الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة العرب أمام اسرائيل هزيمة ثقافية وتكنولوجية

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2019 / 9 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




في العام 1968، صدر كتاب يحمل عنوان: (النقد الذاتي بعد الهزيمة) ويعود هذا الكتاب إلى المفكر السوري صادق جلال العظم (1934ـ2016)، وتحدث فيه بإسهاب شديد عن حيثيات هزيمة العرب ضد إسرائيل في حرب يونيو ـ حزيران عام 67، وليس العرب وحدهم من هزموا، بل انهزمت عبر التاريخ عدة أمم من يهود ورومان ووندال وفرس وغيرهم، ولذلك يناقش العظم الهزيمة العربية على ضوء التاريخ انطلاقا من عقد مقارنة بين روسيا والعرب، ويلفت العظم في كتابه إلى نقطتين هامتين سوف نعالجهما بالتفصيل، كما سنعمل على نقدهما في الآن نفسه :
1ـ روسيا ليست هي العرب
في الصفحة 17 من الكتاب يقول صادق جلال العظم: (ينبغي أن يكون واضحا للعرب بأن هزيمتهم الأخيرة تشبه الهزيمة الروسية كل الشبه من حيث أنها لا تتلخص في كونها مجرد فشل عسكري عابر جاء نتيجة تحالفات سياسية وتقلبات دبلوماسية لم تكن في صالحنا، بل جاءت في معظمها في صالح العدو، ومن حيث أنها ترتبط ارتباطا مباشرا بالأوضاع الاقتصادية والثقافية والعلمية والحضارية السائدة في الوطن العربي التي جاءت الهزيمة انعكاسا لها وتعبيرا عن حقيقتها القائمة.) إن أول سؤال أطرحه على مفكرنا، ما الدافع الذي دفعه إلى عقد مقارنة بين العرب وروسيا بالضبط دون غيرها من المقارنات مثل مقارنة الهزيمة العربية بهزيمة إيطاليا أو ألمانيا في الحرب العالمية الثانية؟ يبدو أن الدافع الذي حرك العظم هو دافع إيديولوجي ذو وجهة ماركسية لينينية، فكما حلل لينين هزيمة روسيا ضد اليابان عام 1905 يحلل هو الآخر كمثقف الهزيمة العربية ضد إسرائيل، وكما أن الروس أنجزوا ثورة سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية ضد الحكم القيصري يحلم صادق جلال العظم بثورة عربية شاملة ضد الأنظمة القومية التي كانت سببا في الهزيمة بحكم اتكالها على القضاء والقدر، وهنا لا يتوانى صادق جلال العظم في القول أن الهزيمة العربية ليست هزيمة عسكرية عابرة، بل ترتبط بالأوضاع الاقتصادية والثقافية والعلمية والحضارية للمجتمع العربي، وفي هذا السياق نطرح السؤال الثاني : ما معنى أن الهزيمة العربية توجد في المجتمع وليس في العسكر ؟ إن الجندي العربي خائف و أمي وجاهل وجائع وغير مؤهل للحرب، كما يفتقد العرب للمعدات والأجهزة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للرقي بالإنسان، فالبنية التحتية متخلفة جدا، ومن ثمة فالهزيمة العربية لم تأت من السماء، بل وليدة الواقع العربي المعتل يقول العظم، وبهذا المنطق حتى لو خاض العرب مئات الحروب ضد إسرائيل فلن ينتصروا بحكم أن الهزيمة بنية تخترق المؤسسات العربية.
صحيح ما استنتج العظم، ولكن أين نحن من الثورة العربية الشاملة على غرار ثورة البلاشفة عام 1917 ؟ يبدو أن المقارنة بين روسيا والعرب هي مقارنة ليست في محلها، ثم إن الواقع كشف ويكشف بالملموس أن روسيا هذه التي كانت قدوة ونموذجا للماركسيين العرب أصبحت حامية للأنظمة القومية والبعثية وصارت تقتسم جزءا من الوطن السوري، والأدهى من ذلك أمسى الوطن العربي مفتتا وضعيفا أمام قوة إسرائيلية لها امتداد في مصر والأردن وسورية والعراق ولبنان دون الحديث عن تحكمها البري والجوي والبحري للأراضي الفلسطينية، فإلى ما يعزى ذلك؟
2ـ إسرائيل قوة تكنولوجية
لقد حدس المفكر السوري صادق جلال العظم القوة التكنولوجية الإسرائيلية منذ الهزيمة المريرة لعام 1967، وحدس في الآن ذاته أن العرب ما هم سوى ظاهرة صوتية تقوم على الدعاية ليس إلا، ويقول في الصفحة 50 من الكتاب : ( إن تعزيز الدعاية العربية في الخارج لا يغير من هذا الواقع شيئا، لذلك يبدو لي أن بروز دماغ عربي واحد يكون من الطراز الأول في مجال العلوم الطبيعية، أو ازدهار مؤسسة علمية عربية واحدة في مستوى مؤسسة وايزمان، أو المشاركة العربية في إغناء التراث الأدبي والعلمي العصري بصورة مستمرة ومتزايدة ومتراكمة، أو ابتكار سلاح عربي حديث يكون فعالا لأنه يتناسب مع شروط الصراع الذي نحن فيه أو بروز دماغ عسكري عربي واحد في مستوى الجنرال جياب سيوفر علينا أموالا طائلة تنفق باسم الدعاية التي لا تستند إلى أساس أو إنجاز حقيقي.) ينتقد العظم بشدة تعزيز الدعاية العربية بالخارج، فذلك لا يغير من الواقع شيئا، بل إن تغيير الواقع العربي مرهون ببروز دماغ عربي في العلوم الطبيعية، وللأمانة فقد برزت عدة أدمغة عربية، لكن طالها الاغتيال أو التهجير سوى من قبل إسرائيل أو من قبل الأنظمة العربية مثل الطبيبة السعودية سامية عبد الرحيم الميمني وعالم الذرة الفلسطيني نبيل فليفل ومخترع الكهرباء حسن كامل الصباح وعالم الفيزياء علي مصطفى مشرفة، إن جميع هؤلاء العلماء طالهم الاغتيال لأن الأنظمة الرجعية العربية لم تكن تريد حمايتهم من إسرائيل وغير إسرائيل، والبرهان القاطع على هو غياب المؤسسات العلمية والأدبية التي تحتضن هؤلاء العلماء مثل مؤسسة وايزمان الإسرائيلية التي تأسست عام 1934 وتخرج منها عالم الكيمياء كريستيان أنفينسن الذي فاز بجائزة نوبل عام 1972، والعالم في التشفير عدي شامير وعالم الكيمياء أريه وارشيل وغيرهم . ولذلك لا نملك سوى الدعاية وشراء الأسلحة، فلا العرب قادرون على إنتاج سلاح أو ولادة جنرال عربي في مستوى الجنرال الفيتنامي جياب الذي هزم الجيش الأمريكي في حرب العصابات.
وبعد مضي 52 سنة على الهزيمة العربية، لا أحد استمع إلى صرخة المفكر السوري صادق جلال العظم، سواء تعلق الأمر بالسياسيين أو الجماهير العربية المغيبة بالدين والرياضة واللهو، وما احتلال العراق وحرب اليمن وتفتت سورية وصقفة القرن سوى أعراض للواقع العربي المرير الذي لم يتعلم من خيباته وهزائمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah