الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة -ابن رشد-

حسام المنفي

2014 / 8 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"قد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الأوهام . وأقر لهم عوامهم بشفوف عليهم في الإفهام . حيث لا داعي يدعو إلى الحي القيوم . ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم . فخلدوا في العلم صفحا ما لها من خلاق . مسودة المعاني والأوراق . بعدها من الشريعة بعد المشرقين . وتباينها تباين الثقلين . يوهمون أن العقل ميزانها . والحق برهانها . ذلكم بأن الله خلقهم للنار . وبعمل أهل النار يعملون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم . ألا ساء ما يزرون . ونشأ منهم في هذه السمحة البيضاء شياطين إنس يخادعون الله والذين أمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون . يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون" هذه الفقرة جزء من "المنشور" الذي أصدره خليفة المسلمين "المنصور" في "الأندلس" في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي وتقريبا في عام 1196م قبل وفاة "ابن رشد" بعامين ، وكان الهدف من هذا المنشور القضاء على الفلسفة في الأندلس كما كانت نهاية الفلسفة في بغداد والمشرق العربي على يد الإمام الغزالي عندما ألف كتابه "تهافت الفلاسفة" الذي كفر فيه فلاسفة اليونان وتلامذتهم من الفلاسفة العرب وعلى رأسهم الفرابي وابن سينا .
وبما أن "الأفكار" ليست لها وطن ولا عقيدة ولا ملة ولا عنوان . أي أن المنتجات الفكرية والثقافية ليست ملكا لإحد وليس حكرا على أحد فهي ملك للإنسانية جمعاء . ففي حين أصدر الخليفة المنصور في قرطبة منشور تحريم الفلسفة والعمل بها وحتى قرائتها واصدر قراره بنفي "ابن رشد" إلى مدينة "اليسانة" (بلدة قريبة من قرطبة) بتهمة الكفر والزندقة واحراق بعض كتبه في المنطق والفلسفة في ساحات قرطبة ، كانت في ذلك الوقت بلدان مثل فرنسا والمانيا وغيرهما من البلدان الأوروبيا تستعد لإستقبال أفكار هذا الفيلسوف العقلاني المستنير التي أنارت أفكاره سماء الفكر المسيحي منذ بداية القرن الثالث عشر وحتى عصر النهضة الأوروبي وظهور المذاهب الفلسفية الحديثة على يد ديكارت وبيكون وغيرهما . ولم يأتي عام 1230م إلا كانت كتب ابن رشد قد ترجمت من العربية إلى العبرانية ثم بعد ذلك إلى اللاتينية وذلك بفضل تلامذة ابن رشد اليهود . فإن أوروبا في العصر الوسيط لم تتعرف على فلسفة "أرسطو" كاملة إلا بفضل كتب ابن رشد التي كانت تحتوي على شرح مفصل لمذهب أستاذه "أرسطو" بجانب أرائه وأفكاره الخاصة ، فمن المعروف أن الفكر المسيحي في القرن الثالث عشر الميلادي قد اصطبغ بصبغة "أرسطية" خالصة عندما مزجا ( ألبرت الكبير والقديس توماس الأكويني) فلسفة "أرسطو" باللاهوت المسيحي ، وهذا الفضل يرجع إلى المعلم والشارح الكبير "ابن رشد".
ولكن ما الذي حصدناه من احراق الكتب واضطهاد المفكرين والفلاسفة إلا :الجهل ، والتخلف ، وتزيل قطار الحضارة الإنسانية المعاصرة . ما الذي جنيناه من تحريم حرية الفكر ، واحلال العقائد الدوجماطيقية مكان الشك والنقد إلا : التعصب ، والتطرف ، وعدم قبول الأخر المختلف . ما الذي عاد علينا نحن العرب من اغتيال عقولنا عمدا إلا : التخلف في العلوم ، والسياسة ، والإقتصاد ، والإنحطاط في الفنون والثقافة وفي الأخلاق أيضا . ألسنا مذنبون أيضا في حق هذا المفكر الكبير عندما أهملنا أفكاره وفلسفته واتجهنا نحو المذاهب والأفكار الظلامية المتخلفة التي تنشر الجهل والخرافة وتنثر بذور التكفير والإقصاء والعنصرية في عقولنا وضمائرنا . يقول الدكتور عاطف العراقي "لقد ظلم ابن رشد في حياته . وبعد مماته . اتجه العرب نحو فكر اناس قاموا بتوزيع شهادات التكفير ، من أمثال الغزالي وابن تيمية وأنصار البتروفكر ، في الوقت الذي قامت فيه أوروبا بلإستفادة من كل ما كتب ابن رشد . أليس هذا من مصائب الزمان وسخرية القدر . يحارب العرب مفكرهم العربي الذي كان قاضيا للقضاه ومؤلفا في الطب والفلسفة وغيرها من الغلوم ، يهمل العرب دروس مفكر شامخ لم ينقطع عن القراءة والتأليف إلا ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه .
=========================================
*انظر كتاب "ابن رشد وفلسفته" للأستاذ فرح أنطون . تقديم الدكتور مراد وهبة .
*انظر كتاب "أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى" للدكتورة زينب محمود الخضيري .
*انظر كتاب "الفيلسوف ابن رشد ومستقبل الثقافة العربية" للدكتور عاطف العراقي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف