الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن الرافدين.. الإعلامي الذي شَغَلَ العراقيين بحكاياته

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2018 / 11 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ابن الرافدين.. الإعلامي الذي شَغَلَ العراقيين بحكاياته
نبيل عبد الأمير الربيعي
سلمان صالح دبي (ابن الرافدين) الشخصية الإعلامية المحببة لأبناء العراق حقبة الستينيات والسبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي, صاحب الكلمات النقدية اللاذعة, من خلال برنامجه (ابن الرافدين) وملازمته المعروفة من إذاعة إسرائيل من القدس (هاي هيه القصة تفضلوا اسمعوها), تلك القصص والحكايات الوعظية ومضرب الأمثال, ليتجنب من خلالها ابناء الرافدين والشرق الأوسط تصرفات الآخرين الغير لائقة.
كانت العوائل العراقية يوم الثلاثاء من كل اسبوع وعند الساعة الثامنة والنصف تجتمع في بيوتها وتغلق الأبواب والنوافذ لتتابع قصص سلمان دبّي الممتعة والنقدية, التي كانت تكشف الفساد والمفسدين في حكومات العراق المتعاقبة والوطن العربي, والظلم الواقع على ابناء العراق من قبل هذه الحكومات.
كانت حكاياته لا تنتهي إلا من خلال قصته باللهجة العراقية العامية البغدادية, وبلازمته التي تتشوق إليها الأسماع (هاي هيه القصة تفضلوا اسمعوها), كانت عائلتنا وخاصة الوالد رحمه الله ونحن الشباب نتابع كل يوم ثلاثاء بحذر وخوف حديث ابن الرافدين, بشغف طبيعي لترتوي انفسنا من التراث والعبرّ والتجارب الحياتية, حتى كنت اتذكر ذات يوم ثلاثاء عند الساعة 8,30 من عام 1968م زارنا جارنا وصديق والدي صالح معلم (أبو يعقوب) مع زوجته وابنته ريموند وابنه البكر يعقوب, ونحن محاطين براديو ترانسستر نوع سيمنز لنستمع لحديث ابن الرافدين, فاستمعنا جميعاً لأبن الرافدين بشغف.
إلاّ أن قصص وحكايات ابن الرافدين لم تعتبر من قبل العراقيين والحكومات المتعاقبة منذُ أول حلقه له نهاية عام 1958م ولغاية آخر حلقة مطلع ثمانينات القرن الماضي, فقد سالت الدماء بحروب صدام العبثية وجرت المصائب والويلات التي اصابت ابناء الرافدين من حصار وخراب ودمار.
ولد سلمان صالح دبّي (ابن الرافدين) في محلة قمبر علي ببغداد سنة 1916م لأب كان يتاجر بالحبوب ولعائلة يهودية تعيش في وسط عربي اسلامي, وبعد أن اكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الاليانس اليهودية التحق بالمدرسة الثانوية المركزية لينهي دراسته الاعدادية ويدخل في دورة ضباط الشرطة العراقية ويتخرج منها بدرجة الأول على الدفعة كضابط شرطة في شهر تموز سنة 1940م, وتم تعينه في مدينة الموصل كقائد للدوريات المسلحة على الحدود العراقية السورية, وبموجب منصبه هذا كان في اتصال مستمر مع شيوخ عشيرة شمّر التي سكنت جانبي الحدود.
في ايام حركة رشيد عالي الگيلاني اعتقل ابن الرافدين من قبل الحاكم العسكري لمدينة الموصل (قاسم مقصود), إلاّ أن عودة الجيش البريطاني ورجوع الوصي عبد الإله وحاشيته إلى بغداد بعد فشل حركة الگيلاني واقامة حكومة جميل المدفعي ادت إلى اعتقال (مقصود) في الثاني من حزيران سنة 1941م واطلاق سراح ابن الرافدين وارجاعه إلى منصبه. وفي سنة 1942م نقل سلمان دبّي إلى كركوك ومنها إلى بغداد, وفي سنة 1943م أصبح بمنصب قائد قوات المكوس. وبعد ان انتقل في عدة مناصب في سلك الشرطة ببغداد نُقلَ سنة 1946م كضابط في مديرية الشرطة العامة, وبقيَّ في هذا المنصب حتى اصدار قانون اسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق من قبل حكومة توفيق السويدي في 9 آذار 1950م, آنذاك قرر سلمان دبّي التخلي عن جنسيته العراقية كشأن معظم يهود العراق والسفر إلى إسرائيل ليقوم بأداء برنامجه الانتقادي/ الترفيهي (هاي هية القصة تفضلوا اسمعوها) من إذاعة إسرائيل في اورشليم القدس.
لقد استقطب ابن الرافدين ببرنامجه ابناء العراق, لحلاوة حكاياته والسرد العراقي باللهجة العامية الجميلة, اسلوباً ونكهةً وصوتاً, كانت حكاياته الاسبوعية في الإذاعة الإسرائيلية في القرن الماضي التي جاوزت الربع قرن, قد نالت اعجاب ابناء العراق معجبين بتعبيره ولهجته العامية المحببه لهم. كان وقت إذاعة برنامج ابن الرافدين في بغداد تتوقف حركة السيارات في شارع الرشيد لكي يستمع سواق السيارات إلى قصص ابن الرافدين الممتعة النقدية, والتي كانت تكشف الفساد والمحسوبية والظلم في الحكومات العراقية المتعاقبة, ولا تتجدد حركة المواصلات إلاّ بعد أن ينتهي ابن الرافدين من قصته.
كان ابن الرافدين صوت ابناء العراق الاعلامي الذي يعبّر عن مظلوميتهم في حقبة النظام العارفي والبعثي, وما يتخلل حديثه من قصص وحكايات ودروس وعبّر واسلوب مؤثر وذكي, حتى سياسيو الحكومة البعثية كانوا يتابعون حديثه, لحين توقف برنامجه مطلع ثمانينيات القرن الماضي, حيث احيل ابن الرافدين على التقاعد وتوقف عن العمل في الإذاعة, وقد رحل عن الحياة في اوكتوبر من عام 2002م.
بداياته الإعلامية الإذاعية
في بدايته بالقسم العربي لإذاعة إسرائيل لم يكن لهُ أي علاقة بالإعلام الإذاعي قبل هذا البرنامج الممتع, لكنه ابدع واجاد بلهجته العامية العراقية وكان ذلك بعد ثورة تموز 1958م.
لو عدنا إلى بداية عمل ابن الرافدين في الإذاعة, يذكر الاستاذ منشة سوميخ قائلاً : (في نطاق البحث عن شخص ملائم لهذه المهمة اقترح المرحوم البروفسور آريه لويا الذي كان يعمل في الإذاعة آنذاك كمحرر للبرامج السياسية, التوجه إلى المرحوم سلمان دبّي الذي كان يسكن في نفس منطقة سكناه في العراق, وكان يعرف انه يحسن التكلم بلهجة المسلمين التي تختلف كثيراً عن لهجة اليهود, إذ أن سلمان هذا عمل في سلك الشرطة العراقية خلال 15 سنة وكان على اتصال مباشر مع السكان المسلمين في مختلف المناطق, وقد نجح في الاختبار فعلاً وتولى سلمان دبّي إذاعة (حديث ابن الرافدين) مرتين في الاسبوع, وقد دلت كل التقارير في حينه على أن احاديثه حققت نجاحاً باهراً في الاوساط العراقية الشعبية منها والرسمية على حدٍ سواء).
أما الاستاذ أدوين شكر يعقب حول حديث ابن الرافدين قبل هجرته من العراق عام 1971م والاستقرار في لندن قائلاً : (لم نكن وحدنا ولا جاليتنا اليهودية الصغيرة ممن شغف بأقاصيص السيد سلمان دبّي, بل شاركنا ايضاً نخبة من المجتمع العراقي من بين ضباط الجيش وموظفي الحكومة, وحتى المواطن الاعتيادي في الشارع العام, وذلك لأن ابن الرافدين تمكن من مخاطبتنا جميعاً بصورة مباشرة وممتعة. كان يروي بانتظام اخباراً جديدة يستقيها من مصادر موثوق بها, يشفعها بنوادر وقصص تثير اعجاب المستمعين بعمق, مغزاها الشعبي الذي ينفذ إلى شغاف قلوب العراقيين).
كما تذكر الناشطة المدنية والمؤسسة لملتقى (أولاد الطرف) في لندن قائلة : (ولد سلمان في بغداد عام 1916م, وترعرع في محلة قنبر علي, عاشر فيها المسلمون والمسيحيون واليهود وآخرون جنباً إلى جنب... كان صديق طفولته في المدرسة الثانوية الحكومية السيد عبد الكريم قاسم... كانت علاقة سلمان مع عبد الكريم قاسم علاقة صداقة عادية, ولم تكن اليهودية حجر عثرة في صداقتهما, فكان قاسم يدعو للطعام مع اصدقاء آخرين إلى بيت سلمان اليهودي والعكس بالعكس... وبعد أن انهى كل من عبد الكريم قاسم وسلمان الدراسة في المدرسة الثانوية المركزية, تطوع قاسم كضابط في الخدمة العسكرية في الجيش العراقي في حين تطوع سلمان كضابط في الشرطة العراقية... في نهاية الخمسينيات التحق السيد سلمان دبّي بالقسم العربي لهيئة الإذاعة الإسرائيلية... ذكر سلمان في احدى المقابلات التي اجريت له بأن ثلاثة اشخاص اتوا إلى بيته وهم الاستاذ آريه لويا ويعقوب خزمة مدير لقسم العربي في هيئة الإذاعة الإسرائيلية وعزرا دانين, وعرضوا عليه تحرير برنامج بالعامية العراقية حول الاوضاع السياسية والاقتصادية في العراق وقالو له : "انك مدين لدولة إسرائيل وليس هناك اي شخص آخر يستطيع أن يقوم بهذا العمل سواك", حاول سلمان التملص من هذه المهمة لأنها تحتاج إلى التفرغ لها كلياً, فوعدهم أن يعمل لفترة شهرين أو ثلاث وعليهم في هذه الفترة أن يجدوا شخصاً مناسباً. وطال الأمد لنجاحه الباهر في عمله في دار الإذاعة الإسرائيلية وشغل هذه المهمة لمدة الثلاثين عاماً. اقترح مدراء سلمان أن يستخدم الاسم الرمزي (ابن الرافدين) ويقوم ببث برنامجه في أيام الثلاثاء في تمام الساعة 7,30 مساءاً (8,30 بتوقيت بغداد), وكان سلمان هو من يختار الموضوع وكتابته وتحريره وبثه بصوته).
كانت قصصه معروفة ومستلّة من امثال حكايات (جحا, قره قوش, ابو نؤاس) ومن القصص التراثية العراقية, وقبل رحيلة عن الحياة أصدر سلمان دبّي كتابه الموسوم (هاي هيه القصة تفضلوا اسمعوها) عام 1990م عن مطبعة دار المشرق للترجمة والطباعة والنشر /شفا عمرو, واهدى الكتاب لروح اخته الراحلة أليزة وأخيه الراحل إبراهيم. وقد تمَّ اعادة طبع الكتاب مرة اخرى عام 2017م من قبل السيد آزاد ميران وبرعاية الاستاذ أدوين شكر في لندن, مضيفاً إلى الكتاب بعض المواد والمصادر التي استفاد منها سلمان دبّي في برنامجه الاذاعي, مع ارشيف من الصور والوثائق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل