الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الثقافي السائد..عن الثقافي البديل ..

الطيب طهوري

2014 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خواطر ليس إلا..

في واقع عالمي تتنافس فيه الثقافات على الهيمنة على تشكيل ذهنيات الناس ومشاعرهم ومخيلاتهم وتصوراتهم للحياة ومواقفهم من قضاياها، من أجل جعلهم اكثر قابلية للخضوع لإرادتها في السيطرة على مقدرات العالم المادية أساسا، ومن ثمة تحقيق خدمة مصالحها في الحاضر وضمان هيمنتها على المجموع البشري في إطار تلك الخدمة المصالحية مستقبلا، وحيث يلعب الإعلام المرئي والشبكة العنكبوتية الدور الأكبر في تحقيق كل ذلك، وحيث تحكم القوى الكبرى في ذلك الإعلام وتخضعه لخدمة أهدافها وفق استراتيجيات مدروسة بدقة لضمان ذلك التحكم، وهنا يبرز الدور الكبير لليهود المتصهينين وخدامهم بشكل فعال جدا..
في هذا الواقع نجد أنفسنا نحن الجزائريين وكل الشعوب العربية نعيش وضعا ثقافيا بائسا جدا، ينشر اليأس أكثر مما يفتح باب الأمل، يغلق باب التفكير الحر والنقد المسؤول أكثر بكثير مما يفتح بعض النوافذ الصغيرة إليه ، يجمد الخيال فينا ويقضي على تذوق جمال الحياة في نفوسنا، ويجعل مشاعرنا أقل حميمية وإنسانية وأكثر انفعالية، وسلوكاتنا أميل إلى العنف اللفظي وحتى الجسدي..وأميل أيضا إلى التخريب ، وعقولنا أشد تعصبا ورفضا للآخر المختلف ، ومناصبته العداء..
يبرز هذا الوضع الثقافي – كما يبدو لي – في مظهرين أساسيين يتحكمان بشكل لا حد له في تكوين الفرد في مجتمعاتنا..المظهران هما:
1- ثقافة الاستهلاك المفرطة المغرية ،المعمقة لأنانية الفرد والدافعة له إلى ان يكون أكثر طمعا وأكثر حوصا، لا يشبع أبدا أبدا..وهي ثقافة نتجت عنها سلوكات سلبية كثيرة نخرت وتنخر فينا روح التضامن الوطني والحس بالمسؤولية تجاه الوطن وإنسانه،أبرزها:
- انتشار الرشوة بشكل مفرط وتحولها إلى ثقافة عامة وسلوك يومي يتم التباهي به عند الكثير من اناسنا..
- اعتبار مناصب المسؤوليات غنائم لا بد من وضعها في خدمة مصالح المسؤولين وأسرهم..
- الوصول إلى تلك المناصب بالوساطات والرشوات و..و..و..إلخ..بدل الكفاءات التي صارت تهمش بشكل يكاد يكون كليا..
وهو وضع أدى حتما إلى انتشار ظاهرة الانتهازية والتملق والنفاق ..و..و..إلخ..وتحول الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية ومختلف مكونات المجتمع المدني إلى مؤسسات غنائمية في الأساس، وهو ما قضى على فاعلية خدمة المجتمع لدى المتحكمين في دواليب السلطة ، من جهة، وفاعلية المعارضة من جهة أخرى..
ومنطق الحياة حاضرا وماضيا يقول: لا يمكن لأية سلطة تحقيق النجاح الذي هو – كما يفترض – خدمة المجتمع وفتح باب الأمل لأناسه في مستقبل آمن مزدهر إلا بوجود معارضة قوية تفضح الممارسات السلبية للسلطة وتنتقد مشاريعها وتقدم البديل المشاريعي الاجتماعي لها ، وتدفعها من ثمة إلى أن تكون أكثر جدية في عملها وأكثر خدمة لمصالح مجتمعها..إنها صمام الأمان لكل سلطة مسؤولة فعلا ،كما يقول بعض المفكرين.. 2 - ثقافة التدين المفرط والتخويف المتواصل من النار والإغراء المتواصل أيضا بالجنة..يمكن تسميتها أيضا بثقافة الوعظ والإرشاد ..
تمثل هذه الثقافةَ مختلف القوى والمؤسسات الدينية كالأحزاب الإسلامية وجمعياتها الخيرية والثقافية والمساجد والدعاة..وهي ثقافة تتقاطع مع الأولى في تغييب العقل وقتل التفكير الحر الواعي..
تساهم هذه الثقافة في إبقاء الوضع على حاله..وإذا تطرفت تدعو إلى العنف العملي أو الفكر العنفي..تغيب الناس في الماضي الذي تصوره للناس ماضيا ملائكيا يتجاوز تاريخيته البشرية فتربطهم به اكثر..وبذلك تبعدهم عن حاضرهم الذي يغوصون فيه حقيقة..لكنه إبعاد وهمي حتما..ذلك ان الإنسان لا يمكنه بالمرة الخروج من جلده ، وجلده واقعه..هنا يعيش الفرد في هذا الواقع ممزقا نفسيا..متناقضا مع نفسه..يؤمن بشيء ويمارس نقيضه..يدعي ما لا يمكن تطبيقه عمليا..هنا تبرز فكرة الخلاص الذاتي التي تعني ان الفرد لا يهتم في علاقته بدنياه إلا بما يمكن ان يخرجه من فقره او يحافظ له على مكانته في عالم الأغنياء ،و في علاقته بآخرته يمارس التدين بشكل مفرط اعتقادا منه بان ذلك سيضمن له الجنة حتما..
لا يمكن لثقافة كهذه ان تواجه ..لا تجد امامها سوى الانكفاء على ذاتها..تنغلق فيها وعليها..نتيجتها الحتمية تكون ازدياد اليأس أكثر..وكلما ازداد اليأس ازداد إفراط الناس في تدينهم..هكذا يبقون يدورون في حلقة مفرغة..يتواصل اليأس..يتعمق..يزداد التخلف الاجتماعي بازدياد تخلفه الفكري..لا عقلانيته..يزداد الحوص ويزداد التدين بشكل مطرد..يصير الناس أشد مراقبة لبعضهم..وأشد اهتماما بالمظاهر..تهمش القضايا الجوهرية في المجتمع كالحرية والعدالة والديمقراطية والتسيير العقلاني المسؤول لما يرتبط بحياة الناس ، وتبرز القضايا الهامشية..يكثر الحديث عن الصلاة والصيام لا العمل واإنتاج..تصبح المرأة قضية جوهرية..لباسها..عملها..حريتها..تصير المتهمة الأولى في خراب المجتمع وفساد اخلاق الناس فيه..تتهم ايضا بأنها سبب بطالة الشباب الذكور، وانها التي تستولي على المناصب في سوق العمل وتحرم الشباب منها..ينحرف الصراع الاجتماعي إلى عرقيته ومذهبيته حتى..لا يخدم ذلك إلا مصالح السلط في هذا العالم العربي..تغذي تلك السلط ذاك التدين المفرط وذاك التهميش للقضايا الجوهرية في حياة مجتمعاتها..وتسعد بما يحدث من صراعات لا معنى لها ولا تفيد الناس في شيء..هكذا يحدث الانقسام الاجتماعي اكثر فتزداد خسارة الجميع..هكذا يتحد في المقابل المتنفذون سياسيا واقتصاديا وعسكريا ويحرصون على الحفاظ على مصالحهم وسلطتهم...هكذا يضيع الحاضر..والمستقبل أيضا..
– الثقافة البديل:
يمكن القول بأن ثقافة الاستهلاك هي ثقافة البطن، ثقافة الجسد( بالمعنى المادي لا الفني)..وثقافة التدين المفرط هي ثقافة العاطفة، ثقافة الخوف والاتكالية والدعاء..
ما نفتقده هو ثقافة العقل والجمال..ثقافة العقل والجمال تلك لا يمكن ان تزرع وتنمو إلا في واقع الديمقراطية، واقع التعدد والاختلاف، واقع القبول بالآخر المختلف أساسا.. هذه الثقافة لا يمكن ان تتكون إلا بان يكون المجتمع خلية نحل قرائية، يطالع باستمرار، يعتبر المطالعة غذاء لا يقل أبدا عن غذاء الجسد، بل يفوقه أهمية..
آلاف المساجد ، آلاف المؤسسات التعليمية ، عشرات الجامعات..كلها لم تحقق وجودا لهذا المجتمع القرائي..القراءة/ المطالعة سلوك يجب ان ينشأ عليه الإنسان كتقليد يومي متواصل منذ الصغر.. كيف نحقق ذلك في وجودنا الاجتماعي؟..
مثلما يحرص الناس على بناء المساجد في كل حي، في كل قرية..يجب ان يحرصوا ايضا على بناء ما يمكن تسميته ب حدائق الطفولة..في كل حي، في كل قرية يجب بناء حديقة أطفال..في الحديقة أماكن ترفيهية تمارس فيها الرياضة ومختلف فنون الرسم والمسرح والموسيقى لجعل الطفل / التلميذ ينشأ على أساس تذوق الجمال ، والتفاعل مع الآخرين ، وامتلاك أدوات الحوار..أقسام لمطالعة الكتاب الأدبي شعرا وقصة ورواية ومسرحا،والفكري في مراحل لاحقة، تكوِّن فيه العقل أساسا.. وبالوضعيتين المقترحتين يمتلك الطفل/ التلميذ القدرة على الإبداع في مختلف مجالات الفن والأدب والفكر..
يمكن ان نضيف أيضا برمجة مختلف الرحلات إلى عوالم الطبيعة في مختلف ربوع البلاد، وإلى متاحفها ومواقعها الأثرية، من أجل توسيع مدارك أبنائنا وجعلهم يكتشفون ما تزخر به بلادهم من تنوع طبيعي وثقافي يزخر بالكثير من العادات والتقاليد..إلخ..
يشرف على تلك الحدائق اناس مختصون تربويا ونفسيا واجتماعيا وفنيا..
بدل ان يبقى اطفالنا وتلامذتنا في الابتدائي والمتوسط والثانوي في الشارع ويتربون على اساس سلوكاته يتوجهون إلى تلك الحدائق ليتكونوا في إطار التنظيم والتفاعل الاجتماعي وتحمل المسؤولية وحب المطالعة..هكذا تنشأ عندنا أجيال تحب المطالعة فعلا..هكذا نكون ثقافة العقل والجمال..
تلعب الجمعيات الثقافية في هذا الإطار دورا فعالا أيضا..تعمل على جذب مختلف المبدعين والمثقفين عموما..تبرز قدراتهم الإبداعية وتثمنها..شرط ابتعادها عن سلوك المحاباة والانتهازية والشللية والإيديولوجيات المتعصبة التي لا تؤمن بالتعدد والاختلاف ، وترفض حرية الإبداع والتفكير..
في هذا الإطار ننتظر من جمعيتنا الثقافية الجديدة والواعدة كما يبدو من أدبياتها ، أعني الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي العمل الجاد على فتح الأبواب للجميع..على تسيير أمورها الثقافية بعقلانية بعيدا عن الريعية وعقلية الاحتكار التي نراها سلوكا شبه عام في مختلف الجمعيات والمؤسسات الثقافية الأخرى ، حيث الاستفادة تقتصر عادة على جماعة معينة ، وحيث عقلية الغنيمة هي التي تتحكم في التسيير..ننتظر منها ايضا ان تعمل على نشر فكرة حدائق الأطفال وإقناع المسؤولين بجدواها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah