الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤوف عباس وخطى مشاها سريعا

مصطفى مجدي الجمال

2014 / 8 / 24
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


حينما جلست بين يدي رؤوف عباس أول مرة انتابنى قدر من الوجل. ولم لا؟ فعندما كنت طالباً بالثانوي قرأت لهذا المؤرخ العظيم مقالات ودراسات أثرت فى فكرى ووجدانى أيما تأثير. أما عن الفكر فقد كانت كتاباته جزءاً مهماً فى تشكيل وعيى الشخصى بالتاريخ، وأنه ليس تاريخ الحكام والساسة فقط، وإنما يصبح التاريخ ذا معنى إذا ارتبط بالرؤية الاجتماعية- الاقتصادية- الثقافية، وكم كان رؤوف عباس بارعاً فى تقديم هذه الرؤية المتضافرة!
وبالنسبة لتشكيل وجدانى فقد أسهمت كتابات رؤوف عباس فى إفهامى أن نضالات العمال والفلاحين والبسطاء هى من أهم عوامل صنع التاريخ والحاضر والمستقبل، رغم أنف بعض المتاجرين ببضاعة التاريخ ومزوريه.
بعد دقائق من جلوسى ومجموعة من الأصدقاء لأول مرة بين يدى المؤرخ كنا نحن الذين نتحدث وهو الذى ينصت باهتمام، ولكنه عندما تحدث بهرنا ليس فقط بعمق معرفته بالماضى ونفاذ بصيرته إلى الحاضر، وإنما أيضاً بخفة ظله وروحه المنبسطة وحكاياته المذهلة التى تتداعى ولا تنتهى، حتى أنك من الدهشة والحب السريع جداً لهذا الرجل لا تفاجأ بدموع البهجة تطفر من عينيك. فأنت أمام عالم جليل غيور على الحقيقة، ومثقف مهموم بأوجاع الفقراء ومستقبلهم، ومواطن مصرى بسيط بكل معنى الكلمة.
وبعد عدد قليل من السنوات شعرت أننى صديق مقرب من رؤوف، رغم فارق السن والحكمة والمقام، ولكنى أدركت سريعاً أن كل من حوله كان يشعر أنه صديقه الأقرب. وهذه هى العبقرية الفذة فى شخص رؤوف عباس.
كان الرجل من أهم أعمدة مدرسة التاريخ الاجتماعى فى مصر، وله فى هذا إسهامات كبيرة أتمنى على الجمعية المصرية للدراسات التاريخية (التى كان رئيسها ومؤسس مقرها الشامخ بمدينة نصر) أن تجمع التراث المتناثر للراحل الجليل، وتتيحه مُجمعاً للباحثين والشباب، وسيكون هذا هو التكريم الحقيقى له.
لم يكتف رؤوف عباس بالجهد الأكاديمى والمعارك العلمية والفكرية، وإنما نشط بقوة أيضا فى الحركات الاحتجاجية، وكتب فى السنوات الأخيرة سلسلة من المقالات خطيرة الشأن تناول فيها الأوضاع السياسية بمصر. ومن أهم ما لاحظته على كتاباته أنه لم يغرق فى الثنائيات أو التناقضات المصطنعة التى دأب المثقفون على التيه فيها، فهو لم يجد أى تناقض بين عروبته ومصريته، أو بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم والتنوير، كما علمته دروس التاريخ البليغة أن الاستعمار حريص دائماً على تخلف مصر وتبعيتها، وأن الديمقراطية طريق مضمون للتحرر والتقدم والعدالة.
وقد لا يعلم الكثيرون أن الأصدقاء عبد العال الباقورى وإيمان يحيى وأحمد غزلان وآخرين فى صالون النديم الذى أسسه معهم، هم الذين لعبوا الدور الأكبر فى تحريض رؤوف عباس على كتابة ونشر كتابه الخطير "مشيناها خطى" والذى أصدرت منه دار الهلال عدة طبعات. وإلى جانب مشوار حياته القاسى الذى حكاه بفطرية وصراحة تذكرنا بـ"أيام" طه حسين، تطرق إلى وقائع مذهلة عن زحف الفساد إلى الحياة الجامعية، وهو ما عرض الراحل العظيم لخمس عشرة دعوى قضائية كسبها جميعاً، والأغرب من كم الدعاوى القضائية هذا أن رؤوف لم يذكر أصلاً أسماء بعض من أقاموها ضده.
أخيراً.. كان من الملاحظات الشخصية لى أن هذا الرجل فارع الطول كان يسير معنا فى شوارع القاهرة المكتظة والفوضوية بسرعة كبيرة تجعلنا نلهث كى نلحق به، وكنت دائماً أتساءل عن سبب هذه العادة، فوجدت السبب فى كتابه "مشيناها خطى". فهذا الرجل الذى تحدى طفولة وشباب شديدى البؤس والقسوة كان يقطع القاهرة كل يوم من أقصاها إلى أقصاها على قدميه ذهاباً إلى المدرسة ثم الجامعة، لأنه ببساطة لم يكن يملك أجرة الحافلة أو الترام.
لم يكن رؤوف عباس من المهرولين فى مشيتهم وإنما كانت خطوته واسعة جداً. وهكذا قطع حياته الحافلة والعاصفة، ولا نزال نحن نلهث وراءه.
طبتَ حياً فى قلوبنا وذاكرتنا يارؤوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك استاذ مصطفى
د/ سالم محمد , , دكتوراه فى تاريخ مصر ا ( 2014 / 8 / 24 - 21:03 )
لقد كان رؤوف عباس مثقفا تقدميا و دائما عندما اذكره اضعه فى جانب الاستاذ
احمد نبيل الهلالى و فخرى لبيب و بقية المناضلين العظام
شكرا لك استاذ مصطفى

اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب


.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا




.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا


.. Mohamed Nabil Benabdallah, invité de -Le Debrief- | 4 mai 2




.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع