الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكام اليوم وفوبيا الديمقراطية

حيدر لازم الكناني

2010 / 1 / 6
المجتمع المدني


لقد تغير العالم وتغيرت أساليب الحكم فيه من أنظمة قائمة على الحكم الفردي والسلطوي والنمطي إلى أنظمة ديمقراطية فيها للشعب كلمته ودوره في إدارة دفة الحكم ، لقد كان هذا النوع من النظم الديمقراطية نتيجة للتطور التاريخي للمجتمعات وحركتها الاجتماعية والتجديدية بعد فترات من الحروب الدامية والحقب المظلمة التي مرت بها تلك الشعوب ، من قياصرة وأكاسرة وإمبراطوريات وغيرها من الألقاب التي دوت صفحات التاريخ بأسمائها وأفعالها
لقد جاء محمد(ص) بشيء جديد لم يألفه العالم القديم حين ذاك في عمق الصحراء وسط لهيب الشمس ورمالها الحارقة في عالم لم يفهم شيء إلا لغة السيف والقوة والظلم الاجتماعي عالم أبو سفيان الرجل الثري المتنفذ وأحد أسياد قريش وعالم العبيد عالم الطبقة المستضعفة في المجتمع القريشي أمثال بلال الحبشي وعمار بن ياسر وغيرهم من الذين ما خلقهم الله ليكونوا خدماً وعبيداً لطبقة الأسياد أمثال أبو سفيان وعتبه والوليد .
جاء محمد (ص)لا ليحطم الأصنام فحسب بل يحطم معها نظام العبودية الذي تأسس على مدى قرون نظام طبقة الأسياد وطبقة العبيد، ليقول لهم" إن خيركم عند الله اتقاكم" ويقول "الناس سواسية كأسنان المشط" .
لم يكن الحال أفضل إن لم نقل أسوء في العالم الأخر البعيد عن صحراء شبة الجزيرة العربية فقد كانت تلك الشعوب هي الأخرى واقعة تحت نار المستبد وسوط الجلاد والناس فيهم عبيد وسيد
وبعد انتهاء الفترة المظلمة التي سادت في العصر الوسيط بدأت في العالم الأخر وفي أوربا بالتحديد التغيرات الاجتماعية والسياسية تبرز منذ إن بدأت الثورة الفرنسية وظهور الثورة الصناعية حيث انطلقت مرحلة جديدة من مراحل التطور الاجتماعي والتغيير فقد أخذت تلك الشعوب هناك بتغيير أنظمتها القديمة التي أصبحت لا تتلاءم وروح المرحلة القادمة من التجديد والتطور فقد تخلت عن قياصرتها وعن ملوكها وأباطرتها بنظم تتلاءم مع الوضع الجديد لما بعد الثورة الصناعية ولو إن هذه التغيير هو حالة حتمية رافقت العنصر البشري وحركته التطورية التي انتقل فيها من مرحلة الصيد ثم مرحلة الرعي والزراعة ومن ثم إلى مرحلة التمدن والمرحلة الأخيرة التي نعيشها الآن مرحلة المدنية المتطورة التي فيها عصر الكمبيوتر والأقمار الصناعية والاستنساخ والخلايا الجذعية وفك الشفرة الوراثية و و و و...الخ.
ورغم هذا التغيير الهائل في التطور الفكري والحضاري ما زال العرب اليوم للأسف يعيش في روح أبي سفيان وعقل ابنه معاوية عقلية وروحية البداوة والغلبة والتسلط صورة العبد والسيد ولهذا السبب ربما دفع بعض مفكري الغرب أمثال هيغل وغيرهم بالقول إن نمط الدولة الشرقية لا يقوم ولا يستمر إلا بالعنف وهو رأي لا يختلف كثيراً عن رأي ابن خلدون ،بل إن احد المفكرين أمثال شاتوبيان الذي قام برحلته الشهيرة والمعروفة بمسار من باريس إلى القدس حيث أطلق من خلالها عبارته الشهيرة في نقد الاستبداد الشرقي قائلاً"إني لم أرى شعبا بل قطيع أغنام يقوده سلطان وينحره جلاد"
إن المتتبع لدراسة التاريخ لا يجد فرقاً كبيراً عن ما هو موجود في عصرنا سوى كلمة modern والتي تعني الحداثة والحداثة في كل شيء في الحياة في لبسنا كلامنا في نمط حياتنا إما حكام العرب فأنهم لا يعترضون على هذا التطور الحضاري سوى ما يمس وجودهم أو بالأحرى ما يوقظ الفوبيا التي يتجنبونها ، وان جعلتهم تحت عملية الإيحاء أو ما يسمى التنويم المغناطيسي hypnoses فستجد نتيجة التحليل analysis في أغوار اللاشعور أو ما يسمى العقل الباطن unconscious لديهم فوبيا اسمها فوبيا الديمقراطية وأنت عزيزي القارئ لا تفزع منها لأنها لا تصيب إلا أصحابنا الحكام حيث سببت هذه الكلمة أي الديمقراطية الاضطراب أنها بنظرهم بدعة من بدع التطور جاء بها الغرب كلمة بغيضة ادخلها المفسدون إلى البلاد الإسلامية لتنال من حكامنا وأولياء أمرنا لعن الله الغرب أغوانا بها وسمم عقول مثقفينا فيها " ونسو وربما تناسوا إن الإسلام أول من نادي بها وطبقها "مساكين هؤلاء الحكام أنهم مصابون بالفوبيا فوبيا الديمقراطيةPhobia of Democracy التي سيطرة على كل تفكيرهم وهواجسهم ، والحقيقة إننا كلنا مصابون في الفوبيا من حيث لا نشعر وسوف تقول لي كيف ذلك ؟ وللإجابة عن هذا السؤال أولا علينا نعرف الفوبياPhobia من الناحية السيكولوجية حيث هي خوف لاشعوري من شيء حقيقي أو وهمي تعرضت له أو خبرته في الحياة اليومية وبالأخص في فترة الطفولة الأولى ويبقى هذا الحدث ملاصق لمخيلتنا فعند التذكر به أو المرور بخبره مشابه له يسبب لنا الضيق والتوتر مثل الخوف من الأماكن المغلقة والمرتفعة أو تذكر حادث سيارة تعرضت له أو شاهدته وغيرها من المواقف الصادمة Shock والمخيفة التي تسبب الاضطراب Disorder والقلق Anxiety،ولكن هناك تفاوت بين الأشخاص في إعراضها وشدتها حسب نوع الحدث المسبب لها ونوع الأشخاص وجهازهم النفسي، إما الفوبيا التي تصيب حكامنا فهي من نوع آخر مختلف فعلى الرغم من أنها تسبب نفس الإعراض للفوبيا الأصلية من خوف وتوتر لاشعوري تؤدي إلى الكرب النفسيDistress إلا إن المسبب لها هنا مختلف والمصابون أيضا مختلفون فافوبيا هؤلاء تتجسد في كل ما يمس سلطانهم أو يهدد ملكهم ولهذا السبب أطلقت عليها مصطلح فوبيا الديمقراطية Phobia of Democracy "وقد تكون إضافة جديدة من عند الكاتب في إضافة هذا المصطلح إلى المكتبة النفسية حيث يرى الكاتب بأنه لا يوجد هناك مصطلح بهذا المفهوم في الأدبيات النفسية حسب علمي" باعتبار إن الديمقراطية أصبحت المسبب الرئيسي لــحدوث إعراض اضطراب الفوبيا لدى هؤلاء الحكام المستبدين التي أرقت نومهم وأقلقت حياتهم ،فهي نتيجة للظلم الذي يرتكبوه وهذا الداء لا ينفع معه أي علاج نفسي أو دوائي، فعلاجه لا يكون إلا بخضوع هؤلاء الحكام تحت حكم الشعب في الديمقراطية الحقيقية .
لقد تجسدت هذه الفوبيا في أبهى صورها عند حكامنا عندما هوى تمثال احد أولياء الله وعبد الله المؤمن صدام حسين (رض) في ساحة الفردوس ، لقد كان هذا السقوط بالطبع كارثة ويوم اسود حيث أشعل هواجس الفوبيا النائمة في أعماق اللاشعور على خلفاء الله وأولياء أمره ، يوم فرعون عندما رأى في المنام مولد طفل هذا الطفل سوف يكون منتهى حكمة وجبروته فماذا يفعل هذا الطاغية سوى ذبح كل مولود ذكر ،وماذا يفعل خلفائنا اليوم لينقذوا إمبراطورياتهم التي سوف يورثونها لأبناهم من بعدهم أنهم يفعلون كما فعل صاحبهم من قبل فرعون فقد قام هؤلاء بإرسال الانتحاريين وزج التكفيريين والمفخخات ليقتلوا العراقيين الذين خرجوا عن طاعة ولي أمرهم أنها حرب ضد هذه الرعية المارقة ، ولم يكتفوا بإرسال الانتحاريين بل شمل الأمر تحشيد وسائل الإعلام في نشر الطائفية في العراق والتشجيع على قتل العراقيين بعضهم بعض من خلال إصدار فتاوى التكفير من علماء الفكر الصحراوي بل ذهب بعضهم على إقامة معسكرات التدريب داخل بلدانهم وتدريب هؤلاء على كيفية الذبح وقطع الرؤؤس من خلال التدريب على الحيوانات في تلك المعسكرات ناهيك عن ملايين الدولارات التي تجمع من مساجد بلاد البترول ومؤسساتهم الخيرية لترسل إلى العراق لقتل أبنائه الشرفاء لا لأجل سوى أنهم تحرروا من عبودية أبا سفيان
يقول علماء النفس إن أفضل من يعبر عن مكنوناته اللاشعورية الداخلية هو الشخص المضطرب نفسياً حيث يكون جانبه اللاشعوري هو المسيطر على شخصيته فالشخص العصابيneuroticهو الشخص الذي يستخدم أساليب دفاعية لاشعورية ويبني لنفسه أوهام يعيش فيها بدلاً من مواجهة الواقع الذي يعيش فيه هذا الواقع الذي لو واجهه فسيسبب له القلق وعدم التوازن في نفسه ، ويبدوا إن الفوبيا التي ابتلا بها من قبل خلفاء بنو أمية وبني العباس وابتلى بها كل الطواغيت والجبابرة على مر الدهور كما ابتلى بها كما قلنا فرعون وافزع حياته وأصبحت همه الأول والأخير هي نفسها التي ابتلى بها حكام اليوم المساكين فبدأ يستعملون الأساليب الدفاعية لحماية أنفسهم من هذا الداء التي أوقدها سقوط الصنم في ساحة الفردوس.
وكان أفضل صورة تمثلت في هذه الفوبيا التعبيرية في مظاهرها الخارجية والمتجذرة في عمقها النفسي اتضحت لدى أكثرهم اضطرابا وعصابية هو معمر القذافي"ملك ملوك افريقيا" الذي بدأت الفوبيا واضحة لدية عندما ظهر وهو يخطب في مقر الجمعية العالمية للأمم المتحدة وهو يدافع عن الخليفة المهزوم صدام بينما كان في السابق أكثر المنتقدين له،فوبيا لعينه أفزعت هذا المتجبر في الظاهر والشكل والخائف والمر تعب من الداخل انه شكل من إشكال الاضطراب الواضح والقلق الحاد الذي يعيشه هذا الحاكم المستبد، لقد رأى في صدام ذاته الخائفة من نفس المصير ومن يتبع طريقة كلامه وتعابير وجهه يجد ضغط الفوبيا واضحاً حيث يمكن إن تجد المخاوف المكبوتة والمقلقة أكثر وضوحا عند المضطربين أمثال القذافي، انه يطالب بإقامة محكمة دولية بسبب إعدام صدام ولم يطلب عن سبب قتل صدام للملايين وتشريد الآخرين وعن المقابر الجماعية التي ضمت ألاف من رفات الأطفال والنساء والشيوخ والشباب أنها صورة للذات تمثلت في الأخر وهي ذات صدام ومصيره كما يراها هؤلاء الحكام أمثال القذافي ،مثلما يرى الناس ذواتهم في المرآة،فهؤلاء راءوا ذاتهم في مصير صدام فأوقد هذا المصير المرعب الفوبيا النائمة في عقلهم الباطن.
يرى عالم النفس أيرك فروم (Erick froom) إن أقوى الدوافع التي توجه سلوك الإنسان تنبثق من ظروف وجوده أو من موقفه الإنساني من الوجود . ولا يستطيع الإنسان إن يستقر في عيشه لان ما ينطوي عليه نفسه من متناقضات تدفعه إلى انسجام جديد محل الانسجام الحيواني مع الطبيعة . فالإنسان بعدما يشبع حاجاته الحيوانية ينطلق نحو إشباع حاجاته الإنسانية. وإذا كان جسمه يدله على ما يأكل أو لا يأكل ، فان ضميره يدله على أي الحاجات ينبغي أن ينميها ويشبعها ، أو أيها يتركها حتى تذوي وتموت . وان الجوع وشهوة الآكل من وظائف الجسم التي يولد بها المرء ، في حين أن الضمير وان يكن موجوداً بالقوة ، يحتاج إلى توجيه والى مبادئ لا تتطور إلا مع نمو الثقافة،فمن خلال هذا القول يمكن إن نقول إن الضمير هو الأداة التي تحكم مبادئ الإنسان وتوجهه نحو إنسانيته من خلال تجسيده لقيمه ومبادئه الأخلاقية وترفعه إلى المرتبة الإنسانية عن المرتبة الحيوانية الغريزية التي تذوب فيها الفردية وتندمج وتذوب مع الجماعة التي يعيش فيها من خلال تكوين الضمير الذي يتشكل من امتصاص معايير الثقافة الإنسانية ، إما القذافي ومن نوعه من الحكام المستبدين فمازال ضمن مستوى المرتبة الحيوانية التي فيها الذات الفردية والغريزة هي المسيطرة كما في وحوش الغابة حيث غلبة الجسد والذات الحيوانية على الضمير الذي هو الموجه لإنسانية الإنسان ومتجسد لأخلاقه وقيمه ، هذه نتيجة واقعة فعلا لأصحابنا الخلفاء لأنهم تجسدوا بثقافة أبي سفيان وابنه معاوية ثقافة الصحراء وقسوتها والتي تغلب الجسد والغريزة على الضمير،فمن خلال غياب سلطة الضمير لدى هؤلاء تبقى الفوبيا هي وحدها السلطة المفزعة لحياتهم والمزعزعة لملذاتهم والمنتقمة لشعوبهم ،فمنا تحية لفوبيا الديمقراطية داء الحكام المستبدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بارك الله بالأستاذ حيدر
محمود شاكر شبلي ( 2010 / 1 / 8 - 03:20 )
بارك الله هذا الجهد الخيّر الذي قام به الأستاذ حيدر الذي يدل على ثقافة عالية وشعور مرهف ..

ان حكامنا ياسيدي هم أسوأنا .. و( كيفما تكونوا يولّ عليكم )فهم بالأضافة الى فوبياتنا وعقدنا ونفاقنا وخورنا أضافوا اليها التمسك بالجاه والسلطان من حيث لايستحقون.. فتصور .. مقدار السوء الذي سيكونون به وعليه وبالتالي مقدار السوء الذي سيتسببون به...انها أم المصائب وما جنون الأرهاب الذي نعاني منه الاّ صورة من صور المصائب التي حلت علينا بفضل نواقصنا وبفضل سوء حكامنا ..

اخر الافلام

.. -سجن إيفين-.. حقائق عن معقل التعذيب في إيران


.. ماذا عن موقع الأقليات في مستقبل سوريا؟




.. تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا


.. أدوات التعذيب في سجون الأسد




.. رئيس إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع: لن نعفو عن المتورطي