الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياة شرارة الثائرة الصامتة

خالد حسين سلطان

2009 / 4 / 22
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الأول من آب 1997 انتقلت الى جوار ربها الفقيدة د. حياة شرارة أستاذة الأدب الروسي في جامعة بغداد / كلية الآداب ( ومن ثم كلية اللغات ) في حادث انتحار مأساوي مع ابنتها الشابة مها، والذي كان صدمة شنيعة لكل من عرف الفقيدة أو سمع عنها وقرأ لها وكذلك في الأوساط الأدبية والتدريسية وطلابها، وعلمت في حينها عن الوفاة من خلال اللافتة التي علقها طلابها في واجهة مجمع الكليات في باب المعظم، وأثارت تلك الحادثة الكثير من اللغط والتساؤلات ان كانت انتحار فعلا أم هنالك يد خفية للنظام الحاكم في ذلك، وعلى كل حال فالحصيلة كانت ان النظام كان وراء الانتحار سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وبعد صدور رواية " إذا الأيام أغسقت " للفقيدة وبمقدمة رائعة بقلم السيدة بلقيس شرارة، أشارت السيدة بلقيس في تلك المقدمة وكتاباتها اللاحقة عن الفقيدة، ان الحادثة كانت انتحار وبدون أي تفاصيل حيث كتبت في الجزء الأخير من تلك المقدمة " . . . ولم تعد ترى بصيصا من النور أو الأمل. أحست أنها أمام منعطف الهاوية عندما فقدت الحياة مغزاها وهدفها، ولم يبق أمامها إلا الهرب والتخلص منها وإطفاء جذوتها. فقد وصلت الى الخطوة الأخيرة في مفترق الطريق الحاسم، الفاصل بين الحياة والموت، ووجدت راحة في إنهاء مسيرة الحياة والتخلص منها . " ومع هذا كانت بعض الكتابات التي نشرت حول الفقيدة وخصوصا بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق تشير الى إنها كانت عملية تصفية من قبل أجهزة النظام الأمنية، فالبعض اعتبرها عملية إعدام وأدرج اسم الفقيدة وزوجها الطبيب محمد صالح سميسم ضمن قوائم الشهداء الذين أعدمهم النظام، والآخر تساءل عن الذي أشعل النار في الفقيدة وابنتيها وهنالك من كتب عن استنشاقها لغاز سام. لذلك كان الأجدر بالسيدة بلقيس أن تخوض في بعض تفاصيل الحادث وخصـــــوصاً ان زينب الابنة الثانية للفقيدة قد نجت من الحادث وبالتأكيد لديها معلومات دقيقة عن الحادث رغم قسوتها .
وعلى كل حال فان تلك النهاية المأساوية ليست بالغريبة في أوساط المبدعين والعلماء وغيرهم من ذوي النفوس البشرية السامية عند تعرضهم للاستبداد واقتناعهم بعدم قابليتهم تقديم شيء في مجال اختصاصهم ضمن الظروف المحيطة بهم، رغم تناقض تلك النهاية مع التشريعات السماوية. ويبدوا ان الفقيدة من خلال دراستها وأبحاثها في الأدب الروسي تأثرت بالنهاية المفجعة للشاعر والأديب الروسي ماياكوفسكي ( 1893 ــ 1930 ) الذي أطلق النار على قلبه وهو في ريعان شبابه وعطاءه تاركاً وصيته التي جاء فيها " الى الجميع ! أنا أموت, لا تتهموا أحداً، ودعكم من الأقاويل . . . " فنقشت تلك النهاية أثرها في ذاكرة حياة كورقة قد تحتاجها يوماً ما، وفعلا لجأت الى تلك الورقة لتعلن ثورتها الصامتة وتنهي حياتها لتكون تلك النهاية صفعة في وجه الطاغية المستبد. ولو كانت الفقيدة على قيد الحياة حتى اليوم لانتحرت مرات ومرات وهي تشاهد رفاق الأمس من أصحاب الرايات الحمراء التي طالما ناضلت تحتها وهم يجلسون على طاولة واحدة مع أعداء البشرية ومحتلي بلادهم ويزمرون ويطبلون لذلك الاحتلال بكل فعالياته ويبصمون على اتفاقية مذلة معه وبرياء صارخ ( أفضل السيئات ) .
تأثرت كثيراً عند قراءة تلك اللافتة المشئومة التي تعلن عن وفاة الفقيدة، وبعد الاحتلال قرأت روايتها " اذا الأيام أغسقت " وتعاطفت مع أحداثها ومعاناة الفقيدة، لذلك أخذت من عنوانها لازمة لي أكررها مع كل ضائقة أمر بها وما أكثرها في زمن الاحتلال البغيض وما رافقه من أحداث وانحرافات غير متوقعة، حتى أخذ أطفالي بسؤالي عن معنى هذا القول " إذا الأيام أغسقت " فوضحته لهم وتكلمت عن الفقيدة وزوجها وابنتيها وما حصل لهم على يد النظام السابق .
لم التقي بالفقيدة وأنا من جيل طلابها بل كانت هي وزوجها المرحوم محمد صالح سميسم أصدقاء ورفاق لوالدي المرحوم حسين سلطان، وكان الطبيب محمد سميسم طبيب العائلة وأصدقاءها وأقاربها يقدم لهم المشورة والمساعدة في الحالات المرضية سواء في اختصاصه او غير ذلك وخصوصاً خلال فترة عمله في مستشفى الطوارئ في بغداد حيث كنت احد مراجعيه، وفاءاً لتلك الصـــــــداقة والنبل الإنساني الذي تحمله الفقيدة وزوجها والإهمال المقصود من المؤسسات الأكاديمية التي عملت فيها وكذلك رفاقها في فترة عملها الحزبي، عملت على جمع ما احصل عليه من كتابات ومقالات عن الفقيدة ودورها الأدبي والسياسي على أمل نشره كملحق في احدي المجلات الأدبية او على شكل كتاب مستقل ليكون مرجعاً متواضعاً للمهتمين، وعسى ان يكون واخزاً ودافعاً للجهات المختصة والمؤسسات الأكاديمية التي عملت فيها الفقيدة لتكريمها بالشكل المناسب ونشر إبداعها ونتاجها الأدبي غير المنشور لحد الآن، وما أكثره، ويذلك يساهموا في إنصاف إنسانة ومناضلة ومبدعة .
المجد والخلود للفقيدة حياة شرارة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التفاتة جميلة
أحمد السيد علي ( 2009 / 4 / 21 - 19:48 )
حقا انها التفاتة وفاء جميلة تحسب لك وربما في يوم ما ستقول ابنتها زينب الحقيقةوالقتلة بينون كما ذكرت ولكنك في تقيمك لرفاق الامس يحتاج شئ من الروية في ظل تحولات هائلة في العراق بشكل معقد ومركب تستعصي على التفكك على الاقل الان في هذه الفترة التحولية
محبتي


2 - قتلت ولم تنتحر
علي الشمري ( 2009 / 4 / 21 - 22:14 )
النظام السابق وبعد تصفية زوجها الدكتور محمد صالح سميسم , حيث كان عليه أقامة جبرية حيث يذهب الى المستشفى ويرجع الى بيته وهو مراقب من قبل الاجهزة الامنية الصدامية وممنوع عليه السفر الى خارج بغداد , .زوجته أعدت العدة للسفر خارج العراق وقامت بتصفية كل أمورها وأثاث بيتها في حينها للتخلص من مضايقات الامن البعثي , والتوجه الى بيروت للعيش هناك , وعندما أحست الاجهزة الامنية بذلك عمدت الى قتلها مع أبنتها وتسجيل الحادث ضد مجهول. وهذه واحدة من ضحايا البعث وحقدهم الدفين على حملة الشهادات العليا في العراق, مع تقديري وشكري لالتفاتك الوفية بحق المضحين في سبيل وطنهم.


3 - اطروحتها كانت عن الكاتب الروسي المشهور ليف تولستوي
قاسم الجلبي ( 2009 / 4 / 22 - 12:44 )
اخي السيد خالد التفاته رائعه منك على جمع كل مؤلفات الكاتبه النبيله حياه شراره . لقد كتبت الكثير وابدعت عن ذكرياتها وذكريات زوجها في موسكو في اواسط الستينات . قراءت لال في بعض الصحف العراقييه وكان يشع بين سطورها الكثير من النبل والحوارات الانسانيه والامل في عالم يسوده الخير والسلام .نعم انها كانت مستهدفه مع زوجها الدكتور محمد صالح سميسم ونتهت حياتها بماءساه.
ولكن عتبي عليك هو لو كانت حيه الان وتعيش بعض من الاجواء الديمقراطيه رمن وجود المحاصصه الطائفيه وتخبط الاحزاب الدينيه الو كانت معنا الانسانه حياه شراره لقدمت لنا الكثير من الادب العالمي الانساني ز وللعلم ان الكاتبه الراحله قد قدمت اطروحتها في جامعه موسكو عن الكاتب والروئي الروسي المشهور ايف تولستوي مؤلف روايه والسلام وانا كارالينا .


4 - تسلم لوفاء تذكرك للأبرياء
حسين قادر ( 2012 / 1 / 21 - 22:06 )
اخي العزيز خالد أبو الوليد
تحية طيبة وتسلم على مقالك عن الفقيدة الراحلة الست حياة شرارة
واللعنة على كل من أجرم بحقها..لكني لا أرى ضرورة البسمار الذي
ضربت به رفاقها الذين زكت الحياة سياستهم المعادية للإمبريالية وأيضاً
وجدت الكثير من الأخطاء الإملائية في تعقيب أخي العزيز قاسم الجلبي ..
تحياتي لك وله وخليك منصف شوية أيضاً لرفاق والدك..الراحل رحمه الله

اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية القادمة


.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو




.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب


.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما




.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم