الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض عمالقة الرياضيات في التعليم الثانوي

علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات

(Alaaddin Al-dhahir)

2019 / 6 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


هذه الحادثة رواها لي احد الزملاء في جامعة امستردام. رن الهاتف في مكتبه وعندما رفع السماعة قال له المتحدث على الجانب الآخر بالهولندية بأنه فايرشتراس Weierstrass . رد عليه الزميل قائلا من اي مستشفى للمجانين تتحدث. لكن المتحدث اصر بأنه عاقل وانه من احفاد فايرشتراس وانه والده كان قد انتقل الى هولندا وانه سمع بأن جده فايرشتراس احد الرياضياتيين البارزين ويريد معرفة المزيد عنه. اعطاه زميلي موعدا وشرح له عندها اهمية فايرشتراس في الرياضيات والتحليل الرياضياتي على وجه الخصوص. مثلا، كل من تعلم من التفاضل والتكامل تعامل مع مبرهنة فايرشتراس التي تقول ان كل دالة مستمرة على منطقة مغلقة ومحددة لها قيم عظمى وصغرى مطلقة، معذرة اذا اخطأت الترجمة.
بعد ان انهى فايرشتراس الدكتوراه في القرن التاسع عشر عمل ولسنوات طويلة مدرسا في احدى ثانويات مونستر وهي مدينة ذات جامعة عريقة وتبعد عنا حوالي 55 كيلومترا ونزورها دوريا. قضى فايرشتراس معظم حياته المهنية مدرسا هناك ونشر بحوثه منها لكن بعض تلامذته ارتقوا الى درجة الاستاذية ونجحوا في فتح كرسي له في التحليل الرياضياتي في جامعة برلين وهذا الكرسي لا يزال يحمل اسمه. قبل عقدين ونصف تقدم احد زملائي لملأ الكرسي بعد ان اصبح شاغرا وحصل عليه لكن تعقيدات بيروقراطية من حكومة مدينة برلين حالت دون ان يحصل على العرض رسميا. وقد اعود الى هذا الموضوع عندما اناقش بعض مهن زملائي.
موضوعي اليوم هو بعض الرياضياتيين البارزين الذين عملوا كمدرسين في التعليم الثانوي. اول ما يتبادر الى الذهن هو هرمان غراسمان وهو من رياضياتي القرن التاسع عشر ويعتبر مؤسس الجبر الخطي والجبر الخارجي. تأثيرات بحوث غراسمان هذه على الهندسة الاسقاطية والتفاضلية والتبولوجيا الجبرية وغيرها وكذلك على الفيزياء النظرية، ما زالت مستمرة حتى اليوم. لغراسمان ايضا بعض البحوث في الميكانيك من وجهة النظر الرياضياتية وكان اول من استخدم المتجهات فيها وكذلك بحوث في علم اللغات وهو تخصصه الاساسي. بدأ حياته مدرسا في برلين للدراسة المتوسطة بعد ان لم ينجح في الامتحان الذي يؤهله للتدريس الصفوف العليا في الدراسة الثانوية. عاد الى مدينته شتتن والتي اصبحت جزءأ من بولندا او الاتحاد السوفيتي الذي اقتضم بعد الحرب الثانية معظم ولاية بروسيا واجزاء من شرق بولندا وعوّض بولندا بأراض من المانيا. بقي غراسمان نشطا في بحوثه رغم ان عمله كان يعني تدريس 27 ساعة في الاسبوع وكان ايضا نشطا في كنيسته وكان له سبعة او ثمانية اولاد. بعد ان تعرضت بحوثه للكثير من النقد وبعد أن فشل في الحصول على كرسي جامعي، ابتعد عن الرياضيات واتجه الى علم اللغة وكتب بحوثا في اللغة السنسكريتية. اليوم لا تخلو تأثيرات بحوثه على فروع الرياضيات العديدة.
عندما بدأت عملي في جامعة آيندهوفن التكنولوجية في شباط 1985 اخبرني حينها الاستاذ المتمرس ياكوب سايدل وهو مؤسس كلية الريضيات فيه وعميدها لـ 15 عام ان لوتزن يان براور، التبولوجي المعروف عمل مدرسا في احدى ثانويات امستردام لثمان سنوات قبل ان يشغل كرسي الاستاذية في جامعة امستردام بداية القرن العشرين. لم اجد مصدرا آخرا غير سايدل يؤكد هذا. كان هذا كما اكتشفت هو الحال حيث ينتظر حامل الدكتوراه خلاله لحين حصول شاغر يتأهل له. عندما بدأت دراستي في لايدن اكتشفت ايضا ان رئيس القسم او المعهد الرياضياتي حينها زانن وكان من المتميزين في التحليل الدالي عمل لمدة ستة سنوات في التعليم الثانوي قبل ان ينتقل الى الجامعة. وكذلك الزميل العزيزي الراحل كيْس هوده الذي عمل عميدا لكلية الرياضيات التطبيقية في جامعتي الاخيرة، تونته. في الواقع اربعة او خمسة من زملائي فيها عملا في التعليم الثانوي اولا.
ومع اني حصلت على رخصة التعليم الثانوي لكني لم اعمل فيه وكانت الغاية الاساسية من الحصول على هذه الرخصة اثناء انعدام الشواغر الجامعية واثناء حملة تقشف حكومية قاسية في الثمانينيات، هو الحصول من خلالها على عمل في المعاهد الصناعية التي كانت هذه الرخصة من شروط الحصول على وظيفة فيها. في الواقع تقدمت بطلب عمل في كلية زراعية واتصلت هذه الكلية بزوجتي طالبة منها اخباري وقطع اجازتي في المانيا العودة لاجراء المقابلة لكني رفضت وطلبت من الكلية الانتظار حتى عودتي من اجازتي. الكلية رفضت الانتظار. رب ضارة نافعة كما يقال. بعد شهور شعرت جامعة آيندهوفن التكنولوجية بحاجتها لمتخصص في الهندسة والتبولوجيا بعد ان الغت كرسي الهندسة الذي شغره ياكوب سايدل قبل عام ونصف فتتحت شاغرا على مستوى مدرس او استاذ مساعد. تقدمت لشغر المنصب وكنت من ضمن العشرات. الاختيار وقع علي ولاستاذي في هذا الفضل الكبير حيث اعطاني توصية رائعة الذي بقيت موضع تقديره الى اليوم. وفي نفس الوقت حصلت على وظيفة في القسم الاوربي لجامعة ميريلاند الاميركية وقمت بالتدريس المسائي فيها لعامين. لا اعتقد اني كنت سأعمل في التعليم الثانوي لأني كما اعتقد لا اصلح له. انا سريع في تقديم المادة واطلب الكثير من طلابي بينما التعليم الثانوي يحتاج الى الصبر، صبر لم املكه.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل