الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألغرز في اللحم الميت

حامد حمودي عباس

2012 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بوجه يقطر شماتة وتشفي قال لي ، ماذا تقول الان في أمر وصولنا الى السلطة في بلدان ما اسميتموه بالربيع العربي ؟ .. أين ياترى يساركم وعلمانيتكم وما كتبتموه من ( معلقات ) نثرية وشعرية أصاب الناس من جرائها الدوار ؟ .. هذه تونس وبعدها مصر وتلك ليبيا وقبلها العراق .. ماذا تنتظرون حتى ترعوي مخيلاتكم فتعلنوا صواب مسيرتنا وخواء عقولكم ؟ .. ألم تنتهي مراهنتكم على دعم الجماهير ، والجماهير هي من اختارنا عبر صناديق الاقتراع ؟ .. وان كان الامر كذلك ، فعلى من تسندون ظهوركم اذن ، وعن من تدافعون ؟ ..
كانت ملامح الشعور بالفخر والانتصار تطغى على كل زوايا وجهه وهو يتحدث حاملا ثقة الدنيا بأسرها ، ولم يكن بد من شعوري بالانكسار حين صادف لقائي بالرجل ، مرور كوكبة من حاملي رايات التظاهر دعما لقرار رسمي بالغاء عمل النوادي الليلية ودور السينما ، وغلق اكبر نادي للادباء بحجة احتوائه على بار لتعاطي الخمور ، فأشرت عليه ان يلتفت لذلك الركب مشفعا طلبي بقولي : على اكتاف هؤلاء سرتم وعلى معاناتهم بنيتم عروش سلطتكم الجديده ..
- ثم ماذا ؟ .. وليكن باننا اعتلينا اكتاف هؤلاء .. أليست هي الجماهير ونحن جميعا رهنا لرغباتها ؟ .. ألم تدعون في جل أدبياتكم الفكرية الى اتباع سبل الديمقراطية ؟ .. هانحن امام اروع سبل الديمقراطية حين اختارتنا الجماهير بمحض ارادتها ولا اكراه في ذلك .
- ألا تسمي استغلال عوز الناس في دفعهم للاختيار عسفا وظلما واكراه ؟ .. ألا تسمي استخدام عنصر الدين في استدراجهم وضمان اصواتهم احتيالا على ارادتهم ؟ .
- هذه واحدة من اسالبيكم حين تبقون في داخل ذات الدائرة .. يا أخي الشعب هو صاحب الاختيار وقد حزم أمره عند اول فرصة شعر من خلالها بأنه حر .. المواطن المصري الان وعبر وسائل الاعلام يصرح بأنه ولاول مرة يختار ممثليه بكل حرية ودون تدخل من السلطه ، وكذلك التونسي والعراقي ، ماذا تريدون اذن ؟ .. هل علينا ان نجلب لنا جماهيرا من زمبابوي مثلا ؟ .. الجماهير التي اختارتنا هي مصرية وتونسية وعراقية وسيأتي دور السورية واليمنيه ، ونحن واثقون من النتائج .
- أكرر حجتي بانكم استخدمتم اقوى اسلحة التأثير على فقراء الناس وهم الاغلبية ، وهي حجة الدين .. لقد نجحتم بوضعنا في خانة هي ليست من صلب حقيقتنا .. وهذه مرحلة دخلت بالنسبة لكم في طور التجربة لا غير ، وسوف تسقط تلك التجربة حتما ، ستفقدون بريقكم حال انتهاء تجاربكم في ادارة الدولة بالفشل ، وستفشلون لا محاله .. العالم اليوم دخل في الادوار المتطورة جدا من الحضارة المرتكزة على الاكتشافات العلمية المبهرة ، وانتم لا زلتم تنازعون مع تاريخ ميت بفصوله واحداثه وحتى مكوناته ، العالم لا ولن يبقيكم في مواجهته طويلا حتى تضمر خزائنكم الفكرية الضحلة .. بلداننا تموت تدريجيا بفعل ارتداد سياساتكم الاقتصادية في البلدان العربية التي استوليتم عليها .. واصبحتم الان موضع سخرية امام الجميع حتى البلدان الاجنبية التي تحكمها احزاب اسلامية .. فعلى ما يبدو فان المسلمين من غير العرب ، هم اكثر بسالة في مواجهة واقع بلدانهم ، حين نمت تلك البلدان وبشكل حثيث .. في حين بقيتم انتم لعبة تحيطها سخرية الحياة ، لقد هدمتم اركان تلك الحياة بفعل ترهات احتلتم بها على شعوبكم لبناء امجاد الاثراء والتسلط ..
- هب أننا كذلك ، وبذلك نجحنا في التسلط على رقاب الناس كما تقول .. اذن أين انتم وماذا فعلتم ؟ .. أين انتم من عمليات التوعية التي كنتم ولا زلتم تتبجحون بامتلاك ناصيتها دون غيركم ؟ .. لماذا تركتم جماهيركم ضحية لترهاتنا وانسحبتم الى داخل بروجكم العاجية متفرغين للتغريد خارج السرب ؟ .. انتم ياسيدي مثقفين لانفسكم فقط ، لقد تركتم شعوبكم تسير كيف تشاء لها اقدارها وحسبتم بان زمنا قريبا سيوحي لتلك الجماهير بما تحتويه خزائن ثقافتكم التي يصعب تفسيرها الا من قبلكم انتم .. انكم نسيتم او تناسيتم بأن السياسة تقتضي الاحتكاك بالواقع وليس الاكتفاء بالشعور بالفخر والتعالي ، ليس بالدوران في ذات المكان والخضوع لظروف ذات الزمان .
- أنت تتحدث وكأنك تعترف ضمنا بانكم ركبتم موجة فقر وجهل الجماهير، مستغلين ذلك في ايجاد ثغرات سطوتم من خلالها على السلطة وليس عن طريق صناديق الاقتراع كما تدعون ، وتأكد بأن الزمن القادم سيسجل على صفحات تاريخه فصول اندحاركم لا محاله .. انكم لستم أهلا لادارة دولة مدنية ، وأركان ما تدعون بانها دولة تحت لوائكم ، ماهي الا تجمع يستند على دعم لا يرتكز على أسس متينه .. ان نظاما يعزز كياناته استنادا الى نصوص لا تقبل التعديل ، من شأنه بالضرورة ان لا يتقبل العمل وفق دساتير حديثه .. باختصار ياسيدي ، فان نواميس الحياة المتجددة لا يمكنها ان تتجانس ولزمن طويل مع ما ترمون اليه من اهداف .. العلمانية الهادفة لبناء دولة تتجاوب مع حيثيات التقدم العلمي والانساني ، هي المحرك الوحيد لخلق عالم تسود فيه العدالة والحرية ، وكلاهما لا وجود له في حيثيات نصوصكم القديمه
- وباختصار ياسيدي ، الواقع يشير بوضوح الى سيادة ما تعتبره نصوص قديمه على ما لديكم من ثقافات لم تأتي اكلها لحد الان رغم بسالتكم في الدفاع عنها .. الجماهير لا تريد ان تصدقكم وصدقتنا .. وكفاكم الغرز في اللحم الميت .
الى هذا الحد بلغ حوارنا ، حيث اختار صاحبي ان يغادرني تملؤه النشوة والفخار .. وبقيت انا في مجلسي امضغ أفكاري بهدوء بغية الوصول الى نتائج تعيدني الى توازني ، منشغلا بمراقبة حركة الاجساد من حولي .. الاجساد التي بدت لي وكأنها بلا رؤوس ، متوثبة للقفز فوق ملامح حرمانها ، لتهتف وفي اية لحظة ، بموت مناصري قضاياها ، وحياة مستغليها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغزاويين إختاروا حماس فما النتيجة
Amir_Baky ( 2012 / 1 / 17 - 12:41 )
عندما يتحول الشعب الغزاوى لشعب يستجدى المعونات لفشل حماس فى إدارة القطاع و تصفية من يعارضهم ثم إلغاء الإنتخابات و إلغاء حرية إختيار الشعب لمن يحكموه. فهل أصحاب الإسلام السياسي يجدون فى ذلك إنتصار؟ فقادة حماس كانوا يتفاخرون عندما إختارهم الشعب فلماذا يخشون من الإنتخابات الآن و منعها؟ أن تضحك على الشعب البسيط ممكن ولكن أن تضحك علية طول الوقت فهذا حلم كبير بعد أن عرفت الشعوب قدرتها و قوتها. الشعوب التى إختارت التيارات الإسلامية هى التى ستصفى المتاجرين بالدين بعد إكتشاف حقيقتهم. وغدا لناظره قريب


2 - تحياتي للأستاذ حامد
شامل عبد العزيز ( 2012 / 1 / 17 - 18:03 )
يقول أندريه مالرو أنّ هذا القرن هو دينياً
هو كان محقاً أي محاورك المزهو في أهم نقطة ألاّ وهي تفاعل التيارات الإسلامية مع الواقع مقارنة مع التيارات العلمانية
هذه حقيقة لا ينكرها أحد
التيارات الإسلامية بدأت امريكا في التحاور معها وبدأت من مصر
اليوم على الفيس بوك وعلى صفحتي الرئيسية قال عمرو حمزاوي الليبرالي المصري سوف ندافع عن الإسلام وهو منهاج حياة وكل تقاطع معه مرفوض
التيارات الإسلامية وبعد زيارة أردوغان لدول الربيع العربي اعتقد سوف يسلكون نفس المنهج الأردوغاني
فشل التيارات العلمانية بجميع مسمياتها في اكتساح الشارع العربي سببه انها تنظيرية وكما قال محاورك - أصحاب الأبراج العاجية - لقد كان محقاً في كثير من كلامه
سؤال لو وصل أي تيار علماني هل لديه برامج جاهزة لمعالجة جميع مشاكلنا ؟ نفس الافتراض ينطبق على التيارات الإسلامية ولكن الفرق أنهم وصلوا بينما ارتكست التيارات الأخرى
شكراً جزيلاً


3 - اخي شامل
حامد حمودي عباس ( 2012 / 1 / 18 - 07:46 )
سابقي فكرتك القيمه رهنا بفرص الحوار مع الاخرين ، وهذا ما ارغب به دعما للتواصل .. اشكرك اخي على المساهمة وعهدي بك نشطا في الاغناء مع خالص تحياتي


4 - اخي امير
حامد حمودي عباس ( 2012 / 1 / 18 - 07:50 )
عذرا على عدم مراعاة تسلسل الاجابة على تعليقك ، افكارك هي ذات ما نتمناه ان يسود في اوطاننا .. ولكن ما نبحث عنه الان هو كيف لنا ان نأمل بتحقيق ما نتمنى واليسار لا زال مشتتا ويقتله التشضي ؟ .. اشكرك على المساهمة مع خالص الود

اخر الافلام

.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر


.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا




.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت