الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجانات قروية : رؤية نقدية

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2019 / 6 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في السنوات الأخيرة دأبت العديد من الجماعات القروية بإقليم بنسليمان على تنظيم مهرجانات بالقرب من مقر القيادات والجماعات، وتستحق هذه المهرجانات أن تحمل اسم «الظاهرة الاجتماعية»، لأنها تعبر عن معنى التفاعل الإنساني في أبعاده الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والثقافية ... إن كلمة المهرجان جاءت من التهريج والترويح والضحك واللعب وغيرها من الأمور التي تبعث على إراحة النفس والضمير والذات، فحلت هذه الكلمة محل كلمة الموسم التي تعبر عن ذلك النشاط السنوي الذي يقام بالقرب من ضريح أو ولي، إنه يحمل في مضمونه معنى الارتباط الديني الذي يتضمن بالضرورة الارتباط السياسي، وهل معنى هذا القول: أن الموسم خال من معنى الفرجة والاحتفال ؟ لا أبدا Ị لم يكن الموسم فارغا من الفرجة، ولكن كان يغلب عليه الطابع المأتمي، ولقد سمعت الكثير من القرويين يقولون: « بسبب هاذ الغنا شحال من ذنوب غادي يدي هاذ الولي»، فعلا إن القرويين متطيرون من الموسيقى المبثوثة بالقرب من الولي والقبور المحيطة به، وربما يبقى هذا السبب ضمن أسباب أخرى التي جعلت أصحاب السلطة يركزون على المهرجانات بدل المواسم وخاصة في ظل النقد الأصولي للعناية بالمواسم، وبطبيعة الحال لا يخفى علينا البعد السياسي الذي يتحكم في العملية من أولها إلى آخرها، إلا أن الأبعاد الأخرى مهمة أيضا، وسوف أتحدث قليلا عن مهرجان أولاد يحيى لوطا بإقليم بنسليمان، وينظم هذا المهرجان بالقرب من مقر الجماعة التي تتموقع بحوالي 15 كلم جنوب مدينة بنسليمان، ويقام فوق أرض متربة يعمها الغبار، وسؤالي هنا: أما وقد كان من الأجدر تبليط مكان المهرجان قبل الشروع في المهرجان ؟ يبدو أن أصحاب المهرجان لا يبحثون سوى عن الصور وكلمات النجاح والتطبيل . نحن لسنا ضد الفرجة والاحتفال، ولكن من حقنا أن نعرف الميزانية المخصصة لهذا المهرجان، لأن هناك تكتما كبيرا من لدن مسؤولي الجماعة عن الميزانية المرصودة للمهرجان، فلماذا هذا التكتم ؟ فكما من حق القرويين الاحتفال، فمن حقهم أيضا معرفة الميزانية المخصصة للمهرجان، ولذلك فالبعد الفرجوي لا غنى عنه، غير أن شروط المهرجان ضرورية ولا غنى عنها هي الأخرى، وسوف يحتفل القرويون بجد عندما تكون هناك بنية تحتية صلبة في كافة تراب الجماعة من طرق وجسور وغيرها ... ولكي نكون حياديين، فهناك البعد الاقتصادي الذي يتمثل في كون المهرجان يضمن رواجا تجاريا لأصحاب الأكلات الخفيفة وغير ذلك، بيد أن هذا المعطى يبقى حلا ترقيعيا لا يلبي الطموحات ولا الغايات، وكثيرا ما يتعلل مسؤولو الجماعة بأن الميزانية ضعيفة، فلماذا هذا اللغط الذي يزعج الآذان ؟ بالله عليكم قولوا لنا كم يساوي هؤلاء الفنانون الذين تأتون بهم وسوف نصمت بسلام ؟ أما وتوجب علينا الديمقراطية أن نكون شفافين ونزهاء ؟ أكيد أن البعد الثقافي هام جدا، فلماذا تشبثم بالختان ونسيتم مفكري وأبطال وأعلام المنطقة؟ وهل تريدون طمس تاريخ المنطقة ؟ نعم إن المهدي بن بركة (1920ـ1965) على سبيل المثال ابن المنطقة ولن ننساه أبدا ومن حق القرويين أن يعرفوا خصاله النضالية ومطالبه العادلة من أجل مغرب مزدهر. إن القرويين لا خوف عليهم وسوف يختنون أبناءهم ولن يحتاجوا الجماعة لكي تقوم بهذه المهمة العبقرية ỊỊ لماذا في كل مهرجان يقام على تراب جماعة أولاد يحيى لوطا يتم تناسي رموز وأعلام معركة برابح التي وقعت عام 1907 ؟ وهل نحن قرويون بدون تاريخ ؟ إن تاريخنا لا يختزل في الفروسية (الفنتازيا)، ولماذا نهتم بالفروسية وننسى الفرسان ؟ أليس الفرسان من صنعوا مجد معركة برابح ؟ إن الفروسية ليست فعل يلعب وإنما تاريخ صنع ويصنع، ومن الجميل أن يرقص الشباب القروي وأن يكون ديونيزوسيا عاشقا للحياة، ولكن من الأجمل أن يعرف ويجب الحذر من تجار السياسة الذي يهدرون المال العام بدون أي مبرر، مع العلم أن الكثير من دواوير الجماعة في عزلة وتفتقد للطرق والجسور، أيها القرويون فإما أن تمارسوا السياسة أو تمارس عليكم، ولذلك إن المشاركة في المهرجان هي ممارسة للسياسة على القرويين، وعليكم الحذر لأن هناك أولويات تسبق الكماليات، ولا أريد أن أفسد عليكم حفلكم، غير أن الحفل الأكبر هو المشي في طريق ليست موحلة في الشتاء وليست مغبرة في الصيف.

عبد الله عنتار ـ بنسليمان ـ 29 يونيو 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟