الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إعادة فتح مصر..
سعد صلاح خالص
2009 / 1 / 30العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"طز في مصر ..وأبو مصر.. واللي في مصر" مهدي عاكف ، المرشد العام
"إعادة فتح مصر" تعبير أشبه بالماركة المسجلة للدكتور سيد القمني يطيب لي استعارته دوما، لقيمته الرمزية والواقعية ولكونه ربما كان الأكثر تعبيرا عن واقع الحال، وعن المستقبل المنظور. أعادة فتح مصر تعني ببساطة إعادة فتح العالم العربي باجمعه وإن كره البعض الاعتراف بذلك، فلم تنجح "البدائل" المشوهة من عراق الثمانينات الى خليج نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة في انتزاع مكانة مصر وتأثيرها رغم إمبراطوريات المال التي سعت إلى خلق ثقافة مزورة هجينة لا تمت بصلة إلى ما خارج حدود مصادرها. مصر كانت دوما القلب والعقل بغض النظر عمن يحكمها، وسقوطها يعني سقوط الأطراف تباعا، وهذا ما يدركه الإخوان جيدا.. فمصر عقدة أبدية للإخوان المسلمين، فهي ارض التأسيس، والثقل البشري والثقافي والجغرافي الأكبر والأهم. فرغم سيطرتهم على الشارع الذي انتزعوه مما كان يوما أملا بأكبر ليبرالية عربية متطورة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ونجحوا بامتياز في "تحجيب" مصر بالكامل تقريبا لولا المقاومة المستميتة للنخب الثقافية ،لا السياسية، القومية منها والماركسية التي استسلمت للإخوان طمعا في حصة من كعكة السلطة المنتظرة أو على الأقل نكاية بالنظام القائم رغم معرفتهم بأنهم سيكونون أول وجبة على مائدة الإخوان صبيحة ركوبهم لكرسي السلطة، إلا أن كرسي السلطة ما زال منيعا عليهم رغم اقترابه منهم في مختلف عهود عبد الناصر والسادات وحتى مبارك. ومن الصحيح القول بأن الآلة البوليسية للدولة تمكنت دوما من تحديد الآلة الميليشاوية للإخوان وتفرعاتهم ومشتقاتهم، إلا أن العامل الرئيسي في مقاومة الزحف ألإخواني كان دوما الثقافة الشعبية والنخبوية المصرية على حد سواء، حيث لعب الأدب والفن ، قبل بنادق السلطة، دور الدرع الأول في الحفاظ على ما أمكن من تسامح أجيال متعاقبة من المصريين حتى جاءت مرحلة "الهجرة" القسرية بعيد هزيمة حزيران إلى دول الخليج لآلاف المصريين ليعودوا بلحى وجلابيب ، وبلكنات غريبة، والأهم من ذلك بأفكار جديدة قديمة، تبشر بمجتمع حالك السواد.
معركة فتح مصر هي الهم الأول للإخوان منذ التأسيس، وجميع المناورات السياسية والحروب الفرعية تصب في ذلك الاتجاه، بما فيها معركة غزة الأخيرة.
يقول حسن البنا بأن " الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف". نعم هو وطن وجنسية، وإلا لما اختتم صاحب حماس في أول مؤتمر صحفي بٌعيد الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة تصريحه بالقول "النصر للإسلام والمسلمين"، عوضا عن النصر لفلسطين وشعب فلسطين أو للقضية الفلسطينية مثلا، كما يقتضي الموقف أن يكون، فلم تكن معركة غزة التي دفع ثمنها الشعب المنكوب دماء ودموعا قبل أن يخرج عليهم القادة المختبئون ليعلنوا النصر المبين، معركة لفلسطين، بل صورتها آلة الدعاية الإخوانية وكأنها معركة الإسلام والمسلمين ضد اليهود في تحريف واضح لإنسانية وشرعية القضية الفلسطينية، وبين تتابع الأحداث وإدارة الحرب الإعلامية بأن هدفها الآني هو تكريس زعامات محددة، فلسطينية وعربية، كما كانت معركة لبنان في صيف 2006 تكريسا لزعامة لبنانية جديدة تحت عنوان "المقاومة "، المصطلح الذي شبع ابتذالا كما كان مصير الحرية والديمقراطية والاشتراكية وغيرها التي تفننا في استهلاكها حتى غدت كخرق قديمة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة..
معركة غزة كما رأيناها كانت معركة من أطراف متعددة ضد طرف واحد هو شعب غزة الفلسطيني المنكوب، الذي دفع ثمن "النصر الإلهي" وحده من دماء أطفاله وشبابه ونسائه وشيوخه، قبل أن يخرج عليهم المناضلون ليقولون – كما قال زميلهم اللبناني سابقا- بأننا لو ندري لما كان ما كان، ولم نكن نتوقع أن يكون كذا حجم الرد، وما إلى ذلك من اللغو الذي لن يعيد الآلاف إلى الحياة ولن يعيد الساعة إلى الوراء. كانت هي إحدى معارك الإخوان المسلمين المستميتة في خطوات إحكام القبضة على العالم العربي عبر بوابة فلسطين، القضية الأكثر حساسية التي تؤرق الضمير العربي جيلا بعد جيل.
راهنت حماس، العنوان الفلسطيني للإخوان المسلمين، على إثارة الشارع العربي ليس ضد إسرائيل، بل ضد أنظمة عربية بعينها، فالمظاهرات التي أججها الإخوان من مصر إلى اليمن، ومن المغرب إلى الأردن ، ومن العراق إلى الجزائر، تركزت على مصر والسعودية ومحمود عباس قبل أن تركز على إسرائيل، وباتت قضية المعابر هي مفتاح الحل السحري لجميع القضايا والمشاكل العربية-الإسرائيلية. أزالت حرب غزة الستار عن أولويات الأخوان الإستراتيجية على طريق تأسيس دولة الخلافة ومنها استخدام ضغط الشارع لاستبدال الريادة العربية التقليدية السياسية والمالية المتمثلة بمصر والسعودية والريادة الاقتصادية المتمثلة بالإمارات، بأخرى جديدة متمثلة بقطر، "الخزنة" الجديدة للإخوان ومقرهم الأيديولوجي البديل، حتى وصلت إلى مطالبة البعض بنقل مقر الجامعة العربية من مصر إلى قطر، التي، مع كل الاحترام للطيبين من أبنائها، لو نقلت بأجملها إلى القاهرة لضاعت بين حواريها. وكما هي العادة، كانت "الجزيرة" رأس الحربة، وكانت "العربية" بهويتها السعودية الهدف الآخر في معركة الإعلام والتعبئة فباتت هي الأخرى صنوا للعدو وناطقة باسم الصهيونية في أعين الجموع التي تسمع وترى ما تحب لا ما يحدث فعلا.
في مدرسة ابتدائية ببلد عربي، تركز مهرجان دعم غزة على شرح للأطفال لأصل العداء بين المسلمين واليهود، لا بين العرب وإسرائيل. وكان العنوان الرئيسي للمهرجان هو "لماذا نكره اليهود"، ولم تذكر فلسطين في المهرجان إلى فيما ندر، هذا إن كانت قد ذكرت أصلا. وأتوقع أن يكون هذا هو الحال في أغلب شوارع العالم العربي، الذي أمتلك الأخوان زمامه منذ زمن ليس بالقصير، فقد عمل الإخوان المسلمون في كل الظروف الممكنة ، فهم تارة جهاديون، وأخرى ديمقراطيون، وهم في خلاف مع السلطة أحيانا وفي وئام أحيانا أخرى. تراهم في وجوه كثيرة وأقنعة متعددة، فريق يجري للترشح للانتخابات هنا أو هناك وآخر يحمل السلاح بمسميات مختلفة للإطاحة بالنظام الكافر، ومنذ أن شرع حسن البنّا بحركة إعادة التاريخ إلى الوراء قبل نيف وثمانين عاما، عمل تلامذته جاهدين بصبر وأناة على تنفيذ مشروعه السياسي الذي عبر عنه بالقول بأن الجهاد من أجل إقامة الخلافة الإسلامية فرض عين، وكذا كان.
يقتات الأخوان، في تسويق شعارهم بأن "الإسلام هو الحل"، على فساد الأنظمة وتآكلها، وعلى قمعها وفشلها في تقديم الخبز والتنمية لشعوبها. وبكل رومانسية الشعار وحساسيته الدينية في مجتمعات تعيش ثقافيا في القرن السابع، تمكنوا من سحب البساط من تحت الإيديولوجيات المترهلة السائدة التي حكمت وفشلت بل وقادت شعوبها إلى الدمار، فلم تجد القريحة الثقافية لمجتمعاتنا عوضا عن البحث عن الماضي السحيق بعد أن فشلت في إنتاج الحاضر والمستقبل، وكان الأخوان المسلمون بالانتظار فسقطت الثمرة ناضجة بين أيديهم. لقد حاولوا هذه المرة، اختبار مدى تحكمهم بنبض الشارع وجر الأنظمة الى معارك يحددون مواقيتها وساحاتها، كما كان الأمر في "أزمة الرسوم الدنماركية"، إلا أن المسعى لم يؤتي ثماره، فحتى أصحاب الصمود والتصدي أمثال سوريا، الذين يحدق خطر الإخوان بأنظمتهم ذاتها، أكتفوا بالصراخ السلبي لأن توقيت معارك الإخوان يستهدفهم ذاتهم قبل أن يستهدف إسرائيل.
دولة الجلابيب والسواد واحتقار الحياة وتزوير التاريخ واحتقار كل ما هو إنساني لمصلحة كل ما هو غيبي قادمة، ما دامت قد بدأت تسكن عقول وقلوب الأجيال الجديدة التي مزق الإحباط والإفقار والقمع صورة المستقبل في أذهانها ما لم تبدأ الأنظمة القائمة فورا ببناء اقتصاديات أكثر كفاءة وإعادة ترتيب أولوياتها لمصلحة الإنسان والتقدم والقضاء على الفقر، وما لم تعيد نخب الجسد السياسي العربي العجوز حساباتها وتحالفاتها، وتقدم بدائل جديدة بدل تلك التي نالت فرصتها كاملة وسقطت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الطوفان.
قد يقول البعض بأن الإخوان قد مالوا إلى الاعتدال في السنوات الأخيرة وقبلوا بمبدأ تداول السلطة والعملية الانتخابية، وبأنهم ليسوا كالقاعدة ومشتقاتها، وأن فيهم من المثقفين المتنورين الكثير، وأقول تعم فيهم الكثير، ولكن هل يتخيل البعض تنازل الإخوان "انتخابيا" عن السلطة إذا ما وصلوا اليها، وهل يسمح الشرع بتنازل "دولة الحق" لتيارات الكفر والباطل، وهل هنالك في الشرع شيء اسمه تداول للسلطة، وهل هنالك في تنظير أية جماعة إسلامية ، سنية كانت أم شيعية، قاعدية أم أخوانية، شيء اسمه الرفاهية وتفضيل الدنيا بمتاعها الآفل (وهو تعبيرهم عن حقوقنا في حياة كريمة ومرفهة) على الآخرة (التي سيتم فيها تعويض المسلم)؟ حقا أن "هؤلاء الذين يعتقدون بأن لا علاقة بين الدين والسياسة لا يعرفون ما هو الدين"، كما قال خالد الذكر المهاتما غاندي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - افول التيارات الاسلامية
خالد صبيح
(
2009 / 1 / 29 - 23:26
)
اعتقد ان التيارات والمشاريع الاسلامية بمجملها، وبكل تلاوينها، هي في حالة افول، وانها تخطت القمة( الذروة) وهي في طريقها للهبوط من الجانب الاخر. بمعنى انها وصلت الى مآلها الطبيعي، وهو الطريق المسدود. لهذا لا ارى داع للتخوف من اشراكها في أي عملية سياسية، سواء كانت هذه المشاركة عبر الانتخابات او غيرها، لان منعها وقمعها (كما حدث في الجزائر) يحقق لها وللانظمة العربية، التي تحصر البدائل بين بؤسها وفسادها وبين بديل الاسلاميين الظلامي، مناخا (ايجابيا) للحراك السياسي والاجتماعي وذلك بالتعكز على اليات الصراع الذي تتصنع الانظمة تازيمه وتصويره على انه محدود الافق ومحتوم النتائج، وهي ذريعة تخلق خوف مزمن لدى الشارع ونخبه من الانفتاح السياسي الذي سيؤدي مساره التلقائي، ان لم يكبح، الى ديمقراطية مقبولة في هذه المجتمعات. وانا ارى ان حصول القوى الاسلامية على فرصة سيضعها امام الاختبار التاريخي الذي ستفشل به مالم تغير من بنيتها الفكرية وخطابها السياسي. وهاهي تجربتهم في العراق دليل على هذا الاستدلال.
.. قلوب عامرة مع د.نادية عمارة - صحيح البخاري كتاب الإيمان -باب
.. 94-Al-araf
.. 95-Al-araf
.. اللقاء الحواري حول كتاب: ما بعد الإسلام السياسي مع المؤلف: ا
.. اللقاء الحواري حول كتاب: ما بعد الإسلام السياسي مع المؤلف: ا