الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاهوت التحرير--3--لاهوت التحرير في أفريقيا

سلطان الرفاعي

2007 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ولد هذا اللاهوت -أكثر من أي لاهوت آخر- في حضن آلام الإنسان وقلقه ؛ ولقد رأى هذا اللاهوت النور لأن الشعب صرخ : (يا إلهي حتام؟ ) ----- (لماذا يا رب ؟ ) ((الحديث عن الله )) . وبتعبير آخر ، فإنلاهوت التحرير هو نوع من الحديث عن الله . فهو يحاول أن يبرر الله وطرقه في عيون شعوب مسحوقة ومغلوبة على أمرها ، لكنه يدفع هذه الشعوب الى العمل والى تحسين أحوالهم . إن الذين يعانون آلاماً شديدة ، لا يشكون -بوحه عام- في وجود الله ، فهم يعتقدون أن الله هو إله حي ، وإلهقوي ، وإله عدالة وخير . وهذا الإيمان عينه هو الذي يبلبلهم ويقلقهم ، فلو كانوا غير مؤمنين ، لما بحثوا عن الله ، ولما رأووا فيه أنه صالح ومُحب وقوي ، ولوفروا على أنفسهم أسئلة كثيرة ، ولكان ألمهم عنصرا عاديا في وسط سائر عناصر واقع صعب ولكن غير قابل للتغيير .
إن أي (لاهوت تحرير ) يولد من محاولة لفهم الآلام التي يعانيها من هم ضحايا القهر والاستغلال المنظم ، ومن يُفرض عليه العيش في غربة ، ومن يُعاملون معاملة الأشياء لا معاملة البشر المخلوقين على صورة الله والمعذبين مع المسيح والمقدسين بفعل الروح القدس .
هكذا ظهر الى الوجود ((اللاهوت الأسود ) ، وينمو هذا اللاهوت خصوصا في جنوب افريقبا حيث نزعت العنصرية إنسانية السود ، حتى إنها حولتهم إلى مخلوقات لا تمت الى البشر بصلة ؛ فشكّوا في أنفسهم وصدقوا مقولات قاهريهم البيض .
إن اللاهوت الأسود -بوصفه لاهوت تحرير- يُعتبر من الآن جزأً لا يتجزأ من معركتنا في سبيل خلاص الشعب ؛ ولهذا السبب ، حرّمت الدولة تداول هذا اللاهوت الذي يستلهم الإنجيل والذي يريد أن يوقظ عند الإنسان الأسود معنى كرامته الإنسانية الفردية كإبن لله .
وهناك عاملان أساسيان وراء تطور اللاهوت الأسود في جنوب أفريقيا . أما العامل الأول فهو اللاهوت الأسود القادم من أمريكا الشمالية ، المتضمن كتابات السود وترانيمهم الروحية التي شجعت الكثيرين ؛ ثم تبلور صراحة في أيام عبوديتهم العصيبة في الحملة المُطالبة بالحقوق المدنية .
وأما العامل الثاني فهو الاستقلال الذي حصلت عليه البلاد الأفريقية من نير الاستعمار والذي دفع تطور هذا اللاهوت دفعة قوية .
ويأخذ لاهوت التحرير بعين الاعتبار مظاهر الواقع الاجتماعية المختلفة ؛ وهو لا يُحدد نوعية الحياة الزمنية فحسب بل نوعية الحياة الدينية أيضاً .

كان العبرانيون المنفيون الى بابل مكتئبين وهامدين ، لأن إلههم بدا لهم أضعف من الألهة البابلية . وكانت خيبة أملهم عظيمة ؛ فبحسب عقلية هذا الزمن ، كانت الهزيمة ، التي تلحق بشعب ، تعني إلحاق الهزيمة بإلههم الوطني أمام آلهة الأعداء ؛ إذ كانت التماثيل والمعابد المكرسة للآلهة البابلية المنتصرة تُحيط بالمسبيين من اليهود في بابل . ولم يكن لليهود من سبب للافتخار ب (يهوه) .
وفي هذه اللحظة المأساوية التاريخية التي كان يعيشها الشعب اليهودي ، قامت مجموعة صغيرة من المدرسة الكهنوتية اليهودية بتأليف قصيدة شعرية رائعة في تسبيح الخالق ؛ تك1
-------
ويُعبر هذا المثل تعبيرا مذهلا عن الطريقة التي يصيغ بها الكتاب المقدس النماذج اللاهوتية . فهو يصيغ اللاهوت -في أغلب الأحيان - ليُجيب عن معضلات نشأت في مكان معين وزمان معين . ولا ينشا أبدا لاهوت الكتاب المقدس من فراغ ، كما أنه ليس وليد تأملات شخص يعيش في (عزلة عقلية ) داخل برح أو غار . ويمكن التدليل على ذلك من خلال نصوص كثيرة ؛ فعلى سبيل المثال ، حين يتمسك اليهود الذين تنصروا بضرورة الختان لكل من يريد الدخول الى المسيحية ، يُواجههم بولس الرسول في رسالته الى أهل غلاطية . إن أغلب نصوص الكتاب المقدس يمكن اعتبارها (نصوص مناسبات) ، لأنها نبعت من ظروف محددة كانت تتطلب حلولا محددة . إن اللاهوت الذي نجده في الكتاب المقدس هو لاهوت (ملتزم) وبالتالي وجودي ( أي أنه يختص بوجودة جماعة خاصة ومعينة من المؤمنين )

ويتمسك لاهوت التحرير -أمينا- بهذه الأمثلة الكتابية ، إذ يتحدث لاهوت التحرير عن واقع مُعين هو واقع القهر السياسي والظلم الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي ، واقع يجثم بثقله على جماعة مسيحية معينة ، ويبغي هذا اللاهوت أن يأخذ في الاعتبار آلام هؤلاء الناس ، رابطاً هذه الآلام بمالا فعله الله وما يفعله وما سيفعله . إن مرجعية هذا اللاهوت الأساسية هي (((إنسان يسوع ))) : كلمة الله الوحيد ، وهو يبحث في الإله الذي نقصده . وعما لإذا كان من الممكن أن نظل على الإيمان به دون أن نخون ضميرنا . إن ما يميز لاهوت التحرير عن غيره هو اعترافه بأنه لا يوجد حديث لاهوتي من دون أن يتغير مع الزمن ؛ فكل حديث لاهوتي هو مؤقت ، ولا يصلح لجميع المواقف ؛ وعلى كل حديث لاهوتي أن يسعى ليحظى بقيبوله أولاً كونه مجدوداً مكانياً وزمانياً .
لا بد من أن تتعدد الصيغ اللاهوتية ، لأن البشر يدركون الله والأمور الإلهية إدراكاى يختلف من جماعة الى أخرى .
إن فهمنا للإنجيل والوحي الإلهي في تغير دائم ودؤوب ، ومن صيغ هذا المنطلق تنشأ الصياغات اللاهوتية الجديدة

أوليست النصوص التي تتناسب مع موقف دولة مثل ايرلندة الممزقة بسبب الحقد هي تلك التي تحض على المصالحة ؟ أما ضحايا القهر والظلم ، فمن المهم أن يعوا أن إله إيمانهم هو الإله المحرر ، إله الخروج ، الذي قاد شعبه المستعبد من الرق الى الحرية المجيدة ,
إن الله يساعد المضطهد دائماً هذا هو الاعلان الكتابي الذي على الشعوب المقهورة أن تُعيد اكتشافه وإذ يمنحهم الله هذه النعمة ، فليس ذلك لأنهم أكثر فضيلة من قاهريهم ، بل لأنهم مقهورون فحسب . هذا هو الله ، ولهذا فعن صرخة التساؤل المضطربة التي تصرخها شعوبنا : ((مع من يقف الله ى)) نجيب بكل ثقة : (( إن الله يقف الى جانبكم )) ، لا كما يقف إله محلي ، مستعد دائما لتبرير شعبه ، بل بصفته إلها مخلصا محررا ، وفي الوقت ذاته على استعداد لأن يقاضي ذاك الشعب الي بخلصه . ٍإن الله محب وكله رحمة وحنان ، ولكنه في الوقت نفسه القدوس الذي يُطالب بالقداسة من يخلصهم .
وأخيرا ، يحرر الله المقهورين لحبه لقاهريهم أيضا ، وقد قيل الكثير في أن القهر والظلم يُجردان من الانسانية بقدر ما يُجرد ضحاياه منها . ويستهدف أيضا تحرير القاهرين بقدر ما يستهدف تحرير المقهورين
.
دمشق
14-6-2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم