الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والسلطة

حيدر لازم الكناني

2020 / 5 / 26
المجتمع المدني


تتكاثر ممارسة الطقوس وتزداد هيمنة الدين على كل نواحي الحياة وهنا يصبح التمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي صعبًا للغاية في المجتمعات التقليدية التي كانت محكمة التنظيم على الجانب الاداري والسياسي . لقد كان القدماء من شعب وادي الرافدين يضعون آلهتهم في كل مكان بل يتعدى ذلك إلى أن يجعلوا من كل امور الحياة اله خاصة بها ولها طقوس خاصة تمارس مثل اله الخصب والرعي واله الموت واله الحرب وغيرها ، بل تعدى أن يتخذوا الهة خاصة بهم يقدسونها وتحفظهم من كل مكروه وتجلب لهم الرزق والسرور وتبعد عنهم الارواح الشريرة. وهكذا يصبح الضغط المتواصل للتعامل الديني شاملًا كافة أفراد المجتمع وملزمًا اياهم اتباعه وعدم الخروج عنه، ويصطبغ كل نشاط يومي أو فكري سواء كان حدثًا خاصًا أو عامًا مقترنًا بالطقوس الدينية وكل قرار مهما كان قدره خاضعًا للألوهية.
ولكن مهما بلغ الدين من شمولية لكل جوانب الحياة فأن حيز من الحرية الدنيوية يبقى معنا بفعل بديهيات الانسجام بين ما هو منطقي وغيبي . فالدين لا يكسب معناه الحقيقي الا بتموقعه المادي من خلال النشاط الطقوسي الممارس ، كما لا يمكن للإنسان فهم القدرة الغيبية الا بالمقارنة مع قدرته الذاتية.
وعندما يتسع نطاق المقدس من تسلط لتيسير الناس بفعل الخوف والترهيب تتولد ردود أفعال انعكاسية من الاحتجاجات مطالبة بالحرية والتذمر من الدين كونه أصبح عصى مكره وأداة قمعية ، فينتج عن ذلك الصدام مع سلطة رجال الدين كرد فعل طبيعي والحط من شأن المقدس والموروث الذي أصبح دائرة قمعية منفره. والتاريخ ملء بمثل هذه الأحداث وابرزها ما حدث في العصور الوسطى عندما نفر الناس من سلطة الكنيسة البابوية، (وكذلك ما يحدث في عصرنا الحاضر من ازدياد حالات النفور من الدين وازدياد حالات الالحاد في اوساط الشباب كرد فعل للتسلط الديني في السعودية* وايران باعتبارهما انظمة دينية تسلطية " حصلت المملكة العربية السعودية بنسبة 6 في المائة، وهي بذلك تعد أول بلد في العالم الإسلامي يتجاوز فيها الإلحاد حاجز الخمسة في المائة مقابل 75% من المتدينين و19% من السعوديين يرون أنفسهم غير متدينين ، حسب معهد غالوب الدولي WIN-Gallup International"، وكذلك الحال ما يجري بالعراق حيث الجماعات المسلحة الدينية هي من تحكم زمام الأمور).
وعلى العكس من ذلك نجد في اماكن أخرى ضعيفة التنظيم السياسي الديني لا تتبوأ فيها المسائل الغيبية والدينية مكانة مهمة سواء في مؤسسات الدولة أو على المستوى المجتمعي فأن عملية تحول أفراد من هذه المجتمعات التي لا تخضع إلى سلطة دينية إلى أحد الاديان نراها تجري سريعًا، ويتطابق مع ما يسمى مبدأ الدوري في الايمان بالدين والاعتقاد به أو النفور منه وتركه.
وهكذا يدور المنحى الدائري الديني في مسار دوار من المجتمعات المادية تستطيع وبشكل سريع أن تكتسب الابعاد الروحية بتوق شديد ، في حين المجتمعات التي تتقيد بأحكام دينية صارمة متشددة نجدها تتجه نحو التذمر والنفور وربما انكار كل ما هو غيبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار