن ما يعانونه الآن من آلام هو جزاء ما اقترفوه من كفر .
إن أحدا منهم لن يشك في أن هناك علاقة بين الشر والخطيئة من جهة ، وبين الألم من جهة أخرى ؛ ولكن تطبيق نظرية (التعويض) لتفسير قضية الألم يُسطح المشكلة ؛ فالمسألة أكثر تعقيداً من أن تُفسرها نظرية (التعويض) .
وربما يتلقى السود بارتياح أكثر وجهة نظر القديس أوغسطينوس في شرح قضية الألم ؛ فهو يرى أن الألم سببه خطأ وقع في طفولة الجنس البشري المبكرة--
وتروي احدى الأساطير الأفريقية التي تفسر أصل العالم ، أن هناك زمناً كانت فيه السماء أكثر اقترابا من الأرض مما هي عليه الآن . ولكن نساء القرية ، وهن يهرسن الحبوب في الهاون ، كُن يصوبن يد الهاون الى عين الاله ، حتى إن الاله رأى من باب الحكمة أن ينسحب من المكان ، تاركا بينه وبين هؤلاء النسوة مسافة مضمونة .
ولكن إذا كانت وجهة النظر الأوغسطينية أكثر إقترابا من الحقيقة ، فإنها لا تحل معضلة معرفة الأسباب الحقيقية للألام التي يتكبدها الإنسان الأسود ، أكثر من غيره من البشر ، بسبب هذا السقوط الأول .
إذا مالذي بقي لدينا للإجابة عن السؤال ؟ قد نتفق مع أيريناوس أكثر .
للقديس ايريناوس نظرة لاهوتية متكاملة ، وبالتالي نظرة أخروية الى قضيتي الألم والشر . وهذه النظرة لا تتمركز حول الخطيئة الأصلية ، بل تجذبنا الى الأمل في المستقبل والنهاية الممجدة التي ستتم في ملكوت الله .
إن هذه الظرية الإريناوية تُعبر عن المعنى نفسه الذي نجده في نشيد عيد القيامة في الطقس الغربي : ((أيتها الخطيئة المباركة ) . ويؤكد النشيد أنه من خلال الشر والألم أتانا وسيأتينا خير عظيم . كما يؤكد أنه من خلال حياة وموت المسيح وقيامته اتخذ الألم صفة جديدة ودورا جديدا ووضعا جدبدا ، فالألم جزء لا يتجزأ من قصد الفداء الإلهي : (( إذا أراد أحد أن يتبعني فليتخل عن ذاته ويحمل صليبه ويتبعني )) (مر8-34) . فعلى من يريد أن يكون صديقا للمسيح أن يتشبه بسمعان القيرواني ، هذا الأفريقي الذي ساعد يسوع على حمل صليبه . وهكذا نبتعد عن المفهوم السابق ، والذي سيأخذ صيغة : (( أنت ابن الله من الدرجة الثانية )) . فالمشاركة في آلام المسيح تعلن أن المتألمين من أصدقاء يسوع وأحبائه معذورون ، هؤلاء الذين يتممون في أجسادهم ما ينقص من شدائد المسيح ، هؤلاء الذين عليهم أن يكتشفوا أن الوصول الى فرح القيامة مع المسيح لن يتم الا من خلال المرور بالجمعة العظيمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي