الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقطات من ظروف الجوع

رياض الحبيّب

2010 / 8 / 30
المجتمع المدني


إن منظر أفواه فراخ الطير في عشّ وهي تستقبل الأمّ بصفير الجوع مؤثر في النفس أعمق تأثير. تحاول الأمّ إطعام جميع فراخها ممّا جمعت من طعام تيسّر لها هنا وهناك. وكم انتابتني من رغبة لمساعدة الأم على إطعام الفراخ برمي فتات الخبز لها وفضلات الرز المطبوخ ما فاض عن حاجتي. ذلك على رغم الإزعاج الذي تحدثه أصوات الطيور في أوقات مختلفة من النهار والليل وهي تقيم مؤقتاً فوق المنازل وسائر المباني ذوات سطوح القرميد المائلة والمألوفة في دول الغرب. فكيف لي أن أصف مشاعري إزاء منظر يجسّد صراخ طفل رضيع ليس في ثديَي أمّه قطرة من الحليب والأمّ نفسها تتضوّر جوعاً لعدم توفر لقمة العيش والبقاء على نسمة الحياة والاستمرار؟
ولا يكاد يفارق الذاكرة مشاهدة تجمّعات بشرية بهيئة هياكل عظميّة من جميع الأعمار في معالم أفريقيا ومجاهلها وفي سائر بلدان العالمَين الثالث والرابع. لكني في الجهة المقابلة أشيد بقيام منظمات الإغاثة سواء المحليّة والدولية بمحاولات حثيثة لمساعدة الفقراء أينما وُجدوا على رغم المخاطر التي يتعرّض لها عمّال الإغاثة.

وقد عبّر أهل الأدب والفن كلّاً من موقعه عن المجاعة وتحديد الأسباب المؤديّة لها واقتراح السبل الكفيلة بمعالجتها هذا بقلمه وذاك بريشته. فتحضرني في الأدب رواية "الأم" للأديب الروسي مكسيم غوركي 1868ـ 1936 والتي صوّر فيها بؤس الفقراء ونضال الطبقة الكادحة إزاء الظلم والاستغلال ورواية البؤساء Les Misérables‏ للأديب الفرنسي ڤـكتور هوگو 1802- 1885 التي صوّر من خلالها الظلم الإجتماعي في فرنسا من تاريخ سقوط ناپوليون عام 1815 حتى الثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليپ الأول سنة 1830 وهناك روايات أخرى كثيرة لا تزال محفوظة في كتب التراث لدى جميع الأمم وقد ترجم منها الكثير بلغات عدّة.

كما تحضرني بالمناسبة حكاية طريفة رُويت عن السياسي المخضرم تشرشل والأديب الساخر برنارد شو؛
قال الأوّل- وكان ضخم القوام: مَن يرَكَ يا شو يظنّ أنّ في إنگـلترا مجاعة!
ردّ الثاني- وكان نحيلاً: ومن يرك يظنّك أنت سبب المجاعة!

أمّا الرسّامون والمصوّرون فمنهم من أبدع ومن فازت مادّته بجائزة محليّة أو عالميّة في كلّ مرّة تقام المعارض والمسابقات. فإحدى الجوائز كانت من نصيب فـنّان رَسَم لوحة تظهر بيتاً من بيوت العنكبوت مُحيطاً بمخرج أحد الجياع. أمّا على الإنترنت فقد عثرت على صورة لفم مفتوح يبني العنكبوت بيتاً داخله. وفاز أحد المصوّرين بجائزة عن التقاطه صورة لطير جارح يقف على مقربة من طفل أفريقي جائع وهو على وشك مفارقة الحياة.

وتشير إحدى الإحصائيّات مؤرخة في 19 حزيران-يونيو 2009 إلى أن عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم قد تجاوز المليار نسمة، أي نحو سدس سكان العالم الإجمالي- راجع تقرير بي بي سي التالي
http://news.bbc.co.uk/2/hi/europe/8109698.stm

وكان نحو 923 مليون شخص في العالم يعانون من سوء التغذية في العام 2007 أي بزيادة قدرها 80 مليون منذ الحقيبة ما بين العامَين 1990 – 1992 أمّا اللافت فهو ما صرّحت به منظمة الأغذية والزراعة FAO بأن العالم ينتج بالفعل ما يكفي من الغذاء لإطعام كل شخص ليس ستة مليارات نسمة فحسب، بل يمكن تأمين تغذية مزدوجة أي ما يكفي اثني عشر مليار نسمة.
وعند حساب القيمة العددية المتوسطة، يلاحظ موت 36 مليون شخص كل سنة بسبب سوء التغذية سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة، ما يزيد على حالة حدوث وفاة واحدة في الثانية الواحدة. وفي المتوسط أيضاً؛ يموت طفل واحد دون سن الخامسة كل خمس ثوان كنتيجة مباشرة لسوء التغذية أو غير مباشرة. أمّا سنوياً فيموت ستة ملايين طفل، أي أزيد من نصف مجموع وفيات الأطفال. لذا يتحمّل العالم نفسه وتحديداً حكومات العالم مسؤولية المجاعة وسوء التغذية.
____________________________

ملاحظة: إنّ جانب الإحصائيّات في المقالة مترجم عن الرابط التالي
http://en.wikipedia.org/wiki/Hunger








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق- من الأخ أحمد بسمار
رياض الحبيّب ( 2010 / 8 / 30 - 21:00 )
أرجو الحوار المتمدن التفضل بقبول نشر هذا التعليق الذي أرسله الأخ السيد أحمد بسمار إلى بريدي الالكتروني عبر الحوار المتمدن- مع الشكر سلفاً:

{(بما أنني ممنوع من التعليق, لسبب أجهله.
أرسل لك تعليقي. آملا أن يقرأ على الأقل من الكاتب.
تحياتي المهذبة)
أراد الله يوما أن يتفقد أحداث الكرة الأرضية. فأرسل وزيره الملاك جبريل بزي رجل عادي إلى الأرض. وصلها مساء معتما, وفور وصوله سمع أنينا وشكوى أليمة. فاقترب من الصوت ورأى رجلا لا عمر له, ضعيفا هزيلا ترى عظامه. فسأله جبريل ما بك يا بني. فأجاب الرجل الهزيل الفقير: لم أذق أي طعام من أربعة أيام...
تابع جبريل طريقه في هذه الأزقة المعتمة, حتى وصل إلى قرب بيت كبير تتألق فيه الأضواء. وسمع أنينا جارحا وصراخ ألم يأتي من هذا البيت المضاء..دخل مستفسرا.. فوجد رجلا متوسط العمر, منتفخ البطن والخدود. يداه على بطنه المنتفخ ورأسه منحن على طاولة عليها بقايا وليمة تكفي لعشرات المنتفخين مثله...فسأله جبريل ما بك يا بني..مما تشتكي وتتألم...فأجاب الشاكي المنتفخ: مضت أربعة أيام وأربع ليال وأنا أنهم من هذه المأكولات لوحدي!!!...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة}


2 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 8 / 31 - 16:22 )
استاذ رياض وصف جميل لفراخ العصافير وهذا هو حال العراقيين اليوم والعرب فهم فتحو افواههم لكي يطعمهم الغرب الكافر لانهم كسالى وخاصه في رمضان ..تحيه حب وسلام لقلمك المبدع دائما والذي يتحفنا بكل جديد ومفيد لتنير العقول المغيبه والمركونه على رفوف المقاهي العربيه


3 - انها الراسمالية يا اخ رياض
عبد القادر برهان ( 2010 / 8 / 31 - 16:42 )
لقد ابدعت يااخي رياض في شرح المعاناة التي يعيشها الكثير من اخوتنا في الانسانية نتيجة
للفقر الذي ينتج الجوع ,,,وكم كان بودي ان تستكمل ابداعك هذا فتتحدث عن الاسباب
الحقيقية للفقر ومن ثم للجوع فالحقيقة التي لا تغيب عن الاذهان ان المد الراسمالي غرز
انيابه في اجساد الفقراء نتيجة لانحسار الفكر الاشتراكي من جهة وزيادة الجشع لدى
الاكثرية من اصحاب رؤوس الاموال والاغنياء وانعدام التوزيع العادل للثروات وغياب
الضمير الانساني لدى اكثرية الدول الغنية واولها دول البترودولار العربية والاسلامية


4 - الرحمة تدرج وذوق
الحكيم البابلي ( 2010 / 8 / 31 - 23:31 )
العزيز رياض الحبيب
لا أجاملك لو قلتُ بأن الموضوع مس إنسانيتي وجعلني أُحلق في سماوات نقية من همجية الإنسان وأنانيته وعدم شعوره بغيره
ليس عندي تعليق أكبر من كلمة : شكراً ... بارك بك الإله الذي تعبد ، وباركتك أُمنا الأرض
في يوم ما سأكتب عن بطة برية باضت في حديقة داري ، وعن بطات كثيرات ، فالحديث عن الرفق بالحيوان جميل ، ولكن البعض يستهجنونه ويطلبون منا حديثاً عن الرفق بالإنسان فقط، وما دروا بأن من لا يستطيع رحمة الحيوان ، قد يعجز عن رحمة الإنسان
شكراً رياض الخير تحياتي


5 - شكر وتقدير
رياض الحبيّب ( 2010 / 9 / 1 - 01:44 )
موضوع واحد عن الجوع يلاقي انطباعات متنوعة
ما أجمل التنوع!
بستان يعطي مختلف الثمار
حديقة تزهو بألوان وتفوح بعطور
هكذا أثرى الفنانون المقالة وهم يرسمون بالكلمات انطباعات ومشاعر جيّاشة
وهم الإخوة الأحبّاء مع حفظ الألقاب:

أحمد بسمار- وصلتني رسالتك الثانية؛ عفواً إذ لا شكر على واجب

يوسف حنا بطرس- هنيئاً لتللسقف بابنها البارّ

عبد القادر برهان- أتفق معك وأتساءل عن سبب انحسار الفكر الإشتراكي وأزمة الإحساس بالآخر

الحكيم البابلي- بانتظار مقالتك عن مبدأ الرفق بالحيوان وحكاية البطة البرية التي وجدت لها مرتعاً في حديقة دارك


6 - لوحة فنية
تي خوري ( 2010 / 9 / 1 - 03:02 )
لوحة فنية , خطتها ريشة الفنان رياض باحاسيس مرهفة , نقلنا من خلال الوانه الادبية من عش العصافير الى روائع الادب العالمي, ليعود بنا الى الواقع الاّليم واحصاّته , والتي, كما قال الشاعر المهجري : تبكي الجن لو نظروا وتستضحك الاموات لو نطقوا!!!

لا تتاخر علينا بفنك ,فلدينا ظمأ للروائع ؟؟


7 - الطيب الحبيب
نيسان عيساوي ( 2010 / 9 / 1 - 07:30 )
مبدع في كتاباتك الانسانية

شكرا للاستاذ الحبيّب


8 - الصديقين المخلصين تي خوري ونيسان عيساوي
رياض الحبيّب ( 2010 / 9 / 2 - 12:28 )
يسعدني مروركما على مقالاتي والإهتمام بها والتعليق عليها كثيراً.
وغالباً ما أشعر بالخجل من التفضل بالمديح والإطراء فلا أعرف كيف أردّ إلّا شاكراً وممتنّاً.
دمتما لي أخوين وصديقين عزيزين.
مع أطيب التحيات لكما وأصدق الأمنيات.


9 - كلمة السر العجيبه
نور المصرى ( 2010 / 9 / 2 - 14:54 )
استاذى الحبيب ((المحبه )) هى كلمة السر السحريه والعجيبه لو ننزع عنها الحجاب الذى اسدله البعض عليها ستختلف الحياه للافضل ..فطالما مسدل الحجاب على المحبه الحقيقيه ستزداد فى العالم هذه المآسى .
تحيه لك استاذنا رياض وبكل محبه اشكرك على تسليط اضواء على نواحى انسانيه .


10 - الأخ الصديق نور المصرى
رياض الحبيّب ( 2010 / 9 / 3 - 10:39 )
لقد وقعت كلماتك الطيبة على جوهر المشكلة وصُلب الموضوع: المحبّة!
لو استخدم أغنياء العالم كلمة السّرّ التي تفضلت بها للدخول إلى قرى الفقراء- إخوتهم بالإنسانية- وإلى بيوتهم ليناصفوا الفقراء الثروة لاٌستأصلوا الفقر وكنزوا المحبة خالدة في القلوب وضمنوا الأمان لأنفسهم وممتلكاتهم بدلاً من أن يكنزوا المال في الأرض حيث يعبث الصدأ والسوس وفي المصارف حيث ينقب اللصوص.

أحيّيك أخي الكريم نور على هذه الإلتفاتة وأشكرك على الاهتمام المتواصل بما أكتب.

اخر الافلام

.. العربية ويكند | الشباب وتحدي -وظيفة مابعد التخرج-.. وسبل حما


.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع




.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و


.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا




.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟