الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في زمن الكورونا (١)

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2020 / 4 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



هل هناك علاقة بين ظهور الكورونا في الصين ومضايقة هاته الأخيرة للمسلمين الايغور؟ الجواب بسيط جدا : ليست هناك أية علاقة منطقية بين الحالتين ! فلنفترض أن الكورونا غضب إلهي ما ذنب ايطاليا والبحرين وإيران التي انتقلت إليها العدوى ؟ وإذا كانت الكورونا قد ظهرت بسبب مآل المسلمين في الصين، فماذا نقول والحالة هذه عن وضعية العالم الإسلامي الذي لم تتوقف مآسيه منذ 14 قرنا وهو مهبط الديانات التوحيدية ؟ كل الشعوب وكل الدول عرفت أمراضا وأوبئة ومجاعات بسبب ظروف طبيعية أو إنسانية، ولكن الخطاب الديني حينما يعجز عن فهم هذه الظواهر أو يتغاضى عن فهمها ينسبها إلى الله، والله منها براء. ومنذ تاريخ بعيد كانت الزلازل والبراكين والعواصف والمجاعات والأمراض تنسب أسبابها إلى قوى غيبية مفارقة تنتقم من الناس بسبب تصرفاتهم وسلوكاتهم الرعناء، وسوف أذكر بعض الأمثلة لعديد الحضارات الإنسانية وكيف كانت تتعامل مع الكوارث :
- ففي حضارة الازتيك بالمكسيك، كان الهنود يقدمون الأطفال والنساء تقربا لاله الشمس في أوقات الكوارث والمجاعات والجفاف والأمراض اعتقادا بأنه غاضب من سلوكاتهم .
- في أوقات الكوارث، يقدمون الهنود النذور والقرابين للإله شيفا، اله الدمار لكي يكف من غضبه وقسوته.
- في بلاد الساموراي يزور اليابانيون مزار يوشيما، فى العاصمة طوكيو، حيث يكتب حشود من الطلاب، وأولياء الأمور، على أقراص نذر خشبية، رغباتهم وتمنياتهم بالنجاح، ويعلقونها على جدران الضريح. ومن يفشل في حياته يعتقد بأن كل ما حصل هو غضب إلهي.
- في شمال أفريقيا القديم، كان القرطاجيون يقدمون أنفسهم أو أبناءهم قربانا للالهة كلما حلت بالبلاد كوارث وهزائم ذرءا لغضب الآلهة والاسلاف.
- في العام 1258م حينما استولى هولاكو على مدينة بغداد اعتقد المسلمون أن سقوط المدينة غضب إلهي وحث خطباء المنابر المسلمين الهجرة إلى مكة خوفا من شرور هولاكو الذي اعتقدوا أنه المسيح الدجال.
- في العام 1348 حينما ضرب الطاعون الأسود أوروبا اعتقدالأوروبيون ما حصل غضبا الهيا والسبب البعد عن تعاليم المسيح.

ومن خلال هذه الأمثلة البسيطة أعتقد بأن الكوارث التي تحصل في عالمنا مرتبطة بسلوكات البشر وعلاقتهم ببعضهم البعض ولا علاقة للأمر بالله. إن الإنسان هو المسؤول عما يحصل في كوكبنا وعالمنا. فجهود البشر تذهب سدى في الحروب والمجاعات ومظاهر العنف ولا تذهب في سبيل نشر الصحة والخير العام وقيم التعايش والرحمة والتسامح بين جميع الناس .

ينبغي الاستثمار في العلم. ففي أوقات الأزمات تجد الدولة وراءها ثلة من العلماء والخبراء يجدون حلولا للأمراض بدل ثلة من المشعوذين قولهم أكثر من فعلهم.

لا تنصتوا إلى الدماغ الأناني الزاحف انصتوا إلى قيمة المحبة الكونية

لا تتهافتوا على المواد الغذائية ولا تنصتوا إلى دماغكم الحيواني الزاحف الموبوء بالأنانية والهلع أو "اللهطة" . انصتوا إلى القيم النبيلة التي استمعتم إليها في المسجد ومنها هذه الأحاديث النبوية : 1 - ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
2- ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
3- ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) .
أتساءل أين اختفت معاني ودلالات هذه الأحاديث ؟ أين التعاطف والمحبة بين المسلمين في ظل هذه الانانية المستشرية؟

وفي قولة بليغة للفيلسوف الفرنسي فولتير يدعو فيها إلى الأخوة بين البشر ، وعنوانها : (صلاة لله) :
(فليتذكر جميع الناس أنهم إخوة! وليمقتوا الطغيان الذي يمارس على الأرواح كما يكرهون السرقة التي تنتزع قسرا ثمرة العمل والصناعة السلمية ! وإذا كانت آفات الحرب لا راد لها ، دعونا لا نكره بعضنا البعض في حضن السلام ، ودعونا نستخدم لحظة وجودنا لنبارك أيضا بألف لغة مختلفة ، من سيام إلى كاليفورنيا، لطفك الذي أعطانا هذه اللحظة يا الله )

كفى لقد شبعنا دجلا، وهيا لنأخذ بناصية العلم.

اعتبر أمين عام جماعة العدل والإحسان محمد عبادي بأن الكوارث الطبيعية تنتقم لله من الإنسان، ثم أضاف بأن هذه الكوارث ظاهرها نقم وباطنها نعم. أود أن أطرح في هذا المضمار الأسئلة التالية : هل الطبيعة واعية حتى تكون لديها القدرة على الانتقام من الإنسان؟ وهل فعل الطبيعة فعل مقصود اتجاه الإنسان؟ وما ذنب الحيوان الذي لا يملك القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ويكون ضحية للكوارث الطبيعية ؟ وأين هي نعم الكوارث والأمراض على الإنسان؟ هذا هو حال رجال الدين وبدل أن يحثوا المجتمع على الأخذ بناصية العلم الوضعي والدنيوي، تراهم يستغلون أوقاتا صعبة لتمرير الفكر الخرافي الإنهزامي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع. فكر لا يقوم على الروية والتفكير وعلى الإبداع وعلى التأمل في إيجاد مخرجات للأزمة الحضارية في العالم الإسلامي، وتتمثل هذه الأزمة في هيمنة الخرافة التي لن تفيدنا في مواجهة كل الأمراض والأوبئة وكل الكوارث الطبيعية، والحق يقال أن مجتمعاتنا ودولنا ليست مجتمعات ودولا علمية. هذا ما كان ينبغي للسيد عبادي أن يناقشه، لا أن يردد علينا أقوال الفقهاء الذين كانوا يعيشون في العصور الوسطى قبل الثورة العلمية التي تأسست على محاربة الدجل والخرافة وإيجاد حلول للأمراض والأوبئة داخل المختبرات الطبية مع ويليام هارفي ولويس باستور وكلود برنار وغيرهم من العلماء العظام . يا رجال الدين ! يا دعاة الخرافة كفوا من إشاعة الدجل وحاولوا أن تجدوا حلولا لمعضلة التخلف الحضاري والثقافي في العالم الإسلامي من خلال دعوة الدول والحكومات إلى تخصيص حيز هام من الميزانيات للبحث العلمي وتنشيط حركة الترجمة والأخذ بناصية العلم من الدول المتقدمة كاليابان والصين والسويد وغيرها من الدول. لقد تعبنا من الخرافة ونريد أن تتحول مؤسساتنا وجامعاتنا مجالا لإذاعة العلم الوضعي والعقلاني الذي يفسر الظواهر الطبيعية بالعلل والأسباب.

طبيب فلسطيني من مدينة طولكرم ألقى خطبة الجمعة من منبر المسجد. ولذلك فالمسجد ليس حكرا على الفقهاء وحدهم، فمن الجميل أن يتحول المسجد إلى منبر لنشر مبادئ العلم الوضعي.

لا حديث في وسائل التواصل الاجتماعي سوى عن الكورونا. سار الفايسبوك يلعب دور الحمام الزاجل حينما كان ينشر أخبار الطاعون الأسود في القرون الماضية. نزعة البقاء متجذرة في النوع البشري. ولكن الخوف المريع سيدمر هذه النزعة.

من زمان، كنت أقول العلم ثم العلم. العلم الوضعي يا سادة دون غيره . علم الدنيا / الطبيعة. هو العلم الأسمى ما دمنا نعيش في هذه الدنيا. العلم الذي يجنبنا الآفات والأمراض والجوائح، علم جالينوس والرازي وابن سينا وكلود برنار ولويس باستور وغيرهم. وفي زمن الكوارث يظهر هؤلاء العمالقة مثل الأنبياء. أنتم يا سادة ينبغي أن ننحت أسماءكم في عقولنا وفي شوارعنا وفي تاريخنا وفي سرائنا وضرائنا. طوبى لكم وطوبى لمختبرات البحث العلمي، وطوبى للمجتمعات والدول التي تؤمن بالعلم الوضعي الذي يزرع الحياة في أرواحنا وأجسادنا الهشة. أما وقد آن الأوان أن نفكر في الأرض قبل أن نفكر في السماء؟

كل ما نأمله يا سادة في سياق هذه الجائحة التي تهدد العالم هو أن تصبح مجالسنا العلمية المؤقرة في يوم ما مجالس علمية بمعنى الكلمة، أن تصير أكثر من إصدار فتاوى دينية، بمعنى أن تحتوي على مختبرات علمية وأبحاث ومعالجة الأمراض وإنتاج الأدوية وتصدر فتاوى علمية، ليس في النوازل الاجتماعية والدينية فحسب، بل في النوازل العلمية والتحديات الكبرى كالجوائح والأمراض وأتمنى بكل صدق يا سادة أن تخصص ميزانية سنوية هامة للبحث العلمي الوضعي، وأتمنى من البورجوازية المغربية ومن "المحسنين" المساهمة في هذا الورش الهام لما فيه نفع عظيم لبلادنا، ومن الجميل أن تكون عندنا مجالس علمية لإنتاج الفتاوى الدينية وأن يكون هناك محسنون يساهمون في بناء المساجد، ولكن من الأجمل أن تكون عندنا مختبرات علمية ومجالس علمية بمعنى الكلمة تساهم في مواجهة الجوائح والتحديات الكبرى.

أتمنى من السلطات العمومية أن تمنع الأسواق في العالم القروي وأن تضع حدا لمثل هذه التجمعات وتقترح على الباعة التنقل عبر الأرياف والبوادي لبيع الخضر والفواكه والمواد الأساسية التي يحتاجها القرويون. وأتمنى أن تدعو القرويين إلى المكوث في منازلهم و ألا يذهبوا إلى الأسواق الأسبوعية وأماكن التجمعات.
-١٠
الله يجزيكم بخير اللي عندو شي معشوشة/ دار يدخليها . وما تسلم على حد في ظل هذه الظرفية، يقول الله تعالى في القرآن الكريم : (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) سورة المائدة/ الایة 28








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد