الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارك الموحدين الكبرى في الأندلس (1/3)

محمد يسري

2015 / 10 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



معركة شنترين ( 580هـ )
استمرت الحروب والمعارك بين الموحدين الذين فرضوا سيطرتهم على الأندلس في عهد خليفتهم القوي ( عبدالمؤمن بن علي ) من جهة ، وبين ممالك النصارى ( نافار – ليون – قشتالة – البرتغال – قطلونية ) من جهة أخرى .
ولم يستطع أي طرف من الطرفين أن ينتصر على الطرف الآخر انتصارًا حاسمًا يهدد من وجوده على أرض الجزيرة ، ولذلك لجأ كل من الطرفين إلى أسلوب الحرب السريعة الخاطفة التي تهدف إلى التخريب والتدمير وإضعاف العدو ، وإنهاكه والحد من موارده .
وإن كان الخليفة الموحدي الأول (عبدالمؤمن بن علي) قد انشغل بتوسعاته في المغرب ، وبتوطيد سيطرته على قواعده الرئيسية ، فإن ابنه الخليفة الثاني (أبو يعقوب يوسف )قد أراد القيام بعمل عسكري عظيم في الأندلس ، وسنحت له الفرصة لتحقيق مآربه بعد القضاء على حركة (ابن مردينش) في شرق الأندلس ، عندها قام أبو يعقوب بحملة عسكرية ضخمة على مدينة (وبذة )عام 567هـ إلا أن هذه الحملة لم تأت بثمارها نتيجة لعدة أسباب ، وهي: -

1- الظروف الجوية السيئة التي عانى منها الجيش الموحدي المحاصر للمدينة .
2- إستماتة البرتغاليين في الدفاع عن المدينة ، ورفضهم للتسليم .
3- تحرك الملك القشتالي ( ألفونسو الثامن ) لنجدة البرتغاليين .
4- الضعف الخططي والفوضي الضاربين في الجيش الموحدي .

وقد أدى فشل الموحدين في الاستيلاء على وبذة إلى تقوية مملكة البرتغال الناشئة على يد ملكها (ألفونسو هنركيز) ، وفي عام 567هـ قام البرتغاليون بدخول مدينة (باجة )، حيث خربوها وهدموا أسوارها ، كما أنهم قاموا بعد ذلك بالكثير من الحملات على القسم الغربي من الأندلس ، وقد أدت تلك الأحداث إلى تزايد مخاوف الخليفة الموحدي من فقدان السيطرة على غرب الأندلس ، لذلك وجد أنه من الواجب عليه القيام بحملة عسكرية كبرى ليعوض بها الفشل الذي صادفه في وبذة ، وقرر أن يتم توجيه تلك الحملة لمملكة البرتغال خصوصًا وأنها أشد الممالك النصرانية وطأة على غزو أراضي الموحدين .

الإعداد للغزوة :
في عام 579هـ أمر الخليفة بتمييز طوائف الموحدين والعرب والقبائل استعدادًا للغزو ، كما أنه – تنظيمًا للإدارة في الأندلس – قد أصدر مرسومًا بتولية أربعة من أولاده على القواعد الرئيسية في الأندلس .
وبدأ الخليفة في الإشراف بنفسه على صنع عشرة مجانيق عظيمة ، وتجربتها استعدادًا لأعمال الحصار والغزو ، وفي يوم الثلاثاء الرابع من شهر المحرم تحرك الخليفة أبو يعقوب من فاس إلى سبتة ، ثم أمر جيوشه بالجواز إلى الأندلس ، ثم نزل إلى الجزيرة الخضراء ، ومنها سار إلى أشبيلية ، وهناك خرج الناس لاستقباله ، وقدم إليه أولاده الأربعة ومعهم جند ( قرطبة وغرناطة ومرسية وأشبيلية ) ، وبذلك زاد عدد الجيش الموحدي زيادة كبيرة ، وفي بعض الروايات النصرانية : أن هذه الجيوش مجتمعة كانت تفوق في الكثرة أي جيش آخر قاده ملوك أفريقية إلى أسبانيا ، كما أن الأساطيل الإسلامية تجمعت عند مصبي نهري ( الوادي الكبير ووادي يانة ) وقد تم شحنهما بآلات الحصار والمؤن ، وهي على أتم استعداد لمواجهة القوة البحرية للبرتغاليين .
وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر صفر تحرك أبو يعقوب في اتجاه مدينة شنترين ويبدو أن وجهة الخليفة الموحدي الرئيسية كانت إلى مدينة لشبونة ، ولكنه أراد أن يضعفها أولا بالاستيلاء على قلعة شنترين القوية القريبة منها ، والواقعة على نهر التاجة اليسرى، ويعلل "محمد عبدالله عنان " اختيار الخليفة الموحدي أبو يعقوب لمدينة شنترين هدفًا لحملته بقوله
(أما هدف هذه الغزوة فقد استقر الرأي على أن يكون مدينة شنترين البرتغالية ، واختيار هذه المدينة بالذات هدفًا للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة ، مادية ومعنوية ؛ فقد كانت البرتغال في عهد أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة مناصبة الموحدين العدوان ، وكانت هذه المدينة بالذات أهم قواعد هذا العدوان ، ومنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب ، وحصولها في قطاع بطليوس ، ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال ، وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها ، وكانت شنترين أخيرًا مركزًا للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون على أحواز أشبيلية )
وبعد تسعة أيام من الخروج من أشبيلية وصلت الجيوش الموحدية إلى حصن العرجة ؛ حيث تجمعت الجيوش وتجهز الجنود بالأسلحة والعتاد ، ثم واصل الجيش تحركه حتى وصل إلى مدينة بطليوس ، وهناك استكملت الجيوش ما كان ينقصها من الميرة والزاد .

أحداث المعركة :
في الوقت الذي كانت فيه جيوش الموحدين تقترب فيه من مدينة شنترين كان الملك (فرناندو) ملك ليون يقوم بحصار مدينة( قاصرش ) الواقعة شمال شرقي بطليوس ، على مقربة من نهر التاجة ، ولما علم فرناندو بنبأ اقتراب الجيش الإسلامي آثر فك الحصار والابتعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو ، أما أبو يعقوب فقد أمر جنوده باختراق نهر التاجة ، ثم قام بضرب الحصار حول المدينة نفسها ، ثم نصب معسكر الجيش الموحدي في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة ، وامتد معسكرهم على طوال النهر .
وفي تلك الأثناء كان الأسطول الموحدي يسير إلى مياه أشبونة ، فقد كانت خطة الخليفة أبو يعقوب تهدف إلى غزو شنترين ، ثم حصار أشبونة بحرًا وبرًا ، وضمان حماية مؤخرة الجيش الموحدي من ناحية مدينة شنترين ، بحيث يتفرغ الموحدون بعد إسقاط أشبونة وتحطيم مملكة البرتغال كلها ، وكان ملك البرتغال ألفونسو هنريكيز قد تحصن في شنترين ، وحشد فيها أعدادًا كبيرة من الجنود ، كما أنه رتب عددًا من الجنود لحماية الربض الخارجي للمدينة ، ولكن الموحدين استطاعوا هزيمة جند البرتغال المدافعين عن الربض والأسوار الخارجية للمدينة ، وبدأ أبويعقوب في تشديد قبضته على المدينة ، وأخذ في قطع ثمارها وإفساد زروعها ، وشن الغارات على نواحيها .
واستطاع الموحدون السيطرة على المدينة ، ولكنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى قصبتها ، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الإثنين الحادي والعشرين من ربيع الأول ( 2يوليو ) ، ونشبت بينهما خلال تلك المدة عدة معارك عنيفة .
وتقدم إلينا الروايات النصرانية عن هذه المعارك صورًا مختلفة ، ويقول بعضها إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة لمدة خمسة أيام ..
ويبدو أن بعض قادة الجيش الموحدي قد خافوا أن ( يعظم النهر فلا يستطيعوا عبوره وينقطع عنهم المدد ) ؛ خصوصًا وأن الحملة كانت في أواخر فصل الخريف ، فخاطبوا الخليفة في ذلك الأمر ، وضرورة فك الحصار عن شنترين ، ولعل أبو يعقوب قد وافقهم على رأيهم أو أظهر لهم الموافقة ، وإن كان لم يعط أوامر صريحة بالانصراف وفك الحصار .
وقد اختلفت أقوال المؤرخين المسلمين في تلك الحادثة ، فيروي المراكشي أن الخليفة قد قال لقادته حين طلبوا منه الانصراف عن شنترين ( نحن راحلون غدًا إن شاء الله ) ويقصد بها المراكشي الانصراف من أمام شنترين والرجوع إلى أشبيلية .
أما صاحب روض القرطاس فيرى أن الخليفة قد أمر ولده السيد أبي إسحاق بالرحيل ، والتوجه إلى مدينة أشبونة وشن الغارات على أنحائها ، وأن أبا إسحاق قد أساء الفهم وظن أن الخليفة يأمره بالرجوع إلى أشبيلية .
وبغض النظر عن سبب الارتحال من أمام مدينة شنترين ووجهته ، إلا أنه من المؤكد أن رحيل هذه الأعداد الضخمة والهائلة من الجند بشكل مفاجئ قد خلق نوعًا من أنواع الفوضى والاضطراب الكبيرين في المعسكر الموحدي .
وكان المنادون قد نادوا في الناس بالرحيل وعبور نهر التاجة ، ( فلما كان قرب الفجر أقلع السيد أبو إسحاق ، وأقلع كل من كان يليه ، وتابعه الناس بالرحيل فارتحلوا ، وأمير المؤمنين في مكانه لا علم له بذلك ) .
وترى الروايات النصرانية أن رحيل الجيش الموحدي المفاجئ من أمام أسوار شنترين كان بسبب الأخبار المترامية بمقدم ملك ليون فرناندو بجيشه لمساعدة ملك البرتغال الفونسو هنريكيز .
وفي صباح اليوم التالي لرحيل الجيش الموحدي اكتشف الخليفة أبو يعقوب أن معظم عساكره قد رحلت ، ولم يبق معه إلا عدد قليل من الجند ، ( وانحدر الخليفة صوب النهر ، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة في موضع المحلة مستعدًا للقاء النصارى ، وردهم وحماية أبيه ومن معه ) .
وعندما شاهد البرتغاليون معسكر الموحدين خاليًا من الجنود إلا من الخليفة ونفر قليل معه ، بعثوا ببعض جواسيسهم للاستطلاع ، والتأكد من الأمر ، فلما تيقنوا من انصراف معظم الجيش الموحدي وعبوره نهر التاجة "هجم النصارى على معسكر الموحدين وهم يصيحون " إليهم ، إليهم ، إليه ، أين هو؟ " ، ثم نفذوا إلى خيام الحرس ، وقتلوا رجاله جميعًا ، ووثبوا إلى خيمة الأمير ، ومزقوا كل ما حوت من الستور والبسط والفراش، وهو يقاتل بسيفه ستة من الفرسان النصارى ، وأخيرًا طعنه أحدهم بسيفه طعنة نافذة فسقط إلى الأرض مضرجًا بدمائه " .
واستطاع بعض الفارين من البرتغاليين الوصول للجيش الموحدي على الضفة الأخرى من نهر التاجة ، فهرع الموحدون إلى معسكر لإنقاذه ، والتصدي للنصارى . ويبدو أن الفريقين قد قاتلا بمنتهى العنف والقوة ، واستطاع المسلمون أن يستنقذوا خليفتهم المصاب ، وما لبثوا أن تركوا المعسكر ، وانصرفوا نحو أشبيلية .
أما الأسطول الذي كان يسير في طريقه لحصار أشبونة ، فقد بادر بالفرار عقب معرفة الكارثة التي وقعت للجيش الموحدي أمام أسوار شنترين .

النتائج المترتبة على المعركة :
1- وفاة الخليفة أبو يعقوب يوسف متأثرًا بجراحه أثناء رجوعه من شنترين إلى أشبيلية.
2- أثبتت غزوة شنترين ما يعتري الجيوش الموحدية من تفكك وضعف بالرغم من ضخامة أعدادها ، وهو الأمر الذي انتبه إليه الخليفة المنصور ، في معركة الأراك فيما بعد .
3- استطاعت مملكة البرتغال تثبيت أقدامها في الشطر الغربي من الأندلس ، وتابعت سياستها في التوسع .
4- أعلن المرابطون الموجودون في الجزائر الشرقية الثورة ، واستولوا على الأسطول الأندلسي الراسي في ( ميورقة ) ، واستخدموه في الاستيلاء على مدينة بجاية ، وأعلنوا طاعتهم للخليفة العباسي الناصر لدين الله ، وأضرموا نار الثورة ضد الموحدين في جميع المناطق المجاورة .


المصادر والمراجع

1. ابن عذارى المراكشي (ابو العباس احمد بن محمد) كان حيا في سنة 712هـ
البيان المغرب في اخبار الاندلس والمغرب
2. الفاسى (على بن ابى زرع ) ت سنة 726 هـ
الانيس المطرب وروض القرطاس في اخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس
3. ابن القطان (ابو الحسن على بن محمد الكتامى) ت عام 628 هـ
نظم الجمان في اخبار الزمان

4. المراكشي (عبد الواحد بن على) ت عام 669 هـ
المعجب في تلخيص اخبار المغرب

5.اشباخ ( يوسف)
-تاريخ الاندلس والمغرب في عهد المرابطين والموحدين

6.(دكتور حسين مؤنس)
-معالم تاريخ المغرب والاندلس، القاهرة، 2004 م

7. العبادى (دكتور احمد مختار)
-دراسات في تاريخ المغرب والاندلس، الإسكندرية، 2000م
-صور من حياة الحرب والجهاد في الاندلس، الاسكندرية، 2000م

8.عنان (محمد عبد الله)
-دولة الاسلام في الاندلس، 4 مجلدات، القاهرة، 1997م

9- النجار ( عبد المجيد)
-المهدى بن تومرت : حياته واراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية واثره بالمغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة