الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمليك الأراضي... من ساجدة الى مجلس النواب

علاء كنه
(ِAlaa Kana)

2012 / 8 / 21
المجتمع المدني


إن ظاهرة إستغلال النفوذ والمنصب وخاصة في مجتمعاتنا العربية، ماهي إلا مشكلة تاريخية أزلية، وماهي إلا عبارة عن ممارسات سلبية مرتبطة بالسلوك والشخصية، توارثناها نحن العرب منذ زمن بعيد، بسبب تسترنا خلف القوانين والأنظمة وممارستنا للفساد الإداري والقانوني، وأحد أنواع ذلك الفساد هو التفنن في تفسير القوانين والتشريعات لتلائم المستغل أو المنتفع أو الفئات المتنفذة!، وتزداد هذه المشكلة سوءاً خاصةً إذا كان لمستغل النفوذ أو المنصب دور في سن القوانين وتشريعها.
في تسعينيات القرن الماضي وقع نظري في أحد الأيام، وأنا أتصفح جريدة الوقائع العراقية على قرار صادر من مجلس قيادة الثورة الموقر! وكان نصه "بناءاً على ماتقتضيه الحاجة، تُملك السيدة ساجدة خيرالله طلفاح زوجة السيد الرئيس حفظه الله ورعاه ما مساحته(.....) هكتاراً من الأراضي المطلة على كورنيش الأعظمية والمحاذية لنهر دجلة وذلك لجهودها في إنجابها الليثين (عدي وقصي)"! وعلى الجهات المختصة تنفيذ هذا القرار!.
لا أريد هنا أن أجزم بأن الملايين من العراقيين لم يسمعوا بذلك القرار الحكيم الذي كان في صالح الأمة، والذي صدر بناءاً على ماتقتضيه الحاجة! وأعتقد هنا إن تفسير هذا القرار كان واضحاً لا لبس فيه!، وكما يقال "العذر أقبح من الذنب"، حيث كانت جهود حرم الرئيس ونتائجها واضحة في رفد البلد بليثين طالت مغامراتهم كل أرجاء العراق، فبسببهما وبسبب ووالدهما الطائش وأقاربهما خسرنا البلد، وأصبحنا اليوم نطالب بالثلاثة (التقسيم، التهجير، الطائفية)!.
للأسف اليوم وفي العراق الجديد تتكرر نفس تلك المأساة، حيث الجميع مشغولين بموضوع منح أعضاء مجلس البرلمان قطع أراضي مجاناً وفي مناطق مميزة من العاصمة بغداد! والقصد هنا واضح "تجارة رابحة لاشك فيها"! ناهيك عن الأمتيازات التي ينعم بها هؤلاء نتيجة تشريع القوانين التي تلائم مقاساتهم، أي بمعنى أخر فساد قانوني. لا أدري أين ضمير هؤلاء؟ وأي إيمان يملكون!!؟ ومن يعطيهم الحق في تملك أراضي هنا وهناك؟ لقد وصل جشعهم الى ذروته! وغطى على تفكيرهم! لابل تحولوا بمرور الزمن الى إقطاعيين، من خلال محاولاتهم القفز بالمظلات أو الطيران بالمناطيد! فوق الأنظمة والقوانين، وأصبح جل تفكيرهم هو زيادة ثراءهم السريع والمتزايد أصلاً وتضخيم ثرواتهم التي أضحى من الصعب إحصاءها.
وتزامناً مع هذا الحدث الجلل! وفي خضم الفوضى التي تعم البلد اليوم بسبب إنتشار المحسوبية وإتساع دائرة نفوذ بعض المتسلطين والمنتفعين ومن الذين يحملون صفات وجينات القائد الضرورة! تم منح أحد أعضاء البرلمان البارزين قطعة أرض في موقع مميز وبسعر بخس. ولا أدري مدى صحة هذا الخبر من عدمه، وأود هنا أن أعرف ماذا قدم هذا النائب للعراق والعراقيين ليمنح هذا الامتياز؟. هل أنجب هو الأخر ليثاً للعراق؟ وهل كان هذا الليث أبيض اللون أم بنياً؟. في نظري أعتقد هو أفضل حالاً من حرم القائد الضرورة! فعلى الأقل قد دفع مبلغاً رمزياً من المال لقاء ما أستلم، على عكس حرم القائد المصون التي ورثت عن والدها (الحاج!) حب الأمتلاك والأستيلاء والسطو على أراضي الغير والذي (شفط ولفط) أغلب أراضي وبساتين المواطنين الشرفاء في بغداد والمحافظات، ومنطقة الدورة المسكينة وبساتينها في العاصمة بغداد خير مثال على ذلك.
إن ظاهرة الإستيلاء على أملاك وقطع أراضي الغير ليست وليدة اليوم وماهي إلا جزء من ذلك الفساد الذي بدءهُ ذلك النظام ويكمل فصوله من يستلم زمام الأمور اليوم، ولم تكن تلك الممارسات الطائشة إلا أحدى مميزاته وإنجازاته، حيث كانت عملية الإستيلاء على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة آنذاك سلعة رائجة وكانت تتم بالقوة وبحكم الموقع، كما كانت تمنح لغير مستحقيها وبالمجان أحياناً! وبدون أي إستحقاق قانوني أو ضوابط أو شروط، وإنما فقط لشراء الذمم وكسب ولاء الطاعة للنظام. كما كان من أبرز نتائجها زيادة ثراء البعض من أزلام القائد المنصور! وحاشيته، وماحدث مع العراقيين المُسفرين وغيرهم إثبات على ذلك. عندما أستولى ذلك الطاغية على دورهم وأراضيهم عنوةً ومنحها لأزلامه، في ظل غياب القانون حيث كانت الدولة نائمة في سبات عميق.
كما سطر ذلك النظام أيضاً بهذا الخصوص أروع ملاحم البطولة والشرف ضد العدو! فبدلاً من منح تلك الأراضي لمن يستحقها من ذوي الشهادات والكفاءات والمتميزين والفقراء من أبناء البلد، كانت تمنح للكاوليات والراقصات عن طريق وزير الداخلية أو وكيله ومساعديه بلا حساب!، والطامة الكبرى كانت أغلب تلك الأراضي أيضاً في بغداد العاصمة، ولم تكن الفضيحة التي دوت العراق في وقتها للملقب بـــ(خورشيد...) إلا خير دليل على ذلك، حيث تم الكشف في وقتها عن منح المئات من قطع الأراضي السكنية للكاوليات والراقصات وذلك لجهودهم الجبارة في رفد الدوائر الأمنية بالمعلومات، وفي التنفيس!! عن أعضاء الحكومة والقيادة وعن رجال الدوائر الأمنية ومن في حكمهم.. حتى أضحت غالية ومها وملايين وغيرهم من أصحاب الكفاءات! والخلفيات العلمية! أسماء على علم في بلد العلم، وأصبحن ينافسن الإعلامية أوبرا!.
في عراق اليوم تستخدم الطريقة العراقية القديمة الجديدة والغير موجودة في أغلب دول العالم بهذا الخصوص، حيث يرغب البعض بالثراء السريع على حساب العراقيين الشرفاء، والذين يعتصرهم الألم وهم يرون كيف تمنح تلك قطع الأراضي لعاصمتهم العزيزة لأشخاص لايعرفون أصلاً مدينة بغداد، ومدينة بغداد لا تعرفهم أيضاً. لقد آن الأوان لتصحيح هذا الخطأ ومن حق العراقيين أن يرفضوا ماتم من نهب وسطو ومحاسبة المقصرين بهذا الخصوص. فالعراقيون بطبيعتهم يحترمون كل من أشترى من حر ماله، ولكنهم لا يحترمون من تمادى وبسط ونهب ومن أدعى بحق غيره.
وبغض النظر عن ممارسات الأمس واليوم والتي تكاد تنفرد بها حكوماتنا الرشيدة!، فانها بالتأكيد من الممارسات الخاطئة. والتي كيفما كان شكلها ونوعها يجب أن تتوقف وأن يتم وضع حداً لها، وأن يتم وضع التعليمات والضوابط لها وفق القوانين المرعية والسائدة وضرورة تطبيقها على الجميع بمساواة وعدل.
إن إستغلال النفوذ والمنصب ماهو إلا أحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه وتعرقل التنمية الإدارية والإقتصادية والإجتماعية لأي دولة، فليس كل شيء ملك للحاكم أو القائد، ويجب أن ينتهي هذا الموروث التعس والذي يعتبر سابقة في التلاعب في القوانين في عهد العراق الجديد، وحكومة عراق اليوم بحاجة الى الصدق والأمانة مع الشعب، فقد أنتهى زمن سرقة المال العام ونهب أراضي الغير، وعلى هيئة النزاهة والجهات الرقابية ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني تشجيع المشاركة في جهود منع هذا النوع من الفساد ودراسة التدابير الوقائية للحد من تلك التصرفات والضرب بيد من حديد لكل متهاون ومتلاعب بالمال العام والخاص لحماية المجتمع، وتعزيز المشاركة في البناء والتنمية، وإستغلال تلك الأراضي بأسلوب حضاري من خلال وضع خطط ستراتيجية بالتعاون مع وزارة الأسكان ودوائرها لحل مشكلة السكن لملايين من العراقيين اليوم والذين دفعتهم الظروف أن يكونوا أدوات بيد ذلك الطاغية الذي أشغلهم طيلة عقود من الزمن في حروب كونية! فهؤلاء لاحول لهم ولا قوة، وهم عراقيون أباً عن جد ولا يريدون سوى ما يؤيهم ويثبت إنتماءهم في بلدهم.

د.علاء كنـــه
سان دياكو/كاليفورنيا
www.alaakana.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا


.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد




.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في