الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمة الاجتماع حكيمة لعلا (2): احتجاجات الريف وجرادة تعبر عن الإقصاء والتهميش والبؤس

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2019 / 5 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جوابا عن السؤال الذي طرحته جريدة ليبراسيون الفرنكفونية بتاريخ 20 يونيو 2018 : « بعد الحركات الاجتماعية في الريف وجرادة، ما هو تقييمك اليوم للطفرات والانقسامات التي يمر منها المجتمع المغربي ؟ »، ترى عالمة الاجتماع حكيمة لعلا أن : « الحركات الاجتماعية في الريف وجرادة، وفي مناطق أخرى تعطي انطباعا بعدم التنظيم والتنافر، وهذا يحول دون تأسيس أرضية مشتركة وموحدة من المطالب»، يظهر من خلال هذا الكلام أن الحراك الاحتجاجي في منطقتي الريف وجرادة يفتقد للتنظيم، أي ليست هناك مطالب مشتركة، والأدهى من ذلك هناك غياب لحس التضامن والتنسيق مجاليا وزمنيا، فلما أخمدت احتجاجات الريف، طفت احتجاجات جرادة على السطح، مع العلم أن المطالب واحدة وتتجلى في رفع الإقصاء والتهميش سواء في شرق البلاد أو في شمالها، إلا أن الباحثة السوسيولوجية حكيمة لعلا تميز بين حالتي الريف وجرادة :
1ـ حالة الريف :
تقول عن احتجاجات الريف : « إن خطاب المحتجين في الريف يتنقل بين الماضي والحاضر، إنه يعمل على إحياء ماض مؤلم في حاضر مرهق، كما يعمل أيضا على إحياء الشعور بالرفض والاستبعاد، وهذا يفضي إلى ولادة علاقة متوترة مع الدولة وممثليها، والأدهى من ذلك يوحي الخطاب على المواجهة المباشرة مع السلطة التي عملت على (قتل أطفالها) حسب المتظاهرين وحركتهم. وهذا يدل على استمرار تفاقم تاريخي لم تستطع الدولة استيعابه أو استطاعت استيعابه.»
يتضح من خلال هذا القول أن احتجاجات الريف ذات عمق تاريخي وليست ظاهرة وليدة اليوم، بمعنى أن المحتجين في الريف يحركهم التاريخ الذي يتفاعل كيميائيا مع الحاضر، صحيح أن الريفيين الآن خرجوا للمطالبة بالطرق والمستشفيات والشغل وغيرها من المطالب، إلا أن ما يضفي غليانا على الاحتجاجات هو القصف الذي تعرض له الريف من قبل المخزن خلال عامي 1958ـ 1959، ولا ننسى أيضا قصف الريف بالغازات السامة من طرف الاسبان عام 1926، ولذلك يشعر الريفيون في الحاضر بالإقصاء والاستبعاد، فالدولة ليست أما حنونا، بل تعتبر أما عاقة تأكل أولادها مثل الإله كرونوس في الأسطورة الإغريقية الذي كان يأكل أولاده، ولهذا السبب هناك تفاقم تاريخي بين الأم والأولاد، و لم تستطع الدولة المغربية استيعابه إلى الآن.
2ـ حالة جرادة :
تحكي عالمة الاجتماع حكيمة لعلا عن احتجاجات جرادة قائلة: « لقد تظاهر سكان جرادة ضد البؤس، والإهمال السياسي وتهميش منطقتهم واستغلالهم في مناجم الموت بمدينتهم، إنه الاحتمال الوحيد للبقاء على قيد الحياة في مشهد عدائي وملوث وخطير، إن غضبهم موجه للدولة التي تهمشهم، وفي خضم الاحتجاج والتظاهر السلمي والمواجهة، وأمام صمت وسائل الإعلام المغربية، غطت شبكات التواصل الاجتماعي الأحداث بقوة، والشيء نفسه بالنسبة للتقارير التي قامت بها وسائل الإعلام الأجنبية، إن احتجاجات جرادة لا تعبر عن انفصال اجتماعي يتم استنكاره، بل تعبر عن انفصال الدولة عن مطالب المحتجين الاجتماعية والسياسية الذين ضاقوا ذرعا من التهميش الذي يعانون منه . »
حسب ما جاء في هذا القول، هناك عدة أسباب دفعت المحتجين في جرادة للخروج إلى الشارع :
ـ الشعور بالبؤس
ـ الإهمال السياسي
ـ تهميش وتفقير المدينة
ـ استغلال العمال في مناجم الموت
ـ العيش في ظروف ملوثة وموبوءة
ـ العمل في المناجم هو السبب الوحيد للبقاء على قيد الحياة وهو السبب الوحيد للموت في باطن الأرض .
إن هذه الأسباب وغيرها هي التي دفعت سكان جرادة للاحتجاج ضد سياسات التهميش، غير أن وسائل الإعلام الرسمية صمتت صمتا مريبا عن مظاهرات جرادة، لكن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأجنبية قامت بمهمتها على أكمل وجه من أجل تغطية الاحتجاجات التي لا تعبر عن انفصال المحتجين عن المركز، بل يعبرون عن تهميش المركز لهم، الذي لم يوفر لهم فرص الشغل، ولم يوفر لهم الطرق والرعاية الصحية وغيرها من المطالب .
وفي ختام حديثها عن احتجاجات الريف وجرادة تخلص الأستاذة حكيمة لعلا قائلة :
« إن هذه الاحتجاجات تثير قضايا أخرى، إنها مفيدة للغاية لفهم الحركات التي تنهار بسبب فقدانها للتنظيم، والثقافة السياسية، ومع ذلك، فإن هذه الحركات تقاوم وتكشف عن الفجوات المتسعة في المجتمع المغربي وتكشف كذلك عن الشعور بالضيق، إلا أن التمييز بين الأساس السياسي أو التمييز الطبقي بطريقة واقعية يبقى صعبا، وفي كل الأحوال ومن البديهي أن الحدود بين ما يسمى الطبقات الشعبية أو ما يسمى بالطبقات الوسطى آخذة في الانخفاض، إن إضعاف الطبقة الوسطى التي تخلق التوازن للأنظمة الاجتماعية يجعل من المشهد الاجتماعي ينقسم إلى : نخبة الأثرياء، والسكان الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة. »
إن احتجاجات الريف وجرادة من منظور الباحثة حكيمة لعلا تدفع المهتمين إلى التساؤل عن السبب وراء انهيار الحركات الاجتماعية، والأمر يرجع إلى فقدان التنظيم وغياب الثقافة السياسية لدى المحتجين، وعلى العموم إن هذه الاحتجاجات تتضمن الضيق الذي راح يحس الإنسان المغربي الكادح في مجتمع اختفت فيه الطبقة الوسطى وانقسم إلى طبقتين وهما : طبقة الأثرياء وطبقة الكادحين الذي يكافحون من أجل البقاء .
المناقشة :
لا جرم أن احتجاجات الريف تعبر عن أزمة تاريخية يتداخل فيها الماضي والحاضر، لكن هذه الاحتجاجات لم تعبر سوى عن انفعال، لأنها كانت خالية من المطالب السياسية، ماذا أقصد بالمطالب السياسية ؟ أعني إصلاحات دستورية وتشريعية تتجاوز الدستور الممنوح لعام 2011 الذي لم يفصل بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولم يفصل كذلك بين الدولة والدين، وبين الثروة والسلطة، ولم يكرس العدالة الضريبية، لقد كانت احتجاجات الريف تعبر عن مطالب اقتصادية وثقافية واجتماعية بلا أفق سياسي، كما لم تكن لديها المناعة القوية من أجل الاستمرارية، ولم تختر قادة لديهم كاريزما قوية ويملكون وعيا سياسيا وثقافيا وفكريا ويتوفرون على أفق بعيد المدى، ولا أحد يشك في أن احتجاجات جرادة والريف لم تكن متسقة في التنظيم والتنسيق والتزامن، وهذا يوحي بأن الاحتجاجات كانت محكومة بالعاطفة أكثر من العقل، ومن المنطقي أن تنهار هذه الحركات لأنها تفتقد للوعي الكافي بحكم تراجع التأطير السياسي من لدن الأحزاب، وبحكم انقسام المجتمع إلى طبقتين طبقة ثرية حاكمة وطبقة فقيرة مجهلة ومحكومة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي