الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإرادة المعرفية في مواجهة القمع
ريبر هبون
2017 / 8 / 30الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإرادة المعرفية في مواجهة القمع
*دراسة: الكاتب الكوردستاني: ريبر هبون
النقد برمته ليس باباً يتسع للحديث من خلاله عن كل شيء، تنقل لنا الاحتجاج على غياب الفضيلة والعدالة والحق في مجتمع استهلاكي مادي أصبحت فيه القيم النبيلة موضع استهداف ولجم ، تغزو فضول الساعي لمعرفة ما قد تخبئه الحياة إلى جانب العديد من الأزمات التي تتشبث بالطبيعة البشرية لتكون بداية للدخول في شتى المفاهيم الموغلة في العمق الإنساني على مسرح التناقض ، ثمة من يحتج بماهية وجوده وإحساسه العميق بمرارة الوجع في الحياة والاحتجاج يمثل عنصر الحركة التي لا تكترث للجمود ومثال عظمة الفرد من قوة الجماعة ، إبراز لقوة الجماعة وما تفرزه من إسقاطات ونتائج ، المجتمع الذي يحتوي بفلسفته العفوية و أفكاره الرائدة وطرافة حسه ولذاعة تساؤلاته وغرابة أجواءه التي توقن مصائر البشر وغرابتهم سلوكاً وخلقاً ، الغرابة ميزة المبدع وميزة الذين يسيرون في المسار الممكن الذي لا يتعارض مع الواجب والقيمة التي تنتج عنها ومعيار الشخصية بارزة من قدرة الشخصية على التأثير والتوغل إلى عوالم كثيرة وبالتالي قدرتها الفائقة على نقل حصيلة تجارب المجموعات البشرية على اختلاف هيئاتها, فلسفة السعي إلى الحياة دون التأثر بأوبئتها ويليه العنصر المقابل للغرابة وهو الذهول ، احتوائه للثنائية المتناقضة ، الفقر-الغنى ، التخلف-التقدم ،الحركة- الجمود ،المحافظة- التغيير ،الجهل- العلم ، ففي خضم تجربة الكتابة تتآلف القيم والمعايير في نسبيتها والحقائق يجوهرها لتشكل الإيقاع الذي ينشد للفن وجوهر الحياة والفن هو جودة اللعب على حد تعبير (كروتشه1) ،الاغتراب الفردي ظاهر في شخصية الفرد الذي ينادي إلى العدالة في ظل غيابها وإلى الفضيلة في ظل زوالها وإلى الوفاء للأماكن بالرغم من خرابها وبالعودة إلى صفاء الماضي بالرغم من أفوله وهذا دعوة للمجتمع الطبيعي الذي تتحقق المساواة من خلاله بين كافة الطبقات حيث أن التناقضات المفعمة بالدهشة أطلقت سيول الصور الحزينة المنبعثة في داخل هذا الإنسان الذي يمثل لسان حال الطبقات المسحوقة التي تعيش من أجل أن تقتات وتنعم بالكرامة التي هي أساس كل المواقف الانسانية على صعيد الحياة والزمن ، الحدث ينقل لنا من منحى تصويري هادئ يعكس كل الحوار الهادئ المستفيض بالعديد من الإسقاطات على عموم التجارب الإنسانية في ظل حالات الصراع التي لا تنتهي بل تشتعل وتتصاعد وتيرتها وفقاً للزمن ولزيادة الاحتياجات وتراكم الاحتجاجات في ظل غياب العدالة الإجتماعية ،ينقل الكاتب فلسفته في تحليل الشخصية الفردية التي تعكس الواقع البائس بأوجهه المختلفة ضمن مناخ واحد يجمعها وهو البساطة الفنية المعمقة بالعديد من الأفكار النقية التي لا تتباعد بل تنسجم وفقاً لمسار قائم واحد باتجاه التوغل في المواقف وحقيقة الحياة المتشعبة القائمة على كشف إشكالية جديدة تخدم قضية الإنسان القائم روحاً ووجداناً ومعنى كبديل عن ذلك المتقوقع في دائرة فارغة المضمون ،يثير أسئلة من نوع خاص ، يقيم سجالاً إنسانياً في المواقف الملتبسة ،يتحدث عن علاقة المستغِّل بالمستغل، وعلاقة الضد بالضد ، ويقيم عدة هواجس وأسئلة على أعتاب تفجر فتيل الأزمة الخانقة في ظل غياب الحقيقة وانزياح الستار عنها في مشهدية تميل إلى الغرابة تتقصى الجودة مخترقة كل الحواجز ومعبرة بالوقت ذاته عن أنين يسكن مشروعية الحق الغائب وبذلك فهو يدعو إلى إستخلاص العبر الجديدة من خلال الكشف عن مصائر المتعبين الذين يسيرون على مسار التعايش مع الأشياء على حقيقتها تعكس فنية المسار الواقعي وغرائبية الأسلوب وأيضاً ،مباشرة في طرحها لأسئلة تخص قضية الإنسان مع الإنسان، تعتمد الرؤية الثورية الواقعية في تجسيدها للمعاناة إزاء عجز الإنسان عن مواجهة المعوقات التي أنجبت عدة أشياء جعلت عالم الإنسان أشبه بالدوران في سلسلة مغلقة حيث الذات المبدعة التي توقر من قدْر القيم والذات المقابلة التي تبالغ في سطوتها على الشخصية المبتكرة التي أقرت الحياة وفقاً للنضال الصلب والكفاح المتزامن مع القيم النبيلة
حين نتعرف من خلال هذا الحوار الثنائية المتناقضة التي تمثل إحدى فصول الاستغلال لإثارة الاحتجاج على القيم الاستهلاكية القائمة على الإجحاف بالحق وتشويه القيم الخالصة التي تستثير سلباً دعامة الإنسان الطامح إلى البناء السلمي القائم على التوازن الطبقي لبث الخلاص الانساني ،يجسد الكاتب هذه العوائق ليستخلص ماهية الإنسان وما يجدر أن يعيشه من منحى الأخلاق القائمة على دحض الكراهية والخبث البشري في التعامل مع الحياة كقيمة نفعية خالية من الضمير والمبدأ العادل،كشف الآثار المرضية في الطبيعة البشرية هو جل ما يشتغل عليه الكاتب في بيانه الإنسان وتعامله مع المادة لا كوسيلة تعايش سلمي إنما كغاية تمحو قيم الإنسان المتعلقة بالفضيلة التي هي مبدأ أولي طبيعي في تغيير الحركة التاريخية التي تتجه باتجاه وضع حلول للإنسان ،لرؤية واقعية قائمة على بناء الإنسان من الداخل ووضع الحلول الكاملة لا أنصاف الحلول في بث القيم البشرية العادلة من جديد بين المجتمعات البشرية على اختلاف طبقاتها ، العم لطوف يمثل الإنسان المحتج على تبدل الروح الطامحة للإرتقاء ،على مستوى المظاهر البراقة ويميل إلى القول بأن الإبداع يتولد برفض الزيف المتبع بحق الأشياء الجميلة ،معيار استكشاف الحياة ورصد السلبيات والحد منها،والكشف عن تحليل نفوس المجموع ومعرفة ماهية من يفتقرون إلى الممارسة الأخلاقية و الرغبة في رؤية العالم معافى من المرضية والاحتقان
البساطة هي طابع الإنسان الأول ، وحاجة الإنسان للصفاء هي حاجة كبيرة وكأن الجو العام يشير إلى ذلك حيث تكون لهفة المتلقي للأشياء أكثر عفوية وبداهته تكون إزاءه جدتها ،أكثر إلحاحاً واجتذاباً ،أيضاً يجسد مدى الإنقسام البشري والتفاوت بين المجتمعات،المتقدمة التي تبتكر الأشياء وتفكر دائماً باستخلاص بدائل حياتية في حياتها ومسيرتها عموماً وبين مجتمعات ما تزال تعتمد البساطة والبدائية في التعايش مع الأشياء وافتقارها إلى آليات التعايش الجديدة والرقي في التفكير ، يركز على مسألة اتساع الهوة بين الغني الطامح والفقير المتلاشي أي التابع ، يجسد صرخة الإنسان لمواكبة الحاضر ، وقدرته على إحداث ثقب في طبقة الجهل السميكة التي تعيش في سيكولوجيا المجتمعات النامية ، الصراع بين المتناقضات في ظل مجتمع مغلق يستمد تنفسه من بقايا أشياء محدودة فتبرز إشكالات المجتمع من خلال سعي الانسان المتميز إلى إشعال فتيل الاحتجاج من أجل بث قيم الأخلاق داخل مجتمع متداعٍ يغلب الفساد على طابعه العام ورؤية يتجسد الوعي الإنساني بقدرته على وصف التداعيات ،فالدهشة تعبير عن حضور القلق والقلق نتج عن عائق طبيعي قائم على الوصف الذي له علاقة ب الظاهيراتية التي تعتمد على وصف الأشياء والتحليل القائم على فهم الظواهر أولاً ،وبيان العلاقة فيما بينهما ثانياً وترسيخ جمالية التضاد ثالثاً والقدرة على ربط هذه المكونات،بمكونات لها علاقة بالاتجاه السميائي الذي يعرف باستنباط العلامات إثر العلاقة بين الدال والمدلول ،فلا تخلو القصة من علامات قد تشكل أدوات في فهم العالم وفقاً لرؤية الكاتب والعمل الفني الذي وضعة , وصف الحياة الطبيعية البسيطة ، هو بمثابة دعوة الإنسان للصفاء الطبيعي الذي أشاد به (جان جاك روسو2)وهو بمثابة العودة لها لأنها تمثل أهم مفاتيح الخلاص والوئام الانساني القادمين حتماً ،فالمدنية والحضارة وقيم التحضر ووسائل التقنية حملت كل ما هو جديد وكل ما هو إيجابي وسلبي للإنسان ، لكنها أحاطت الإنسان بأقنعة الزيف والتصنع الذي أنتجت قيم بعيدة عن الصفاء الطبيعي
في خضم ذلك الوجع، والقيد وما تعكسه فروض الإلزام على المرء من سلوك تقشفي ، تراوده مشاعر الرهبة والخوف، نمطية التفكير، و الحياة القائمة على التعسف في التعامل، وبطلان لغة الحوار ما بين الآمر والمأمور، التعاقد المجحف بين الحاكم والمحكوم، في مجتمعاتنا تتحكم بها الذهنية الأبوية على نحو يشير دوماً بضياع البوصلة، وليكشف فيما بعد عن هول المعضلة، بانعدام سلطة سياسية ديمقراطية قادرة على تنظيم المجتمع، بل العكس وهو تفسخ المنظومة البائسة القائمة على الخوف من المجتمع من يقظته، وقدرته على تحقيق ذلك الانفجار الضروري، الذي سيسهم في إعادة الحياة إلى نصابها، حيث تنجلي تلك الغمامة عن الحياة المدنية، وتنتقل المجتمعات عبر انتفاضتها من طور الآوامر التعسفية إلى طور الاحترام الطوعي للقوانين والواجبات، التي يتحلق الأفراد بمختلف شرائحهم حولها، ليسهموا معاً في تطوير الحياة بمناحيها المختلفة، إذ أن الكاتب هنا بمعرض تجسيد الممارسة الفجة،ولعل الطابع الفلسفي ما يلبث أن يواكب طبيعة الحياة، لو أن ذلك يتم تجسيده ببساطة ، بيد أنها ترتقي بما تحمله من رمزية تتجلى على نحو واضح، فالانغلاق ضد حيوية الأفكار، حيث تسمى بالعائق المثالي، الحائل دون أن تنهض القوى الخلاقة لتسمو بالحياة وترقى لتكون انطلاقة لأفكار عليا نهضوية تستقيم من خلالها الحياة المتجلية بطاقات أفرادها، ولكن طبيعة الصراع ما بين الآمر والمأمور، ظلت عثرة في إعداد جيل يعتنق قيم النهضة طواعية، ولكن العائق أمام سمو الإنسان بحياته، هو التعسف والإكراه، حيث الإنسان طاقة لا متناهية إن أحسن ضبطها وتقويمها بما هو ضروري، فسوء الترشيد والاستثمار ، ينجم عنه الإحباط والفشل، على عكس التحفيز لما له من نتائج إيجابية قادرة على قلب معادلة الحياة الصعبة لحياة أكثر يسراً وإبداع وطاقة، هذا ما يجعل من الفرد محبطاً غير قادر على المضي باتجاه إيجابي ينحو منحى التغيير
حيث لابد من العمل على مبدأ التأثير الوجداني إلى جانب بروز الفكر المتقد بما يحمل من لذاعة وقوة، فكل الشتائم الموجهة للإنسان في هذا الموقف ، هو للحد من قفزه للأمام، إلى حيث التطور المحتوم لضمان رقيه ورفاهيته،هذا الصراع الرهيب بين قوى تسعى لإنزال الإنسان إلى حضيض الخوف والعزلة وبين فئة مقموعة منتفضة فماهية هذا الانفجار المتحقق بعد عهود غشاوة وخوف، جعلت المجتمعات تتجه لبلوغ حريتها بسلوك طريق التغيير المدفوعة باحتقان رهيب، جعلها تترجم ذلك بأشكال عدة، عن طريق القلم والتظاهر، ومقاومة الحصار المطبق، والتغييب الإعلامي، ولعل الانفجار في ماهيته استجابة لمنطق التغيير الحتمي، طبيعة العلاقات المضطربة القائمة على الخوف والاحتقار، فهو يعاني من تهميش إنساني، وإلزام قسري، يدفعه للسلبية واليأس، نظراً لخلو هذه العلائق من أدنى ممارسة للقيم الأخلاقية، القائمة على احترام الذات والآخر، حيث ضياع البوصلة، وبداية الشعور بالخطر، وعدم المقدرة على اجتثاه في الحياة القائمة على تفشي الهوة ورسوخ البينية بين الطبقات الحاكمة ، والشعب المعتد بكرامته، فهنا من الطبيعي أن يقف المهمَّشون، المهشمون روحياً إلى جانب بعضهم ليبوحوا بالمعضلة في سوء التعامل واحتقار الكرامة الإنسانية، تجسيد الصراع الداخلي، الذي يكشف عن طبقية سائدة، تفقد أي خلية حيوية حركتها وقدرتها على مواصلة الحياة بصورة أفضل، دون تباطؤ أو تكاسل، فالاستبداد مصدر كل زعزعة والمأساة الأخلاقية التي تسهم في تفكك أي خلية أو تنظيم، حينما يميل مسؤولوها لنمط اتكالي من الأوامر وبأساليب تعسفية تحبط من معنويات الفرد، وتخلق في داخله أزمات شتى تنعكس على التنظيم بصورة عامة، ولاسيما في الميدان العسكري، إذ تحبط القسوة معنويات الذات، وتجعلها في حالة استنزاف نفسية، ناهيك عن جهود الأفراد في العمل وبذل الجهود على عكس القائمين على الإدارة تتنازعهم شهوة السلطة فتفقدهم مرونتهم الجوهرية،البون الشاسع من التفكير بين الطرف السلطوي والشرخ الحاصل والذي يجعل السلطة في وادِ والشعب في وادْ، إذ يعكس ذلك حجم الاغتراب المعاش، والمعاناة التي سرعان ما تتضخم شيئاً فشيئاً ليصبح من الصعب مواجهتها، حيث تعمد السلطة إلى تلقين بسطاءها ودراويشها بسيل من الشعارات والتبريرات، متناسية حجم الآلام والمعاناة التي يعيشونها، حيث يسارعون إلى تلقين المرء الأوامر دون الاستماع للجند، الذين لا يحق لهم سوى الطاعة والتزام الأوامر أياً كان مصدرها ونوعها، ومدى نفعها من ضررها، حيث تتلاشى معايير التعامل الإنسانية بين الجند والقيّمين عليهم، مقابل تفشي الاتكالية، وبروز الأنانية الفظة، والصلف الذي يمهد لمشهد أكثر قتامة على صعيد الحدث، فالصراع النفسي الذي يعيشه المجند عبد المجيد، كان في ذروته، قبل أن تنتج عنه ردة الفعل المتجسدة في محاولة الخنق للعريف، فالصراع النفسي رافقه الانكسار في النهاية، هذا التصدع والانكسار، يمثل ذلك العجز المكتسب، والحياة المعضلة في انغماسها بفشل الأسلوب، وعجز الآخرين عن الانقياد لحياة أجهزت عليها المنظومة السلطوية بكامل مفاصلها، فالجانب الفلسفي المتجسد في هذا الحوار ، هو العائق الضخم ما بين أصوات تعاني القمع، وسلطة قمعية لا تر أبعد من إنفها، ولا تقف على معاناة الآخرين فهنا نجد عبد المجيد، يحاول فهم ما قاله الملازم ، يبدأ بتطبيق ما قيل له ويحاول إحداث مقاربات تمثيلية ما بين مشية الجند العسكرية، وقطيع الأغنام، فيما لو لبست بوطاً لمّاعاً وبدأت تمشي بانتظام، في إشارة من الكاتب حول ثقافة القطيع، وكذلك تجسيد الأغلبية المعتكفة على جدران الخنوع والاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، دون أي احتجاج، أو محاولة للخروج من هذا السرداب، فهذا الصمت سبب مع الوقت اليأس والإحباط، ونتج عنه تقبُّل الاستكانة والخضوع للأقوى، حيث يتنافس السلطويون هنا على نمط تشديد الرقابة وفرض الأوامر، لجعل المجتمع قطيعاً أعمى، لغاية الوصول للغليان الأكبر، فالغالبية تزحف لإرضاء الحكام والمتنفذين ، حيث ينشأ الفساد إثر تشرب الخوف بمنهجية، إذ لا يوجد حل سحري للخروج من هذه الكارثة المجتمعية والوصول للديمقراطية، بسبب الأمية وأمام هذه القيود ، ما يلبث المجتمع أن يحاول لينهض ويتعاطى بشكل أكثر فاعلية مع الحياة والأجيال، عبر المسير في خضم الوجع لبلوغ المواطنة الحرة، فالأفكار التي تقيم في النفس ولا تبرحها، وبالتالي تعجز على أن تكون جلية لباقي الأذهان، ما تلبث أن تتجمد وتنهار، وتتصدع، حيث ثقافة القطيع السائدة في أذهاننا، والتي يربيها الساسة السلطويون في مراكز حكمهم، جعلوا بالنتيجة مجتمعاتهم تعاني التفكك والاغتراب، والعزلة عبر توالي الحقب، وتضطرب الأنظمة المؤسساتية شيئاً فشيئاً ببروز مبدأ الأنانية والمنفعة على حساب قوت الشعب وصالحه العام، ولاشك أن لتأثير الإيديولوجيات الشمولية دوراً في زعزعة استقرار المجتمع، وذلك بتحكمه بالفرد، وحصر ذهنيته بالشعارات ،والأدعيات وما هنالك من طقوس تنحو منحى التسليم بمقتضيات الحاكم وشؤونه دون منازع، إلى جانب تجسيد روح الخواء داخل الشخصية، إثر تعليبها، وجعلها تعيش داخل دهاليزها الخرافية، دون أن تفكر بفداحة الركون لرواسب السلطة ومفاسدها، وتحكمها بالعقل الفردي، وإقصاءه ، بل إخصاءه، وكذلك فإن خواء ذهنية الفرد واتخاذه قطيعاً ، يؤدي لبروز العاهات النفسية وشيوع مظاهر الفوضى والاغتراب المزمن، فتأثير المخدر لا ينجلي إلا في لحظات بدء الدمار والخراب، إثر عهود غشاوة وخوف، أدى بسيادة ثقافة القطيع بالتزامن مع ترسخ المنظومة الشمولية وتجذرها عبر نمط سلوكي متصل بالعوائد والطقوس الدينية إلى حد ك
فنكران الموت، مشتق من تشبث المرء بالحياة وأخلاقيات التعايش بين البشر، هذا ما تحاول أن تقوله الكلمات التي أشرنا لها في معرض التحليل الذي لاشك يجلي من غمامة الغموض عنها، ولاسيما إذ نحاول عبر النقد، تقديم طرائق ناجعة لقراءة العمل بنفاذ صبر ودراية دقيقة ، وتأمل لا تعوزه الفطنة والإدراك لمقتضيات المادة الفكرية المنسابة في تلابيب النص ، حيث لا يعرض النص القصصي كونه وثيقة تاريخية، بل يمثل تلك المعالم التي لا تتناولها عادة البحوث المغرقة في الموضوعية والحياد العلمي، فالحديث عن العراقة، ونبل الحارة وأهلها، وكذلك عن أفضال المتوفى، يمثل تلك المعالم الجميلة التي ترسخ سمات النبل والمثالية في تقديم العلائق الاجتماعية بين أصحاب الفضل والناس، حيث يعد ذلك بمثابة استذكار لقيم الوجدان الجمعي، كون قيم الحياة الاجتماعية مترابطة متصلة ببعضها، عبر توافد الأجيال، ثم أن سحنات المحيط وطبيعة الأحاديث تشير إلى تلك الروح الغارقة في أتون الأساطير والقناعات الشعبية المشتقة عن اقتران تعسفي بين الدين والأعراف،فحقيقة ذلك الخلاف المتشنج ما بين طبيب يؤمن بالحقيقة العلمية، وآخرين لا يلتفتون إلا لما تقوله لهم قناعاتهم فالجمهور العاطفي الذي يقدّس أصحاب الفضل، والذي تطغى المشاعر على تفكيرهم يبتعدون عن التصديق أو التسليم بحقيقة الموت الفجائي، لاشك أن التنازع له إسقاطاته على الحياة الإنسانية عموماً، وفي كل المجتمعات على تباينها واختلاف طقوسها، إلا أنه يمثل السمة العامة لجدلية الوجود المكتظ بالصراع القيمي والمنفعي، وعن إشكالية المقدس الذي يبرز كعائق أمام الحياة العلمية، فأصل الخلاف، هو ما بين الثابت والمتحول، فما بين ذلك يتحول الشرخ إلى إشكالية اجتماعية بين فريقين متضادين متنافرين، فالسذج فكرياً هم بالضرورة تتحول العواطف لديهم إلى اضطرابات ومتاهات يصعب الخروج منها، على عكس الذين يجاورون حقيقة الحياة بنمط عقلاني تجريدي، حيث أنهم يسلمون بالحقيقة،ويقيسون عواطفهم تبعاً لضوابطها، حيث يكشف الأدب عن حقيقة هذا الصراع بطرائق وجدانية ليست بعيدة عن التساؤل، والجدل الفكري المتصاعد، حول التعريف بجدلية الأصالة والمعاصرة، بما لا ينفصل مطلقاً عن موضوع الأديان وتأثيرها الميتافيزيقي على النفس التي تعتقد أن المعرفة لا يمكنها الوصول إلى كل شيء ،ولا ينفك المرء العاطفي من استخدام الخيال أو الهلوسات، لأجل أن يستشعر من خلالها الطمأنينة ونكران موت من يحب، حيث تتضح معالم هذا التنافس القديم الجديد ، وهنا يمثل ذلك التشوه والاضطراب في الحب لدى المجتمع انعكاساً لتحوير قيمه وعقائده، فثمة فئة تقف دوماً بالمرصاد لأدوات التفكير الجديدة ، المسلمة بالحقائق التجريدية، دون الخضوع للذائقة الماضوية، فتلك المنظومة السلطوية الهشة، أو حتى الحزبية منها، كونها وبأدوات تقليدية لا تزال تقف عائقاً أمام المعرفيين المتوجهين بخطا ثابتة لغد الاكتشاف والابتكار والتجرد من كل ما يعوق حرية الفكر، فهنا يكمن ذلك الصراع الحقيقي ما بين رومانسية مضطربة تقف وراء محبة المجموع للفرد، لدرجة نكران موته، وبين أنصار التجريد التحليلي المتوافق ومقتضيات الفكر السليم،تعلق المجتمع بالميت وعده من الأحياء، يستدلنا إلى الأصولية كمزعم يأخذ به الكثيرون على الصعيد السياسي انعكاساً لحقيقة المجتمع الغارق في محاكاة الماضي والتفاخر به، والعيش مع الأموات، من خلال استحضار مناقبهم وبطولاتهم، كتعويض عن الإفلاس الذي يعتري حاضرهم، حيث يذهب للبعيد لمعالجة هذه الإشكالية التي تجدد نفسها كل عصر، عبر التمويل السياسي للدين والتنظيمات الدينية التي يعاد تجديدها واستخدامها لوقتنا الراهن، ولعل ظاهرة تمثل الأموات ليست استجابة لعاطفة مجردة، إنما باتت لعبة سياسية يراد منها تدجين المجتمع الحديث بوسائل أشد دهاء ومكر، حيث أن إنكار من يحبون السيد عزيز لموته، هو بمثابة إشارة مهمة لظاهرة التقديس الشائعة في حياة المجتمعات الشرق أوسطية، والتي أدت إلى تثبيت وترسيخ منظومة التنظيم الشمولي، ناهيك عن تحديث وزيادة شيوع التكتلات الدينية، والولاء للشيوخ والأتباع الذين يضخون الجهالة بمنهجية عبر وسائل التواصل والإعلام المرئي والمسموع، كتعبير عن تضاد التحول والثابت، ليبين لنا ذلك الخضوع للماضي بجلالته وهيبته وقناعاته، إزاء فريق يؤمن بالمعرفة ويمتثل لها، كونه اليقين الواقعي الذي من خلاله يمكن معرفة صلاحية الشيء من انعدامها، ليعمد للتحدث عن طرق التعاطي مع الظواهر والحكم عليها استناداً لمنطق يستند إلى الحقائق العلمية، وأخرى يميل إلى الروحانيات والماورائيات، وهما في حالة احتدام مليئة بالتآويل المختلفة، نجد أن التأمل بحقائق هذا النزاع لا يفضي إلا لنتيجة أن يعتزل المرء هذا الصخب الهائل ليركن لنفسه، ليغيب في حلقة من انشداه غامض..،حقيقة الصراع المستمر بين الأصالة والمعاصرة،من بعدها الفلسفي تذكرنا بنظرية مركب النقص لدى يونغ و ادلر3 وتقسيمه للشعور إلى نوعين ، لا شعور فردي ولاشعور جمعي، وما بين الفرد النخبوي المتطلع للجدة والترسل باستقبال التغيير وبين خليط العادات والمفاهيم الشعبية التي تشكل الثقافة المجتمعية ، مفارقة مرتبطة بجدلية الحياة والصراع نحو الأفضل..
تكمن قمة الصراع الطبيعي بأبعاده وأشكاله من خلال تجسدها بمرور الاجيال وتعدد الأزمنة والظروف التي تنبني من خلالها الحقائق وجملة المؤثرات الاعتقادية،وبين الخرافة ونقيضها الحقيقة العلمية، ومدى الجهد الذي يبذله الانسان المعرفي في تصديه لقوى الجهالة، وتجسيد للصراع المتمثل بأصحاب الخوارق والغيبيات وبين ذوات النفوس المبتكرة الآخذة بالاسترشاد للصواب والركون للحقيقة الخالية من الاعتقاد الأعمى..، الثنائية المتناقضة ، الصراع بين النظام والبديل عنه،بين الثابت والمتحول في الثقافات، وبين المفاهيم الشعبية والثقافة المعرفية، وهو جلي في أتون المتناقضات فكل نظرية رهينة بعصرها وظروفها وتنتصر المعارف الجديدة على الذهنية الجامدة الأسيرة لعبادة أفكار الأسلاف والواقعة في أسر الماضوية وفي ذلك العاكسة واقع مجتمعاتنا وتقديسها للفرد لدرجة التأليه ، والتبجح المقلد باسمه ومآثره، وعدم القدرة على تخطي الفرد وتقديسه من خلال انتاج بدائل من النخب الجديدة المتمثلة بالجيل القادم وهنا إشارة لمنطق البساطة والاتكالية الناجمة عن الخواء الذي يسيطر على عقول مفرغة تقبل بنهم على شتى مفاهيم الغيبية والانغلاق المناقض للانفتاح الذي يمكن عده الصراع الظاهر الذي يحتوي الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى تحليل أدق ومكثف ،ليس الحلم في ماهيته، مجموع رؤى وأخيلات متضاربة ،تعكس الحدث اليومي، بل هو مدلول عميق الكنه حيث الغبطة الروحية، والطمأنينة المفقودة في واقع تتنازعه عوالم الصخب والضوضاء، هذا ما نلمسه في ثنايا اللغة الدالة على أحلام منتهكة وتطلعات طبيعية لعالم طبيعي ، تتآلف فيه الأحلام، لتغدو متكأ تأملياً لبث الحياة عبر القيمة الجمالية، بمعنى بيانها بصورة جلية للذات الأخرى والعالم برمته، ولاشك أن انغماس المرء بعوالم الحلم الزاهية، دليل على تعبها وانهماكها إزاء واقع مأساوي لا روح له ولا أدنى تصور للحلم، واتكاؤنا في هذه الدراسة على سبر رمزية الحلم معناه إيغالنا أكثر حول دواعي خلود المرء إليه، وكذلك لمعرفة خبايا النفس وآمالها المنتهكة على مسرح المأساة، ففي طيات ذلك الهم الواقعي ، يرقد الوقت المتأبط تلك العقارب الموضوعة في الساعة، فهي لا تتوقف، ويستحيل أن تنزل لرغبة الإنسان الحالم،حيث نجد اللهث العميق في مسيرة الإنسان المحاول أن يمسك بتلابيب الوقت والزمن المسرع لصالحه ، بيد أن الصعوبات والحواجز دوماً تعيقه عن بلوغ مراده ولاسيما اتجاهات الآخرين وتنازعهم في جعبة هذا الوقت والعمر القصير، لأجل تحقيق ما أمكن من طموحات وآماني وتصورات قبل أن يتحطم المرء على مرآها، تلك الرؤى المضرجة بعديد التساؤلات عن مسيرة الإنسان المبدع في ظل عالم مفضي للفناء، ويحاول على إثر ذلك الصراع مع العوائق والحواجز للظهور بمظهر أنيق يمثل حقيقة الفن في تعانقه مع الخلود، ففي جمالية السعي وراء الحلم ، لذة الهدوء والعيش في عالم متسامي عن فداحة الواقع المليئ بالمسارات الخادشة لحيوية الذهن ومآلات الخيال في غوصنا بعيداً وعميقاً داخله، لاستنباط الجماليات القائمة على التماهي بالطبيعة، والانتصار لها كشكل وجوهر، والوقت هنا هو العامل الباعث على بذل الجهد، تحديه يشير هنا ليأس يحيط الإنسان الساعي لبذل الأفضل، أمام موجات التغيير والصراع القائمة، فأمام هذه القتامة الكونية التي يعايشها الإنسان ، لابد له من أن يقصي كل العوائق في سبيل الهناء بلحظة حلم مشتهاة بعيدة عن أوجاع العالم والسياسة ومهالك الحروب، وخواء الفاسدين ،هذه كانت الرسالة الأكثر جلاء ضمن قصة أسهبت في الدفع بالعديد من التساؤلات ليتم إزالة النقاب عنها ، لتظل محل رحابة ونهضة وتنوير ، وعبر ثالوث الحلم، الوقت، الصمت، حيث يظل الحلم صمام أمان لمواجهة الواقع المهتز، ويظل الوقت بمثابة السيف المسلط على مدركات الساعين لبلوغ المراتب البعيدة، وأما الصمت فيمثل خلاصة البحث والسعي والمواجهة في خضم كون متلاشي مهما طال الزمن..!
ففي ذكر الأماكن تنفتح فسحات الحنين لدى المتلقي، مع إيضاح قدم وأزلية علاقة الإنسان بالوجود، لأنها علاقة بالذاكرة والجذور، وتأصل بكل ما يمته الوجود من ملامح وثغرات يتم من خلالها الولوج للتقاليد الجمعية، التي تعاقد عليها البشر، ومنها جاءت القيم الطبيعية لتعزز صلاحية المفاهيم الخامة، ولعل المعزى من تجسيد الألم الفردي هو التسليط على الجوانب الواقعية من حياة المجتمعات في ظل العزلة والاحتقان بمضامينه السلبية، فالبحث عن قيم المجتمع والحديث عن ذلك ضمن نصوص مشبعة بالشجن وولوج الذات تجاه عسف الآخر، حيث يحرص سارتر1 في جعل الآخر جحيماً،ففي تعبير سارتر أن الإنسان لا يمكنه إنقاذ نفسه من تساؤلاته وآلامه ، حيث يبحر في الوجودية ، ليجد أن الآخر يمثل للمرء العائق، وبكل الأحوال يبذل المعرفي المبدع مجهوداً في ظل أي خطاب أو نص يحمله للمتلقي ليبرهن عن ذات المشكلة الوجودية التي تؤرق مسارات حياتنا برمتها، إذاً فالإنسان الوحيد من يحمل خياراته إزاء الوجود المعلن ويتحمل نتائج اختياراته ونعوته، تجاه الأشياء والظواهر، وكما أن الآخر يشكل العائق المثالي لصيرورة حياتنا برمتها، غير أننا ندين له بالفضل ، كونه الحلقة الأهم في تعرفنا على ذواتنا وكيفية الأخذ بها في الحياة، جدلية الذات والآخر في سياق البحث عن المشكلات الوجودية، ومعرفة المدى المجدي من الخوض فيها، ولعل وجودية الوجع في ذاكرتنا تتدخل في نظراتنا الجدلية لحتمية مسار الحياة القائمة على الارتقاء للفناء ، ولكن ديمومة الماضي في الإنسان تزداد تأصلاً وما تلبث أن تطفو على السطح ، وفي حديثنا عن سارتر وبيان مقولته أن الآخر يمثل الجحيم ، دلالات هامة فهنا قال سارتر في مسرحيته (الجلسة السرية) إن" الجحيم هم الاخرون ".، الأخرون الساعون لإثبات منهج حياتهم، وكذلك لإغراق ما في جعبتنا من أهوال وعوائق يزرعونها جاهدين في طريقنا وهكذا فإن المسعى الإبداعي الذي نبثه في دواخلنا يمهد لجدلية الأنا والآخر على نحو مفصح أكثر،فنقول أن العاشق مثلاً يطمح إلى ان يرى ذات المحبوب تتلاشى في ذاته، بينما في صميم المشهد الواقعي نجد أن الأفكار تتهافت لصنع مذهبها الحي بعيداً عن الرؤى الوجدانية المباشرة، فلاشك أن الرغبة في الحل والاحتكام لمنطق أن الحياة هي خليط من مفاهيم غير مستقرة، وأحلام تغزو المرء ، وما تلبث أن تنال منه قسطاً يسيراً من التأمل، مما يجعل الذات المبدعة تحاول جاهدة للوصول بالحقيقة الإبداعية إلى مبتغاها الهادف ، وهو صناعة طرائق مفيدة من الارتقاء بوعينا التحصيلي الناتج عن خبرات وحوافز وإمكانات نتبادلها من جوهر هذا التنازع ، ففي موضوع سعي المحب للتوحد بجزأه الآخر وهو ما يشبه علاقة المبدع بأدوات إبداعه ومن ثم بوجوده ، بيئته ومشكلاتها، فلا شك أن ذلك يتحقق بعملية الإندماج الكلية مع تلك القضايا لتصبح العامل الأقوى للإبداع،فالاندماج مع الذاكرة هو غير ذلك الاندماج المتحقق في العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة،ولكن يوم يتحقق هذا الأندماج، يفقد العاشق شخصية من كان يحب، ويستعيد عزلة (الأنا)، هنا نجد أن الأنا هنا هي المفصحة عن خيارات الذات في تشظيها وبحثها الدائم عن حلول لوقائع تتوسط الماضي والنزوع الاستشرافي للمستقبل، ثم أن كان الحب يعني رغبتنا في أن نحب، فهو يعني أيضاً انقيادنا نحو سبر ماهية الارتقاء للأفضل في طلبنا الخير الأقصى بمسماه الواقعي، فالهاجس الإبداعي برمته والقصصي على نحو خاص يمعن أكثر في إشكالية الذات والآخر، واصفاُ في الآن ذاته سعي الذات للتوحد بالآخر وجدانياً ،فهو يعني أيضا أن يريد الآخر حبنا له أي أن يكون في حاجة إليه، من هنا تتحقق جمالية المسعى ، وكذلك يتحقق الشرط الإبداعي في البحث عن الحياة التي يرتقي لها المعرفيون في المسير بهذا الموج المجتمعي نحو حقيقة الوجود الحر المحكوم بالجمال، رغم جدلية التنازع القائمة في كل ركن وصعيد وتحكمه بكافة المسارات والميادين المختلفة،إذن فوجود العاشقين هو في تنازع دائم، كأي وجود آخر، ولعل عشق المرء للطبيعة، للحياة المتأصلة بروح المكان ، الجبال، فكلما كان الإمعان في ذاتنا عبر مرايا الوجود ، كلما بانت حقيقتنا الجميلة أكثر واتسعت باتساقها وتناغمها مع الطبيعة، هكذا يكون الوعي بالجمال خالصاً، وتكون للحكمة دلالتها، كون الحكمة هي ابنة الجمال الكامن في الوجود ، ولا يتحقق وعينا بالوجود دون إيغالنا بالسحر في هذا العالم المكتظ بألغاز النشوة الخلابة ، عبر التجوال في مداه المطلق، للتعرف على الذات ،وهكذا فالوجود الذي بدأ لنا كأنه النعيم المقيم لا يمكن أن تنجلي خباياه ،لو لم يكن ثمة وعي فردي هو الأنا، الأنا التي تعمل وتكدَّ وتقرأَ وتسبر الأغوار، فهذا يشكل حقيقة نشدان المعرفي للخلاص من قيود المفاهيم المتحجرة، ولا يدرك المرء نعيم الانسياق لمطلب الحب ، دون التأمل في مجريات الزمان والمكان في توأميتهما، حيث السر الأجمل في استدعاء الجوانب المتعلقة بالفن والعلوم الإنسانية، ينبجس كل شيء من خلال جدلية الفرد والطبيعة، في خضم الموجودات، ويبان ذلك المجتمع في ظل الترابط المحكم بين أنسجة الإبداع الحي المقيم في الوجود ، وبين مطلب الذات الفردية في التقصي والإبداع والإيغال بعيداً نحو الجمال، وما النقد إلا جزء مكمل من العملية الإبداعية، وهو تماثل آخر ووجه مقابل لجدلية الفرد والطبيعة، الوجود والموجود، المبدع للنص، والموغل للنص، الفلسفة وشارحها، إن هذه الثنائيات المتقابلة، تستكمل فصول بعضها الناقصة، حيث أن النقد يتغذى على النص الجاهز، وحيث أن القيمة الإبداعية تنجلي بتمامها حين الإيغال التحليلي التأملي في ثناياها، وهكذا دواليك.. هنا إشارة مهمة للآخرين الذين يحولون بيننا وبين حياتنا وتأملاتنا، حيث يبقى وجوده الجحيم المهدد لكل ما نحتاج ترتيبه لحياتنا، ولاشك أن ذلك العائق الذي يقف بين الذات والتأمل الخالص، هو الذي يتحول مراراً إلى جحيم وشر، بسبب وجود الآخرين، غير المدركين لجهود المرء لصيانة الروح، وتنظيم دوافعها واحتياجاتها، غير الآبهين للجمال الذي يكمن في الجموح للطبيعة ، والاستفادة من مزايا الجمال، هذا ما جعل الغضب والحنق هو النتيجة التي تتصدى لقوى القبح والتشويه، التي تقف حيال أفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا في تلوين حياتنا بالجمال والتأمل والمعرفة الدؤوبة، جدلية وجود المبدع إزاء العائق البشري، العلة الكامنة إزاء صيرورة الإبداع ونقاءه، حيث يكون الآخر متطفلاً على الإبداع، غير عارف أو آبه لقيمته الداخلية ، في إشارة أن وجود الآخر يمثل الإشكال عادة في السير بالجمال لمساره المأمول، حيث نجد سارتر يرى في الآخر العلة ، ويرى وجودنا كذات عالة عليه ،فيقول سارتر: "..الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا.." وهنا تتكون الرؤية القصصية نحو تحسس مفاتن الجمال، والانغماس في مدلولاته الحميمة، والانقياد إليه، يهبنا آليات دفاعية تتلخص في إبداء الحرص عليه، إزاء فئة تستعبد هذا الجمال، وتقصيه، لماذا التنازع؟!، هنا يمثل في الحقيقة الهدف من الصراع وتلك الجدلية الوجودية، حيث ثمة فئتان ، فئة مرهفة مبدعة تسوس حياتها عبر اعتمادها الحياة الفطرية، وما يتخللها من إيمان بجملة قوانين ، عبر يتم تنظيم الحياة بمثالية ما، وهذا ديدن الطبقات الباحثة عن حياة أكثر هدوء ومعنى في الصميم الذاتي، مقابلها فئة منفعية تؤمن بالاحتكار، والسلطة ، كونهما أس حياة هذه الفئة ومبلغ اهتمامها، إذ أن الجمال بالنسبة لها هو حيازة الأشياء، وتجلي الجمال هو في الربح والنفوذ، إذاً هناك مذهبان متمايزان واعتماداً على حجة (تحليل لغوية) تتمثل في تأويل وتفسير كلمة (ليس) نجد أن الحياة لا تعاش إلا على مبدأ التنافس والغيرية، في تقديم مذهب على مذهب، وكذلك اللعب المكشوف على وتر أن البقاء للأجدر، الزخم الإبداعي في تصادم مع العبقرية النفعية، وجل مطمح العلوم الإنسانية ، أنها تبحث عن الإنسان خارج دائرة العلم المرتبطة بقيود العقل وتصوراته، وكذلك بعيداً عن الجنوح العاطفي في اعتماد الوجدان كميزان لتصحيح المسارات المغلوطة التي اعتمدها البشر في أطوارهم التاريخية المليئة بالمغازي والعبر في تطويعهم الفكر لأحد تصورين إما الاسترشاد بالعقل المطلق أو العاطفة المطلقة التي لا تؤمن بأن المعرفة قادرة في جوهرها على استيعاب كل شيء بما لا يتقف مع مذهب العاطفة التي تدين بالروحانية التقليدية حيناً وبالتجرد نحو الإبداع حيناً آخر ، حيث يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين (الأنا) و(الغير)، فالحروب التي تشن على الأنظمة شرق أوسطية بزعم تغيير أنظمتها ، هي في الآن ذاته تحمل في جوهرها استبدال المأساة بواقع يتخلله الضجيج والافتراء والفوضى، في إشارة إلى أن التغيير لا يفرضه الخارج، بل تقف خلفه الإرادة الجماهيرية الواعية..، فالإدراك لضرورة التغيير هي حاجة المجتمعات، لكن القوى الخارجية من تتلاعب بخيوط اللعبة ظاهرياً، حيث الصراعات التي لا تكاد تتوقف وتهدأ، و الواقع السياسي المتلظي بنيران الاستبداد والتدخل الخارجي، فإدراك المعضلة الحاصلة في جذور المجتمع المكبل بأغلال الوصاية وتفشي علل السلطة في مؤسساته، هو المرجو في عملية إنتاج النص الإبداعي، وقد تم اعتماده ، لجعل تجسيد الواقع والفكرة الممثلة الحل، هو جل الحيز الذي يشغله النص ، الشارح لمظاهر التفسخ والتشرذم وغياب البوصلة، فأي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، لكن في واقع رصد معاناة المجتمع، كان لابد الإشارة إلى أبعاده النفسية، ومآلات النظام القمعي داخل بناه ، والفوضى الحاصلة التي رافقتها الصراعات الخارجية، والحديث في ذلك الموضع طويل وشائك ،وفي الحرب تتضاءل إمكانات السعادة الهادئة، فيصبح التأمل في المكان المدمر، والاحتجاج على الانتهاكات التي استقرت تماماً في قلب الذاكرة، حديث الشجون أبداً وكلها طرق لمدواة تلك الكرامة المستباحة تارة عبر سياط الجلاد ، وتارة أخرى بسبب الحرب التي ما انفكت تدور رحاها لتفتك بالآمنين،حيث يتم التقاط أفخم صورة لأبشع لقطة جريمة مبتكرة، نجد التركيز على معاناة المرأة في الحرب، كونها تحتمل كل تداعيات ونتائج الحروب التي يصنعها الرجال، ذود النساء عن الأبناء الجرحى، اعتماداً لتجسيد علاقة الإنسان بالمكان، علاقته بالآخر، وكذلك نظرة المجتمع للمرأة من كونها المخلوق الأكثر تحملاً لغطرسة الحروب، مما يستدعينا هنا للنظر إلى الحدث استناداً لتعامل الإنسان معه ، كمغزى لتلك العلاقة بين الأنا والغير حيث يقول سارتر: "..أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.." والرصد للحدث انما هو بحث عن هذه الجدلية برمتها، وكذلك عقد تقابلات وروابط فيما بينهما، إيجاد المغازي في تقابلاتها، وإخراج المشاهد لساحة التأمل، لتكون ميداناً للاستقصاء والبوح الأعلى في نسيج الدراما الوجدانية، العاكسة للأفكار على نحو مختلف، فلا ينظر للجانب الدرامي إلا من سياق جدلية الذات والآخر، كونه العاكس لحالات الإنسان وأطواره المختلفة مع ما يقابلها من سبر نحو ماهية الترابط الفكري الكامن وراء عرض المشاهد، وإبداء المواقف المباشرة تجاه الحوادث الحاصلة في المجتمعات ، والمتحكم بمصائرها، وطرق تفكيرها وآليات بثها لاعتقاداتها، ولاشك أن العلاقة المكانية منحصرة في جدلية الثنائيات، وما بينهما من علائق وعوائق متباينة، وإن تم ذلك البحث عن القرائن التي تحصر علاقات المجموع في سياق الجدلية التي تعم كافة الموجودات على اختلافها، فذلك يبين أن القصة القصيرة تستجدي الفكر، في رحلة عابرة مليئة بالنشوة الفكرية، شرط اكتمال الرفد المعرفي ، فلا تفصح الكتابة فحسب عن الحديث في نتائج الجدلية الجارية في الوجود بقدر ما تحاول نقل ذلك كحصيلة تجارب للإنسان ضمن سياق التعاطي الدقيق للعلوم الإنسانية برمتها كونها تجعل من الإنسان المحور والغاية الأساس لفاعلية وجودها..، حيث لا تعنى القصة الواقعية كثيراً بسجالات الفلسفة المتشعبة، إنها تنقل حصيلة الوجدان والإدراك للإنسان عبر المشهد والحوار وكذلك بيان اللغة الجمالية ، مدى تأثيرها وتأثرها في محاكاة الذوائق العامة، وكذلك مسيرها في ركب العطاء،لنتمعن بمقولة يوحنا جـ. استوسينجر في كتابه لماذا تذهب الأمم إلى الحرب، إلى أن كلا الطرفين سيدَّعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم. وهو ينص أيضاً على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو. ، المقامرة هي التي أودت بالمجتمع إلى نفق هاوية غير معلنة ، قادتهم ليكونوا وقوداً لجشع أرباب الاقتصاد ومافياته، وهذا ما يحيلنا للعودة لسارتر حين قال : " الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على(كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية)، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه.." وجوهر القضية هو دوام التصارع وتغليب التوجهات على أخرى، ضمن اللا حل، حيث يتهافت البشر على التشبث بقناعات على حساب إنكار أخرى، ويعمد المتحكمون لتسعير هذا التنازع وفق مصالحها وأجنداتها، وهكذا فالنظرة تجاه الغير هي حقاً كما رأها سارتر اختزالية بمعنى أنها متمحورة في نطاق الأنانية العملية المتشبثة في ماهيتها بقناعات تسيرها، وإسقاطية تعتمد على الواقع في بروزها نحو جملة المنافع المحددة..، لعل في رحلة البحث عن الأفضل ، في تفاصيل النص التأملي، تكشف لنا النقاب عن الفترة التاريخية المتشظية بالأحداث ، وعن المعنى من الكتابة الواقعية، التي تتخللها الأفكار المفصحة عن تصورات كان لابد منها أن تشكل سجالاً كثيف المستوى بين الناس، لا أن تصل النخبة دون عموم الفئات، حيث لا تحتمل الكتابة الواقعية الحقة، أن تكون حبيسة الفنون الكمالية، بل تحت الطلب دوماً كونها عاكسة للحاجات الإنسانية الطبيعية، وهي بدورها ترتقي عن النصوص التخييلية ، حيث الأخيرة تخاطب الذائقة وتداريها، بينما النص الواقعي خلق كخطاب تهييجي للجماهير المتعبة، ففي زمن تصارع النظم الاستبدادية واستماتتها للبقاء وصية على جماهير تعاني من الغليان المستتر، جاءت المجموعة القصصية -الصمت -كمعبر عن الانفجار الصامت، فالتأملية السياسية لطبيعة الواقع، النهج القويم في حياكة الحدث وترويضه، وتقديم إجابات شافية لعقول متورمة تحت ضربات المطرقة اللاذعة، التي ما تلبث أن ترفع كل ما يعمها من حزم وجلد، أمام المتلقي العازم على الفرار من الترهل العام ، هارباً لفسحة الإيجاب، عازماً على التفوه بما يجب إزاء مشاعر العجز والنفور المصاحبة للاستبداد والحرب، كونهما المتناوبان أبداً والمساهمان في تفشي الأزمات الفكرية والنفسية في المجتمع، حيث الجميع يتفيأون تحت ظلال السلطة الموهوبة في افتعال الحروب، والاستمرار في الهيمنة ، حيث يلتقي الخصوم الأبرياء ليساعدوا بعضهم بالتزامن مع حرب بعضهم بعضاً، لتثبت لنا خيرية الإنسان في ماهيته، من كونه في الجيش مجرد مأمور، يعيش تناقضاً لاذعاً بين أن يكون ذلك الآتي لإنجاز مهمة حسب الطلب والأوامر، وبين أن يكون ذلك الإنسان الذي ما يلبث أن يستيقظ ليعبر بصدق عما يخالف المهمة ، وهو أن البشرية في احتضار واستنزاف جراء حروب عبثية لا تجلب سوى الدمار العام لجميع الأطراف..، حيث الوجود سفينة ، ودمار جزء منها لو بسيط يعني فناء من على ظهرها..، فالانتصار للإنسان يعكس في مضمونه ثقافة عالية المستوى، ويتجلى من خلالها إرث الحضارة العاقلة التي بشر لها المعرفيون منذ الأزل، واستطاعوا صونها عبر اعتمادهم على التواصل الفكري وتدشين أواصر الحب عبر أسسه المتينة، بالتزامن مع أفعال السلطة المولعة بالحروب والاحتكار الربحي، فعقد الأواصر الفكرية المشتقة أساساً من العلوم الإنسانية يعطي دلائل يمكننا اختزالها فيما يأتي:
• إيجاد البديل الحقيقي عن مظاهر التنازع الإيديولوجية التي سادت الخطاب القومي، والمذهبي، وإبراز قيم الحياة الفعلية عبر البحث عن خيرية الإنسان وطبيعية دوافعه الأولى، فيما لو تجلت، حيث اعتمدت الكتابة المعرفية على إظهار النداء الروحي الجمالي الخارج من مدركات الإنسان المعرفي في إنهاء الكوارث التي تتم بيد الإنسان..
• تتضمن أيضاً التعريف بالإمكانات الفعلية للإنسان في مواجهة العوائق التي تحول ما بين ذاته وقناعاته الطبيعية، ولاشك أن التعاطي الإنساني للمأساة، والتعاطف معها، هو نشاط حقيقي وجداني لممارسة الطمأنينة المفتقدة في زمن الحرب والتصارع الوحشي ..
• الاعتماد على التعريف بجودة الفعل الإنساني المتأتي من روح الطبيعة التي يجسدها الإنسان الساعي لعقد الأواصر الطبيعية بينه وبين الضحية، عبر تجسيد مظاهر هذا التعاطف الأمر الذي أحالنا لتفسير الدوافع التي تقف وراء عملية صناعة الخير، وهو إحقاق الجمال الكامن لدى الإنسان الطبيعي..
• السعي وراء فعالية الطبيعة الخيرية لدى الإنسان، وتجسيدها ، على دوافع الرغبة والهيمنة التي يتم استثمارها لاستنزاف موارد الشعوب، والتحكم بها، إزاء أدب يعتمد بالفعل على التصارع القويم ، ضد ممارسات تنم عن ضعف لابد من محاربته، والانتصار ما أمكن لقيم السلام الحقة..
• بيان حقيقة السلم الطبيعي المستوطن نفوس الجماعات الهاربة من البطش والتي تشكل المرأة النسيج الرئيسي المتأثر بكل انهدام على مستوى المعايير الأخلاقية المنتهكة في الحروب، وكذلك خلق الحلول الواجب العمل بها ، لتخليص المجتمعات من إفلاس المنظومة الربحية، لهثها وراء المنافع على حساب الدمار على كل المستويات..
فالتوصيف اعتمد على محاكاة الداخل أكثر من الحواس، فساد السلطة المستبدة نهبها لقوت الكادح ، استخدامها لمختلف الحيل للتمادي والاعتداء على تلك الكرامة المستباحة، الأمر الذي يحرض في داخل هذه الفئات روح النقمة والاستياء، معالجة هذا الواقع المنكوب ،فالعوامل الطبيعية هي أحد الكوارث المحتملة على الجماعات الفقيرة، وهي بمثابة الألم الأكثر تجلياً، لأنه يندفعون بمواجهته بأبسط ما لديه من إمكانات، لكن الأمر الأكثر ألماً هي عقلية المتنفذين الجاثمين على صدورهم، المنكبين على أرزاقهم واحتياجاتهم، بدلاً من أن يقفوا إلى جانبها، وهذا ما يجعلنا نذهب للتحليل حول صراع الطبقات الاجتماعية ، في تفسيرنا لتلك التداخلات فيما بينها ، والتي تفرز فيما بعد هذا الانقسام الاقتصادي والاجتماعية والصراعات من باب عرض الفلسفة السياسية الماركسية، الساعية بدورها لمعالجة هذه الإشكالات التي تصيب المجتمعات منذ القديم، حيث أن الحكومات هي وسائل معاداة لحياتها وعملها ولعل كارل ماركس وفريدريك انجلز هم الذين أكدوا الإنتشار العالمي لهذا المفهوم، حيث أشاروا مراراً في حديثهم عن هذا الموضوع الكبير بتمثلهم بنتيجة أن هذا الصراع المعقد هو محرك التغيرات الإجتماعية والتاريخ الحديث،
تجسيد حقيقة هذا التنازع الرهيب بين أرباب القوة والفئات المنكوبة ، تلك المعانية من الفقر وشظف العيش، ولعل الشرخ الطبقي في هذه القصة مشار فيه إلى حقيقة أن الحكومة القائمة هي من تعزز الهوة بين الطبقات، ولعل اللعب على وتر التحايل المكشوف على المجتمعات المنكوبة هو الأمر الذي يسهم في خلخلة المعايير والقيم الأخلاقية داخل المجتمعات بشكل عام، مما نجد السلطة إزاء ذلك تقوم ببث ونشر تصرفاتها السلبية داخل أوساط المجتمع وفئاته ، حيث تحول بعضهم إلى تابعين لها، وهؤلاء التابعين يقومون بأداء مهمة أكثر شناعة منها، إذ أنهم يقومون بتحويل النهب والسلب إلى قانون مستدام ، وهذا هو الأبشع والأسوأ في تاريخ المجتمعات، ناهيك عن الفقر لما له من تداعيات ونتائج كارثية في حياة المجتمعات، مما يجعلها في حالة قلق واغتراب كلية ، عن القانون الضامن لحقوقها الطبيعية..!،رصد النفوس المضطربة نفسياً ، جراء هذا الوضع الصعب، الناجم عن الإهمال، في مظاهره الإدارية، وذلك العجز المرافق ، والذي أساء للحياة برمتها، مما يضع السلطة في خانة المسؤولية، كونها مشغولة بجمع الضرائب وامتصاص طاقات الشعب على جميع الصعد، لتحقيق أهداف غير مشروعة، وإبقاء الحياة كما هي خانقة، ومعلولة، فالإنسان العامل مرغوب به بدوام وجود طاقة له، وعندما يهرم ويصبح عاجزاً عن العطاء كما في السابق، يُرمى في قارعة الطرق، إذ لا تأمين ولا ضمان له، حيث يصبح في وضع خانق لا يمكنه فيها أن يحترس قمع السلطة لقوله الحقيقة،"حيث أن الشعب هو المسؤول عن فساد مرؤوسيه، وصمت الجماهير قادها لتكون كالقطيع الذي يذعن لرعاته، حيث تلك السلطة هي التي تلتف حولها مظاهر محاباة الأقارب، والمحسوبيات، الأمر الذي يجعل من باقي الفئات تعاني الحرمان ، إثر تفشي الرشوة والابتزاز، وتحول المدن لمحميات مافيوية يديرها متنفذون يمارسون سطوة النفوذ والاحتيال، ولاشك أنهم على الجانب الآخر منشغلون بنشاطات إجرامية أخرى كالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة ،ضياع الحقوق والجهود في تلك المؤسسات الخامدة من أي حراك ونهضة وإنعاش، والاغتراب هو السائد وهو المناخ العام الذي يسود في سحنات الناس، وتعبها، وما تحمل تلك القسمات من نقمة وتذمر على حال سلبية تتفاقم يوماً بعد يوم لتصل لدرجة الغليان العام..، فما يحدث من وبال على المجتمع، يحدث لعدم وجود يقظة مسؤولة تفعل فعلها، فالسلطة قامت بتلقين بعض فئاتها بحب التبعية والمحاباة، وكذلك عمدت عبر رجالات الدين إلا جعل الطاعة العمياء للمرؤوسين من طاعة الرب، وهكذا تم تحقيق مبدأ التبعية الخالصة بين الجماهير وسلطاتها، لهذا فالمجتمع يتحمل أوزار الظلم الواقع عليه ، لعجزها عن تفهم عللها، حيث تصوير الذل القائم يعتبر بحد ذاته مدخلاً لرؤية نقدية قصصية لا تكاد تتوقف فغاية الكتابة الحقة، هي تحريضها للعقل على التمرد والقفز للأمام،فانغماس الذات في نواقصها، لاسيما وإن كانت غارقة في أتون السياسة وأعرافها، أمر يعم الذهن في أقصى ساعاته، لاسيما وإن كانت هذه الذات تعي الحياة الطبيعية دون التواءات وانحرافات فردية عن قيم الحياة الخامة، فهي الأكثر تعرضاً لحقيقة الألم الواقع ، فالحوادث على الدوام تؤثر في موازين العمل، وتشي عن حقيقة الصراع التي تتناقلها الأجيال عبر أطوارها المختلفة ، حيث يحدثنا الكاتب هنا عن الصراع بين أعضاء الحزب حول استثمار المبادئ شكلياً دون هوادة ، حيث تتجلى تلك الأبعاد المتناهية التعقيد في خضم هذا الجدل الذي يعم روح الشخصية الناعتة نفسها بالغباء حيث أن الصراع بين الفئات وفق مفهوم الأكثرية والأقلية لا يكاد يهدأ ، بل هو في تصاعد ليكشف لنا بطريقة ما عن حقيقة الصراعات السلطوية التي تستنزف حقيقة المبادئ التي يتحلق حولها الأفراد بغية تحقيقها ، ليتجسد لنا الصراع بوجهه الحقيقي ، في أي الفئات ينتفع أكثر على حساب الباقين وعلى نحو متشابك ،الأعضاء ممن يعيشون خضم الصراع المعيشي هم الأكثر معاناة تحت الضغط النفسي الفردي في ظل الجماعة، في الحديث عن مختلف الجوانب المتعلقة بهذا التنازع العبثي بين طبقة تعاني التخمة وأخرى تعاني الجوع، وفي خضم هذه الطبيعة المعقدة ، تتداخل كافة الجوانب ببعضها ، لتؤلف سيلاً لا منقطعاً من التوتر والاحتقان المتشابك والذي له بلا شك تأثيرات متعددة تنم عن كثافة في الكدح والعنف وما يتخلله من قلة حيلة وضبابية في الأفق ، إذ تتشرذم الأصوات وتعلو وينعكس صداها على ذاتها دون معنى ، ويبقى الحل عالقاً في الجو، حيث تعرِّف دائرة المعارف الأمريكيةالصراع بأنه: "حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته"،لكنه هنا بالمعنى الحزبوي بات يعكس ذروة الاحتقان والتنازع حيث أن الصراع بين طرفي القضية المتخم والجائع ، له دلالة طبقية بعيدة ، فانعدام التوافق والتوازن في حياة الفئات وانقسامها على احتكار القوت هو ما أفضى لحقيقة هذا التنازع الخطير ، فالحديث حول الكفاح يمثل المطلب الأكثر معيارية في حياة التنظيمات بيد أن التنافس على الألقاب والأوسمة أيضاُ بادٍ ،حيث يأخذ الصراع أبعاداً متعددة تعكس عدة رغبات يدور بعضها في فلك الكفاح الجماهيري، وأخرى غايتها كسب المواقف ولفت الأنظار حول ردات الفعل ومعطياتها في المعنى السياسي العام ، فالأفراد والجماعات ماضية في تدشين هذا الصراع سلوكاً ومبدأ، والجبهات متعددة منها ما هو بمواجهة الخارج، ومنها ما يتم داخل الحزب الشمولي ذاته بمعزل عن التحديات الخارجية، ولعل الوجهان المختلفان للصراع الداخلي والخارجي متشابكين ومتداخلين بأشكال معقدة ومتباينة، وبجميع الأحوال فالصراع يتركز في النهاية بين طرفين يشتركان في القوة ذاتها والعنفوان ذاته في إتمام هذا التنازع القائم ، عاكساً بمجمله صراع الطبقات سياسياً أو قبلياً أودينياً ، واللا توافقية هي التي تطفو على السطح في كل ميدان ففي قاموس الكتاب العالمي، فإنه يعرف الصراع بأنه "معركة أو قتال Fight، أو بأنه نضال أو كفاح Struggle، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً".
لكن الطرف الأكثر انغماساً بالعفوية الفطرية التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الممتد تحت ذرائع شتى
حيث التصالح م الذات، للحيلولة دون أن تتفسخ وتتلوث في زيف ما يحكى ويقال ويحاك من مواثيق ومفاهيم خارجة عن المعنى الطبيعي من بحث الإنسان للقيمة وتحسسها بكليته، دون إملاءات أو ضغوط، هنا يجسد النظرات الدافئة التي يتبادلها عبد المعطى ورشا بعيداً عن حلبة التراشق السلطوي والإيديولوجي، حيث الصفاء المتناهي، المعتمل النفس والذهن، المانح لتلك الحيوية الجلية، في البسمة والنظرة وهالة الحب المسورة للأعماق ، وما تفكر وتلهب الداخل بأمطار الحنين والتوق للخلاص، ففي ذروة ذلك الصراع للحب كلام آخر بمعزل عن التنازع القديم الجديد، لهذا لا يمكن عزل العواطف الذاتية عن حياة مليئة بالتحديات والعوائق، فهو يقف إلى جانب الإنسان المتحرر من تلك الفوضى الخالصة المحيطة جوانب الحياة المتعددة، فالانزياح نحو الحب والوجدانيات عموماً هو بمثابة البحث عن السكينة المفقودة في زمن يتداول النزاعات دون معنى، لعل في ذلك اجترار تلقائي للصراع دون وازع، الأمر الذي يشكل للإنسان رغبة مستدامة للخروج عن هذا الصراع، والبحث عن معنى آخر خارج هذه الدائرة المعقدة، فالتشبث بالحب هو الملاذ الأخير الذي يمكن للمرء أن يوظفه ليتفادى شبح الإحساس بالمرارة وانعدام الأمل، لهذا فالاتكاء على السند المعنوي حيث تختفي تلك الهالة الموجعة في مشهد مواكبة الصخب ، في حديثنا عن عوالم النفس التأملية، واستخدامها كوسيلة لصون النفس من مشاهد الكآبة الناتجة عن التنازع الذي لا روح له ولا أثر،فالنزوع نحو الخلاص الذاتي، أمر لابد منه إن ضاقت السبل في مواجهة الزيف وروّداه، ففي ظل عسف وتجبر السلطات القامعة لا خيار للمجتمع إلا بقبول أحد شيئين وهما الرضوخ أو الانتفاضة، إذاً فالكتابة الدرامية هنا لا تخلو من هواجس تنتاب الأعماق ، تحرض على التأمل بحيثيات المشهد وما يبعث من إحساس بمشقة الواقع وضيق أفق الحل ، وكذلك الترنح في طيات المشاعر الوجدانية، لتكون بمثابة الشرارة الكامنة في رحلة الإنسان باتجاه الخلاص ، فما يواجهه من بطش محاكم التفتيش وسطوتها، هو ما يزيده من المواجهة ويرفع في داخله آليات المواجهة ، حيث أن قوى التغيير ما تلبث أن تواجه، رغم كل الخيبات ، الألم والمرارة إلى جانب العزم والإصرار على التحدي لرؤية عالم أفضل جمالياً وأخلاقياً ، فروح الألم ، تبثه الشخصية ، تتناول الأسى ببالغ من الكمد والمشقة، في عالم مشرع بالجفاء والموت ، حيث تبعث الكتابة الوجدانية بمواكبة الفكر اليقظ دوراً في تنمية الروح ، وتحفيزها أكثر على التشبث بقيمها ومضامينها ، لممارسة هذا الزخم في عملية المواجهة ، حيث عمد الكاتب إلى إبداء الشفافية الفنية المغمسة بتأثيرات الواقع لإضفاء مساحة لتناقل هذا الوجع وتأمل مدلولاته الحيوية والغائصة في العمق بعوالم المجتمع المكبل بسلاسل الفساد السلطوي، في عجزه عن مواكبة نداءات الإصلاح والتغيير ونشدان الرفاهية، فالكتابة في تمجيد معنى مواجهة المعاناة وضغط السلطة القامعة على الأفراد ، هو الشأن الأكثر قيمة على عكس كتّاب السلطة ممن يلهثون لتمجيد الزعامات، والثناء عليها،وذلك هو المغزى من العمل الإنساني ، وهو النزوع للمحافظة على السلوكيات المحمودة ، إزاء العسف والجور الحاصل في مختلف المناخات الحياتية، إشارة أن منظومة الاستبداد تحاول إفراغ مجتمعاتها من ثوابتها ، مما يسهم في إنتاج نوع خطير من الفوضى واختلال النظم الأخلاقية ، مما يجعل التفتت وشيكاً في ميادين الحياة كافة..، ثنائية الفساد والاستبداد، اللذين تمارسهما السلطة عبر تأسيسها لمنظومتها القائمة على تفتيت المجتمع أخلاقياً، الأمر الذي يسهم في إركاعها وصهرها بمفاهيم نفعية استهلاكية تنمي فيها روح القطيعة عن القيم الطبيعية، لتصبح الأخلاق في خطر، حيث تسعى هذه المنظومة باستمرار لتجديد أساليب قمعها وإقصائها، تلبس أحياناً لبوساً قومياً، بمسعى مزعوم أنها تحمي القومية وتمجدها في شخصها، وأحياناً تتجلى بلبوس طائفي بمزعم حماية الطائفة من خطر الفئات الأخرى ، إلا أنها تحافظ على بقاءها تحت شتى المسميات والمزاعم، وأجهزة الإعلام بالنسبة لها، آليات رقابية، وحتى من هم في زنازنها هم مخيرون بين أن يتعانوا مع السلطة أو يبقوا في معتقلات الرأي، بلا صوت أو صدى، حيث أسهمت هذه المنظومة بصنع المأجورين ممن لا رأي لهم إلا وفق ما تشير السلطة لهم بالقول أو الصمت، وهذا الوضع يكاد يضيق بتلك المنظومة ومستقبل دوامها في الحكم، بسبب توالي الأزمات الاقتصادية عليها، وكذلك احتقان الجماهير، ممن تشكل وقوداً للإنفجار، إثر التفاوت الكبير الحاصل في الدخل المعيشي للناس، ووجود تلك الفئة الفاسدة المتحكمة بالموارد الاقتصادية والمال العام، حيث دخلت في تحالفها مع السلطة، لإبقاء هذه الثروة في حوزتها، ناهيك من أن هذه السلطة تنسق أمنياً مع سلطات أخرى تجاورها، وتناصبها أيضاً عداء المجتمع ، حيث إن تفجر الوضع في دولة، فإن الدول التي تجاورها وتناصب سلطاتها العداء إزاء الجماهير، سرعان ما تصل النيران إليها أيضاً، ننتقل لقصة أخرى، هذه المرة الحديث سيكون عن الوجدانيات، والعوائق التي تقف بين العلاقات الإنسانية في أن تستمر وتثمر، لتصبح أساساً للعائلة السعيدة، بيد أن تلك العوائق هي وليدة المجتمع الأبوي، الذي هو بلا شك وجه آخر لمنظومة السلطة السياسية القامعة،فالعوالم الوجدانية الحارة لا تنفصم عن القضية الأساسية التي ينتصر لها على الدوام، وهو تحرير الإنسان من أسر الاستبداد والتفسخ، والذهنية الأبوية الوليدة عن تقاليد وأعراف جائرة، تجد السلطات القامعة ببقاءها، وسيلة لدوام الغطرسة والجمود ، عبر تغييبها لمنطق الحرية والتمدن، لصالح العبودية والتمزق المجتمعي، فالسلطة إذ تحارب في المجتمع روح التنوير والنهضة، فهي في الآن ذاته تقمع الحب بين الرجل والمرأة، عبر التقاليد والأعراف البالية، تقضي على بناء العائلة القائمة على الحب والاختيار الطوعي، وذلك من خلال العائلة الذكورية المحاربة للحب والحريات إجمالاً، إذ تعتاش على إقصاء المرأة عن الرجل، لتبقى الذكورية بمثابة الوجه الساطع للاستبداد، وجذوره التاريخية الضاربة بعمق في المشهد السياسي الشرق أوسطي، حيث تتجذر الذكورية كنظام عبر صيانتها للتقاليد والأعراف، فهي السلطة التنفيذية العليا في داوم تمزيقها لشمل المجتمع عبر إبعادها للمرأة عن الرجل، حيث يخرج في هذا المشهد عن التقاليد الذكورية، والاستئثار النرجسي لنسج الصورة، حيث ظل هاجسه، إبراز التشاركية، ومدها بغلالات رهيفة من الصور والأحاسيس اليقظة، فإيماننا هو أن تحرر الإنسان عبر الكلمة، يتشكل فعلياً بتداولاً لمسيرة المواجهة لمنظومة تعتقل العقل، تكبله بكل عرف، سعياُ لبتر قيم الحب ومنافع الذات الروحية في ملامسته لسحر الطبيعة ووصاياها، المختزلة في السمو بالجمال لمراتب الرفاهية والصدق، والتمثل بماهية النظام، هندسته، على عكس الفوضى الناجمة عن القيم الذكورية سياسياً، ثقافياً ، اجتماعياً،فأمام عتبات الواقع المر، تتداعى صروح الحلم، لتحول دون تحققه، في إشارة إلى منطق الخلاف المتشظي في الحياة الاجتماعية، وتحكم الآخرين بخيارات الأفراد ومصائرهم، ليصبح التحرر من هذا الضغط عائقاً كبيراً، مما يصل بنا لنتيجة أن هذا المجتمع فاقد للحب ولثقافته دون دخول للتعميم ، إنما لو عدنا لوطأة الأعراف الطبقية، وحقيقة التنازع القائمة فطرياً بين البشر، لرأينا أن الشرق يعاني أكثر من معضلة محاربة الحب، ذلك أن وجوده يعني وحدة العائلة والمجتمع، ولكن محاربته، يفيدنا لحقيقة النظم القابعة على صدور المجتمع ، من خلال انعدام العاطفة الموجودة بين عموم الأفراد في خلايا العائلة إلا ما قل، وقليله متشبع بنسبية بمنطق الحياة العصرية، وقليل من مساواة جوهرية، ولطغيان النفعية في أوساط حياتنا المشبعة بضياع الحقوق، نجد أن الحب يكاد يبتعد، حيث يغترب الأفراد ذاتياً، عن المجتمع، ويصبح التخبط سائداً، هذا ما حاول الكاتب بيانه، في حقل الحديث عن عالم الوجدانيات بين الرجل والمرأة، وصعوبة تقبل الحياة الحرة، والانقياد لنداء الأعماق، وعدم القدرة على تحقيق المتانة في العائلة، نظراً لابتعادها عن ثقافة الحب ، فقراءة ما بالداخل في سياق محاكاة الماضي لفهم تداعيات الحاضر وإشكالاته لأمر في غاية الأهمية لفهم مشاهد الحياة وظواهرها وأثرها على النفس والسلوك، بطريقة فلسفية أشد غوراً، للقبض على اللحظة الهاربة، والتي يستهوي الإنسان الحالم العودة إليها ولو عبر تخاطر ذاتي، وأمام هذا المسعى ، محاولة للعبور بالأشياء التي يعيشها المرء بكل حنين ساعة العزلة، في نشدان دائم للنظام والعدل والسعادة، في عالم لا ينفك عن التنازع والذئبية، وكأنه لزام على المبدع هو أن يلوذ أبداً لعوالم الفن وتحسس الزهر في الطبيعة الخلابة، كبديل عن التغني بالشقاء والحزن، حيث أن مشكلة الوجود عصية الحل، غامضة الكنه، والطفولة تعد بلسم مضاد للاغتراب، بدليل النزوع الدائم لما مضى والتدبر فيه، وأيضاً التشبث بمضامين الإنسانية الحقة عبر التشاركية التي تعتمد على تبني الجمال والحق والخير كقيم لا بد من جلاءها والانتصار لها، إزاء كون بلا روح متمثل بالجهالة والأنانية والنفعية المفضية لمزيد من تصدعات وحروب، ولاشك أن نتائجها تستدلنا لشقاء المحب ، وعزلته، واغترابه الذي يكشف عن سجالات شاقة، فوراء الوصف المثالي للأبعاد الجمالية للحب والوجود ، تكمن المرأة ، حيث تشكل الجزء العصبي من هذا المجتمع، و الرجل في خضمه معني بالجانب الميكانيكي ، فالصراع السياسي، أعطى سمات معينة لطبيعة المجتمع في ظل السلوك المتبع في خلخلة نظامه الطبيعي،فالموت ينطوي على كثير من الغموض، رغم تجليه، بهيئة مؤنسنة، متكلمة، ومنذرة على فعل إنهاء الحياة، بصورة تبدو كريهة ومزعجة، ومن هذا الموت تنبثق حقيقة الولادة ، وزهوها في الحياة، حيث يقصم الموت ظهر الوقت، فالفيلسوف الفرنسي بليز باسكال7 بمعرض حديثه عن الموت يقول : “ليس هناك خير في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى , ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الامل ، وكما أنه لن تقع ضروب من سوء الحظ لأولئك الذين يمتلكون ناصية اليقين القوى في الأبدية ، فكذلك ليست هناك سعادة لأولئك الذين لا يميلون لذلك “
حيث يجد باسكال في القناعة المتشبثة بيقين ما ، أو حنين للأبدية الكامنة في حياة أخرى، بمثابة احتمال للخلاص، في إشارة إلى السعادة التي يتمناها الإنسان في بزوغ الأمل ، فماذا عنى باسكال بهذا اليقين، إنها تعني الرغبة التي لا تنطفئ، وهي بدورها تقوده للسعادة، دون الانزواء في فخ الاحتضار المؤلم، تلخص قدم علاقة المرء بالحياة القائمة على النمو والارتقاء، حيث تلك الأنفس التي لا تموت بل تعود لهيئتها الأصلية في التماهي بالوجود والموجود، حيث يرى الفيلسوف والرياضي الفرنسي -رينيه ديكارت-8 هذه الحقيقة حين تمثلها في ذاته فقال:
“أعلم جيداً … ان لك ذهناً متقداً وأنك تعرف جميع ضروب العلاج لا تهدئ حزنك , لكن لا أستطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر , لا في مساعدتي على ان احتمل صابراً موت أولئك الذين احبهم فحسب , وانما كذلك في القضاء على خوفي من موتي , وذلك على الرغم من أنني انتمي الى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقاً جماً ، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة انفسنا , تلك الأنفس التي اعتقد أنني اعرف بوضوح بالغ، انها تبقى بعد الجسم ،وإنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة، أعظم كثيراً من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم , وانني لا أستطيع التفكير في أولئك الذين ماتوا إلا باعتبارهم ينتقلون الى حياة أكثر سلاماً وعذوبة من حياتنا , و إننا سننضم اليهم يوماً ما , حامليين معنا ذكريات الماضي ذلك لأنني أتبين فينا ذاكرة عقلية من المؤكد أنها مستقلة عن الجسم “
حين يتحدث ديكارت عن حالة الخوف من الموت، حيث تبدو له الحياة أكثر مشقة برحيل من نحب، فبمقدار ما نحب الحياة، ونبتهج لها ، بمقدار ما نخشى على أنفسنا أكثر ، حين نفجع برحيل من نحب، كذلك هي الوحدة كشعور يرادف الموت، بل يحيلنا لمجالسته، وننتقل الآن للفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا في معرض حديثه للموت، توصيفه إياه، قائلاً : ” العقل البشري لا يمكن تدميره بصورة مطلقة مع الجسم , لكن شيئاً خالداً يبقى منه “ هنا يحوم الفيلسوف اسبينوزا حول هاجس الخلود مجدداً ، تحول هذا الجسد البشري لشيء محسوس آخر ، يكون تتمة للوجود ، إذ يعود لعناصره الكلية ويقول أيضاً: “إننا لم نعز الى العقل البشري أي ديمومة يمكن تحديدها زمنياً, إلا بقدر ما يعبر ذلك عن وجود فعلي للجسم ,يفسر عن طريق الديمومة ويمكن تحديدها زمنياً , أعني اننا لا نعزو اليه ديمومة إلا بقدر ما يدوم الجسم , غير أن هناك بالرغم من ذلك شيئاً ما تقتضيه ضرورة خالدة معينة عبر ماهية الاله ذاته , وهذا الشيء الذي يتعلق بماهية العقل سيكون أزلياً بالضرورة “
حيث يعبر اسبينوزا هنا عن الأزلية ، خلود العقل، فناء الجسم ، تحوله، فالعقل البشري في مضمار هذا المعنى باق، إذ تنتقل بين الأجيال، عن طريق أفكار تتشبث بقيم الحياة ، لا الموت،
1- إصرار الإنسان المعرفي على انتزاع التشاؤم الأسود المكبل لحيوية الفكر والوجدان، ساعياً لإغاثة المكتئبين، المتقوقعين في قيعان النظرة التي تنحو لتمجيد الفناء وملحقاته من تعصب وعنصرية وكراهية الآخر
2- التعريف بعبثية الشعور بالخيبة، والعمل على تحسين صور الحياة الضاغطة على المفاهيم الطبيعية والملوثة لها، بإذكاء شرارة الحس الإبداعي لعيش الحياة بصورة ممكنة ومعبرة عن مواهب الإنسان المعرفي في الوجود.
3- محاربة التخلف كونه الوجه الأكثر سوءاً للموت، والتسلح بفلسفة الحياة في أطوار المرء المتعددة لغاية الطور الأخير، المفضي للتدبر والتذوق من الخلاصة المستنبطة من فعل الحركة المديدة
4- التعريف بأن جودة التفكير وجدته هو شكل فريد من أشكال الحياة غير المرئية والعمل عليها بصورة متقدة ، عبر الآداب والفنون والأفكار الحرة..
لننتقل الآن للفيلسوف المعرفي الألماني إيمانويل كنط10، لنتعرف على توصيفه للموت في إطار محاولته العنيدة في إثبات الخلود قائلاً : " ليس الموت إلا القناع الذي يخفي نشاطاً أكثر عمقاً و أقوى مغزى وان ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي لحياتي وهذه الحياة هي الحياة الأخلاقية .. وما يسمى بالموت لايمكن أن يقطع عملي لأن عملي ينبغي أن ينجز لأنني يتعين علي ان أقوم بمهمتي فليس هناك حد لحياتي ,إنني خالد “
فخلود المنجز لدى كنط يتحدد في بيان القيم الأخلاقية ، الذي يكشف النقاب عن هذا التصالح الوثيق بين المرء العامل وأعماله، حيث ذلك النشاط المفرز للحيوية، حيث تصبح فيما بعد عملاً يحتذى، وشيئاً نفيساً يتجلى عبره الإنجاز الذي يحفل به المرء، ليكون بمثابة القوة التي يعملها لمعرفة الحياة الخالدة التي يؤمن بها وذلك عبر استمرار الحركة الرافدة لحسن المسعى، القادرة على بث الديمومة في الأعمال الحقيقية، البعيدة عن مظاهر التزلف والزيف، والرامية لتحسين الحياة، وفهمها بطرائق متعددة، التي تقف وراء ذلك القناع الذي أشار إليه كنط هنا ، وهو القناع الذي يخفي وراءه النشاط الغزير والإمكانات الكثيرة تلك التي ولسان الحال هو أنه ثمة الكثير المنتظر تحقيقه ودوام المسعى والرسالة المعرفية لا يتوقف بل يتناسل من جيل لجيل وهكذا دواليك..، فنرى هيجل11 الرائد للفلسفة المثالية يحدثنا عن تصالح الروح مع الذات قائلاً هنا: “ان الموت هو الحب ذاته , ففي الموت يتكشف الحب المطلق , إنه وحدة ما هو لإلهي مع ما هو إنساني , وان الله متوحد مع ذاته في الإنسان ,في المتناهي .. عبر الموت صالح الله العالم ويصالح ذاته للأبد مع ذاته “
إذ تتجلى كل الإرادة الكامنة في الإتيان بالحياة كإبداع وحركة لحظة اقترابها من شبح الفناء، ولعل المطلقية في الموت، ناجم عن مسعى المرء لتحييدها قليلاً ولرؤية ذلك العشق الكبير في استنطاق الوجود في لحظات ما قبل النهاية ، حيث أن علاقة الإنسان بالحياة هي أيضاً طريقة لمعرفة نقيضها،
والتساؤلات لا تكاد تبرح الذهن، بحضور الموت أم بغيابه، وهذا يبرز لنا الحب المطلق الذي رآه متجلياً في الموت لدى هيغل، لكنه لدى شوبنهاور13 دليل على ذلك العبث العقيم الذي لا ينفك عن الحياة وحقيقة الموت فيقول هنا: ان المعاناة هي بجلاء المصير الحقيقي للانسان كما يقول انه يتعين النظر الى الموت باعتباره الهدف الحقيقي للحياة لأنه في لحظة الموت فإن كل ما تقرر حول مسار الحياة بأسرها ليس الى إعداداً ومقدمة فحسب و الكفاح الي تجلى في الحياة على نحو عابث وعقيم ومتناقض مع ذاته تعد العودة من رحابه خلاصاً .
فثمة ذلك التقابل ما بين القولين من حيث المعنى، ما توصل إليه شوبنهاور عن حقيقة تجلي الحياة على نحو عبثي عقيم ومتناقض، يفضي لنتيجة أن في الموت الخلاص من تلك الأهوال المتجسدة في التخلف المقيت والفقر والمرض والاستبداد الفاتك بالناس ، فمهما تجسدت بواعث التشاؤم، اتسعت بوابة الإرادة في الولوج للحياة، على الرغم من حقيقتها المفضية للفناء ، ولهذا فالإنسان معني بدورة الحياة، وانبثاق الحياة من رحم الموت، حيث لا العقل يستطيع الإجابة ولا الوجدان يستطيع أن يصوغ علماً بمفرده، ذلك أن القصور هو وجه المنجز الإنساني بعمومه لهذا يقول نيتشه هنا: “ما من وقت ينقضي بين لحظة وعيك الأخيرة و أول شعاع لفجر حياتك الجديدة , ومثلما لمعه البرق سينزاح المكان , وذلك على الرغم من أن المخلوقات الحية تظن أنه انقضى مليارات السنين ولا تستطيع حتى أن تعيدها ,فاللازمان وإعادة الميلاد المباشر يناغمان حينما ينحي العقل جانباً”
حيث الغوص في متاهات فلسفية، فقناعة المرء في ظل مجتمع يعيش قناعاته المتداخلة مع الأعراف والتقاليد الدينية، هي التي يُسلط عليها الضوء، وبطريقة تحاكي هذه الطبيعة ولا تراءيها، فأمامنا هيئة من ينتظر الفناء، كونه بلغ أرذل العمر، ولكن المغزى الكامن في هذه المناجاة التي تتوسط الحلم واليقظة، هو ما تستدعي التأمل، والمقاربة، والترابط الرؤيوي ما بين النص بدلالاته وتقابلاته مع ما قيل وحُلِّل، وما يجدر الحديث هنا في معرض تطرقنا للاغتراب، الموت، الفساد، الاستبداد، خنق الحريات واستعباد الأفراد، ذلك الاستعباد المحاصر مفاصل الحياة الاجتماعية الغائصة في مستنقع الكبت إلى إشعار الانفجار، فالمأساة الحقيقية الملازمة للكلمة، هي في القمع الدائم لكرامة الإنسان وحريته، حيث تبدو الأجهزة الأمنية، مدعاة كبح ورعب للإنسان، بدل من أن يكون وجودها مدعاة أمان واطمئنان، ولعل الصورة المؤلمة التي برع الكاتب في وصفها، لهي دليل أكبر على حجم الهوة والشرخ الحاصل ما بين الحكومة والجماهير، في أن القمع هو الوجه المفصح والأكثر جلاء هنا، والذي حمل معه الوجع الكبير ، إزاء عزم السلطة القامعة على إذكاء شرارة الاحتقان وتربية الخوف لدى المجتمع، حيث الأجهزة الرقابية التي توظف لقمع الحياة، والحريات على حد سواء، الأمر الذي أفضى لمشاعر السوداوية والتشاؤم والحنق الشديد إزاء واقع لم يتغير، إنه قدر الجماهير الرازحة تحت سلطان الخوف والرعب والفوضى القمعية..، حيث أن قدرة الإنسان المعرفي الإبداعية تفوق ما لدى السياسي السلطوي من ذرائع لترغيب الناس بضرورات المعركة، حيث أن الرغبة في السلم تعني بكافة الأحوال الركون لمنطقها القائم على البناء والإعمار والوقوف عند حاجات الإنسان الأولية، وبالرغم من ألا حدود لعطاء وإمكانات الإنسان ،إن تم الوقوف عندها ورعايتها، بيد أن قدر المجتمعات المحاطة بأسوار متينة من الفكر الغيبي الديني من جهة، وتكبيل المنظومة الاستبدادية الشمولية لها من جهة أخرى، جعل العقل الشرق أوسطي في خمود وتقلص، جعل ذلك العقل يعيش في أسر الماضي، مما يختزل من حروب طائفية، قوموية، ترسخ ماهية الاحتقان السلطوي وحقيقة التنازع واحتكار المنفعة إلى مالانهاية، تحتج على كل ما له علاقة بأبعاد الصراع السلطوي العميقة في الشرق الأوسط وعلى مختلف الصعد الاجتماعية، السياسية، التاريخية، إلى جانب ضغط الرأسمال المحتكر، وخلقه للأنظمة القمعية من جهة، وتذرعه بتحرير الشعوب من ربقتها من جهة أخرى، لتخفي غاياتها الجوهرية التي تحارب لأجلها، وهي السعي لموارد اقتصادية احتياطية على حساب الشعوب وطموحاتها في أنظمة تحرص على رفاهيتها وتصون كرامتها في العيش المتكافئ..،حيث يقابل الفساد، حالة الاحتقان، كلاهما يكتملان في مشهد الحرب، وما ينجم عنه من تفكك للمجتمع، والقلق الدائم الذي يتصاعد شيئاً فشيئاً، ليطغى بتمامه، وليصبح المؤشر الفعلي لذلك التهدم
حيث نلحظ الإشارات التي تفصح عن مكامن الذوات واختلافاتها استناداً إلى نظرية الأجيال حيث عرّف الفيلسوف كارل مانهايم2 الجيل "لاحظ أن البعض اقترح أن مصطلح الجماعة أكثر صحة، لتمييز الأجيال الاجتماعية عن أجيال القرابة (الأسرة، المرتبطة بالدم) كمجموعة من الأفراد ذوي الأعمار المتشابهة شهد أعضاؤها حدثًا تاريخيًا جديرًا بالملاحظة في غضون فترة زمنية معينة"،هذا التباين بين الأمزجة والأفكار على نحو تصادمي، بغية إجراء سفر دقيق وشامل لمكنونات الرؤى ما بين الأبن وأبيه، على نحو مقلق، يجسد لنا الشرخ الحاصل بين عوالم لا تكاد تتلاقى، في أجيال عقدت العزم على أن تكشف النقاب عن هواجس زمنها، رغم تزاحم السطوة الأبوية، وتعسفها، كل جدة مستهجنة، وتكاد توقع بالمعايير الأخلاقية التي نشأ عليها، انعكاساً لصراع كامن في العقلية القائمة على رفض الجديد والمحافظة على الوضع القائم، حال القوى التقليدية في الاستماتة للبقاء في ظل صعود قوى جديدة تستميت هي الأخرى في إبراز كينونتها المنتهكة في الميدان السياسي، فحسب مانهايم فإنه يرى أن تصاعد الوعي الاجتماعي المدشن لنهضة النخبة الشابة المرتبطة إجمالاً بالحدث يشكل استجابة للنضوج القائم في حقبة معينة ومكان معين، يكمن في إبراز تلك القوى المعنوية التي تتصاعد لتشكل الحدث الأكثر إثارة، وهي بالضرورة تعد المصدر الهام لصناعة الوعي المشترك القائم على التغيير الاجتماعي، يشير إلى ذلك الخوف الذي يعتري ذهنية الجيل المحافظ المستهجن للتغيير بأشكاله، هو في ذاته إشارة مبطنة لأنظمة الشرق الأوسط الأبوية البطرياركية، تلك التي تتخوف من التغيير والنهضة، وتحاربه بكل قوة، إنها حقيقة الصراع الأليم بين القوى القائمة والناهضة،فللنزق دلالة على انسداد مجاري الحوار بين الطرفين ما نجم عنه في النهاية ضياع البوصلة،و ترسخ الاغتراب الفردي، وشيوع انعدام الثقة، كل ذلك أثر على عملية التغيير والنهوض، حيث ثمة عوائق تحول دون التحديث، والمحافظة على المهترأ وغير صالح للحياة ، فالنوم في عباءة الماضي هو إفلاس راهن، وعجز عن مواكبة مستجداته، فبقاء التشرذم والاحتكام لمنطق القوة والتعنت يُذهب بالنتيجة تلك الطاقات المستفيدة من حصانة القديم، ، حيث أن الاحتجاج وبروز الحل بكم هائل من الحدة كان النتيجة عن ذلك الاستهزأ والاقصاء والتعنت، ولعل عدم الاستجابة له مكن روح الفوضى وإشاعة الشرور بين الناس،فالتغير الاجتماعي أمر محتم لابد وأن ينشب لو بعد كمِّ من الفوضى والصراع المأساوي بخلاف ما أشار إليه مانهايم من أن التغير الاجتماعي قد يحدث تدريجيًا، دون الحاجة لأحداث تاريخية بارزة،حيث أعطت السلطات القمعية مسوغات لقمع شعوبها المنتفضة،دون النزول لمطالبها، جعل من الإدارات الشمولية في حالة من الفوضى الذي جعلها في تفتت مستمر إيذاناً بزوالها مع الوقت، حيث أن التفسخ والشللية القائمة في مؤسساتها، سرعان ما تغدو نهباً لأطماع القوى الكبرى وجشعها، فتفاصيل المحن التي عمت المجتمعات، جعلتها أشبه بالقطيع المحتقن، والذي يتفجر على نمط غريب يقود بالنهاية لدمار كل شيء، فالشرخ الكبير بين المسؤولين والجماهير، يؤدي لتشكل هذه النظرة في رؤية المحكومين أنهم عبارة عن قطيع يطيع ويلحق برعاته، أما أن تتلبسهم روح التمرد والشكوى، فهذا ما لا يتوقعه ويتخيله المرؤوسون، إذ لا يمكن مفاوضة قطيع حيواني ، فالشعب بنظرهم ليسوا سوى ذلك القطيع المأمور، واستغرابهم تصرفات ذلك القطيع، هو بمثابة الحدث الأكثر جللاً، والذي قادهم إلى التفكير بإبادة القطيع، فقد خرج عن طبيعته المفترض أن تبقى عليها للأبد، هذا بوجهة نظر المتنفذين السلطويين، فهم يصفون كل انتفاضة بالجنون والخروج عن الجادة، وهكذا يستعر الصراع فيما بين المختار وجماعته من جهة والقطيع من جهة أخرى، ليؤدي ذلك إلى التشتت والتبعثر كنتيجة من نتائج المماطلة والقمع الجائر، فالمنظومة التي تعج بممارسات الاستبداد والشمولية في هيكليتها ومؤسساتها، تنشأ فيما بين أفراد تعاقد على الرهبة والوجل، وانعدام الثقة، ولاسيما ذلك الاستبداد المحاط بأفراد يجمع فيما بينها علاقات القرابة القائمة على حماية النفوذ، ويصبح هدفها الكلي حماية السلطة ضد خطر تمرد المجتمع المحتمل،ولا يلجأ السلطوي إلى محاولات الإصلاح، لاعتقاده أن ذلك اعتراف مبطن بخوفه من الشعب، وأن تنازله لشيء معناه أن سيتنازل في أشياء أهم هي من صميم حاجيات الشعب وخصوصاً نخبه الشابة المستنيرة، فالسلطة تستعين أيضاً بالقداسة الدينية، إذ تبحث أبداً عن مبررات دينية من النصوص المقدسة تبيح لها بطشها وقمعها، حيث ثمة تلك العلاقة التوأمية ما بين السلطويين ورجال الدين، هم يحتاجون للنصوص المقدسة أبداً لتبرير سلوكياتهم، فقد عززت تلك النصوص سلطة الطاغية، مكنته على البقاء أكثر، جعلت منه وصياً على الدين والشريعة والحياة والمجتمع بأسره، ولاشك أن ازدياد الجماعات التبشيرية وكثرة التنظيمات الدينية تمثل الحاجة المتسارعة للسلطات لبقاء تجديد صلاحياتها، كونها خير معين لضبط سلوك الشعوب، ودوام مكوثها، حيث نجحت في استخدام العقائد الروحية في شن هجماتها على كل النقاط التي تحتاج تقسيمها وتثبيت أقدامها فيها، مهيمنة على المجتمع عبر نافذة الإعلام المرئي والمسموع، للحد من التفوق الذي لابد وأن يتلبس النخبة الشابة، لتكون الرادع لمخططاتها التخديرية في إيهام الجماهير وإخضاعها بوسائل تتصل بمفهوم القوة الناعمة، فللنفس في مشهد الموت رؤى تتجه لمحاكاة الماضي واستجداءه، فلا شيء أصعب على المرء من البقاء مرتعد الأوصال والملامح إزاء مشاهد قاتمة، شؤون السلطة في محاكاتها لطرق ووسائل المحافظة على مراكزها وذلك بالحرب مستخدمة قوت الشعب في ذلك،فالدعوة للحرب هو شأن السلطويين في الذود عن قواعدهم ، فما حاجة الشعب للحرب؟!، وما هي مبرراته وغاياته بالنسبة لمنافع الشعب حسبما قاله الرئيس، متذرعاً بأن قوت الشعب قد تمت سرقته، وأنه قد نُصِّب لاسترجاع المسروق، فما يحدثه الاستبداد والفساد من فوضى لا رجعة عنها، وتفكك مجتمعي، ينشب أظافره أولاً بالشعب مروراً بتنظيماته المحلية، وانتهاء بمؤسسات السلطة وأبرز أفرادها، حيث يعد الفيلسوف توماس هوبز5 أول من أشار إلى هذه الفوضى ، في حين ذهب أرسطو 6للقول: " ان الانسان بطبعه حيوان سياسي يحب الحياة في جماعة سياسية منظمة فهو مدني بالطبع" ، ولكن الحرب هنا بين الجماهير والسلطات القمعية حرب وجود، لا تكاد تسفر عن نتيجة معينة ، لاسيما حينما تمر الانتفاضة الجماهيرية لتتصادم مع قوى تتداخل فيما بين السلطةوالانتفاضة لتنقل ساحة الفوضى هذه إلى نطاق أوسع وأشمل يشمل التقاسمات الاقليمية كما في الأزمة السورية كأنموذج لذلك، حيث يأخذ حرب النفط وتقاسم الموارد طابعاً دموياً ، إرهاص المشهد الثوري بتداخل المصالح الاقليمية وتحويرها للمسعى الجماهيري نحو حالة أكثر سوداوية ومأساوية ، والهدف هو تفكيك المجتمع وتدمير بناه إضافة لمؤسساته، في حين بين الفارابي7 من أن " الانسان اجتماعي بطبعه وهو لا يبلغ كماله الا عند وجوده في مجتمع "، فتدمير الفرد وتكبيله بالدمار والخراب والعجز لهو تمهيد لإدخاله في حالة من فوضى غير منتهية ، وهو بالتالي محاولة للقضاء على التعاقد الفطري الطبيعي بين الجماعات، ولاشك أن ابتزاز الجماهير بقوتها هو دليل على تدمير مقومات نهوضها وتهديد لمعاييرها الاجتماعية ، حينما أكد هوبز بأن التربية تشكل عموداً أساسياً لبناء المجتمع السياسي المعافى،تلك الحرب لا تغدو في ظل الفوضى سوى استجابة لغايات الأطراف المتحاربة والتي تدعمها الدول المستفيدة من هذا التفكك، والانقسام المجتمعي إلى جانب نزوح أفراده، الأمر الذي يسهم في حرب الأفراد ضد بعضهم البعض لإبراز معالم حرب الكل ضد الكل، فلا شيء يقف في ردهة إحساس السارد سوى الموت المتعدد بأسماء ونعوت مختلفة، موت من مرتزق، أو من قناص، أو من ثائر مزعوم، وهكذا تتعدد الأشكال لهذا الموت الواحد، يجعلنا نركن للتاريخ ملياً ونفحصه، لنجده المساحة المكتظة بأمجاد الحكام الشخصيين ومحاولتهم للإبقاء على سطوتهم ولو على حساب دماء الأبرياء، هذا التوحش الذي يستشرس ويحول دون نمو الزهور والأشجار، كأن الإنسان لم يعرف البناء والفن، ولم يقم بصنع ما يسمى بالحضارة، لتكون سمواً بالنفس، لا إذلالاً لها، فثقافة الحرب وأدبها إن صحت تلك التسمية ، هو تجسيد للويلات على نحو واقعي ومؤلم جداً، وكذلك محاولة استثارة روح الإنسان، لدى الذي تحول بينهم وبين الإنسانية هواجس التصارع والغلبة، حيث تغدو الحدائق وهماً أمام ألسنة اللهب المستعرة والقصف الذي يهبط يميناً وشمالاً، فالألم هنا ليس رديف اللذة، في تتبع جمال المكان،لكن نداء الحضارة والعراقة أقوى، من غرائز التوحش التي تطبع بها السلطويون وأثرياء الحرب وتجار السلاح
• العودة لمسالك الصفاء والتمرس بثقافة الحياة كبديل عن امتهان الفناء وتدمير الموجودات البشرية والطبيعية
• التأكيد على عظمة الموجود باقترانه بالمعايير الأخلاقية التي تنتصر لنداء الواجب، وفي ذلك تتحقق أواصر السلام بين الموجودات على قاعدة السلم البشري
• اتخاذ تدابير قميمة في ظل احتدام الصراع الغرائزي لتقاسم الموارد والنفوذ، وإبراز أدب ينتصر للسلام كحقيقة للتعايش السلمي بين الشعوب التي تجمعها الجغرافيا الحالية، دون إقصاء وتعسف بين بعضها البعض، بل بعقد اجتماعي يزيل مظاهر الاضطهاد والعنصرية فيما بينها
• التأكيد على الجانب الخير للإنسان، أمام تحديات المشهد المرعب، والدعوة لكبح جماح العنف والسعي لحياة بديلة عن الدمار والتعسف، لتحسين التجربة الإنسانية وتعميمها في الحياة المعيشة..
ونشوب تلك النزاعات لدرجة لا يمكن ضبطها أو وقفها بمثابة إفلاس حضاري تتقاسم أعباءه تلك الأطراف التي لا تستجيب للثوابت الإنسانية في حق الحياة، وإنما تذهب إلى البعيد إلى حيث الجشع وزيادة الأزمات وتفعيلها على حساب شعوب تعاني مرارة الواقع المزري بين فكي السلطة المستبدة، والفوضى العارمة، حيث يتناول عفونة المفاهيم والاحتجاج الفكري عليها، وكذلك لفضح ما خلفته عزلة المجتمعات عن قيم المواطنة الحرة وقبول الآخر، عبر الثورة عليها، بغية تقويضها، لتدشين بوادر الانتفاضة الذهنية، المتمثلة ببث آليات التسامح بين الشعوب والمجتمعات للخروج من عجزها وقوالب تغيييها، حيث نرى رفضاً لآليات الحكم المتمثلة في تمجيد التماثيل المتألهة ، فهنا يتجسد مذهب الاستحقار ما بين الرئيس وأعوانه، والتبعية لدرجة تقبل كل نعت وضيع، حيث أن الطقوس العوائدية الخاصة بحالة الاستحقار تمارس عن رضا وطيب خاطر بين من هو في أعلى الرتب ومن هم دونها بقليل، وفق حالة من انعدام الثقة، والقلق الدائم، من سعة النفوذ، أو الانقلاب المفاجئ، ولاسيما أن هالة التقديس التي تحيط بالقائد الرمز، منبثقة عن الرياء التام، والخوف على المنصب من زواله،
وليس العمل الأدبي برمته في هذا السياق مجرد استذكار للأقاويل والتعابير المتشابهة، إنما هو سبر للغة التي ضاعفت الإحساس بكل ذلك، إذ جعلت النقد حراً في مقارباته، واسترسالاته، وبذلك فإن الأدب الواقعي يبرز أكثر حدة حينما يعبر عن نقد الجماهير للسلطة، وللظواهر المضطربة،وكذلك لاستنهاض الثمرات الطبيعية لكفاح المعرفيين الشاق في مواجهة كافة الاضطرابات التي تعم البشر في ظل الحروب، وكذلك فإن الخوض في إشكالية الثقافة والدين، والأعراف، لهو محاولة للتمييز بين الطيب منها والسيء، في محاولة للتفريق بين ما ينعش الحياة الاجتماعية وما يجعلها في اضطراب، حيث لم يعزل الفن عن القيمة المتشبثة بالدفاع عن قيم الحياة والجمال والخير، وبالإشارة إلى عيوب السلطة الشمولية، وطرف إفسادها لكافة مؤسسات الدولة، ناهيك عن تغلغلها العنيف داخل المجتمع من خلال أنموذج الدولة القومية التي من خلال تغطي على مآربها في البقاء في السلطة وتدمير قيم المساواة بين الشعوب، للحيلولة دون التحول الديمقراطي، وهكذا نجد أن المسعى وراء النقد الواقعي كان غايته، الإعداد للتغيير كفكر ممنهج، لا كانفعال صادر عن فعل البطش، تشابه الواقع وفق رؤيته في الحلم مع الواقع المعاش من ناحية الأدوات والأشياء واختلافها , وذاك انعكاس هام يعكس حالات الصراع للإنسان الساعي لتحقيق الرغبة من خلال النشاط وبث الحركة والعمل لإنجاب الحلم بتكامله مع الواقع وبتحقيق ماهية الانسجام بين عوالم الفرد الذاتية والواقعية من خلال وحدة الذات مع الجماعة ولعل القيمة المثلى لدى الإنسان هي العمل لأجل حلم وادع ومتكامل ومتألق ودائم يبعث على اليقظة بأن الحياة هو صراع فلا حركة دون استجابة إدراكية من قبل الجماعات البشرية لتنهض وتستكمل أداء واجباتها وبذلك فالهدف من اليقظة هو تحوير الواقع لجعل الحلم يأتي بعد عمل وسعي لا انفصام بين الحلم والحركة كفعل تأكيد وإثبات للمرء، من خلال مروره على مواقف نفسية متمخضة عن أوجاع سياسية , اقتصادية تتعلق بالفساد الممنهج , وهذه إشارات تعطينا الكثير من التساؤلات حول مجتمع يصل لذروة الخلل فيه ومن ثم حينما يقع فيه ذلك الضغط الهائل , أو ما يعرف بالهبة أي الثورة , فإن الفوضى تصبح مصيره , ومن ثم تصبح تلك الثورة بمثابة الولادة التي تمر بمخاضات عسيرة لتنتج ما يسمى بالحياة الجديدة التي تتحقق من خلالها سيادة القانون على الجميع دون استثناء , لأجل ترميم تلك المعايير الأخلاقية الرادعة لكل تشوه, مما يجعلنا نعود لمقولة الكاتب المسرحي وليم شكسبير1 حين قال "إن أي مركز مرموق كمقام ملك ليس إثماً بحد ذاته,إنما يغدو إثماً حين يقوم الشخص الذي يناط به ويحتله , بسوء استعمال السلطة من غير مبالاة بحقوق وشعور الآخرين"
الحلم والحب هما البداية , وهما مقود الصراع ضد الفساد المهني , الأخلاقي , السياسي وهكذا, وبالتالي فإن رمزية الحب هذه متعلقة إلى حد ما بنظرية القوة هنا إشارة إلى الصراع ما بين الحلم والعسف , في تناوبهما للحياة بطرائق مختلفة ومستفزة, ينفرد همام بطل الرواية بوحدته بين كل مشهد ومشهد ليجسد لنا مقولة نيتشه2 حين قال "الوحدة لا تزرع شيئاً , إنها تجعل الأشياء ناضجة "
تجنيد الذين يعملون حسب نواياهم البريئة هو الوسيلة لبقاء المتحكمين والآمرين في مراكز الصراع , والوقود بالطبع هم صادقوا النوايا , المغترون بالأوسمة والألقاب البراقة , والذين يعيشون ضمن المواجهة , ويتعسكرون في خنادق التصادم بغية تحقيق ما يبتغيه صناع الصراع بما يتناسب وتحقيق ما يبتغونه مستخدمين القيم الطبيعية كوسائل لتحقيق التنازع على الدوام
فالفن جلي في المكان والتخريب كذلك والصراع بينهما مستمر والانتصار لأحدهما على الآخر إحدى جهود الإنسان أفراداً وجماعات,
الحديث عن الفساد والرشوة وتلك القضايا المألوفة في بلاد تعيش السذاجة كفلكلور وتراث , وتقتات البساطة على مبدأ القناعة في حدودها الأدنى ,،وجود نواة تتحدث باسم التغيير والإصلاح والثورة الجذرية ولا تفعل مثقال نقير على أرض الواقع مما تهدف إليه على الورق , ، حيث يتنبأ الفرد المعلول بأمراض مجتمعية ناجمة عن انتكاسات السلطة السياسية بوقائع يتبصرها ويدرك أنها واقعة لابد , وهذه إشارة إلى استفحال تلك الأخطاء والتجاوزات التي تقود للخراب الشامل , ليست الميثولوجيا غريبة عن قدر المجتمعات البائسة المحاصرة بأغلال دينية لاهوتية تحد من انعتاقها من خفايا ما وراء الطبيعة وفي معرفة أسباب توالي الحروب والهجرات التي جعلت العالم كما هي عليه غارقاً بالأحجيات القاتمة, حيث نرى هنا العديد من الدلالات التي تتفجر في متونها رائحة التوغل لمكامن التنازع الذي يمثل العقد البشري الوحيد الذي تعاقد البشر كافة على توالد نسله, فاللغة الدالة هنا تستدلنا على الحقائق وتقف حول إشكالات السلطة والفساد وطبيعة المجتمع وطريقة تكوينه النفسية وأثر البيئة عليها وكذلك تحولاتها التاريخية التي تعطي إحداثيات مهمة عن كيفية تواجد واستيطان سلطة عميقة الترسخ في حياة المجتمع , ففي كثير من الأحيان يقفز السجان من بين عديد المسجونين ليجمع من خلال تلك الكثافة البائسة ممن يساعده على إيجاد مواطئ قدم لتفسخات لا تكاد تنتهي وتتوالد باستمرار حيث تتواشج مع بؤس التفكير الاجتماعي العام إلى جانب البؤس الطبقي, وفق مثل كردي شعبي (xizanî ji nezanî tê) ومعناه يأتي الفقر من الجهل,
الولاء للسلف , التنبوء بما يحصل , هذا يعيد في أذهاننا نظرية ألفريد ادلر3 الذي
كان من تلاميذ فرويد ولكنه اختلف معه وكون لنفسه رأياً مستقلاً وأصبحت له مدرسة في علم النفس لها أتباعها .. وتسمى سيكولوجية آدلر (( بسيكولوجية الفرد )) ولها تسمية أدق من هذه وهي (( سيكولوجية الفرد الاجتماعية )) حيث يهتم ادلر بالطريقة التي يعيشها الفرد في تكييف نفسه مع المجتمع, وتنطوي سيكولوجية ادلر تحت فلسفة أوسع .. العالم في تطور مستمر فهو يرتقي من أدنى الى أعلى ومن الضعف الى القوة ليعبر بذلك أيضاً لخلاصة مهمة وهي أن ظاهرة الارتقاء وجدت منذ أن وجد الإنسان ,وكذلك الشعور بالانتقال من قناعة الأجداد الطبيعية المتمثلة بعمل الخير إلى قناعة ترتقي لمحاربة الفساد والظلم والكذب , هو تمجيد لثالوث الخير والجمال والحق , الإنسان ينزع الى الارتقاء والانتقال من حالة الضعف الى القوة ومن حالة الخنوع الى حالة السيطرة ومن حالة الاستسلام الى حالة التسلط ومن حالة النقص الى حالة الاكتمال , من حيث أن الغريزة الإنسانية لدى الإنسان هي غريزة السيطرة إنه النمط الذي ألفته المجتمعات التي تستكمل مراحل أسرها لحين انعتاقها بالتدريج بما يسمى بعملية الارتقاء ,حيث يقول (إدلر) : ان أهم ما في الحياة العقلية هو الشعور بالنقص والعمل الدائم على التخلص منه والتعويض عنه بأسلوب معين خاص بالشخص يسمى نمط تتحدد شخصية الفرد فيه .
نعم فرحلة السبر لا تزال مستمرة،يقول الكاتب اللبناني المعرفي أمين معلوف4 في مقدمة كتابه –الهويات القاتلة- من سياق الحديث عن مسألة الانتماء للاتجاه السياسي بما فيه من وعاء يحوي المنطلقات النظرية التي تلامس طموحات تحاول أن ترقى لمصاف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية حيث يشير هنا ص8:
"عندما نحث معاصرينا على تأكيد هويتهم مثلما نفعل اليوم في أغلب الأحيان فما نقصده هو أن عليهم أن يجدوا في أعماقهم ذلك الانتماء الأساسي المزعوم, الذي غالباً ما يكون دينياً أو قومياً أو عرقياً أو أثنياً, ليرفعوه بفخر في وجوه الآخرين"
بيد أن الانتماء لم يكن ذاك الانتماء الذي حاول الساسة ذوي الأرواح الجوفاء تسخيره لأجل القفز والالتفاف على التطلعات والأحلام المشروعة التي تعزز رابطة الانتماء في الأعماق التي أكد عليها أمين معلوف , إنها إشكالية الإنتماء للايديولوجية والتملص منها واستخدامها وسيلة نزوع واستبداد وغطرسة .
حيث الربط بين آثار الرأسمالية في جعل كل شيء جميل وطبيعي إلى شيء يتم إشعال الليالي الحمراء والتفسخ الداخلي فيه , وكذلك سباق الأحزاب الفاشية والشعاراتية نحو التسلق ووصول السلطة لأجل الاستمرار في تدنيس قيم الطبيعة والروح العفوية التي تؤمن بنقاوة العيش البسيط , إنه فرار باتجاه النقي الباقي ومحاولة إنقاذه من هجمات قوى التشويه والبطش تلك التي اعتادت على إخماد جذوة الحياة الطبيعية التي اعتادت المجتمعات المسالمة عيشه والاستئناس إليه.، فالرؤية النقدية الكاشفة للأزمات , المستشرفة لنتائجها الكارثية جعل النص أشبه بإدانة ذاتية وجلد معنوي لها لتوهمها بدماثة الشعارات وبريقها, حيث وقفت عثرة بوجه نهضة الشعوب , وفاقت أساليبها الكبوات المتلاحقة, تقف اليوم أمام شبح حروب وأزمات لا تكاد تتوقف, فالمعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين هو مفهوم سياسي وأخلاقي متجسد بالشخصية التي أراد الكاتب إيصال رسائل من خلالها، حيث تشير الإزدواجية إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى،فالحركة التي يعمل بها الفيلسوف والعامل لابد وأن يتبعها عنصر محفز وداعم , ووراء كل بطولة امرأة ،هنا لابد من أن نعيد في أذهاننا ما قاله جان جاك روسو5: ” ِلنَجُدَّ في استخراج الدواء ،الذي يجب أن يشفي، من الشر في حد ذاته”
محاولة يد الجشع الإنساني القضاء على مظاهر الطبيعة ودلالاتها المفعمة بحديث الطبيعة ونقاوتها, حيث قوى التخريب تعيث الفساد لأجل دوام أنانيتها , وكذلك القضاء على مظاهر الفن والجمال الطبيعي في المدينة لصالح الانتفاع والاستغلال، حيث يتوجه هذا الصراع الخبيث ضد مظاهر الطبيعة التي يجب صونها
حيث نتذكر لجان جاك روسو قولاً آخر في كتابه "إيميل" يقول فيه: ”إذا كانت الطبيعة لا تمنحني إلا التناغم والتناسب فالنوع البشري لا يمنحني إلا الخلط والفوضى”.
نعم إنه صراع مع الفوضى لأجل انتصار الطبيعة ،حيث القمع الذي يقود للانتقام ، والإفراط فيه ، كردة فعل غير محمودة قادت البلاد لنفق مظلم ، إنه يخوض في ثغرات سلوكية مجتمعية أيضاً اعتادت على الغوغاء في التعاطي مع المسائل المتعلقة بالحكم وتغييره ، وإشكالية الوعي بذلك ، بوجود تنظيمات لا تعين الجماهير بل تقف إلى جانب السلطة لا إلى جانبها مما يكشف بجلاء عن دمامة القناع الذي أخفت به دمامة الوجه أيضاً، تلك السلطة التي تكشف لنا عن فراغ الهوية والانتماء للأرض ، وتقول لنا في العلن ، أن الدولة هي السلطة، أما الأرض فمعروض للبيع والتنازل لأجل بقاء السلطة،لابد هنا في هذا المعرض أن نستدعي مقولة الفيلسوف آمانويل كنط، حين يتحدث عن الفني والواقعي فيقول : "الجمال الطبيعي شيء جميل، بينما الجمال الفني تمثيل جميل لشيء ما"
تمارس الأحزاب المرتهنة للسلطة القمعية ، في جعل التطلع الثقافي شبه مجهضاً ، عبر طرق عديدة تحاول إلهاء الفئة المستنيرة عن التفكير النقدي المحايد وجعلهم أداة رخيصة تابعة تقوم بإفراغ فكرهم وجعلها مجرد أداة لخدمة الحزب الشمولي ومنافعه المستترة مع السلطة الفاشية التي تخصي كل حراك واعٍ وواعد
فالمعرفيون على اختلاف بيئاتهم القمعية ، يقومون بنقد السلطة الشمولية ويشيرون إلى تفسخها ، فتواطؤ رجال السلطة بأذرعها الاستخباراتية مع رجالات الأحزاب التي تسمي نفسها بالحريصة على الثقافة والجمال وكدح العامل ، ما تلبث أن تكون بمثابة قيد يكبل الشريحة المستنيرة ، تلك التي تعرضت للإقصاء والتهميش عبر التاريخ ، ولاشك أن العقلية الشمولية المستبدة لعبت دوراً مهماً في تفسخ المجتمع وإفراغه من قيمه الطبيعية عبر لعب دور الحارس والحامي للقيم ، إذ بتلك القوى تبرهن فعلياً أنها كانت بمثابة المطرقة الساحقة لكل منجز فردي مبدع، وتبين أنها السم الصافي الذي ينفث لعابه في جسد الوطن بالتدرج البطيء، حيث لذلك دلالة مهمة تقودنا إلى حقيقة أن الكاتب رأى في الرواية طريقاً شفافاً واضحاً لمحاكاة المتلقي بحكمة تنم عن قلق واستشراف بعيد عما سيحدث كنتيجة لوضع متراكم وتاريخي يجسد هول الأخطاء وفداحتها وقذارة مرتكبيها على الدوام..
إنها لعبة المقدس على مسرح الحياة التي تنم على ضرب من العبث والركود، والمسعى جلي يتلخص في رفع الغبار عن الكثير من التصرفات المحبطة التي تستهلك روح الساعي للتغيير وتجعله في خضم أوجاع وعثرات جمة نتيجة تسرب عقلية الفساد بأشكالها واعتماد المقدس الديني مطية في استجرار البؤس والجهل على الدوام ، وأمام هذا الواقع الذي تغيب فيه الإرادة المعرفية إثر تحطم دفة القيادة هي التي جعلت الإحباطات تتناوب والأزمات تتواتر وتتصاعد، إذ تعاد لأذهاننا أن عملية البحث عن التغيير المنشود في خضم عالم مبني على النقص والعجز الطبيعي أشبه بالبحث عن خلود بديل عن الفناء المعلن، الحديث عن الرموز وعلاقتها بالحضارة الإنسانية وتلاقح الحضارات البعيد عن وتر التنازع الإيديولوجي القائم على التصارع والطمس ، تطرح أمامنا إشكالية الثقافة وتصارعها في خضم الخلافات الإبراهيمية حول مركزية الحكم الديني ،مسألة ارتباط الوعي الإبداعي بملكات التساؤل تجعل المتلقي أمام حالة من التلقي والانشداه، حيث الكثير من التوغل والسبر والتعمق دون الإفصاح المباشر في إشارة إلى الصراعات الإيديولوجية التي تقحم الدين تاريخياً لأجل التسيد والهيمنة ، مما تجلي أمامنا تلك الحقيقة التي تجزم أن المقدس هو بمثابة ترسيخ للعنف والتنازع ، وذاك التعصب القائم هو الذي جعل الحضارة الإنسانية في حالة ركود وجمود لصالح التخلف الفكري الذي قلص من احتمالية تحقيق المطلب الإبداعي لمسيرة المعرفيين أو حتى أعاق دور المجتمعات الشرق أوسطية في البحث عن سبل تنميتها ورفع الأزمات السياسية عنها حيث يشير الكاتب إلى هذه المعضلة ويعمل على البحث عن جذور إشكاليتها استناداً للرموز القديمة القائمة على الجدران والأبنية التاريخية والأثرية والمساجد والمعابد الغابرة، إنها عملية اكتشاف مثلى لموضوعات فلسفية ومشكلات تخص إشكالية التفكير المحصورة ضمن ربقة الشريحة الحاكمة ، والتي تفني مالديها من طاقة أو وسيلة بغية الحفاظ على الخمود والعزلة الفكرية في مجتمعاتها، فالحديث هنا عن التصارع الابراهيمي بين الأديان يقودنا لحقيقة قيام أجهزة السلطة في إحكام قبضتها على منظومة اللاشعور الجمعي لدى مجتمعاتها وقادتهم بشكل غير مباشر لحراس ووكلاء على مذهبهم الاستبدادي في حكمهم استناداً لثبات التنازع الجوهري بين الأديان والمستند أساساً على النصوص المقدسة هذا ما حاول الكاتب بيانه عبر إشارته إلى الرموز وكيفية تأويلها..،ذلك العالم المتصدع بإشكالياته الملتفة حول نفسه ، وما المحاولة إلا طريقة النزوع للتفكير الأفضل والذي يمثل النزوع الأقصى لكمال مرجو، لهذه الحقيقة تتوجه كافة الأقلام الإبداعية في مختلف حقول الآداب الإنسانية لتوغل ملياً في صناعة الحرية البعيدة عن مزاعم الإيديولوجيين ونظرائهم من المنظرين ، فالجودة التي نعني بها دوماً في عملية التفكيك الإبداعية هي سبر أبعاد الكلمة والتحقق من مراميها وكذلك إنشاء مقاربات وصلات بينها وبين ما تم قوله في مختلف الموضوعات لإحداث ترابط ما أقرب للمشهد الكلي للقيمة الجمالية والمسعى الهادف، إن الرؤية الممتدة لعالم مثقل بالاضداد تحركه الرؤى النقدية الأقرب للتحقق والإدراك لإخراج اليقين من مداراته المبهمة، فالرؤية التي نسعى إليها باستمرار هو تلخيص ما للجدلية التي ترافق سير البشر وعظم ما يتعرضون له من مآسي ونكبات وعليه فإن الثقافة تحدد في خضم تعاريفها وتقاليدها تجارب الشعوب وسعي سلطاتها للهيمنة بأشكالها، وأحد أعند الأشكال هيمنة هي تلك التي تقحم الأديان في كل بغي وتسلط ،يفصح لنا النص القائم على جدلية الاختلاف كحالة طبيعية مالم يتخللها جو من التنازع والخلاف الذي ينحو منها الندية ومن ثم الصراع ، وكذلك يبحث عن علاقة الإنسان بالرموز ودلالتها وما توحيه من خفايا تظهر الجمال الكامن وراء تناسقها ومن ثم تثبت لنا جوهر النظام الهندسي القائم وأبعاده الحية والتي يتجمهر حولها المعرفيون لصياغة التآلف الشامل بين المجتمعات في سياق تلاقحها وتعارفها بعيداً عن أغراض الذين يحاولون احتكار المعرفة والجمال عبر ضخهم لسموم التعصب ، وتلك دلالة واضحة على مكانة الحضارة في محاكاتها لكافة الأذواق والشرائح والمستويات ، وكذلك توضح لنا حقيقة أن البناء يتأسس على قاعدة المعرفة والمنفعة المتبادلة بعيداً عن مظاهر الاحتقان والتشويه ، ويركز على نقطة مهمة وهي المكان استناداً لعراقته وأصالته ، ولاسيما أن الفئات التي تعايشت مع المكان بزخرفته وهندسته هي وليدة نهضة لا تنحصر في العمران وتقاليده ، وإنما تقادمت الحضارة لتواكب الجهد المادي والمعنوي لدى الإنسان المتطلع قدماً للنهضة الحية التي بدورها تحارب الخرافة والفساد الذين اعتمدت عليهما السلطات الظلامية عبر العصور، إذاً نحن بمعرض الكتابة التي تعتنق مذهب البحث والتنقيب لمزيد من الجدل وتحقيق الإثارة على مستوى التساؤلات وبناء هذه الرواية التي تحتاج لإدراك واثق وروح متطلعة لاستخراج الدلالات التي تخص قضية الإنسان والوطن ، عبء الحب واحتمال مشاقه، حيث تفيدنا الرواية بمدى رغبة المعرفي للتطلع نحو الخير في عالم يعيث فيه المفسدون ، الذين أعملوا أدواتهم في محاربة التطلعات الحية ، ففي غمار هذا الصراع نجد الإثارة والمزيد من التصميم،هنا يتم مناقشة أفكار تتلخص حول حقيقة توافق المزعم مع الفعل ولتلك أيضاً قصة أكثر إحباطاً فهكذا يتم إبخاس القيم وإفراغها من محتواها ويصبح كدح المعرفيين في هباء لاصطدام حس المسؤولية مقابل الفئة التي تتعرى منها وتتستر على مفاسد بعضها البعض ، وهكذا استطاع الكاتب معالجة هذه القضية من موقف يهين الشعور وينم عن تعاسة وألم في صعوبة تقبل الحال المأساوية التي آلت إليها البلاد، والخلل الذي اعترى الإنسان إثر هيمنة المنظومة الاستهلاكية على حياة المجتمعات وعكس ذلك على سائر تنظيماته التي حملت على عاتقها راية الأخذ بيد المجتمعات نحو الخلاص والحرية، وهكذا تغدو المعايير الأخلاقية سهلة التلاعب، تلوكها ألسنة الخطباء الذين يتلاعبون عبر سحر البيان والدعاية النفسية بعقول تتفيأ الحلم ، وتدرك أن الصراع لأجل الأفضل مرهون بتمثل الخير والعمل به تنظيمياً ، أما أن تغدو الآلية التنظيمية هشة ، وتصبح مطية للجماعات المستغلة ، عندها يعم الإحباط الكبير ليغدو الجمهور فاقداً للثقة ، بائساً غاضباً،فالانتصار للإنسان هو الهدف الحقيقي الذي تنتصر له معظم العقائد ، لكنها أسيرة الخيال مالم يتم تداولها منهجاً وسلوكاً ولم يتم الإيمان بها كخلاص ، أما الفساد المستشرى فمرده إلى ضعف في النفس وخلل في الفكر ، واغتراب عن المعايير الأخلاقية المزمع الانتصار لها في كل معركة، لكن الواقع يكشف عن قانون الربح والخسارة الذي يكشف العديد من مواقف اليأس والخذلان والمراوحة في المكان، حيث لا نجد هنا إلا توصيفاً لاذعاً للمعضلة الحية ، فاللهث وراء الزخرف والمادة أغنى عن الكفاح ، والحالة تعتمد إغراقاً في رصد المعضلة لا توصيفاً للفرد على نحو ملحمي ، وإن كان لابد من السعي دوما للبحث عن أشخاص بيدهم خيار الخلاص ، الأفراد الذين يبحثون عن الحقيقة المعرفية وينشدونها كغاية للنضال لأجلها عاجزون أمام ضخامة الخلل ووحشة المسير في ظلام التبعية التي نخرت الداخل حتى العظم ، الرؤية الفردية للخلاص هنا تنشده بلذاعة وانفعال ثوري ، ثمة جسم متين وسميك من الفساد والترهل لا يتلاشى ولا تكفي حسن النوايا لاستجداء الخلاص ممن أطبقوا على مفاصل الحياة السياسية وجعلوا الجمال الماثل في المكان وفي بعض الشخصيات أسيراً كئيباً..إن ميلان كفة الأحاسيس والأفكار باتجاه الانتصار للإنسان ليكون الغاية في كل كفاح ينشد الحرية كمطلب هو ما أراد الكاتب تبيناه فهو يستخدم الوصف المكاني وتجسيد علاقة الإنسان بالأشياء وكذلك ارتباطه بالموجودات والرموز لما لها علاقة بالحضارة هو ما كان محط اهتمامه بالفعل، لهذا باتت الرواية الفعل الأكثر صرامة والذي يهدف لتعرية الشوائب وفسخ ارتباطها مع الإنسان، والبحث عن لغة أكثر انصافاً وإبهاجاً وأقدر على شحذ الهمم وإجلاء الغمامة عن البصائر التي رقدت في أروقة الشعارات والآمال الوهمية الزائفة ، التي ثبتت الشعور بالخطر لدى المجتمع وجعلته طريد آماله وأحلامه المتاجر بها في كل محفل، لتغدو الحقيقة التي تشعرنا بالأمل في عالم متناقض ومعقد يوشك على الانفجار إثر التصدع القائم والخراب المتعاظم
إن وعينا بالبيئة هو تجسيد رمزي في علاقتنا بأشخاصه ، ولاشك أن تجسيد قيم الحياة الاجتماعية والسعي لتحررها هو مطلب جمالي متأصل في الدفاع عن قيم الحضارة ضد قوى التشويه ، في ظل طغيان هذه المعادلة في حياة المجتمع المقهور ، إن سعي البطولات الفردية عموماً ضمن سياق مواجهة العنف والديكتاتورية عبرت عنه معظم الروايات والكتابات الواقعية ، التي عمدت إلى إذكاء جو الصراع ، وكذلك طرح حلول عن معضلات مجتمعية تلخص الحياة السائدة والتي يحدث فيها الاصطدام بين أصحاب المنافع وأصحاب الإرادات الواثقة المتطلعة قدماً للنهوض، لذا نعمد في تجسيد المعنى من هذا النص في مدلوله وقربه من رحلة الإنسان نحو الأفضل متخذاً مبدأ المواجهة والمساءلة كخيار أصح ينشد الأفراد من خلاله لمذهب النظام البعيد عن الخلل الناجم عن الأخطاء التي عمدت السلطات القامعة لارتكابها محدثة فجوة اجتماعية كبيرة بين المجتمعات نفسها على اختلاف شرائحها ومسبباً أيضاً بوناً ساشعاُ بين المجتمعات وتنظيماتها التي راحت تحذو حذو السلطات التي تناهضها في إقامة جهاز داخل تنظيماتها يقوم على تشتيت الطاقات وبعثرتها وكذلك تهميش الفرد المبدع أو المتطلع لحياة أكثر وعياً ومسؤولية..ففي ظل تعطش السلطة القامعة للحد من تدفق الحب والأصالة وكذلك الوقوف بحدة بوجه انجازات المعرفيين للحياة المثلى كل ذلك يثبت لنا جهل أدواتها وانعدام قدرتها على ضبط حالات تجاوزاتها الواقعية وإحكامها على مفاصل الحياة حيث الحب والقيم في حالة من احتضار دائمة ، وكذلك تصبح المجتمعات وتنظيماتها في حالة من انعدام ثقة وكذلك يتم غلق السبل وراء تحقيق مطلب الانعاش والتنمية ، هذا ما تتناوله الرواية في ربطها النقد الاجتماعي مع إلزام الأفراد على تتبع السعي وراء النهضة المنشودة دون تقاعس أو خمول، أمام بطش السلطة وواقع تنظيماتها التي أفرزت واقعاً سلبياً محكماً وكذلك خنقاً للحياة الاقتصادية التي جسدتها دور العشوائيات في بعض الأحياء، هنا نقل لواقع العجز والنكوص،لهذا فرهان الحل يكمن في بقاء الفن راسماً الخطا الثابتة في الصراع ضد القبح ومفاهيمه، فالتغيير يبدأ من إدراكنا له وفهمنا إياه وإيماننا به ولا شيء آخر عداه بينما الحلم فهو حافز معنوي على المواصلة بإصرار دون تخاذل أو يأس،فلابد من الإشارة أبداً أن الأدب برمته هو خطاب وسجال مع الزمن لأجل مطلب التغيير الإنساني في مسار الرؤى والأفكار وكذلك عدم التسليم بما هو تقليدي أو راسخ كتقاليد ، ولعل مشكلة الوجود والآخر تتجسد كثيراً في ملامح هذا الوصف المؤلم ، لنتأمل جان بول سارتر17 حين قال: الجحيم هو الآخر ، في إشارة لفداحة القبح الذي ينشد الهدم إزاء العائق الذي يدمن فعله سدنة الدمار والذي حال من نمو الورود والأزهار وبات علامة الوجود الذي كاد أو أوشك على الانهيار..
الحديث عن الإشكالية التي تتضمن ضآلة احتمال إيجاد حل في ظل ضياع البوصلة، التي تقود للحل ، وأيضاً توالي الخيبات المتلاحقة ، حيث باتت الوجه الآني لواقع بلد متخم بالأصالة وما تحمله من سمات، بيد أن النظام الاستبدادي فيها أفسد مافيها من بهاء ورونق ، فبمقدار ما توجد الهمم وتستشعر الخطر المحدق وتتهافت لصنع شيء نبيل يحقق للمجتمع إرادة التغيير بمقدار ما توجد الكثير من التحديات التي تحول دون تفعيل الحياة الديمقراطية ، فالانتقال بين المشاهد بتوالي وطبيعية وتدرج هو ترجيح لخيارات محدودة تتناول الخوف ، التلمق ، الفطرية وكذلك الابتعاد عن النقد والتوجيه هذا ما بين الشعب والمسؤولين القائمين على مفاصل الحياة ، مما يشير لحجم الانهيار الأخلاقي والقيمي الذي قاد النفوس للتصدع والاغتراب وكذلك الفشل الذريع ،وأزمة الفكر الشرقي المطعَّم بغلالات القوالب الشمولية الجامدة الوليدة عن عقد النقص المتمثلة بتمجيد الأشخاص على نحو ميثولوجي ، والدخول لنفق الهالة الروحانية التي يتفيأ ضمنها الفئات التي اعتادت العبادة وتمثل الغد عبر مجهر ما وراء الطبيعية (الميتافيزيقيا)،يستدعي أن نقف بهذا الصدد حول مقولة للفيلسوف كارل ماركس18 حين قال:
( الدين هو تنهيدة المضطهد ، هو قلب عالمٍ لاقلب له ،مثلما هو روح وضع " شروط " بلا روح ،إنه أفيون الشعب ) ماركس "نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية" 1844 "
فما قاله ماركس في معرض توصيفه للدين من كونه ربيب الميثولوجيا وكذلك الواحة التي يتفيأ فيها المضطهد الذي يعاين آلامه بتعويذات دينية تجعله حبيس نشوته، متجسدة تماماً في أروقة المجتمعات التي عانت ويلات الاستعمار ومن ثم الأنظمة الأبوية التي توالت وجعلت التغيير ملغياً في حياة جماهير اعتادت على التعاويذ والتهاليل ، وكذلك التصفيق والتمجيد، فيقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي19 في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد:
((المستبد يتجاوز الحد مالم يوضع له حداً، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم "الاستعداد للحرب، يمنع الحرب"))
حيث نجد ذلك التلازم ما بين المقولتين من كونها يعالجان الاستبداد ونتائجه وأسبابه وماهيته ،حيث لا شيء يلوح في الأفق سوى المزيد من الألم والتقهقر الاجتماعي الذي تجتر إخفاقات الحقبة السياسية وفسادها المستشري والمتجسد في آلام الطبقات الفقيرة المنزوية في كل ركن من أحياء المدينة والتي تترقب أيضاً التغيير المنشود ، ونشدان الحل، في حين أنها دوماً تصدم بالمجهول والفوضى التي تنشب في كل مكان إثر غياب سيادة القانون المؤسساتي وتحكم الفئات الأمية بمفاصل الحياة الاجتماعية ، وكذلك جعل القانون ألعوبة وتحايل حيث يدان البريء ويخرج المجرم بزي قضاة المحاكم، وهنا تتجلى عظمة تجسيد المأساة ، حيث تجسد إشكالات عديدة ومعضلات، وتراكمات تاريخية تسود السلطة الحاكمة ومفرزاتها من أحزاب موالية ومعارضة، جعلت جماهيرها تنساق وراء أوهام العدالة الاجتماعية،حيث نجد الخيبة في إنجاح الحب في ظل منظومة التجهيل وتكميم الأفواه ، ونلحظ أيضاً أن لا دين يسلم من قبضة المتحكمين به سياسياً وبواسطة رجال الدين المتطرفين ، وكذلك لا رسالة اجتماعية تؤدى بحرفية في ظل مجتمع خائف ، ولم يتوانى الكاتب على عرض حقيقة أن اعتباط السلطة السياسية يسهم تماماً في تحريف الذائقة العامة للجماهير بمختلف طبقاتها ويسهم في عزلتها عن حقائق الحياة الحاضرة ومتطلباته من تنوير ومعرفة واجتهاد وتبصر نقدي، إنما يثمر عن ذلك التلازم العقدي بين السلطة والمجتمع عن نشوء جيل غارق في أوحال الفهم الميتافيزيقي الخاطئ للأديان وكذلك الأمية السياسية بل المراهقة بمعناها المتجلي ، الأمر الذي يفرز حالة انعدام الثقة وكذلك المازوشية المجتمعية والتي يمكن تعريفها على السياق التالي:
المازوشية المجتمعية: هو حالة من التفكك القيمي وانعدام الثقة بالمستقبل ، والولاء التام للأبوية المتجسدة في الطاعة العمياء لأولياء النعم، وما شابهها من رجال يتجسدون سلطوياً ، بهيئة الآمر العسكري، تساعدهم طبقة من رجال القاع ، ممن هم غارقون في التبعية المفرطة للقادة المتحكمين بإنعاش الأزمات المرضية داخل المجتمعات ، مما يحول دون أن تتنور معرفياً ، ليصبح هياجها فيما بعد على السلطة الحاكمة ، ظاهرة صوتية مليئة بانتفاضة مشوهة فيها من التمذهب والاحتقان الطائفي ، والنظرة العقيمة لإسقاط منظومة الاستبداد، مما تعطي للأخيرة حافزاً للبقاء ..مثالاً (أسلمة الثورة السورية، بقاء السلطة، وإشاعة محاربة الإرهاب ، المقصد منه إنهاء هذه الهبة الفوضوية لصالح دوام الاستبداد) يبان الإشارة للسخف والتكاسل الذهني عبر تجسيد مظاهر الزيف المعنونة بمقت ودهاء على ملامح لا تجيد سوى علك الشعارات ، والضحك على الذقون ، كونها ارتهنت للسلطة القامعة وباتت ذيلاً رخيصاً لها ، ولاشك أن ترسخ التصوف في تقاليد الأحزاب الشمولية ، هي من رسخت تصورات الاستبداد باسمها فيما بعد ، فأصبحت عوائق في طريق نهضة المعرفيين وارتقاءهم وتعاليهم على القوالب الإيديولوجية ، فلا يخضعون ولا يرددون كالببغاوات ، مما جعلهم إزاء محاكم التفتيش الحزبوية مذنبين على الدوام وخونة القضية والمبادئ ، حيث يعبر الكاتب أكثر عن ذلك بأن يجسد لنا أنهم باتوا جزءً من مصيدة النظم القمعية في تكبيل العقل المعرفي ومحاولة جره للارتهان لها أكثر فأكثر .. أو شن الاعتقالات والاغتيالات كوسيلتي بطش تستخدم بحق المتنورين ، خصوم مريدي الأحزاب وقياداتها المتألهة..،تخبط الأفراد الواعين بمدى نجاعة التغيير وآثاره الإيجابية في تحول القانون إلى مسلك حقيقي ينقذ المجتمعات من الفوضى ، لا أن يكون القانون بمثابة المطرقة التي تهوي على رؤوس البسطاء ، ممن يحرصون على التشبث بمخزونهم الطبيعي من القناعة بالحياة الفطرية، فحيث تطغى المشكلات وتتضاءل فرص الحل ، تتفشى ظواهر الأخطاء السلطوية، ويكون الرهان دوماً على التكميم والقمع، تصبح الدعوة للتغيير أو الانتفاضة غير مجدية في ظل مجتمع يتلبس الحياة الغيبية ويتحسس النشوة من معتقداته التي تلزمه بالطاعة والتزام الرهبة والرهبنة، فالمسعى الفردي للبناء تلزمه دعامة اجتماعية مسبوقة بوعي بفلسفة الحركة، وليست الانتفاضة فقاعة صوتية ، بقدر ما هي وعي ومسؤولية وتكاتف اجتماعي، في حين يشير الكاتب وبواقعية تشاؤمية إلى الصعوبات التي تكتنف شخوص الرواية ، والتحديات الجمة التي تقف بوجه بطلها، من استحالة حمل بضع بطيخات بيد واحدة ، ذلك يحتاج لتكاتف وقوة داعمة ، وهذا المناخ غير موجود في الواقع للبدء بمعركة التغيير على نحو متكافئ مع منظومة قوى الفساد النفعية المافيوية..،ففي ظل هيمنة السلطة المستبدة والتي فرخت عبر حكمها أحزاباً على شاكلتها ومجتمعاً خائفاً منها، وحانقاً عليها دون معرفة سبل الانتفاض عليها، إثر فساد تنظيماتها على اختلاف مسمياتها وغاياتها، الأمر الذي أسهم كنتيجة من بروز الاغتراب النفسي في أوساطها جراء تهميش مبدعيها وتجميد ملكاتهم ومدركاتهم ، فهي تشكل العماد في التغيير، وسبل المواجهة، حيث الطرق التقليدية في الحركة ومسار صراعها لأجل التغيير محفوف بصراعات وتحديات داخلية لها علاقة بالوصول للسلطة وتحقيق المكاسب من خلال الاتجار بالشعارات الزائفة ،أيضاً ليظهر لنا الاستبداد الذي عم البلد على نحو ظل مضخة أزمات لا تكاد تنتهي ، وبات الخراب أخيراً الوجه الأكثر رداءة له على الإطلاق ، أدت للوصول لنتائج خطيرة تتمثل في انعدام الثقة بين الجماهير ووصولها لمستوى مرعب من النقمة والاحتجاج، الأمر الذي هيأ لمناخ من الفوضى الضخمة ، من تفجر كبير وتاريخي يكشف لنا عن طبيعة تحول المجتمع خلالها من طور التشتت والرهبة إلى طور الوعي والنماء ..فحسابات السلطة المستبدة تختلف عن الوجدانيين ،ممن اعتادوا ترديد الشعارات الوهمية بغية استجرار إرادة ديماغوجية ، تعتمد على التحريض الجماهيري دون مصارحة براغماتية واقعية، حيث بإمكاننا تعريف الإرادة الديماغوجية بأنها مسلك تتخذه الأحزاب الشمولية، منذ بدايات القرن العشرين ، للعب على الوتر الوجداني لدى الجماهير، لخلق إرادة عفوية آنية، تستنجد بفئات الشباب المراهقة، وإيجاد بذور راسخة تعتمد على ترسيخ المراهقة السياسية، المتجلية في ترديد الشعارات المناهضة، واستثمارها على نحو مركز، بالتزامن مع تغييب كلي للعقل النقدي ، وإقصاء الفئة المستنيرة ومحاربتها عبر حملات التشويه والتخوين واتهامها بالتكاسل والدعوة للإصلاح، دون الانضمام للثورة، للوصول بالجماهير إلى حالة من التبلد والجمود والعزلة، بلوغاً بها إلى أنماط وقوالب جامدة ليس فيها أدنى احتمالية للخروج من منطق التدجين الإيديولوجي..
فبدخولنا لمضمون هذا التعريف ، يمكننا فهم آلية الربط ما بين الأصالة والإيمانيات التي تشكل حصيلة أعراف وتقاليد مجتمعية، حجم الهوة بين الحكومة والشعب، حيث يعيشان صراعاً ضارياً ، وتستحيل أن تكون هناك أي روابط أخلاقية بين منظومة تسخر كافة إمكانياتها لقمع الحياة الآمنة وبين المجتمع بأفراده وتنظيماته، حتماً تنتقل عدوى السلطة لداخل خليتها الصغرى ، الأحزاب، العائلة، لتغدو العلائق الاجتماعية محكومة بالرهبة والخوف وسيادة القيم الأبوية على نمط التفكير بعمومه،سيادة الذهنية المافيوية في سلك القضاء الاجتماعي ، ليصبح الأفراد مدانين في نظر هذه السلطات الباطشة ، التي عمدت للتلاعب بحقوق الإنسان وقيمه وكرامته الطبيعية ، الأمر الذي جعل من هذه المجتمعات باروداً يوشك أن ينفجر بعنف وبلا هوادة، فكل شيء مقابل المزيد من المال، والسيطرة على قوت الجائعين وزيادة إفقارهم مادياً ومعنوياً ، ذاك ظل ديدن السلطة الشمولية المستلة أنصالها فوق رقاب الشرائح الفقيرة، حيث تبحث المجتمعات المنكوبة والمحاصرة بأغلال التبعية لأوهام السلطة وأذرعها المتمثلة بالتفكير الميثولوجي ، الذي هو خليط أفكار دينية وميثولوجية أدت بالحياة إلى شلل روحي وفكري أرق مسيرة الحياة لدى الجماعات المناهضة للعسف والجور، فشخصية عبد الفتاح باتت متجلية بإيغالها نحو التنبوءات ، إذ لا حيلة سوى التوغل لميادين الحلم أو التنبوء ، إزاء وضع متفاقم يسير نحو المزيد من التعقيد وانسداد كوات الأمل..،نبحث في أزمة السلطة ، جذورها التاريخية، علاقة ذلك بالمنتوج العقائدي للمجتمعات، من عادات وتقاليد ودين، ونفحص المعضلات بعين الباحث،لجدلية المجتمع والآخر، الطامح للتغيير، وكذلك جدوى المسير لمواجهة الغبن المعلن، والفساد المرتدي ألوان البؤس الفاقعة، في إطار جدلية الصراع المتينة بين قوى المحافظة وقوى التغيير في استنادها لماهية التنازع الطبيعية القائمة في حياة المجتمعات أفراداً وجماعات، كحصيلة دينامية عن جدوى إيجاد الرفاهية ضمن نظام حقيقي يأخذ بيد المجتمعات ويلبي مطالبها ، إمكانية الكشف عن النظام المؤسس على فهم حاجات المجتمع الطبيعية في ظل الذهنية السائدة والدفع بها إلى تغيير حقيقي لها سياقاتها الواقعية ، المتولدة في إطار البيئة، ففهم طبيعة الناس وسلوكها هو السبيل للدفع بها نحو الحياة الأفضل، فإبراز تراجيديا المجتمع في ظل منظومة التكميم هو بيان حقيقة أن المجتمعات تتعرض لدرجة من الانحلال وانعدام الثقة في أوساطها مبرزاً مجتمع الطبيعة (الريف) ومجتمع المدن الكبرى عبر تيارين متناقضين لا يلتقيان ، فدماثة وبساطة الإنسان الطبيعي ، لا تتقبل رعونة الاستبداد وفساد المتنفذين القابعين في المدن، وشح الحياة في الريف بسبب الفقر والاحتياج ساهم لحد بعيد في إبعاد الإنسان الطبيعي عن حياته المعتادة القائمة على التواصل البسيط القائم على الحس الشعبي والفكاهي والقناعات التي لم تتلوث بازدواجية الإنسان المقولب في إطار عوائد اصطنعتها منظومة الاستهلاك والجشع، كما أن الغوص في مذهب الفطرية وجعلها أساس كل نهضة هو الأنجع ، حيث أن البحث عن الإنسان المعرفي الغاية الجاذبة للأذهان، وفق صيرورة الأحداث المتسلسلة والتي تعكس لنا طبيعة هذا الوجود المتشعب بميادينه المتباينة ، والتي تكشف لنا بيسر جوهر الصراع الحقيقي ما بين قوى البناء والهدم ، أفكاراً تسعى عن كثب للولوج في ذات المتلقي المتبصر في مطلب الانتصار للوجود الطبيعي المتمثل بالوجود الوطن، وجدلية تأثره بالوجود الشامل ضمن إطار إبراز ثالوث الحقيقة الكلية وفق إثبات متلازم لجوهر أن الحب وجود والوجود معرفة..، حيث أن فعل النهضة الساعي لجلاء الاستبداد يتمثل أبداً في المحاولات الهادفة لإيجاد نوع من الحرية والمثالية وتحريك النزوع الطبيعي للإنسان لإدراك فعل الخير والعمل به، و التأكيد على الترابط ما بين الإنسان المبدع والعراقة في المكان، ولعقد أواصر متينة بين الساعين لحماية مكتسبات الإنسان المعرفي الوجود ، الإشارة للرموز التاريخية التي تبرهن على عظمة فعل الصانع وتعاليه على كل مفسدة أو خلل، فهي تنحو مذهب البحث عن القيم الطبيعية في واقع ضائع، متخبط، يعاني فيه أفراده ، من صعوبة التفكير ، جراء جور المنظومة السياسية، وعجزها على مواكبة تغييرات الحاضر، إثر إفلاسها الأخلاقي، الأمر الذي جعل المجتمعات تعيش في ميادين الاغتراب، عن ممارسة أدوارها في التأثير على المنظومة التي تدير شؤونها الحياتية، وهكذا قوبل المطالبون بالتغيير بالمزيد من العسف والاجتثاث، من خلال الآفة المتفشية في ربوع الشرق الأوسط، المتجلية في الاستبداد والذهنية الشمولية، من تمجيد لتماثيل الجلادين والامتثال الأعمى لهم ، الأمر الذي خلق داخل النفوس نقمة تتفجر ببطء ، وتعكس الأزمات الأخلاقية التي اخترقت أوساط المجتمع ومؤسساته، الأمر الذي يحيلنا لمراجعة تاريخ الحروب لما لها من نتائج كارثية، هذه المنازعات الناشبة بين السلطات فيما بينهما جعلت المجتمعات تعيش في اغتراب مزمن باعد بينها وبين الحياة القائمة على الإنتاج وضمان الحقوق ، ففي ذروة التنازع الخطير بين السلطات ، نجد إنتاج ديكتاتوريات متعددة ، جعلت المجتمعات وقوداً دائمة ، لميادين الاقتتال ، وما فتأ أرباب الإصلاح ودعاة التغيير الجذري في وضع سنن وأسس نهضوية لاستعادة الدفة ، بيد أن هذه الجهود لم تغني عن البلاء الأعظم ، فالاستبداد يعد الآفة الكبرى الواقفة في وجه المجتمعات من بلوغها لنهضة التعايش تحت سقف القانون المنصف، فاستمرار الآلة القمعية في سلوكها هذا النهج ، يضع البلد على محك فوضى هائلة، تودي بها لمستقبل مظلم، إزاء بؤس السلطة ، عجزها عن مواكبة المتطلبات الراهنة والحاجات الأساسية لحياة المجتمع، في إشارة لعظم الصراع الكبير بين رواد الديكتاتورية المتمثلة بزعمها لممانعة العدو الخارجي، وتبجحها بتصديها للمؤامرة الكونية، وحملها للراية الاشتراكية ، إذ أثبتت انها تعمد لترسيخ الفاشية في صميم مؤسساتها، استماتة هذه السلطة في المحافظة على تقاليد الحكم الثيوقراطي عبر محاكاتها للعلمانية الزائفة، سعيها أيضاً لزرع بذور الاحتقان بين شرائح المجتمع، عبر تكبيلها لفئة المثقفين ، جعلهم إما مرتهنين لخطابها، أو مكبلين برقابتها الضارية، عبر بث القلق والاغتراب المزمن للفئة الشابة، وزجها في المعتقلات وممارسة صنوف التعذيب الجسدي والنفسي بحقها،خدمة لبقاءها ناقوس خطر كبير داخل المجتمع ، تضاؤل الفعل الحركي المولد لعناصر التغيير، لصالح تنامي بطش السلطة وزيادة نفوذها، وحربها الحقيقية مع البيئة، حيث خلق التلوث والإضرار، تحويل موارد البيئة الطبيعية لمشاريع تجارية تدر الربح ، حيث الجشع الذي لا حدود له، وبالتالي استشراف خطير لظاهرة الحروب الرأسمالية، واستنزاف موارد دول ودمارها، و الخوض في إشكالية خطيرة ناجمة عن القمع الذي ترتكبه السلطات المستبدة في استنزاف الشعوب ، إضافة لمواردها الطبيعية، فهذه الحرب وفقاً هي حرب ضد الإرادات ، حرب ضد الأصالة ، العراقة، القيم الطبيعية، الحب, خيار الإنسان النهضوي يتمثل في المواجهة بصلابة وإيمان، في سياق هادف مفاده ، أن زمن التعليب والتدجين الإيديولوجي شارف على الفناء، وأن الانتصار الوحيد المنشود هو في إحياء المجتمع الطبيعي بقيمه وأفراده الساعين نحو الأفضل ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. سوريا تحضر لمرحلة ما بعد الأسد | ال
.. سوريا: تواصل عمليات البحث عن محتجزين في السجون الكبرى
.. سوريا: كيف يعيش السوريون أول ليلة تحت حظر التجول في دمشق؟
.. أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية تفشل في تمرير مشروع قرار با
.. لماذا قامت إسرائيل بإلغاء اتفاقية -فض الاشتباك- لعام 1974 مع