الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيوخ العشائر... وإستكانات الرمادي

علاء كنه
(ِAlaa Kana)

2012 / 9 / 8
المجتمع المدني


تتفاخر البلدان والأمم بمنتجاتها الوطنية، وتعتبرها فخراً لها ولقدراتها، عكسنا نحن العراقيين، فبفضل القائد الضرورة وحروبه! تراجعت صناعتنا الوطنية الى الحضيض، وجميع العراقيين الشرفاء يتذكرون كيف كان منتوجنا الوطني في السابق يضاهي المنتوج الأجنبي من ناحية النوعية والجودة، حتى امتدت يد الثورة اليه وحولته الى منتوج رديء يعاني من التشوهات، لا بل لا يخلو من العيوب والتي أصبحت فيما بعد ماركة مسجلة لتلك الصناعة التعسة. وسواء كانت تلك العيوب في منتوجنا الوطني بالمحتوى أو بالشكل أو بالتعبئة أو بالتغليف، فما هي إلا من العلامات الدالة على فشلنا وعدم قدرتنا على مواكبة التطور والتقدم الذي طرأ على كل دول العالم، حيث تتفن تلك الدول في كيفية إظهار منتوجها الوطني بأبهى صورة ممكنة وخاصة المصدر منه، والأمثلة على ذلك كثيرة.
الجميع يتذكر فخر صناعتنا الوطنية بلا منازع! إستكانات وأقداح الرمادي!، تلك التي كانت تتراقص لوحدها عند سكب الشاي أو الماء فيها، حالها حال الراقصة المعروفة(دينا)!، وكيف كان ذلك الإستكان يعرض مفاتنه، بحيث يصعب للشارب المسك به ومن أي جهة كانت! والذي أصبح فيما بعد نموذجاً رائعاً لرداءة الصناعة الوطنية، بل مثالاً للسخرية بين العراقيين.
مع كل تقديري وإعتزازي بشيوخ العراق المحترمين والشرفاء منهم، إلا إن إنتشار ظاهرة شيوخ العشائر في عراقنا الجديد، في ظل فقدان النظام وسيادة القانون، ما هي إلا ظاهرة سلبية بكل ما تعنية الكلمة، لا بل هي من أخطر الظواهر الإجتماعية التي برزت بقوة وطفت على سطح المجتمع العراقي وخاصة بعد زوال نظام الطاغية، ذلك النظام الذي منحهم كل المقومات الضرورية لترسيخ ركائز التخلف الإجتماعي والبدائية وعدم بسط روح النظام والقانون، حينما أغدق عليهم المال والسلاح من ميزانية الدولة، ظناً منه أن هؤلاء سيكونون السند والداعم القوي لبطولاته.
واليوم في القرن الحادي والعشرين وفي عراقنا الجديد، وبدلاً من إرساء قواعد النظام والمدنية، يرجع بنا الزمن كالعادة مرة ثانية الى الوراء، ويصبح لشيوخ العشائر كلمة الفصل في كثير من الأمور في ظل غياب الدولة والقانون ومنطق المؤسسات المدنية، ولجوء الكثير من المواطنين اليهم لحل مشاكلهم. حيث أضحى العراقيون للأسف كمجموعة من القبائل التي يحكمها هؤلاء الشيوخ مدى الحياة ودون قيد أو شرط، ولايقهرهم قاهر. إذ يتباهى البعض الأخر منهم على إنهم من أعيان البلد، موهمين أنفسهم بذلك وبأنهم مخولين بتطبيق القانون، وأمتد الأمر ليصبح لبعضهم اليد الطولى في كثير من الأمور التي تهم البلد.
أتذكر جيداً حينما تحول (بعض) هؤلاء الشيوخ، وخاصة بعد الحرب الأخيرة على بلدي، الى أناس تحمي المجرمين والقتلة وقاطعي الطرق، وثبت تورط العديد منهم في عصابات الإختطاف والقتل والسلب، وطريق بغداد/عمان، خير شاهد على ذلك، حيث كان لبعض أعوان هؤلاء الشيوخ دوراً ريادياً! في السيطرة على الطرق السريعة التي تربط العراق ببلدان الجوار، ليساومون أبناء جلدتهم من العراقيين الأبرياء وعوائلهم على المال أو الممتلكات أو سرقة سياراتهم.
إن هؤلاء الدخلاء ليسوا سوى كإستكانات الرمادي مع (كل إحتراماتي لمدينة الرمادي العزيزة)، حينما كانوا يتراقصون ويتمايلون أمام القائد المغوار! في مناسبة وأخرى شاهرين الأعلام وأسلحة الكلاشنكوف العتيدة التي أكل الدهر عليها وشرب، وهم يهتفون بحياته مبايعين له الحكم طول العمر!، فهؤلاء لا يجيدون سوى الرقص بالأسلحة دون إستخدامها في القتال أو الحروب.
أتذكر جيداً بالأمس حينما كانوا يتبلغون بالحضور ويتجمعون في مطعم فندق بغداد قبل موعد المناسبة أو الحدث بأيام( للضرورات الأمنية!) وبعد تناولهم لطعام العشاء، يمسحون أفواههم وأياديهم بشراشف الطاولة بالرغم من وجود الفوط عليها!، ليتم من بعدها نقلهم بباصات خاصة الى جهة مجهولة ليتم تصويرهم وهم يبايعون طاغية الأمس! ويبايعون غيره اليوم! ليتم بث ذلك التسجيل على شاشة التلفاز وأمام الملايين من العراقيين يوم المناسبة، للتموية وكأن التجمع كان عفوياً ومباشراً!.
في نظري إن الإعتماد على شيوخ العشائر ما هو إلا رهان خاسر، وأثبت فشله في الفترات التي سبقت وتلت الحرب الأخيرة على العراق. لقد آن الأوان لبناء عراق حر يرتكز على دعائم المدنية والديمقراطية، وليس على نظام العشائر والقبلية. الجميع يعلم إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل نظام العشائر محل المدنية والنظام، لقد تأملنا خيراً بعد زوال نظام القائد الضرورة! بأن نرى عراقاً متقدماً خالياً من الجهل والقبلية، وأن يطبق القانون على الجميع بشكل متساوي، وأن لا يكون هناك من هو فوق القانون أو عائقاً لتنفيذه كما كان الحال سابقاً، إلا إنه للأسف الشديد الواقع أثبت عكس ذلك. إذ يلزمنا اليوم نحن العراقيين وقفة جادة وصريحة مع أنفسنا وأن ننتقد فيها ذاتنا ونراجع ونقيم أوضاعنا ونلم أوراقنا المبعثرة، وأن نكشف أوراق هؤلاء الذين يريدون العودة بنا مرة أخرى الى نظام العطوة والدية والفصل. نعم، نحتاج لوقفة جادة ننظر فيها الى المستقبل بمزيد من الأمل، فنحن العراقيين أكبر من يتولى على رؤوسنا وعقولنا أمثال هؤلاء، أو أن يحاولوا منعنا من التفكير. علينا أن نفهم الحياة المعاصرة وأن نشهد اليوم الذي تتكسر فيه تلك الإستكانات الرديئة الصنع والتي هي نسخة جديدة من إستكانات الرمادي! هؤلاء المتزمتين بعادات الجهل والتخلف. إذ لا يزال في قلوبنا عروقاً تنبض بالحياة وحباً للوطن والأمل. ولا حاجة لنا لأمثال هؤلاء الذين يستمدون قوتهم من عادات وتقاليد بالية لاتمت للمدنية بصلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل


.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا